صفحات الثقافة

نقاد وسينمائيون يختارون أفضل الأفلام الوثائقية/ إبراهيم العريس

 

 

ما هي أعظم الأفلام في تاريخ الفن السابع؟ هذا السؤال لا يتوقف عن ملء دنيا هذا الفن وشغل ناسه، وعلى الأقل منذ العام 1958 حين أُجري لمناسبة انعقاد معرض بروكسل الدولي، استفتاء شمل عدداً لا بأس به من النقاد وأهل السينما كانت غايته الوصول الى نتائج تدخل تاريخ هذا الفن. والحقيقة ان العملية أسفرت يومها عن نجاح وكرست عدداً من الأفلام باعتبارها الأفضل. وبعد ذلك راحت هيئات ومؤسسات ومجلات متخصصة عدة تكرر التجربة، كان من بينها معهد الفيلم الأميركي ومعهد الفيلم البريطاني. واللافت ان النتائج غالباً ما كانت تطلع متشابهة مركزة، في المراكز العليا على نحو دزينتين من أفلام كان من أبرزها على الدوام «الدارعة بوتمكين» للروسي إيزنشتاين، و«قواعد اللعبة» للفرنسي جان رينوار و«سارقو الدراجة» للإيطالي دي سيكا، و«الهجمة على الذهب» لتشارلي شابلن… وبعد ذلك دخلت مجلة «سايت إند صاوند» علــى الخط لتجــري مرة كل عقد من السنين استفتاءً مشابهاً… أما الطبعة الأخيرة من هذا الاستفتاء الذي بات يعتبر الأكثر صدقية، فكان ذاك الذي نشرته المجلة عام 2012 وشارك فيه مئات النقاد والمخرجين وأهل المهنة من مختلف انحاء العالم، ليطلع بنتائج بدت هذه المرة مختلفة عما سبق، وبخاصة مع صعود فيلم «فرتيغو» لألفريد هتشكوك الى المرتبة الأولى في شكل مفاجئ. غير ان هذه لم تكن المفاجأة الوحيدة، بل واكبتها مفاجآت عدة أشرنا اليها في حينه، ابرزها، في ما يعنينا هنا، ان أفلاماً وثائقية عدة جرى اختيارها لتحوز ترتيباً لا سابق له، على عكس ما كان يحدث سابقاً من ضآلة عدد الأفلام الوثائقية التي ترد أسماؤها في نتائج الاستفتاءات. ومن هنا، كان من الطبيعي للمجلة البريطانية العريقة أن تقرر هذا العام إجراء استفتاء يقتصر على الأفلام الوثائقية. فطرحت على ما يقرب من 340 ناقداً وسينمائياً ذلك السؤال البسيط الذي أسفــرت الإجابات عنه، عن تحقيق طــويل نشرته المجلة يتعلق بما هي أفضل الأفلام الوثائقية في تاريخ السينما.

أميركيون أقل نساء أكثر

والحال ان النتائج لن تحمل الكثير من المفاجآت، بالنسبة الى المتابعين والمهتمين، اللهم إلا بالنسبة الى بعض الفوارق الاستنتاجية التي مايزت بين الاختيارات المتعلقة بالسينما الروائية، وتلك المتعلقة بالسينما الوثائقية التي نحن في صدد الحديث عنها هنا. إذ فيما احتل مخرجون راحلون نشطوا بين بدايات القرن العشرين ومنتصفه غالبية الصفوف الأولى بالنسبة الى السينما الروائية، كان نصيب المخرجين المعاصرين أكبر في مجال شقيقتها الوثائقية. كذلك تبدّت الحصة الأميركية أقل في الإنتاج الوثائقي المفضّل. وفي السياق نفسه، يمكن ملاحظة حضور نسائي في السينما الوثائقية المميزة، يفوق حضورهن في السينما الروائية، علماً أن للأميركيات هنا حصة تفوق حصة الأوروبيات. ولا بأس في أن نذكر في ما يعنينا نحن العرب، أنه في الاختيارات التي تقدم بها كل ناقد أو سينمائي على حدة، لم يكن هناك اي وجود لأي فيلم عربي باستثناء فيلم اللبنانية هايني سرور «دقت ساعة التحرير برّه يا استعمار» الذي يعود انتاجه الى اوائل سبعينات القرن العشرين، والذي وضعه ناقد أو اثنان في مكانة متقدمة.

فرّقـــت المجلة في النتائج التي نشرتها بين اختيارات الـنقاد (وبلغ عددها الإجمالي خمسيـــن فيلماً) واختيارات السينمائيين (وحصـــرتها في ثلاثين فيـــلماً) وذلك من أصل نحـــو ألف وخمسمئة فــيلم ذكرت في الاختيارات الفردية – حيث كــان على كل مستفتَى ان يذكر الأفلام العشرة التي يفضلها، وهي الاختيارات التي جُمعت في نهايـــة الأمر لتستخلص النتـائج منها -، لكنــها في سياق التحقيق نشرت ابرز النتائج الفردية لأبرز النقاد والسينمائيين الذين استفتتهم، تاركة لموقعها الإلكتروني ان ينشر الإجابات كاملة. أما النتائج النهائية فوُزّعت على ستة محاور: أفضل الأفلام لدى النقاد – أفضل الأفلام لدى السينمائيين – أفضل الأفلام من تحقيق نساء – أفضل الأفلام من تحقيق سينمائيين غير غربيين – أفـــضل عشرة مخرجين في تاريخ هذا الفن اختارهم النقاد – وأخيراً أفضل عشرة مخرجين اختارهم السينمائيون انفسهم.

لوائح الشرف

وهنا ننقل النتائج بدءاً من هذه الفئة الأخيرة، حيث إن السينمائيين اختاروا على التوالي: فردريك وايزمان في المرتبة الأولى يليه الروسي دزيغا فرتوف ثانياً، ليحل في المرتبة الثالثة معاً، فرنر هرتزوغ وكريس ماركر، ثم آلبرت ودافيد مايلز فإيرول موريس وروبرت فلاهرتي وآلان رينيه وجان روش فكلود لانزمان.

وبالنسبة الى أفضل السينمائيين من اختيار النقاد، اتت النتيجة على الشكل الآتي: المرتبة الأولى لدزيغا فرتوف يليه كريس ماركر ثم كلود لانزمان وآلان رينيه معاً، فإيرول موريس وفرنر هرتزوغ وجان روش ووايزمان ثم روبرت فلاهرتي وباتريزيو غوزمان معاً في المركز التاسع.

وفي فئة أفضل الأفلام غير الغربية كانت النتيجة كما يأتي: الأول «الرجل ذو الكاميرا» ثم «حنين الى النور» و «غربي الشاحنات»، و «معركة الشيلي» رابعاً مع الإيراني «البيت أسود» يليهما «جيش الإمبراطور العاري يسير قدماً» ثم «لقطة مكبرة» لعباس كياروستامي، تليه ثلاثة أفلام في المركز الثامن: «ساعة البقّ»، «مواسم» و «فالس مع بشير» المتحدث بالرسوم المتحركة عن احتلال الجيش الإسرائلي لبنان في العام 1982.

وفي فئة أفضل أفلام المخرجات النساء تطالعنا النتائج كما يأتي: في المركز الأول «الجامعون وأنا» لآنييس فاردا، ثم «حدائق رمادية» الذي شاركت إيلين هوفد ومافي ماير في إخراجه، ثم «البيت أسود» للإيرانية فارخزاد فـ «البائع» من إخراج زفيرين التي ستحتل المركز السادس ايضاً مع فيلمها «أعطني ملجأً» فيما احتلت المخرجة كوبل المركز الخامس بفيلم «هارلان كاونتي» وبارافيل المركز السابع بفيلم «لفياثان» كمشاركة في الإخراج، ثم شيرلي كلارك ثامنة بفيلم «صورة جاسون» تليها الألمانية النازية ليني ريفشتهال بـ «انتصار الإرادة»، ثم البلجيكية شانتال أكرمان بفيلم «من الشرق».

أما بالنسبة الى افضل الأفلام الوثائقية في التاريخ فقد اختار السينمائيون تباعاً: «الرجل ذو الكاميرا» لفرتوف، يليه «دون شمس» لكريس ماركر ثم «الخيط الأبيض الرفيع» ثالثاً. وفي المركز الرابع، الفيلمان «ليل وضباب» و «شوا» يليهما اثنان في المركز السادس: «البائع» و «جنون تيتيكات»، وثلاثة في المركز الثامن: «لا تنظر خلفك» و «رجل آران» و «نانوك الشمال»، والفيلمان الأخيران هما لروبرت فلاهرتي واعتاد ثانيهما ان يشغل مكانة متقدمة في لائحة افضل الأفلام «الروائية» في تاريخ السينما.

ويبقى أخيراً ان نصل الى اللائحة الأساسية التي تتضمن، بالنسبة الينا هنا، الأفلام العشرة الأولى من بين لائحة طويلة تضم اسماء الخمسين فيلماً التي اختارها أهل النقد السينمائي من بين ألوف الأسماء لأفلام ملأت تاريخ هذا الفن – السينما الوثائقية – الذي كان لا يزال مستبعداً من الاهتمام العام لسنوات قليلة، لكنه الآن بدأ يحوز مكانته الكبيرة كإبداع مستقل في ذاته له أعمال باتت تحسب من روائع الفن البصري على مدى القرن العشرين وما بعده. وتضم اللائحة تباعاً الأفلام الآتية:

– الأول، «الرجل ذو الكاميرا» (1929) للروسي دزيغا فرتوف.

– الثاني، «شوا» (1985) للفرنسي كلود لانزمان.

– الثالث، «دون شمس» (1982) للفرنسي الراحل حديثاً كريس ماركر.

– الرابع، «ليل وضباب» (1955) للفرنسي الراحل حديثاً ايضاً، آلان رينيه.

– الخامس، «الخيط الأبيض الرفيع» (1988) للأميركي المناهض لاحقاً لحرب العراق إيرول موريس.

– السادس «مدونات صيف» (1961) للفرنسيين جان روش والفيلسوف إدغار موران.

– السابع، «نانوك الشمال» (1922) للأميركي روبرت فلاهرتي.

– الثامن، «الجامعون وأنا» (2000) للفرنسية آنييس فاردا.

– التاسع، «حدائق رمادية» (1975) للأميركيين مايلز وهوفد ومايير.

– وأخيراً في المركز التاسع أيضاً «لا تنظر خلفك» (1967) لـدي. إي. بينباكر.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى