صفحات سورية

نحو جمعة إرحل رقم (2)


عبدالباقي حسيني

كل المعطيات تشير إلى أن النظام السوري قد ضل سبيله، ولم يعد يرى المشهد السياسي السوري الحالي على حقيقته، فالهوة تزداد يوماً تلو الآخر بينه وبين الشعب. النظام وجميع أجهزته القمعية مازالوا في صدمة من أمرهم ولم يستفيقوا منها بعد، فهم لم يصدقوا مايجري من حولهم، وعليها بدؤوا كالذئاب الجريحة تهاجم كل من يخالفهم الرأي، ويطلقون على كل معارض جميع النعوت السلبية ويكشفون سيرته الذاتية وكل ماحدث في حياته من مساوىء سواء كانت حقيقة أو تلفيق،فقد عرضت قناة الدنيا من خلال ريبورتاج صحفي سيرة حياة المعارض “وحيد صقر” بشكل سلبي جداً لتشويه سمعته.

النظام الذي حكم البلاد والعباد منذ خمسين عاماً، لا يقبل أن تخرج الأمور من أيديه بهذه السهولة، بالرغم من أن البعض من أركانه يقدم حلولاً ومقترحات ترقيعية، كحل للأزمة الجارية، ويأملون باْن القادم سيكون أفضل مما نحن عليه، لكن الإيحاءات على الأرض تقول العكس تماماً.

ففي العاشر من شهر تموز سيعقد النظام “حوار وطني” بينه و بين “معارضة الداخل”. في قناعتي أن هذا المؤتمر سوف لن يكون له أي فرصة للنجاح أو القبول من الشارع، كون هذا النظام لم يمهد أرضية خصبة لعقد مثل هكذا حوار، فهو مازال يرفض كل طلبات الشارع السوري والتي تقول: “بإنه لاحوار مع النظام في وجود الجيش في الشوارع، لا حوار مع الدبابات”. لكنه  لايبالي، بل يريد حواراً على مزاجه و بطريقته أو تحت مظلته، فإما ان تحاور وإما أن تموت.

ممارسات النظام وشبيحته تتراءى للعيان بأنها غير سوية، فهي مستعدة أن تحرق الأخضر واليابس في سبيل أن يبقى الأسد وحاشيته في الحكم، فالذي جرى البارحة (02.07.2011) والذي شاهده الملايين من خلال التلفاز، في مؤتمر ” المبادرة الوطنية من أجل مستقبل سورية” بفندق سمير أميس، عندما صرح الناشط السوري ماجد صالحة على الملأ، بأننا هنا من أجل الشعب وصوت الشارع الذي ينادي ب “إسقاط النظام”، حتى إنهال عليه الضرب من كل حد وصوب، وكانت البداية من عضو شبيح من أعضاء مجلس الشعب والمدعو ب زهير غنوم. المؤتمر كان قد تم تنظمه من قبل ثلاثة من أعضاء مجلس الشعب (عماش، حبش و غنوم) وهم في رأيي يمكن أن نصنفهم على الشكل التالي:

العضو الأول: د.حسين العماش، والذي إنسحب من المؤتمر، كون الشبيحة كانت تريد جر المؤتمر لصالح بشار الأسد ونظامه، و يمكن تقيمُه على إنه إنسان معتدل يميل إلى نبض الشارع في مطالبه.

العضو الثاني: د. محمد حبش، شخصية متذبذبة وإنتهازية، يضع مصلحته الخاصة فوق كل إعتبار، فهو مع بقاء نظام الأسد، ولا مانع لديه أن تكون له حصة من الكعكة عند المعارضة أيضاً.

العضو الثالث: الشبيح زهير غنوم، سلطوي، والذي لايقبل أي رأي آخر خارج أطر سياسة البعث وأدبياتها، فهو عقد المؤتمر لكي يبتلع ثورة الشباب لصالح البعث، ولكي يصرخ بكل ماعنده من قوة،” الله، سوريا، بشار وبس”، عكس تطلعات الشعب في هتافه ” الله، سوريا، حرية وبس”.

النظام لايريد من المعارضة أن تتصل ب “الخارج”، فهي خائنة للوطن إن فعلت هذا، لكنها تملك كل الحق إذا ماتمت إتصالاتها مع “الخارج” و “المارج” سواء كانت بطريقة مباشرة أو وراء الكواليس. فسكوت تركيا في الفترة الأخيرة عن مايجري في سوريا يكاد يكون ملغوماً، فيبدو أنها نالت مرادها من النظام السوري أكثر ماكانت تتوقعه من حصتها في حال نجاح ثورة الشباب هناك. وليس بعيداً أن يكون النظام السوري قد تخلى بالإضافة عن لواء إسكندرون (ولاية هاتاي)، عن جزء من أراضي الجزيرة (شمال سوريا، المناطق الكوردية) والمتاخمة للحدود السورية التركية، مقابل أن تحمي تركيا حكم بشار الأسد من السقوط. في هذا السياق تستحضرني الذاكرة إبان حكم الراحل تورغوت أوزال (رئيس تركيا سابقاً)، عندما طلب منه والد بشار الأسد (حافظ الأسد) المقايضة، على أن تتخلى تركيا عن لواء إسكندرون مقابل تنازل “سوريا حافظ الأسد” عن أراضي الجزيرة لتركيا، فما كان رد أوزال عليه:” لماذا تتحدث عن أراضي هي سلفاً ملك لتركيا”. فبالظاهر تركيا قد عقدت الأمر في الحصول على هذه الأراضي مقابل سكوتها عن جرائم هذا النظام.

النظام يكفُر المعارضة إذ إتصلت بالغرب أو بأي شيء له علاقة بإسرائيل أو اليهود، فهذا يعتبر من الخطوط الحمراء الممنوعة على ذمة النظام، وما الفقاعة التي مررتها من خلال بعض جواسيسها بين المعارضة السورية في فرنسا لهو أكبر دليل على ذلك. فكانت في نية المعارضة السورية أن تعقد اليوم مؤتمراً في سينما سان جيرمان دوبريه في باريس وبمبادرة من الفرنسي من أصل يهودي الفيلسوف برنارد هنري ليفي، وتحت إسم ” وقف المجازر والأسد يجب أن يرحل”، خلقت جدلاً كبيراً بين أوساط المعارضة، وكإن الفرنسيين من أصل يهود كلهم أعداء للأمة العربية، وكلهم يريدون الشر لها، بينما يتشدق النظام السوري بشهامة الإنكليزي جورج غالاوي، الذي دعم أهالي غزة، على أنه من الشرفاء في هذا الكون. و في نفس المنحى، نظام بشار الأسد مستعد أن يقدم كل التنازلات لإسرائيل وأن يعقد معها كل الصفقات مقابل أن يبقى في الحكم، وكما التاريخ الحديث شاهد على فعلة أبيه عندما تنازل عن الجولان ووقع على تعهد في عدم محاربة إسرائيل لطالما هو في الحكم، فهاهو إبنه مستعد أيضاً أن يتخلى – لو أرادت إسرائيل- عن درعا و حتى لبنان لكي تحمي إسرائيل كرسيه.

أما “الإتصال بأمريكا” فهي محصورة على النظام، ولايحق للمعارضة ركب هذه الموجة، فهي من المحرمات في العرف الأسدي و البعثي. فبشار الأسد يكاد لايصدق إذا ما خاطبه السفير الأمريكي في دمشق، فهو مستعد أن يجعل من سوريا ولاية أمريكية مقابل بقاءه في السلطة، فحبه لكرسيه أكبر من حبه لمواطنه وبلده، وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عندما قالت: “بشار الأسد يتمسك بكرسيه أكثر من شعبه”.

بناءاً على كل ماتقدم، نستخلص أن هذا النظام يستبيح لنفسه كل شيء، بالمقابل يمنع عن المعارضين أي شيء، فتصرفاته وحديثه عن الحوار والإصلاحات ماهي إلا خدعة يراد منها كسب الوقت للإنقضاض على كل ماهو معارض سواء في الداخل أو في الخارج، وسيستمر في قتل المتظاهرين طالما يهدد كيانه، و إعتبارا من الجمعة القادمة سوف لن يسلم أي متظاهر في أي مدينة سورية من شر هذا النظام، كون مظاهرة يوم الجمعة الماضية في مدينة حماة، كانت ضربة قاصمة له، عندما خرج أكثر من نصف مليون شخص في تلك المدينة و يدعون بشار الأسد على الرحيل.

على الشعب السوري وبكل أطيافه أن يستعد لكل الإحتمالات من هذا النظام الدموي، ويضع في نصب عينيه بأنه قد قطع أكثر من نصف الشوط لتحقيق أهدافه و التخلص من هذه الزمرة الحاكمة، ليستعد من الآن وبكل إمكاناته البشرية لكي يزلزل الأرض تحت أقدام هذا العصابة، في الجمعة القادمة، جمعة أرحل رقم (2)، ولتكن من الآن وصاعداً كل الجمع مسماة ب “جمعة إرحل” و بالتالي، إلى أن يسقط هذا النظام ويرحل رأس حربته، ويتخلص الشعب من أعتى نظام متخلف فاسد، شهدته سوريا منذ خمسة عقود.

أوسلو

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى