صفحات العالم

نعي الإئتلاف السوري/ أيمن شروف

 

 

خبر عاجل أو ليس عاجلاً: الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة يعيد إنتخاب أحمد طعمة رئيساً للحكومة المؤقتة. يمرّ الخبر كغيره. مهلاً، أحمد طعمة؟ هو نفسه الذي قامت الدينا ولم تقعد منذ أكثر من شهرين كي يخرج من السلطة ومن رئاسة الحكومة تحديداً. أُقيل ثُم عاد. لا يستسلم بعض السوريين في إظهار صورة مُصغرة عن بشار الأسد.

في سوريا، وفي آخر إحصاء أجري عن كمّ الموت المتراكم، يتبيّن أن كل ساعة يموت 3 سوريين. قال هذا الكلام “غير سوريّ” وعلى وجه التحديد تركيّ لأعضاء الإئتلاف المجتمعين من أجل انتخاب رئيس حكومة جديد. ماذا تغيّر بعد هذا التذكير؟ لا شيء. نصف الأعضاء لم يعنيهم الكلام. الموت والقتل والدمار، أشياء عابرة بالنسبة إليهم. عودة أحمد طعمة إلى رئاسة الحكومة فوق كل اعتبار. فوق كل الدماء.

قبل أكثر من شهرين، اتخذ القرار برحيل طعمة وهذا ما حصل. في جلسات طويلة، تخلّلها استجواب لكل وزير في الحكومة السابقة، تبيّن أن فيها كوارث لا يمكن لأي كان أن يحتملها. طار طعمة ومن ومعه، أي طار “الإخوان المسلمون” من موقع القرار التنفيذي. لكنّهم لم يتأخروا كي يعودوا. يعتقدون أن التجربة كانت ناجحة، وهي، أي الحكومة، طيلة فترة وجودها لم تقدم أي شيء “كبير” للثورة. لكن على ما يقولون: أبو صالح رجل طيّب. يعني، الطيّبون بإمكانهم أن يبقوا على الكرسي. هكذا أيضاً يقول الممانعون عن الأسد.

الإجتماع الذي امتد لأكثر من يومين، تخلّله الكثير من الأحداث والإشكالات، من ضمنها استمرار إصرار الاخوان علی السيطرة علی المجلس العسكري ورفضهم اعادة هيكلته بعد انسحاب عدد من الفصائل منه. على أي حال، في آخر جولة، اتُفق على انسحاب طعمة ووليد الزعبي المدعوم من الديموقراطيين، على أن يتمّ الإتفاق على مرشح من خارج هذه اللائحة. هذا الإتفاق لم يصل إليه السوريون أعضاء الإئتلاف، بل الموفد التركي. قبل الوصول إلى هذا الاتفاق، كان المحسوبون على طعمة، أي الإخوان، يروّجون أن تركيا تُخيّر الإئتلاف إما العودة بطعمة أو تحمّل نتائج “غضبها”. تبيّن لاحقاً أن كُل ما قالته تركيا: اتفقوا على أي إسم، لكن اتفقوا. لم نعد نحتمل خلافاتكم.

بعد هذا الواقع الجديد، إنكفأ الإخوان، وجرى الاتفاق على انسحاب الجميع من أجل إيجاد حل مُشترك. خرج الموفد التركي من قاعة الإجتماع ومن الفندق الذي يحتضن “مشاكل” الإئتلاف، مُطمئناً إلى حلّ سيصل إليه السوريون، أي إلى انتخاب رئيس بالتوافق. بعد قليل، لم ينسحب أحمد طعمة. ماذا عن الاتفاق؟ ذهب مع خروج الموفد التركي. على ما يبدو لا يعني الكثير ممن كانوا في اسطنبول مصلحة بلدهم، وعلى ما يبدو الدول أو بعضها مهتمة لهذه المصلحة أكثر منهم بمسافات. استمرّ طعمة في معركة بقائه على الكرسي، انسحب الكثير من اعضاء الإئتلاف من القاعة، لكن التصويت حصل. فاز “أبو صالح” بولاية جديدة، بـ63 صوتاً، وهو الذي أُقيل بـ66 صوتاً قبل أكثر من شهرين.

عاد أحمد طعمة إلى رئاسة الحكومة المؤقتة. السوريون في الداخل يموتون. الخبر الأوّل أهمّ بالنسبة للبعض. إشارة ما، أطاحت بالاتفاق وأعادت انتاج حكومة أخوانية. بالتحايل أو بالالتفاف لا يهمّ. الإنقسام في داخل الائتلاف صار في ذروته، والكثير من أعضائه حين يُصوّت، يُفكر براعٍ إقليمي سيفرح بما فعله داخل قاعة، تُسجّل مرّة جديدة، إهانة لأكثر من عشرين مليون سوري.

يحصل كُل هذا، والتحالف الدولي يقصف مواقع داعش في سوريا، ويبحث عن شريك محلّي. الإئتلاف على ما أظهره أداؤه في المراحل الماضية، وما بيّنه الإجتماع الأخير، لا يُمكنه أن يكون هذا الشريك. رحلة البحث الجدي عن جسم يُمسك بالأرض جارية، ولن يكون جسماً سياسياً. أثبت الإئتلاف فشله في غير مرة. الأولوية لأجسام عسكرية، يتعامل الغرب معها مباشرة، فلا أحد “بمقدوره أن يستمرّ بتحمّل معارضة كهذه”. حتى العلويين بدأوا بحراك قد يتحوّل إلى جدي ويراهن عليه، ويبقى الإئتلاف في سُباته المقصود.

يموت السوريون. جزء واسع من المعارضة يعنيها المنصب، ذلك المنصب الذي أخرج الشعب إلى الشارع، يعود بمن نصّب نفسه ناطقاً باسم حرية السوريين، لتكرار تجربة البعث. ليس “الأخوان” وحدهم في هذا الخندق، قبلهم كان أحمد الجربة، وتجربته بالتأكيد ليست ديموقراطية.

بالإمكان، بعد كل هذا، نعي الإئتلاف، في انتظار بديل، ليس بقريب.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى