صفحات الناسوليد بركسية

نظام الأسد يحتفل بِعِيد “حماة الديار”.. الروس!/ وليد بركسية

 

جرّد الإعلام السوري الرسمي، جيش النظام من أوصافه الكلاسيكية التي احتكرها لأكثر من أربعة عقود، ونزع هالة التقديس التي طالما رسمها بالقبلات الحارة فوق أحذية جنوده، عبر احتفاله المبهرج غير المسبوق، الخميس، بعيد الجيش الروسي، الذي بات من اليوم فصاعداً حامي الوطن بدلاً من حماة الديار المحليين.

وقدم الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تغطيات لاحتفالات الجنود الروس بعيد تأسيس الجيش الروسي، والتي شارك فيها مدنيون روس، وأفراد من الجيش السوري وعدد من تلاميذ المدارس السوريين الذين قدموا التهاني للجيش الروسي بموازاة تسليم الجنود الروس رسائل وهدايا من آلاف طلاب المدارس في روسيا، في نوع من التطابق المذهل بين الاحتفالات في موسكو وتلك التي شهدتها القواعد العسكرية الروسية الكثيرة.

وركزت القنوات السورية (سما، الفضائية، الإخبارية، ..) على احتفال واحد أقامته القوات الروسية في قاعدة لها بريف دمشق، من دون تحديد موقع القاعدة أو اسمها، ويرجح أن تكون قريبة من الغوطة الشرقية، شرق منطقة البحارية، التي تشهد انتشاراً روسياً واسعاً، ومن الضروري القول أن المواكبة الإعلامية الرسمية للاحتفالات ليست مجرد تملق بقدر ما هي انعكاس لحجم التواجد العسكري الروسي اليوم مقارنة بالعام الماضي الذي لم يشهد احتفالات بنفس المستوى من جانب الروس الذين بات وجودهم دائماً وأكثر راحة مع حسم عدد كبير من المعارك لصالحهم خلال العام 2016.

العام الماضي على سبيل المثال لم يتجاوز تقرير قناة “سما” عن العيد أكثر من دقيقة واحدة، نقلاً عن قناة “روسيا اليوم” رصدت فيه بشكل مقتضب مراسم الاحتفال الرسمية في موسكو ومشاركة بوتين في وضع أكاليل الزهور على ضريح الجندي المجهول قرب أسوار العاصمة. وهو تقليد محلي أيضاً لطالما احتكره الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وابنه بشار من بعده طوال عقود في 1 آب/أغسطس الذي يصادف عيد تاسيس الجيش السوري، حامي الوطن السابق على ما يبدو.

ووصف تقرير قناة “الإخبارية السورية” السلاح الروسي بأنه “سلاح الحق حين يختصر المسافات ويوحد الإرادات فيتطابق المصير، لتبدو انتصارات الماضي حقائق حاضرة تبشر بالآتي”، قبل أن يظهر عدد من الجنود الروس أمام الكاميرا وهم يتحدثون عن سعادتهم “بدحر الإرهاب عن سوريا” و”مساعدة الأصدقاء” و”الاحتفال معاً”، وذلك بلغة عربية سيئة وبطريقة التلفزيون السوري التلقينية التي لم ينج منها الروس “المساكين” أيضاً.

والحال أن سياق التقارير التي قدمها الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، كتبت ونفذت بطريقة تدمج بين الوطنين روسيا وسوريا بما يتعدى قيم الصداقة أو التعاون الحربي بين دولتين، كما يقول المسؤولون في دمشق وموسكو، وتصبح عبارة “حامي الوطن” إشارة لحامي سوريا، في استبدال لدور الجيش السوري الذي يمتلك تسمية مشابهة هي “حماة الديار”، وإشارة خفية للدور الحقيقي لجيش النظام المتهالك الذي لم يكن ليقدر على الصمود لولا الضخ الروسي الذي كان السبب الوحيد للانتصارات الأخيرة التي حققها النظام، وتحديداً في معركة حلب.

ولا يشكل الاحتفال بـ “حامي الوطن” نوعاً من التملق الفاضح من النظام المنهار للحليف الروسي كما كان عليه الحال في خطاب النظام تجاه روسيا أواخر العام 2015 مثلاً، بل يشكل تقديماً لفرض من فروض الطاعة الإجبارية للكرملين والتقاليد العسكرية الروسية، بما يشبع غرور الزعيم الروسي فلاديمير بوتين الراغب في إعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي، وهو ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر ميونيخ الأمني في عطلة نهاية الأسبوع الماضية التي تحدث فيها عن نظام عالمي جديد يتجاوز فكرة العالم الغربي التي تسيدت العالم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، مع رغبة روسيا بنظام عالمي يشابه نظام السياسة العالمية خلال القرن التاسع عشر.

تصبح سوريا في هذه المعادلة تحت الوصاية الروسية في أقل تقدير، أو كأنها مقاطعة روسية بعيدة على أطراف الإمبراطورية الروسية، من دون الكشف رسمياً عن هذه الصيغة بعد، علماً ان هناك اقتراحاً من مجموعة من المفكرين والسياسيين والناشطين الاجتماعين الروس، قدم إلى الرئيس فلاديمير بوتين مطلع العام الجاري، بإنشاء كونفدرالية في وقت لاحق من هذا العام، بين سوريا وروسيا وضم دمشق وهو خيار يدرسه الكرملين حسبما تشير وسائل إعلام روسية.

بناء عليه، قالت قناة “الإخبارية” في تقريرها: “تحتضن سوريا، أرض المجد والإباء، أحد أهم وأعرق جيوش العالم، الجيش الروسي، يشاركها في مكافحة الإرهاب وطرد الغزاة عن أرضها المقدسة، وتشاركها هي بدورها باحتفالاته وإنجازاته وانتصاراته التاريخية”.

يذكّر ذلك إلى حد ما بالأيام الأولى التي تلت بداية التدخل العسكري الروسي في البلاد، مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر العام 2015، حينها كانت القنوات الرسمية تبث نسخة حديثة من أغنية “كاتيوشا” الروسية الحربية – الرومانسية، ترحيباً بطلائع القوات الروسية وإيذاناً ببدء حقبة جديدة في البلاد، تسترجع أمجاد النصر السوفييتي في الحرب العالمية الثانية وتعكسها بشكل معاصر على الحرب في سوريا.

والحال أن خطاب وسائل الإعلام الرسمية تدرج في توصيفه لروسيا بشكل مثير، فخلال الأعوام الأولى للثورة في البلاد لم تكن روسيا أكثر من حليف سياسي بعيد وصديق مهم للنظام، ومع تقهقر جيش النظام في عدد من المناطق تحت ضغط المعارضة وعدم قدرة الحلفاء الإقليميين على سد الفراغ البشري الناجم عن طول فترة الحرب، تجنبت وسائل الإعلام الرسمية الحديث عن روسيا كحليف عسكري، قبل أن تنفي ذلك بشكل قاطع ثم تصبح هي المروجة له لاحقاً، وبعد التدخل العسكري الروسي كان وصف الجنود الروس لا يتعدى كونهم حلفاء مؤقتين مع تملق دائم للكرملين ورئيسه فلاديمير بوتين، وصولاً لتحول سوريا في إعلام النظام إلى مقاطعة روسية تابعة لموسكو في الأشهر القليلة الماضية.

وتنفي الاحتفالات الروسية وطبيعة التغطية الإعلامية السورية لها، الأنباء والتصريحات التي قدمتها وزارة الدفاع الروسية في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، حول تقليص عدد القوات الروسية في سوريا، والذي شككت به مجلات روسية ووسائل إعلام غربية منها قناة “فوكس نيوز” في حديثها عن اتجاه روسيا لزيادة عدد قواتها في سوريا، ما اضطر وزارة الدفاع الروسية لمحاولة تكذيب تلك الأنباء عبر القول أنها أنباء كاذبة من وسائل إعلام لا تتمتع بمصداقية. علماً أن ذلك كان ثاني انسحاب جزئي مفترض من البلاد بعد الانسحاب الأول في شهر آذار/مارس 2016. والذي شككت به أيضاً تقارير استخباراتية غربية أشارت في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2016 إلى أن عدد القوات الروسية في سوريا يزيد عن 25 ألف عسكري مقابل 4500 جندي تصرح وزارة الدفاع الروسية بوجودهم رسمياً في البلاد في ذلك التاريخ.

ما لا يفصح عنه الإعلام الرسمي هنا هو العدد الحقيقي للقوات الروسية وأماكن انتشارها وتوزعها ويفرض نوعاً من التمويه اللغوي على تسمية القواعد العسكرية الروسية بما في ذلك قاعدة “حميميم” في ريف اللاذقية، كما لا يتحدث عن القاعدة الثانية في ميناء طرطوس الذي بات بالكامل تحت السيطرة الروسية، ولا عن القاعدة الثالثة في محيط مطار كويرس العسكري بريف حلب، كما لا يجري الحديث عن الثكنات العسكرية في كل م جبل زين العابدين ومنطقة جورين ومطار القامشلي وقرب مدينة تدمر وفي مدينة الصنمين بريف درعا، وكلها مناطق تشهد انتشاراً عسكرياً روسياً كثيفاً من دون توافر معلومات دقيقة حول حجم القوات المنتشرة هناك، وقد يكون ذلك جزءاً من الاتفاقية التي وقعها النظام السوري مع روسيا والتي تسمح بإقامة قواعد عسكرية روسية في البلاد بما في ذلك استخدام قاعدة حميميم لأجل غير مسمى، والتي كشف بعض بنودها في وقت سابق أواخر العام 2016.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى