صفحات الناس

نساء سورية.. أمهات ثكالى وأرامل ومعتقلات/ ألكسندر أيوب

 

 

شهداء سورية كثر. الأمهات الثكالى كثيرات أيضاً. مع ذلك، لا يمكن حصر معاناة السوريات بفقدان أبنائهن منذ بدء الحرب في البلاد قبل نحو ثلاث سنوات ونصف السنة. هؤلاء يعتقلن ويشردن، ويصبحن فجأة مسؤولات عن تأمين لقمة العيش لهن ولأطفالهن. لكن تبقى خسارة الأبناء المعاناة الأصعب.

في أحد أحياء الجزء المحرّر من مدينة دير الزور، يستيقظ رامي الناصر يومياً لدى سماعه نحيب امرأة تقطن في الحي نفسه. في البداية، كان يهرع إلى الشباك ما إن يسمع صوتها. لكنه لم يعد يخرج إليها إلا حين يعلو صراخها، وهي تنبش التراب بأظافرها. يحاول وغيره من الجيران إبعادها عن المكان. هنا قبر ابنها الذي قتل قبل ستة أشهر على أيدي قوات النظام.

يقول رامي لـ “العربي الجديد”: “أُعدم هذا الشاب خلال إحدى الحملات الأمنية في الحي. دُفن في حديقة صغيرة بسبب كثافة القصف وصعوبة الوصول إلى المقبرة، حاله حال العديد من الشهداء. في هذه المدينة، تحولت الحدائق العامة إلى مقابر”. يضيف: “لم تستوعب والدته الصدمة، بخاصة أنه وحيدها. بعد أسبوع من وفاته، صرنا نستيقظ يومياً على نحيبها، قبل أن تبدأ بنبش القبر علها تخرجه. بقيت على هذه الحال لمدة شهرين، إلى أن انتقلت وزوجها للعيش في دمشق بعيداً عن قبر ابنها”.

انتظار

تنتظر وداد مرعشلي معرفة أي خبر عن ابنها أحمد الذي اعتقل في 27 سبتمبر/أيلول عام 2013. تقول لـ “العربي الجديد” إنه “لم يبق لي إلا أحمد في هذه الدنيا. طرقت جميع الأبواب لإخراجه من دون فائدة. بعت منزلي في دمشق وسكنت في بيت شقيقتي لأدفع للوسطاء وضباط الأمن. يومياً، أسمع وعوداً جديدة، وأعيش على الأمل”.

تذهب وداد إلى قصر العدل يومياً، لمتابعة قضية أحمد بعدما تم تحويله إلى محكمة الإرهاب. تنتظر أمام المبنى ساعات طويلة، من دون أن تحصل على جواب يريحها”. تقول: “تسبقني عشرات الأمهات إلى المكان. وجودهن ووجوههن تساعدني على الصبر. يجلسن على الأرصفة حاملات صور أبنائهن المعتقلين. ولدى الإفراج عن أي معتقل، يسارعن إليه وينهلن عليه بالأسئلة عن أبنائهن. فيما يبحث هو عن أمه بينهن”.

منذ بداية الثورة السورية، قارب عدد القتلى 200 ألف بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. هؤلاء ليسوا أرقاماً، بل أشخاصاً ينتمون إلى عائلات، لديهم أمهات وآباء. لجأت صالحة سالم إلى مخيّم كلس في تركيا بعد استشهاد ولديها الاثنين في مدينة سراقب في محافظة إدلب. تعلق صورهما في وسط الكرفان الضيق الذي تسكنه. تحرص على تلميعهما بشكل يومي. تبتسم لدى سؤالها عن ولديها. تقول: “هما حيان ونحن الأموات”.

تضيف لـ “العربي الجديد”: “في هذا المخيم مئات من أمهات الشهداء. أنا إحداهن. ربينا أولادنا لسنوات طويلة. ولم يستغرق قتلهم إلا دقائق”.

درست صالحة الشريعة الإسلامية في جامعة دمشق. وتعلّم اللغة العربية لأطفال المخيم، وتحاول مواساة أمهات الشهداء. تقول: “لا يشعر بوجع هؤلاء النسوة إلا من جربه. أواسيهن فأواسي نفسي” .

في المخيم ذاته، تقطن امرأة يناديها الجميع بالخنساء. بات هذا لقبها بعدما فقدت زوجها وأبناءها الأربعة، بسبب قصف منزلهم في حي الخالدية في حمص قبل عام ونصف العام. تسكن مع زوجة ابنها البكر وأحفادها. فقدت القدرة على الكلام منذ خسرت أبناءها.

من جهتها، تشرح زوجة ابنها لـ “العربي الجديد”: “قبل يوم من الحادثة، خرجنا مصطحبين الأطفال إلى حي الإنشاءات. وكان من المفترض أن يلحق بنا زوجي وإخوته ووالده. لكن الصاروخ كان أسرع. وما إن وصل الخبر إلى أم ياسر، حتى فقدت القدرة على النطق بشكل كامل. وقد عاينتها مجموعة من الأطباء السوريين والأتراك من دون فائدة”. تكتفي أم ياسر اليوم بالإشارات. وغالباً ما ترفع يديها إلى السماء.

معتقلات

بحسب المركز السوري للإحصاء والبحوث، يعتقل النظام 13 امرأة شهرياً. ووصل عدد

المعتقلات في سجن عدرا المركزي في دمشق إلى 500، عدا عن وجود آلاف النساء داخل الفروع الأمنية، بحسب الناشطين.

ينتظر رامز “خروج زوجته المعتقلة منذ 8 أشهر في سجن عدرا المركزي، بسبب نشاطها السلمي في إغاثة النازحين في دمشق”. يشرح لـ “العربي الجديد” أن “زوجته اعتقلت في فرع الدوريات، قبل أن يتم تحويلها إلى سجن عدرا. وتنتظر اليوم تحويلها إلى محكمة الإرهاب. لا يعلم أطفالي أن والدتهم معتقلة. أخبرتهم أنها مسافرة وستأتي قريباً”.

وقبل فترة، سربت مجموعة من المعتقلات في سجن عدرا بياناً يحكي عن معاناتهن في السجن. أوضح أن “عدد المعتقلات السياسيات في السجن المركزي وصل إلى نحو 500، من دون أن تشمل المعتقلات في الفروع الأمنية، واللواتي تقدر أعدادهن بالآلاف”. وأكد أن “نسبة اللواتي تجاوزن الخمسين عاماً في عدرا وصلت إلى 30 في المائة، ونسبة الحوامل 5 في المائة. ويشهد السجن ولادة على الأقل كل شهر”.

ولفت إلى أن نسبة اللواتي أصبن بعاهات وصلت إلى 10 في المائة. أما نسبة المصابات بأمراض مستعصية ويتعرضن للإهمال لعدم توفر الأطبّاء، أو عدم تأمين الدواء دائماً، فتصل نسبتهن إلى 60 في المائة. أما اللواتي شملهنّ العفو الذي صدر منذ فترة قريبة، فلم تتجاوز نسبتهن الـ 10 في المائة. ولم يخرج منهنّ فعليّاً إلا عدد ضئيل جداً”. وأشار إلى أن “20 في المائة من هؤلاء فقط قادرات على توكيل محام وتحمّل نفقاته”. أما نسبة من يتاح لأهلهن الزيارة، ما يعني تزويدهن بالمال اللازم لجلب حاجاتهن الشخصية، لا تتجاوز 30 في المائة، علماً أن الحدّ الأدنى للتّكاليف الضرورية للمعتقلة يصل إلى خمسة آلاف ليرة سورية شهريّا.

بالأرقام

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان دراسات عدة حول الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة السورية منذ بداية الثورة وحتى اليوم. وتقول مسؤولة قسم المرأة في الشبكة نور الخطيب لـ “العربي الجديد”: ” تجاوز عدد الضحايا النساء، اللواتي قتلن على أيدي النظام ما لا يقل عن 12813 امرأة، ما يعني أن سورية تفقد يومياً 12 امرأة. تضيف: “سجلت الشبكة 7500 حالة عنف جنسي، ونزوح نحو 2.1 مليون امرأة في الداخل، ولجوء نحو 1.1 إلى خارج سورية”.

أعلن تقرير صادر عن اللجنة الدولية للإغاثة حول العنف ضد النساء المتأثرات بالصراع السوري، حمل عنوان: “هل ننصت؟”، عن أن “ما يزيد عن 3 ملايين لاجئ سوري مسجل يعيشون في بلدان مضيفة، بالإضافة إلى تسجيل 100 ألف شخص كل شهر. والأخطر أن 4 من كل 5 أشخاص هم نساء أو أطفال، 30% منهم يعيشون في المخيمات، و70% في المناطق الحضرية”.

دير الزور

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى