صفحات العالم

نزع «الورقة» الفلسطينية

 


حسان حيدر

التوقيع الرسمي على اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة أمس أنهى سنوات مكلفة من النزاع السياسي، وأحياناً العسكري، وحفل بدلالات متعددة لعل من أهمها تغليب الفلسطينيين مصلحتهم الذاتية على العوامل الاقليمية التي لعبت دوراً في تشجيع التباعد بين المنظمتين الكبريين «فتح» و «حماس»، بما يعيد القرار الفلسطيني الى هيئاته الشرعية المشتركة، ويعزز موقف منظمة التحرير والرئيس محمود عباس أمام اسرائيل والعالم، ويعد الحركة الاسلامية بالحصول على اعتراف دولي تحت عباءة «ابو مازن».

لكن اللافت كان غياب سورية التام عن الكلمات التي القيت في المناسبة، بعدما غابت عن رعايتها. بل ثمة من يقول ان المصالحة تشكل في جانب منها قراراً بسحب الورقة الفلسطينية من يد دمشق بعدما استخدمتها طويلاً ولاهداف متشعبة، وإبعاد «حماس» عنها، بحيث لا يبقى لسورية سوى التنظيمات الشديدة الارتباط بها، لكن التي ليس لها عملياً أي وجود مؤثر في الاراضي الفلسطينية ولا في القرار الفلسطيني.

وعلى رغم نفي حركة «حماس» نيتها في نقل مقر قيادتها السياسية من العاصمة السورية، الا ان الترتيبات لا تزال جارية فعلا لانتقال مسؤولي الحركة الى دول اخرى أو الى قطاع غزة.

وكان مسؤول مصري اعتبر ان تطورات الاوضاع في سورية ساعدت على حلحلة الامور وانجاز المصالحة لأن الطرفين الفلسطينيين شعرا بحاجتهما اليها، الا انه لا يخفى ان الاتصالات «الايجابية» بين القاهرة وطهران لعبت الدور الحاسم في انجازها، ذلك ان ايران لم تمانع في ان تتولى هي مباشرة وليس عبر دمشق، شؤون هذا الملف، خصوصاً وانها تتحمل عبء تمويل وتسليح حركتي «حماس» و «الجهاد الاسلامي» المتحالفتين في غزة.

وهي ليست المرة الوحيدة التي تقرر فيها طهران وضع حد للمنافسة السورية لها في ملفات المنطقة، فقد فعلت ذلك في العراق، بعدما ضمنت حصة كبيرة من النفود لدى النظام الجديد فيه، اذ اضطرت دمشق الى الاذعان للطلب الايراني واستقبال نوري المالكي، الذي سبق ان شن حملة عنيفة ضدها واتهمها بتصدير الارهاب الى أرض الرافدين وهددها بالرد بالمثل.

اما الملف الثاني الذي عدّلت طهران «الحصص» فيه، فهو بالطبع ملف لبنان و»حزب الله»، وخروج الاخير عن الطاعة السورية شبه التامة، ليصبح قراره اكثر ارتباطاً بالمرجعية الايرانية. وليس أدل على ذلك من المماحكات التي شهدتها ولا تزال عملية تكليف شخصية سنّية بتشكيل حكومة لبنانية جديدة والصعوبات التي تحول دون اعلانها رغم حيازة الحزب اكثرية نيابية، والتي يقال انها محاولات من دمشق لتأكيد انها لا تزال تحتفظ بأوراق ضغط هناك.

مثلما شنت دمشق هجوماً «وقائياً» في لبنان عندما اتهمت تيار «المستقبل» بزعامة الحريري بأنه يحرض المعارضة السورية ويسلحها، تبريراً لما قد تفعله لاحقاً عندما تأتي «ساعة الحساب» بسبب اعتقادها بأنها ستنجح في وضع حد سريع لموجة الاحتجاجات، فعلت الشيء نفسه مع «حماس» على الأرجح عندما اتهمت فلسطينيين من مخيم الرملة قرب اللاذقية بالتورط في احداث المدينة، بانتظار ان «تكشف» التحقيقات الرسمية عند الحاجة عمّن حرضهم وموّلهم !

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى