صفحات سوريةفلورنس غزلان

نظام يأكل الوطن، وشعب يتآكل، ومعارضة تحبل بخلافاتها!


فلورنس غزلان

لاحت تباشير وفاق ولد يحمل الكثير من بصمات المرض والهزال، ــ المجلس الوطني ــ لكننا ركَّبنا له أقداماً خشبية، وجعلنا منه ” ولدنا المأمول بينوكيو” أنطقناه بلسان حالنا ..ولقناه..وجعنا اليومي، وقدمنا له تقاريرنا عن بؤس الأوضاع من كافة النواحي منتظرين فرج حَلٍ يأتي من خلال مساعيه ، وبانتظار أن يقوم بالمهمة المنوطة إليه..تخبط بداية النهوض على قدميه، لأن كسيحاً قضى نصف قرن في الغيبوبة والعجز، لن تنقذه من ورطة العجز الطويل ثمانية أشهر.أخرجته فيها أيدٍ شابة لم تتدرب على السياسة ولم تتثقف في معنى العمل العام والوطني ، بل جُيِشت وإستلبت حتى من قيم خلقية تربت عليها أجيال الوطن وتراثه المجتمعي، الأيدي التي خرجت من قمقم الخوف والصمت وأحالته رماداً تذره يومياً في عيون السلطة الفاشية، التي استعبدته عقوداً ..واستمرأت الاستعباد لدرجة فاقت فيها هتلر وتاريخه وقارقوش وأسطورته، بل تخطت أعتاب البرابرة والتتار..رغم أنه يقال ولدت من أرحام سورية..أشك في أنها طاهرة الذيل!، وإلا لكان حالنا يمكن تعديل ميله أو انحرافه ، لكن الميل صار انقلاباً والصحيح تحول لخطأ، والوطن برمته تحول لمزرعة والقانون لسوط ، والبرلمان لسيرك من المهرجين..الخ، مع هذا وذاك من الملاحظات والعراقيل التي تتكاثر سواء في داخله وتركيبته، أم في العمق الداخلي السوري، ثم العربي والعالمي، ويحتاج للكثير من الجهود المضنية والعمل الدؤوب..وقد بدأ ينهض، وأثبتت الأيام الأخيرة أن وتيرته تتماشى مع وقع الشارع السوري وتتفاعل معه..فمنحها بعض بركاته واعترف بها وخصها ببعض ابداعاته التظاهرية، فأحسسنا أننا بدأنا نحبو على الطريق الأكثر صدقاً مع مطالب المحرومين من الهواء الحر..والتواقين لبناء الوطن السوري الحلم..وطن الجميع..دون إقصاء أو تهميش أو تعدي أكثرية على أقلية.

في الوقت نفسه خرجت علينا أصوات معارضة لها نغماتها المختلفة، لها حلولها الأكثر قبولاً عند السلطة وذويها، مع أن لبعض شخصياتها الاحترام الكبير والتقدير، الذي نكنه لهم لما قدموه من تضحيات على مذبح الحرية ودربها الشاق والطويل في بلد تسلطت على حكمه عصابة مجرمة لاتفهم من السياسة سوى طريق التسلط والاستعباد، لكنه يؤلمنا اليوم أن نرى هذه الشخصيات تفقد بوصلة اتجاهها الوطني، لا أدري أهو الخوف من القادم ، أم التمسك بقناعات ونظريات انتهت مدة صلاحيتها في عصرنا الحالي وفي قراءتنا لقضيتنا ولموقعها الجيوسياسي في خارطة المنطقة والعالم، لكننا لم نفقد الأمل..مادام الضمير الوطني حياً ومادمنا نملك ثقة بأنهم لابد سينتهون لوفاق ولموقف موحد مع رفاقهم في المجلس الوطني..لانطلب المستحيل وسبق وقلتها في لقاء جمعني مع قيادات في هيئة التنسيق هنا في باريس ــ لامستحيل أمام الرغبة الوطنية والمرونة في قبول الآخر..والبحث عن نقاط اللقاء لانقاط الخلاف ونبشها ، هنا تصبح الغايات غير وطنية بل قلتها وأعيد..أنها مشخصنة لدى العديد من شخصيات المعارضة ككل، الوقت الآن والموقف والثورة…ليس بصالح طرف ضد طرف آخر.، وإنما ينتقل بسهولة ليصب في صالح النظام وفي خندق معادٍ للثورة ولمقدار ما تحصده وتسعى إليه نفوس تواقه للحرية ولبناء الدولة المدنية الديمقراطية السورية، وقد بدأ أول الغيث بقطرات بعثت الندى في نفوس وحلوق جفت منذ ثمانية أشهر ودماء لم تجف بعد فوق أرض حمص ودرعا وشقيقاتهما، لاح الأمل أو بارقته القادمة ـ بعد مخاضٍ مضنٍ ـ قادماً من أروقة الجامعة العربية ، ولأول مرة نسمع صوت الحق يجهر ويضع النقاط على حروف تصب في صالح ثورتنا، وتحصر نظام الأسد في خانة تضيق عليه يوماً بعد آخر، فهل نترك هذه الفرصة تمر دون أن نستغلها بكامل عناصرها ونجَّيرها لتصبح كلها في خدمة الثورة السورية ومستقبل أبنائها ممن يموت كل يوم من أجل غدٍ أنصع وحرية واسعة حلمنا بها طويلا؟ً، فعلى ماذا تختلفون يامجلسنا وياهيئتنا؟ ..مادمنا أبناء وطن واحد طالما جمعتكم سجون وأقفاص الأسد الأب والابن..لأنكم ضد طغيانهم..وعوقبتم لجهركم بالحقيقة ولنضالكم من أجل وطن حر ديمقراطي لكل أبنائه..فعلى ماذا تختلفون؟..الوسائل يمكن تذليل صعابها، والطرق يمكن تمهيدها..وإزاحة الحجارة الكبيرة والصخور الممكن أن تعترض دربها..إن نقينا النفوس من غضب الماضي القريب أو البعيد، إن تصالحنا مع أنفسنا ومع الوطن، إن تصالحنا مع غاياتنا البعيدة وتركنا غاياتنا النرجسية أو النظرية القائمة على أيديولوجيا لامكان لها اليوم ..فمن صنع الثورة لم يتبن أي أيديولوجيا، وله الفضل في أنكم تقفون اليوم في أروقة الجامعة العربية والمحافل الدولية تدلون بدلوكم وترسمون خط القادم، لأن نظرياتكم لم تستطع تخليصنا من الاستبداد ، لأن خلافاتكم لم تغير لا بأنفسكم ولا بموقعكم بين الناس سوى المزيد من تعميق الهوة بينكم وبين الشارع السوري..وعليكم أن تقدموا الشكر وتنحنوا للثوار الشباب ، الذين جعلوكم تخرجوا من أقبية العمل السري، أن تظهروا على السطح وتعملوا بين الناس، أن تشفوا من خوفكم وصمت بعضكم وتردد بعضكم الآخر، وتماهي بعض بعضكم مع نظام الاستبداد تحت مسميات مختلفة من أيديولوجيا بائتة، هؤلاء من لهم عليكم حق الوفاق والتوافق..لأنهم من يبذل ويعطي ويموت..لا من يخطط وينبش… يقيس ويحسب مقدار الخسارة والربح في نصر لم يتحقق بعد، وفي مستقبل ضبابي الصورة وماينتظرنا فيه مخيف أكثر مما نعيشه، فلا تساهموا أرجوكم في المزيد من الألم والمزيد من الموت..عن دراية أو عن جهل ، عن قصدٍ أم عن منفعة..

لاوقت أمام التردد ..فرصة المبادرة العربية وآخر ماحصلنا عليه يجب ألا تضيع، وعليكم كمعارضة أن تكونوا بمستوى الحدث..بمستوى المسؤولية..فالتوافق فرض عين عليكم جميعاً..وأي هرب أو تهرب فيه خسارة لمن يفعل لا للثورة بقدر ماهو لطريقته ودربه..لأنه سيكون العاصي والسد بوجه اندفاعة شبابنا ويخدم مايسعى النظام إليه ويقع في صلب مخططاته التفتيتية..

“اللهم إني قد بلغت”..ولا غاية أملك لنفسي ..وإنما للوطن علي حق أؤديه.

ــ باريس13/11/2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى