صفحات العالم

نضوج خيارات ترامب في سوريا/ سلام السعدي

 

 

أنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب البرنامج السري الذي تديره الاستخبارات الأميركية لدعم بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة، في مؤشر على نضوج خيارات الإدارة الأميركية في سوريا حيث تفضل التعاون مع كل من روسيا و قوات سوريا الديمقراطية بقيادة كردية.

كان برنامج دعم المعارضة السورية قد بدأ عام 2013، من أجل الضغط على النظام السوري ودفعه للمشاركة في حل سياسي ينهي الحرب، وذلك حسب إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. ورغم حديثه المتكرر عن ضرورة رحيل الأسد، لم يدعم أوباما أي جهد سياسي وعسكري حقيقي يؤدي إلى رحيله.

وإذا كان المشهد اليوم على درجة كبيرة من التعقيد وتتنازعه فصائل مصنفة على قائمة الإرهاب مع فصائل غير مصنفة بأنها إرهابية ولكنها شديد التطرف، فإن الحال لم يكن كذلك على مدار ثلاثة أعوام كاملة من عمر الثورة السورية.

خلال سنواتها الأولى، كان للدعم العسكري الجدي والمحدد بأهداف سياسية واضحة أن يدفع نحو تغيير النظام أو نحو حل سياسي. ولكن الإدارة الأميركية ودول الجوار آثرت دعم أطراف متعددة من المعارضة السورية بدرجة تجعلها تقاوم استئصالها من قبل الأسد وإيران، ولكن تمنع تحقيق تقدم نوعي يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام.

في العام 2014، برز تطور خفف الأعباء الأخلاقية عن الإدارة الأميركية، وبتعبير أدق حجبها، وأعطى مبررات لعدم الاكتراث بالمذبحة السورية. أعلن تنظيم داعش خلافته المزعومة وتنامت الفصائل المتطرفة في سوريا، وأصبح تقديم هدف محاربة الإرهاب باعتباره أولوية أمرا يمكن الجدال فيه بالنسبة للإدارة الأميركية.

في تلك المرحلة تواصل البرنامج السري بتسليح الفصائل السورية ولكنه كان يخضع لأولوية مكافحة الإرهاب فيفرض شروطاً على المتلقين للدعم تتعلق بعدم قتال النظام السوري إلا دفاعا عن النفس، أو لتحقيق تقدمات تكتيكية لا تذكر. ورغم كونه برنامجاً ضعيف الفاعلية والتأثير، كان دونالد ترامب شديد الانتقاد له أثناء حملته الانتخابية بذريعة أنه مسؤول عن الفوضى والإرهاب في سوريا.

شكل خطاب ترامب ذاك جزء من انتقاد باراك أوباما والحديث عن الرغبة بعدم التورط في سوريا أو في أي مكان آخر. بهذا المعنى يتوافق إيقاف البرنامج مع وعود ترامب الانتخابية ومع القاعدة الاجتماعية السياسية التي يمثلها وهي اليمين المتطرف الذي يروج لخطاب ساذج يقول إن الدعم الأميركي للمعارضة يهدف إلى تغيير النظام، وأنه هو المسؤول عن الفوضى والإرهاب في سوريا. للمصادفة، يشارك اليسار العالمي اليمين المتطرف الخطاب نفسه.

ولكن حقيقة قرار ترامب لا تكمن في أنه يفي، بشكل متأخر، بوعد انتخابي. هذا يسهل اتخاذ القرار بالطبع ويساهم في حجب الأسباب الرئيسية.

ترامب يتابع السياسة التي أطلقها أوباما وتحديدا بعد التدخل الروسي في سوريا. فمن جهة، حفز التدخل الروسي الولايات المتحدة على إعادة الانخراط في سوريا والعراق. ولتحقيق ذلك اختارت بشكل استراتيجي العمل مع القوات الكردية لأسباب مختلفة.

كان على كل فصيل عربي سوري تريد الولايات المتحدة العمل معه أن ينخرط في صفوف القوات الكردية ويخضع لقيادتها. هكذا أصبح للولايات المتحدة عشرة قواعد عسكرية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في ظل نضوج واضح لأهداف الوجود الأميركي في سوريا، وهو ما دفعها اليوم للتخلي عن برنامج سري عديم النفع أساسا ولا يتضمن رؤية استراتيجية.

العامل الآخر الذي أثاره التدخل الروسي في سوريا هو حتمية التعاون معها في النزاع السوري. استهدفت روسيا الفصائل التي تحصل على دعم البرنامج السري مرات عديدة وبدت أميركا عاجزة عن الرد لانعدام رؤية استراتيجية لطبيعة ذلك الدعم. لم يحدث الأمر مع قوات سوريا الديمقراطية حيث منعت أميركا كل من روسيا والنظام من استهدافها أو استهداف الفصائل العربية السورية العاملة معها.

هكذا فإن قرار ترامب بإنهاء البرنامج السري يأتي في سياق نمو التفاهمات الأميركية الروسية في سوريا.

يبقى أن ننتظر لنرى كيف سيكون تأثير إنهاء برنامج تسليح المعارضة السورية لا على الصراع مع النظام السوري حيث لا يبدو أن لذلك تأثير يذكر، بل على التكوين الداخلي للمعارضة السورية. فبمجرد خسارة تلك الفصائل المعتدلة للدعم الذي كانت تحصل عليه، لن يتبقى لها من خيار سوى الاندماج بإحدى المشاريع العسكرية الكبرى التي يجري نسجها، سواء من قبل تركيا أو من قبل حركة أحرار الشام التي لا ينازعها أي فصيل عسكري.

كاتب فلسطيني سوري

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى