زين الشاميصفحات سورية

نصائح تركيا إلى النظام السوري !

 


زين الشامي
صدمة كبيرة تلقاها الرأي العام في سورية جراء موقف الحكومة التركية من الاحتجاجات التي اندلعت في سورية منذ شهر ونيف، وبعد مقتل المئات من المتظاهرين على أيدي القوات الأمنية السورية و«الشبيحة» الذين يعملون بتوجيهات من قادة أجهزة الأمن. الصدمة كانت بسبب الصمت التركي إزاء ما يجري وعدم إدانة عمليات القتل والتعذيب الوحشية بحق المتظاهرين. لقد كان مستغرباً جداً من رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ألا يقول شيئاً ازاء ما يجري في سورية بعد ان تحول إلى زعيم إقليمي في أعقاب المواقف التركية الشجاعة والحاسمة من العدوان الاسرائيلي على غزة في عام 2008.

ليس ذلك فحسب، لقد أظهرت الديبلوماسية التركية مواقف متباينة جداً من التحولات الجارية في الدول العربية، وهذا ما نعتقد انه سيؤثر لاحقاً بشكل سلبي على مكانة تركيا وسمعتها في الشارع العربي. ففيما دعم أردوغان التطلعات الديموقراطية للشعب المصري في ثورته ضد النظام حسني مبارك، اتسمت مواقفه بالحذر والفتور إزاء التطلعات الديموقراطية للسوريين وبالصمت المريب ازاء قتل المدنيين العزل الذين خرجوا للتظاهر من أجل مطالب محقة تتعلق بالديموقراطية والحرية ووقف الاعتقالات.

الموقف التركي المريب لم يخص سورية وحدها، بل كان هناك صمت وموقف مثير للريبة والاستهجان من الاحتجاجات في ليبيا، ولقد خيب الموقف التركي غالبية الليبيين والعرب الذين يؤيدون الشعب الليبي في ثورته ضد الطاغية معمر القذافي، لقد أعطى الموقف التركي انطباعاً عند كثير من الناس بأن أنقرة لا تقف مع الشعوب المقهورة ولا تؤيد الثورات العربية وأن لديها خشية وتوجساً من انتقال الديموقراطية إلى بعض البلدان العربية، وإلا ما معنى أن تقول الحكومة التركية إنها تقف «على مسافة واحدة من الجميع في ليبيا»، كيف يساوي أردوغان بين الضحية والجلاد، وكيف ينتصر للضحايا في غزة ولا ينتصر لهم في ليبيا، هل وقوفه مع الضحايا متوقف على موقفه وطبيعة ومستوى علاقته مع القاتل؟ بمعنى عندما يكون القاتل صديقاً لأنقرة كما هو الحال مع النظام السوري أو النظام في ليبيا، فإن الضحية لا قيمة لها ولا تستحق الوقوف بجانبها، هل يكفي أن يكون الخصم إسرائيلياً أو منافساً إقليمياً كمصر حتى يقرر السيد أردوغان موقفه من الأحداث، أو تضامنه مع الشعوب من عدمه؟

الموقف التركي من التطورات في سورية اختبأ وراء حجة الاستقرار والحرص عليه في سورية، لكن وإذا ما افترضنا صوابية ونبل هذه المشاعر، ألا يستحق الضحايا الذين قتلوا وعددهم بالمئات موقفاً متضامناً أو منصفاً؟ ليس من أردوغان وحده بل من كل الزعماء العرب والإقليمين والدوليين لأن الجميع معني بما يجري ولأن القتل هو القتل أينما كان ويستحق الادانة دون تردد، سواء حصلت الجريمة في سورية أو في أي دولة عربية أو غير عربية.

وإذا كان أردوغان حريصاً على بناء علاقات طيبة مع دول وشعوب المنطقة فإن من مصلحة الحكومة التركية أن تحرص على كسب الرأي العام العربي وليس الأنظمة، ثم ألا يعرف أردوغان أنه قدم خدمة كبيرة للنظام في سورية حين قرر المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة عزله قبل نحو خمسة أعوام، وألا يعرف أردوغان أن هذه الخدمة والموقف التركي فرضا مكانة كبيرة لتركيا عند النظام السوري تخول أنقرة أن تصدر موقفاً يدين ما يجري من قمع؟ لكن رغم ذلك لم تقم الحكومة التركية سوى بإسداء النصائح للنظام السوري وتحثه على الاسراع في الإصلاح، خوفاً عليه ومعرفة بمخاطر تلكؤه بذلك. لكن هذا لن يجعل السوريين يصفحوا لتركيا عما كان مطلوب منها ألا وهو الإدانة الصريحة لعمليات القتل التي حصدت المئات من السوريين على خلفية الاحتجاج.

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يحرص أردوغان او الحكومة التركية على دعم وتأييد أعتى نظام قمعي في الشرق الأوسط، وهل هذا من مصلحة تركيا والدور الإقليمي والإسلامي الذي تطمح أن تلعبه في المنطقة، وهل يتماشى ذلك مع سياسة تركيا الطامحة لدخول البيت الاوروبي والتي تسعى لكسب شهادة حسن سلوك بسبب مواقفها من قضايا حقوق الانسان والديموقراطية، أم أن تركيا قررت اتباع النهج الإيراني القائم على البكاء أو التباكي على الفلسطينيين بعد أن ثبت نجاعة هذه الوسيلة في التقرب من الشارع العربي؟

كل الإشارات المقبلة من تركيا تقول ان أنقرة حريصة على مساعدة النظام السوري وليس انتقاده أو ادانته، وما النصائح التي قدمتها الحكومة التركية إلا دليلاً على رغبة انقرة في أن يتجاوز النظام السوري محنته الحالية بأقل الخسائر وبأسرع ما يمكن، وتأكيداً على ذلك وعلى خصوصية العلاقات بين أنقرة ودمشق، جاءت زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو إلى سورية حين أكد خلال لقائه بالرئيس السوري بشار أن بلاده تدعم الإصلاحات التي بدأتها سورية، مؤكدا استعداد أنقرة «لتقديم كل مساعدة ممكنة من خبرات وإمكانيات لتسريع هذه الإصلاحات».

لكن علامة الاستفهام والتساؤل الأكبر والأهم يتعلق الآن بقدرة النظام السوري على البقاء والاستمرار وليس على القيام بإصلاحات حقيقية وجدية، ومن ثم فإن «النصائح» التركية قد يكون مقدراً لها أن تبقى حبراً على ورق وأن تبقى في الأدراج فترة طويلة قبل أن تتحول إلى مادة أرشيفية تحكي عن آخر محطة في العلاقة التركية مع نظام حزب «البعث» الذي «كان» يحكم سورية.

كاتب سوري

الراي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى