صفحات الناس

نظام الأسد يعتمد “العنف الجنسي” ضد النساء والرجال: متى العدالة؟

ناديـن العلـي

الاغتصاب يعرِّف الحرب في سوريا. وقد دقّت مجموعات حقوق الإنسان العالمية ناقوس الخطر إزاء التقارير المتتالية عن حصول حالات اغتصاب يأتي بها اللاجئون الهاربون الى الأردن ولبنان وتركيا. وأصدرت “لجنة الغوث الدولية” أخيراً تقريراً قالت فيه إنّ “الاغتصاب أو الخوف من حصوله هو السبب الأوّل لهروب العائلات السورية من بلدهم”.

وفي حدث يُعتقد بأنّه تطوّر تاريخي، تبنّى أخيراً وزراء مجموعة الثماني إعلاناً لإنهاء العنف الجنسي أثناء الحرب ولمحاكمة المسؤولين عنه. وعلى الرغم من أنّه يسود الاعتقاد بأنّ لا أمل بحصول تدخّل دولي لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم الجنسية في سوريا، يرى الخبراء أنّه إذا تمّ الاعتراف بالمعارضة على أنّها تمثّل الشعب السوري، فسوف تنصف العدالة هؤلاء الضحايا.

وبات العنف الجنسي سياسة منهجية يتبّعها نظام بشار الأسد. ويُقال إنّ رجاله يعتدون جنسياً على نساء ورجال المعارضة، مدمّرين العائلات وحياتها. ونتيجةً للحرب الدائرة، نادراً ما تطلب النساء والفتيات اللواتي يتعرّضن للاغتصاب أثناء الحرب المساعدة أو الدعم، ولا يطّلع المختصون على ما تتعرّض له المغتصَبات. فعشرات ألوف النساء تعرّضن للاغتصاب في البوسنة والهرسك في التسعينات، ومئات الآلاف أثناء حرب الإبادة الجماعية في رواندا، وما يصل الى ربع مليون ضحية في جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال العقد الماضي، ولم تشهد هذه الأعداد الهائلة من الضحايا الناجين أي محاكمة تنصفهم بعد كل ما قاسوه.

أخيراً، مع استلام المملكة المتحدة رئاسة مجموعة الثماني لمدة عام، بدأ وزير خارجيتها ويليام هيغ والمبعوثة الخاصة للأمم المتحدة أنجيلينا جولي العمل على تطوير مبادرة لمواجهة هذه المشكلة. والشهر الماضي، أثناء نقاش الأوضاع في سوريا، نجحت كوريا الشمالية وشمال أفريقيا وهيغ وجولي بكسب تأييد وزراء خارجية مجموعة الثماني حيال تبنّي إعلان يتعهّد بالعمل سوياً لإنهاء العنف الجنسي أثناء الحرب. وأعلنوا كذلك عن مبادرة جديدة بقيمة 35 مليون دولار لمنع الاغتصاب أثناء الحرب، ولحماية المدنيين والناجين من الاغتصاب، ولمحاسبة المسؤولين عن الجرائم.

عن ذلك، قال الخبير القانوني مروان صقر لـ NOW إنّه في حين أنّ قرار مجموعة الثماني غير ملزم، فهو يخدم كتوصية يمكن للدول الأعضاء في المجموعة دراستها. وأضاف صقر أنّ دول مجموعة الثماني لديها نفوذ سياسي أساسي على الهيئات الدولية ويمكن أن تقترح تعديلات على القانون الجنائي الدولي الحالي لخدمة أهدافها، وتابع: “”ما إن يتم التعديل، حتى تصبح الدول التي صادقت على نظام روما مجبرة على الالتزام بالمعاهدة الدولية الجديدة. غير أنّ سوريا لم تصادق على نظام روما، ولذلك فإنّ هذا التطوّر الجديد لن يكون له تأثير مباشر حتى الآن”.

لكي تحصل المحاكمات، يجب أن يصدر مجلس الأمن قراراً يطلب من خلاله إجراء استقصاء حول سوريا في محكمة الجنايات الدولية. ولكن بالنظر الى العائق الحالي حيث تستمر كل من الصين وروسيا بنقض قرارات مجلس الأمن المتعلّقة بسوريا، يقول صقر إنّ ذلك “لن يحصل على الأرجح”.

وعلى الرغم من اعتبار صقر أنّ الأمل ضئيل بتقديم مرتكبي الجرائم للعدالة، ويعود ذلك جزئياً لكون مجلس الأمن رفض حتى الآن إحالة سوريا الى محكمة الجنايات الدولية، فإنّ البرفسور في القانون الدولي في الجامعة الأميركية دارينا صليبي تقترح طريقة لتغيير أزمة الجمود هذه.

تشرح صليبي لـ NOW أنّه يمكن إنشاء محكمة خاصة في سوريا شبيهة بالمحكمة التي أنشئت في يوغوسلافيا سابقاً، في حال تمّ الاعتراف بالمعارضة على المستوى الدولي كممثّل وحيد للشعب السوري.

“لإقامة محكمة خاصة من هذا النوع، يجب أن توافق الحكومة السورية عليها. ولكن بما أنّ نظام الأسد لن يوافق عليها، يجب الاعتراف بالحكومة الانتقالية دولياً وأن تأخذ على عاتقها تنفيذ هذا الطلب”، تقول صليبي.

“المشكلة الوحيدة التي ستواجهها الحكومة الجديدة هي أنّ التحقيقات التي ستتم في المحكمة لن تكون ذات مفعول رجعي. ومن المرجّح أن لا تتم معاقبة الجرائم التي ارتُكبت في السنتين الماضيتين. سيكون عليهم إما وصل القضايا ببعضها البعض أو إقامة تحقيقاتهم الداخلية الخاصة. وفي الحالتين سيكون هناك حاجة الى عدد كبير من الأدلة”، تقول صليبي.

لقد أطلق مركز إعلام المرأة حملة لوقف الاغتصاب والعنف الجنسي في الحرب. وفي مشروعه تحت عنوان “نساء تحت الحصار” يتعقبون مباشرة” العنف الجنسي في حرب سوريا. هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها أحد ما قياس هذه الفظاعات أثناء الصراع الدائر وفي وقت حدوثها.

لورين وولف، مديرة المشروع، تخبر NOW أنّه في الصراعات الماضية كان عدد كبير من الحالات “لا يبلغ عنها”، وذلك يعود بجزء كبير منه الى صعوبة الإخبار عن حصول عنف جنسي أثناء الصراع نفسه. والحالات التي يتم الكشف عنها بعد حصولها يصعب إثباتها بسبب النقص في الأدلة.

“من خلال تعيين موقع كل حادثة على الخارطة، لا نقوم فقط بجمع الوثائق التي يمكن أن تتم خسارتها – كما كانت الحال في أماكن مثل البوسنة ورواندا – ولكننّا كذلك نلفت انتباه الناس الى الضحايا. هذا العمل يمنحنا مؤشرات على أنواع الخدمات الطبية والنفسية-الاجتماعية التي سنحتاجها وأماكن الحاجة لها. وهو يُعتبر كذلك توثيقاً يمكن أن يُستخدم يوماً ما كدليل أثناء محاكمات جرائم الحرب إذا ما حصلت”، تقول وولف.

تشرح وولف أنّ تقارير مؤكّدة تظهر أنماطاً مماثلة حيث يتم اغتصاب النساء عند نقاط التفتيش، وفي السجون أو المعتقلات، وخلال الهجمات العسكرية. وغالباً ما يتم اغتصاب مئات النساء أمام أزواجهن وأطفالهن.

وبدورها تقول رفيف جويجاتي، إحدى المتحدثات باسم لجان التنسيق المحلية في سوريا لـ NOW، إنّ التحدّي الأساسي هو حمل هؤلاء النساء على التحدّث عمّا حدث لهن. بسبب وصمة العار والعادات الاجتماعية المرتبطة “بالعار” الذي يُلحقه الاغتصاب بالنساء والفتيات وعائلاتهن، نادرا ما يتحدث الناجون السوريون من الاغتصاب عن حصول حوادث الاغتصاب لهم. فالعديدون يخشون من انتقام المعتدين عليهم، تشرح قائلة، أو التعرّض للقتل على يد أفراد عائلاتهم الشاعرة بالعار. وفي حالات الفتيات، يجري تزويجهن في سن صغيرة لإنقاذ شرفهن. “نتيجة لذلك، تخرس النساء” تقول جويجاتي.

وترى جويجاتي أنه رغم أن وصمة العار تبقى تحيط بمسألة الاغتصاب، تتغير الرواية السورية الاجتماعية مع ازدياد عدد الرجال الذين يقولون إنهم تعرضوا للاغتصاب وبدء المجتمعات بفهم أن الاغتصاب جريمة وليست فعلا جنسيا.

“بما أنّ الرجال باتوا ضحايا للاغتصاب هم أيضاً، بات هناك اعتبار عام بأن الضحايا… يجب ألا يعانوا من ظلم مزدوج من خلال إلصاق وصمة العار بهم”.

“يجب أن نساعد من تعرضوا للاغتصاب، وليس أن ندينهم”، تنصح وولف.

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي الانكليزي

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى