صفحات العالم

نظريّة «النخّ»

 


خالد صاغية

ثمّة حملة واسعة لوضع ما يجري في سوريا ضمن إطار نظريّة «النخّ».

صاحب التعبير هو بطل «كاسك يا وطن» الذي يتنقّل من شاشة إلى أخرى ليشرّح المحاولات الدؤوبة لإجبار سوريا على «النخّ». الخطير في هذا التعبير الشعبي أنّه يؤسّس لنظريّة متكاملة تجعل من التنازلات لقوى خارجيّة مهيمِنة مرادفاً للرضوخ لتطلّعات الشعب نحو الحرية. هكذا يذوب الفارق بين التظاهرات التي تشهدها الشوارع السوريّة اليوم والطلبات التي حملها ذات مرّة كولن باول. وتصبح وقفة التحدّي التي وقفها النظام السوري آنذاك، هي نفسها الوقفة التي يقفها الآن رافضاً الخضوع لمطالب المتظاهرين. يستدرك أصحاب هذه النظريّة معترفين بوجود مواطنين شرفاء ينزلون إلى الشوارع، لكنّهم من النوع المغرّر به، ولن يلبثوا أن يعودوا إلى رشدهم.

المروّجون لهذه النظريّة كُثُر، وهم لا يقتصرون على المبشّرين السوريّين. ففي خطّ المساندة الخلفيّة، يقف نجوم الشاشة اللبنانيّون، ممّن عُرفوا بقربهم الشديد من النظام السوري، والذين بنوا صورتهم على الدفاع عن الممانعة. هؤلاء لا يتوانون اليوم عن تكريس وجهة تربط بين الممانعة وغياب الديموقراطيّة. ولا يجدون غضاضة في التخفيف من أهميّة النضال في سبيل الحرية، ما داموا يعيشون في لبنان لا في سوريا، أي إنّ واحدهم يمضي أيّامه على الشاشات اللبنانية ينتقد رئيس الجمهورية ويشتم رئيس الحكومة ويدعو إلى سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة، ثمّ ينطّ إلى شاشة سوريّة، أو إلى الحديث عن سوريا على شاشة لبنانيّة، ليساوي بين المطالبين بالحرية والضالعين في المؤامرة على سوريا من أجل حملها على تغيير مواقفها الخارجيّة. كأنّ هؤلاء يرون أنّ أجواء الحرية تليق باللبنانيين فقط، ولا يسع الحرية الانتقال إلى سوريا حيث السلفيّون والمسلّحون والمتآمرون، أو كأنّ الحرية هي من توافه الأمور التي نجدها في بلد اعتاد «النخَّ» كلبنان، لكنّها لا تليق بدول كسوريا، لم تعرف «النخَّ» للأعداء قط.

هكذا يتحوّل أيّ جنوح نحو الديموقراطيّة في سوريا كأنّه «نَخّ» وتخلٍّ عن الكرامة، لا كرامة النظام وحسب، بل كرامة الوطن ككلّ. وتتحوّل الديموقراطية، أو أيّ شكل من أشكال المشاركة في السلطة، دليلَ ضعف لا علامة قوّة. الضعفاء «النخّيخون» هم الذين يحتاجون إلى أحزاب وإعلام مستقلّ وانتخابات، وهم الذين يناقشون في البرلمانات ويتحدّثون في السياسة في الأمكنة العامّة. وكلّ ذلك لزوم ما لا يلزم بالنسبة إلى الأقوياء الذين لا يحتاجون إلا إلى قيادة شامخة.

الأخبار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى