صفحات الناس

نداء جامع حلب: اتركوا الركام بسلام!

ديانا سكيني

لو نطقت حجار مئذنة الجامع الاموي الكبير في حلب لقالت للمتحاربين: اتركوا حطام ما جنت ايديكم بسلام. فالمئذنة التي تعتبر منارة واحد من اهم المعالم الاسلامية تركن اشلاؤها منذ اسابيع في باحة الجامع الكبير والطرق المجاورة له، بعد انهيارها وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية. ويجد اختصاصيون ان الترميم على الطراز الذي قامت عليه منذ قرون ممكن بجمع هذا الركام والعمل وفق التوثيق الفوتوغرامتري المتوافر لها.

ويحاول مهندسون سوريون ومهتمون بصون التراث من النار المتوحشة الغازية في طول البلاد وعرضها، توثيق الاضرار بشكل علمي واطلاق النداءات والعمل من اجل وقف انتهاك الحضارة والعبث بتاريخها. احد هؤلاء المهندسين هو احمد مروان جرادة، المسؤول في مديرية الأوقاف في حلب و الذي أَرْدته رصاصة قناص حين كان يقوم بفحص أضرار الجامع الكبير في حلب في تشرين الاول 2012. وما زال الجامع حتى الآن مسرحا للقتال دون ان تتخذ اجراءات فعلية استجابة لنداءات التحييد التي أصدرتها جهات محلية اضافة الى منظمة “الاونيسكو”.

يقدم امين سر جمعية العاديات السوريات المهندس الحلبي تميم قاسمو لـ”النهار” شرحاً حول الاضرار التي حلّت بالجامع الكبير، وجهود حمايته من التخريب الاضافي، وفرص اعادة الترميم.

فما حل بالجامع الأموي الكبير يفوق أي دمار حل به في تاريخه، حيث انحصر دماره السابق في الحروب مع الروم والمغول و بعض النزاعات المحلية بالحرائق التي نشبت فيه. ولم تؤد تلك الحرائق حينها الى تدمير البنية الإنشائية لعناصره، أما هذه المرة فقد أدت الأسلحة الفتاكة واستخدام المتفجرات الى النيل من أعمدته وجدرانه ومئذنته. الى ذلك، فقد أودت النيران والقذائف بمعظم أعمال الديكور الحديثة بما فيها من اكساءات خشبية من الخيط العربي ولوحات بديعة من الخط التي علقت على مختلف جدرانه، وقد اختفت محتويات مقام النبي زكريا المعتقد به في قِبلية الجامع، بما في ذلك غطاء مشغول بالفضة كان السلطان العثماني قد أهداه للمقام عام 1873 واختفت أيضا درفتا مطلع درج المنبر الخشبي الذي يعود تاريخ صنعه الى أواخر القرن الثالث عشر الميلادي. كما ان المنبر بكامله معرض للخطر الشديد إذا لم تبذل جهود سريعة لنقله من المكان، وهناك عناصر خشبية أخرى معرضة للخطر الشديد. وقد نالت القذائف من كثير من أعمدة الجامع في القبلية والأروقة، واحدثت ثغرات في بعض الجدران.

حريق المكتبة

تحت الساحة المجاورة للجامع كانت توجد المكتبة الوقفية، التي كانت تضم آلاف الكتب، إضافة إلى تجهيزات حديثة كانت تؤهلها لتكون واحدة من أهم المكتبات الوقفية في العالم الإسلامي، تلك المكتبة أحرقت بالكامل ولم يبق منها سوى الرماد. كما أحرقت عشرات من السجاجيد الأثرية التي كان من المزمع عرضها في متحف خاص. واختفت أو أحرقت عشرات المخطوطات والأجهزة الفلكية النادرة على مستوى العالم.

ترميم المئذنة

يبلغ ارتفاع مئذنة الجامع الكبير نحو خمسة وأربعين متراً، وبالرغم من الانهيار الكامل، فإن إعادة بنائها باستخدام أنقاضها أمر ممكن، حيث يشير قاسمو الى حالة مماثلة جرت في مدينة Banja Luka البوسنية، حيث تم هدم وترحيل أنقاض جامع Herhadija بكاملها ومع ذلك أمكن استعادة ثلثي مواده واعادة استخدامها.

ويجد ان الحال مع مئذنة الجامع الكبير أفضل بكثير، إذ “يتوافر لدينا توثيق فوتوغرامتري لواجهات المئذنة الأربع، ومخططات توثيق يدوية، إضافة إلى أن أنقاض المئذنة متوزعة على جهاتها الأربع مما يسهل عملية فرزها”. ويضيف بأن هناك تقنيات حديثة يمكن أن يعمل بموجبها مسح طبقي محوري للكسر الحجرية غير الواضحة المعالم وبرامج يمكن أن تدرس مجموعة الكسر بكاملها وتدل على الكسر المتطابقة، وهذه التقنية استخدمت في الجامع المذكور. هذه العملية التي، في حال تحققها، قد تكون الأولى من نوعها في العالم العربي، يتوقف تطبيقها على وقف القتال وتوافر الارادة لدى الجميع، فـ”الأمر يتعلق بذاكرة مدينة عمرها المعمور يزيد على خمسة آلاف عام”.

قد لا يملك المهندس الحلبي، والذي أشرف على أعمال ترميم في الجامع بين عامي 1999 – 2006، سوى الاكمال في العملية البحثية عن بعد وتوجيه النداءات التي تلقى استجابة اعلامية من اطراف النزاع ولا تعبر بالضرورة عمّا يستمر العمل به على الارض. والواقع ان عملية توثيق الاضرار اليوم في البنى الاثرية السورية هي عملية محفوفة بالمخاطر وغير ممكنة بشكل دقيق، وتعتمد بشكل اساسي على ما يقوم به الناشطون والهواة من التقاط الصور ونقل الروايات. لذا تغيب الدراسة الاحصائية الشاملة عن ما اصاب الاماكن الاثرية والتراثية، علما ان هذه المعالم عددها كبير ومنتشرة على كامل الاراضي السورية، ومعظمها موجود في الاماكن الريفية او في الاجزاء القديمة من المدن حيث تدور حروب الشوارع.

كل من يرفع صوتا لتحييد هذه المعالم يختم مطالعته بالتعويل على الوعي، وهو ان عرف مسبقا بأن صرخته لن تلقى استجابة، لا يملك الا الاستجداء المتجدد للضمائر… “ارحموا سوريا”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى