صفحات الثقافةعبدالكريم أبازيد

نشتهي هزيمة واحدة/ عبدالكريم أبازيد

النظام عندنا في سوريا لا ينهزم! لقد أمضى نصف قرن في الحكم وهو يحقق الانتصار تلو الانتصار، وكانت أول هزيمة ألحقها بالعدو الإسرائيلي قد حصلت عام 1967، عندما شن هذا الأخير حرباً على سوريا بقصد إسقاط النظام، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، واكتفى باحتلال الجولان، وبقي النظام صامداً كالطود، وشوكة في حلقه، كما أوردت في حينه وسائل الإعلام السورية.

أما الانتصار الثاني، فقد حصل أواخر القرن الماضي، عندما حشدت تركيا قسماً من جيشها على حدودنا الشمالية طالبة من النظام إما تسليم القائد الكردي أوج ألان ومسح لواء اسكندرون من الخرائط المدرسية وإما الزحف على سوريا. بقرار حاسم، أفشل النظام المخطط التركي، فسلّم أوج ألان ومسح لواء اسكندرون من الخرائط المدرسية بعد أول طبعة لتلك الكتب، كما ألغى الاحتفالات السنوية التي كانت تقام في المدارس في الحصة الأولى لذكرى سلب اللواء، وخرج النظام من تلك الأزمة سالماً “منتصب القامة مرفوع الهامة”، كما يقول مارسيل خليفة في أغنيته الوطنية.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإن إسبانيا قد ضمّت إليها مقاطعتي سبته ومليلة المغربيتين قبل أكثر من خمسمئة عام، لكن الحكومات المغربية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ لم تعترف بالضمّ، وأبقتهما على الخريطة المغربية، وكانت تستدعي السفير الإسباني لدى المغرب وتبلّغه احتجاجها كلما زار مسؤول إسباني كبير المقاطعتين.

أما الانتصار الأكبر الذي حققه النظام أخيراً فكان “التخلي طواعية” عن أسلحته الكيميائية التي دفع شعبنا السوري ثمنها مليارات الدولارات وسيدفع مليارات أخرى لقاء تلفها، والتي كان يتباهى بها أمام إسرائيل بأنها المعادل الاستراتيجي لأسلحتها النووية، ولن يتخلى عنها إلا إذا تخلت إسرائيل عن أسلحتها. ولكي يختبر النظام قوة سلاحه هذا ويعطي إسرائيل درساً عملياً بما سيحل بها إذا فكرت في إسقاط النظام المقاوم الممانع الصامد منذ نصف قرن في وجهها وفي وجه الإمبريالية العالمية، فقد جرَّبه على الشعب السوري في غوطة دمشق يوم 21 آب المنصرم، فقتل به خلال ساعات معدودة أكثر من أربعمئة طفل وأصاب الألوف باختناقات، عجز ما تبقَّى من مستشفيات ميدانية عن استيعابهم.

أوردت الصحف، أن العدو الإسرائيلي هو المحبط الأكبر بعد موافقة النظام السوري على تلف سلاحه الكيميائي، وشمل هذا الإحباط حلفاء أميركا والمستنجدين بها. فقد خسر العدو رهان القضاء على آخر نظام عربي يرعى المقاومة ويصر على استعادة أراضيه بالقوة، كما جاء حرفياً في إحدى صحف النظام!

لإلقاء الضوء على هذا “الانتصار التاريخي”، لا بد من الاستشهاد بما قاله أحد الوزراء، فقد صرح سيادته بأن انضمام سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية هو بمثابة انتصار لسوريا! فقد فوَّت على الأعداء فرصة زعزعة النظام! كما صرح أحد كبار المسؤولين في الحزب القائد لوفد يمني جاء يعلن تضامنه مع النظام السوري “بأن سوريا لن تتنازل وستبقى قوية بما تملكه من قوة ردع، وبفضل صمودها (لا ندري أمام من؟ ربما يقصد أمام الشعب السوري الذي يطلق عليه اسم العصابات المسلحة) وكذلك بفضل اقتصادها القوي”. هكذا جاء حرفياً.

تريدون الصدق؟ إننا في سوريا، ولكثرة الانتصارات التي حققها النظام على مدار نصف قرن، أصبحنا نشتهي ولو هزيمة واحدة نفقأ بها عيون الحسّاد!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى