صفحات الرأي

نقترح عليك أيها الديكتاتور العربي قراءة هذه الكتب/ د. حسين مجدوبي

 

 

لماذا لا يرغب الحكام العرب في التأقلم مع تطورات العصر؟ سؤال يتبادر إلى ذهن الكثير منا وهو يتأمل الواقع المأساوي الذي تعيشه الشعوب العربية التي أصبحت في أسفل سلم الترتيب بين الأمم، في التقارير الدولية حول الديمقراطية ومستوى انتشار الفساد وخرق حقوق المواطنين.

وهنا نقدم مقترحا مفاده: هل يمكن أن نطلب من الحكام العرب قراءة كتب ومقالات من مختلف التخصصات يطلعون عليها ونرى لاحقا مفعولها الفكري عليهم؟ وهل خلقت لهم وعيا وأيقظت ضميرهم من السبات السياسي؟

وننطلق من فكرة أصبحت مع الأسف من البديهيات في مناهج العلوم السياسية خلال العقود الأخيرة، ومفادها أن الحاكم العربي مرادف للفساد والطغيان والديكتاتورية، وسلب ممتلكات الشعب والتغني بشعارات من قبل الوطنية والبطل المغوار في محاربة التدخلات الأجنبية التي تريد إلحاق الأذى بهذا البلد العربي أو ذاك.

هذه الأفكار التي يؤمن بها الحاكم العربي أكان ملكا أو رئيسا، أكثر من إيمانه بالمعتقد الديني، لا تدعو للغرابة، بل هي نتاج البيئة التي ترعرع فيها ويتنفس منها. فمن جهة، قدم الى الحكم على ظهر دبابة أو ورث المنصب باسم الدين والحق الإلهي، وكأن هناك لوحا سماويا محفوظة فيه أسماء العائلات الملكية التي تتوارث الجلوس على العرش وتمسك بمصير الشعوب التي سقطت تحت مخالبها في هذه الرقعة الجغرافية المسماة العالم العربي. ومن جهة أخرى، رؤية هذا الحاكم للشعب الذي يحكمه بالحديد والنار، هي نتاج ما تحرره له من تقارير مختلف أجهزة الاستخبارات التي أنشأها، والتي تتعدى مجموع فرق الدوري لكرة القدم بمستوياته القسم الأول والثاني والثالث، وربما حتى الشرفي أو الفرق الكلامية التي شهدها الفكر الإسلامي.

وهنا يتجلى المشكل الكبير جدا، ثقافة الحاكم لا تتعدى نهارا قراءة التقارير التي يدبجها مديرو الاستخبارات، وهي تقارير لترضية الحاكم، تتحدث له عن امتنان شعب له وتعلقه به، وعن أقلية مسيرة من الخارج تريد ضرب تاجه والاستحواذ على كرسيه. ويقضي الليل في الاستماع إلى المداحين، مما جعل تاريخ الثقافة العربية على رأس باقي الثقافات في إنتاج مدح الحاكم، والآن انتقلت الظاهرة إلى الأغاني الموسيقية.

الحاكم العربي، عفوا مغتصب السلطة قهرا، محتاج الى جرعة ثقافية، يمكن تقسيمها الى قسمين، القسم الأول، نعطيه مجموعة من الكتب حول الفكر الديمقراطي لصون كرامة الشعب، وحول التسيير الشفاف، وفي ما يتعلق بحرية التعبير وكتب حول كيف تقدمت دول مثل السويد وفنلندا وألمانيا. في الوقت ذاته، نقدم له نوعا آخر من الكتب قد يكون مؤلفات أو تكون أشرطة حول مصير مختلف الحكام، بين تلك التي تبرز الحاكم المنتخب وكيف تخلى عن السلطة بفضل صناديق الاقتراع، ينهض صباحا، يتمشى في الشارع ويسلم عليه الناس، ويعيش حياته بهدوء وكرامة. وبين ذلك الحاكم الذي مات مقتولا بعدما تخلت عنه تلك الجماهير التي كان يعتقد أنها تعبده، أو لجأ إلى دولة لا تجمعها اتفاقية تسليم المجرمين مع الدولة التي اغتصب سلطتها قهرا، خوفا من المحاكمة. ولعل الأمثلة كثيرة في هذا الشأن، انظروا الاحترام الذي يتمتع به رؤساء حكومات أو ملوك ورؤساء دول مثل شمال أوروبا وسط شعوبهم، والاحتقار الصامت، وأحيانا العلني من طرف الشعوب العربية تجاه الكثير من حكامها أو مصير البعض مثل الليبي معمر القذافي والتونسي زين العابدين بن علي.

نسبة مهمة من الحكام العرب يعتقدون أن التاريخ سيخلدهم كأبطال جدد في مخيلة وذاكرة شعوبهم، أبطال من طينة يوسف بن تاشفين وصلاح الدين الأيوبي والأمير عبد القادر وآخرين. لكن إطلالة على الكيفية التي احتفظ بها التاريخ للكثير من الحكام العرب منذ استقلال معظم الدول العربية في أواسط الخمسينيات حتى منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، يكشف لنا الواقع المر، التاريخ يخلد أغلبهم كقطاع طرق تركوا القانون جانبا وفرضوا شريعة الغاب، ونتحدث عن صنف الديكتاتوريين، أو من أصحاب مادوف، البنكي الأمريكي الشهير الذي كان يسرق زبائنه، والزبائن هذه المرة في حالة الحكام هم الشعوب. وتكفينا استعادة أسماء الحكام العرب وأسماء أفراد عائلاتهم في الحسابات السرية في سويسرا سنة 2015 ووثائق بنما السنة الماضية.

شخصيا، أقترح على الحكام العرب ثلاثة كتب لا غير لعل ضميرهم يستيقظ. واحد من ثقافتنا ومحيطنا، والآخر من الثقافة الغربية والآخر من أقدم الثقافات وهي الصينية. الكتاب الأول وهو «فن الحرب» للعسكري والفيلسوف الصيني سان تزو، ولا نرمي من وراء هذا الكتاب الترويج للحرب، بقدر ما نرغب في الاستفادة من النظرة البعيدة لهذا الكتاب، الذي يعتبر مرجعا في كل الدراسات المتعلقة بالفكري الاستراتيجي حتى يومنا هذا، رغم أنه يعود الى القرن السادس قبل الميلاد، وهي نظرة تمنح أي بلد وأية أمة الأسس المتينة لمواجهة المستقبل، ابتداء من ضمان الأمن الغذائي الى هيمنة الأخلاق وسط المجتمع وانتهاء بفرض هيبة الأمة وسط الأمم. والكتاب الثاني الذي نختاره للحكام العرب هو «العقد الاجتماعي» للمفكر الفرنسي- السويسري جان جاك روسو الذي وضع أسس الحكم المثالي في مواجهة مشاكل المجتمع، وشكّل الكتاب مصدر التشريع السياسي والقانوني لمعظم الإصلاحات التي شهدها الغرب وبوأته قيادة العالم خلال القرون الأخيرة. أما الكتاب الثالث، فهو من بيئتنا وثقافتنا وهو «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» لعبد الرحمن الكواكبي الذي ألفه في القرن التاسع عشر وشخّص فيه الأمراض السياسية التي تعرقل تطور العالم العربي والإسلامي، وهما الديكتاتورية والفساد، ويستمر منارة وبوصلة لكل حاكم أو هيئة سياسية ترغب في الاصلاح في وقتنا الراهن.

بدون شك للقارئ كتب كثيرة يقترحها على الديكتاتور العربي لكي يستيقظ من سبات الديكتاتورية، ولكن الإشكال هو: هل سيقرأها هذا الديكتاتور يا ترى؟

كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى