صفحات العالم

نصيحة الجمعة: لا تقتل!

 


بدأت مظاهرات مصر بشعار «كرامة حرية.. عدالة اجتماعية»، وتعامل النظام معها بارتباك، وتعالٍ، ثم بعنف مفرط، مما أدى لوقوع قتلى وجرحى، مما صعد المطالب إلى حد إسقاط النظام، وهذا ما حدث، وتكرر المشهد نفسه في اليمن، وهاهو النظام في صنعاء يترنح، وفي ليبيا وصل الأمر للحرب، واليوم نحن أمام نفس الأخطاء في سورية.

نقول هذا لأن غدا هو يوم الجمعة، مما يعني أن الأمور قد تتفاقم، ولذا فإن النصيحة للنظام السوري هي: لا تطلق النار.. لا تقتل.. نعم لا تقتل، فكلما وقع مزيد من القتلى تعقدت الأمور، والأدلة كثر بمنطقتنا ومنذ ثلاثة أشهر. لكن المحبط أن قلة من يتعظون، فيبدو أن لا قيمة للمواطن في كثير من دولنا. القمع العنيف والقتل يعقدان الأمور، ويجعلان الحلول صعبة، بل إنهما يقودان إلى تفجير الأوضاع، حيث تخرج الفئة المحايدة عن صمتها، فليس بعد القتل شيء.

الحقيقة أن كثيرا من الأنظمة العربية التي تعيش في ورطة، وليس الدول التي يتم التحريض عليها، تنسى أو أنها غير قادرة على استيعاب متغير كبير اليوم في تاريخنا، ومنطقتنا، وهو التكنولوجيا، حيث بات من الصعب طمس الحقيقة.. صحيح أنك تستطيع تشويش الحقيقة، أو التشكيك فيها، لكن حتى خصمك، ظالما أو مظلوما، بات قادرا أيضا على فعل نفس الأمر، وهو التشويش على الحقيقة، أو التشكيك فيها، فلا يمكن اليوم أن تفرض هيبة الدولة بالعنف، كما حصل في حماة في الثمانينات، والفضل في ذلك يعود بالطبع إلى الإعلام والتكنولوجيا، ولذا فإن هيبة الدولة تفرض بالقوانين، والمؤسسات الحقيقية، وهذا ما رأيناه أيام تداعي نظام مبارك بذلك الشكل السريع، في 18 يوما، فلم تكن للدولة أي هيبة، ولا أنسى يوم قال لي مسؤول عربي سابق، وبعد فرار زين العابدين بن علي من تونس، ما نصه: «نعم مبارك في الطريق، فماذا ترجّي من نظام أمضى آخر ثلاث سنوات بحثا عن شاليط؟ وسكت عن كل الإهانات الموجهة له من حزب الله، والتلاعب به من قبل حماس»! والهيبة ليست ترهيبا بالطبع، بل جبهة داخلية متماسكة فعليا، من خلال إصلاحات حقيقية، وحياة كريمة، وعدالة اجتماعية، حتى ولو لم يكن هناك ديمقراطية، وبعد ذلك، ولا يقل عنه أهمية، علاقات دولية جيدة تقوم على الاحترام والتقدير من خلال المصالح المشتركة، وليس من خلال التحايل والتذاكي.

ولا بد أن نتذكر، ونتعلم، أن خبز المواطن وكرامته اليوم ليس شتيمة إسرائيل صباح مساء، فتلك هي وجبة المثقف المؤدلج، أما المواطن العادي، من السعودية إلى الجزائر مرورا بدمشق، فكل ما يريده هو العيش بكرامة، ويكون قادرا آخر اليوم على سداد فواتير حياته من هاتفه الجوال إلى خبزه، وتعليم أبنائه، هكذا بكل بساطة، ومهما ادعى المترفون ثقافيا.

ولذا، فلا جدوى من أن تصف دمشق المتظاهرين بأنهم على صلة بإسرائيل، وغيره من الأمور، والنصيحة الذهبية لدمشق للتعامل مع يوم غد الجمعة هي: لا تقتل.. لا تطلق النار.

طارق الحميد

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى