صفحات الرأي

نمـوذج الدولـة القوميـة وظهـور “الاقليــات” في سـوريا


المترجمون السوريون الأحرار

بنجامين وايت، دراسات في الأعراق والمواطنة: المجلد 7، رقم 1/2007

The Nation-State Form and the Emergence of ‘Minorities’ in Syria

Benjamin White, Studies in Ethnicity and Nationalism: Vol. 7, No. 1, 2007

ملاحظة: المقالة التالية عبارة عن ملخص مختصر لأهم النقاط المتضمنة في المقالة الأصلية.

يمكن تعريف الأقلية على أنها “مجموعة من الأشخاص الذين يميزهم روابط مشتركة من الأصل، المظهر، اللغة، الثقافة، أو الدين، والتي بسببها يشعرون أو يُنظر إليهم على أنهم مختلفين عن أكثرية السكان في مجتمع ما، تُفهم حالة التميز هذه على أنها ذات أهمية سياسية”.

الأقليات تجمعات سياسية حديثة ظهرت نتيجة تشكل الدول القومية. في الواقع، إن كلمة “أقلية” بذاتها لم تظهر في القواميس والموسوعات الأوروبية (على الأقل في تلك الناطقة باللغتين الإنكليزية والفرنسية) حتى بداية العشرينات من القرن الماضي، وبشكل خاص بعد الحرب العالمية الأولى عندما افتتحت عصبة الأمم المتحدة عهداً أصبحت فيه القومية هي الشكل الوحيد للدولة الذي يتمتع بالشرعية الدولية”. في بادئ الأمر، كانت تستخدم للإشارة إلى الأقليات الدينية، ثم توسع هذا المعنى لاحقاً ليشمل الأعراق وأشكال أخرى من الأقليات.

في الماضي، لم يعتمد تحديد أي مجموعة دينية تتبع الأخرى على التركيبة السكانية، وبالتالي فقد كان من الشائع لمجموعة متفوقة عددياً أن تُحكم من قبل مجموعة دينية أقل عدداً، كما كان الحال في الخلافة العربية والأقاليم العثمانية المتنوعة.

هناك مجموعة من الشروط الفلسفية والجغرافية المسبقة التي يكتسب مفهوم الأقلية من خلالها معناه الحالي:

–           فلسفياً، هناك مفهوم الحكومة التمثيلية (سواءً أكانت ديمقراطية أم لا). ففي مرحلة ما قبل العصر الحديث، لم يكن من غير المعتاد أن يكون الحاكم من دين أو عرق مختلفين عن الشعب الذي يحكمه، لأن حكمه  كان يمثل الإرادة الإلهية، بدلاً من أن يمثل المحكومين. من ناحية أخرى، تدعي الحكومة التمثيلية أنها تمثل شعباً معيناً، معرّف جغرافياً بإقليمٍ محدد، وأيضاً ثقافياً بأحد أشكال القومية. ولكن في أكثر الأحيان، يحدث أن يكون هناك بعض المجموعات التي تعيش ضمن السكان في هذا الإقليم الجغرافي المحدد والتي لا تنسجم مع الهوية الثقافية المتبناة من قبل الدولة. في هذه الحالة، يطلق على هذه المجموعات مسمى “الأقليات”.

–           جغرافياً، أدى التطور الذي طرأ على وسائل النقل والاتصال الحديثة إلى جعل وجود المجتمعات التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في معزل عن سلطة الدولة أمراً شبه مستحيل. فقد توسعت سلطة الدولة بشكل مضاعف، الأمر الذي مكنها من التدخل في كافة مجالات الحكم (السياسية، الثقافية، القانونية .. إلخ).

كان لدى الفرنسيون فهماً جامداً لنظام المِلل الذي كان سائداً في عهد الإمبراطورية العثمانية، وفقاً لهذا الفهم، افترض الفرنسيون أن سكان الدولة العثمانية مقسمون إلى مجتمعات دينية، مِلل، لكل منهم استقلاليته الخاصة في إطار تسلسل هرمي ديني. كما افترضوا بأن هذه المجمتمعات الدينية تشعر بالريبة تجاه بعضها البعض، وأن الهويات الدينية طغت على جميع الهويات الأخرى.

بناءً على هذا النموذج الذي لم يعكس التغييرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على الإمبراطورية العثمانية في عقودها الأخيرة، سعى الانتداب الفرنسي لسوريا إلى تأسيس الدولة القومية السورية الحديثة. قام الفرنسيون بتوسيع نظام الملل استناداً إلى مبدأ “الترابط” أو “التشارك” للمُنظر الاستعماري مارشال ليواتي Marshal Lyautey، خلافاً لمبدأ “الاندماج”، الذي اتبع في المغرب.

ولكن التحليل القائل بأن الفرنسيين اتبعوا سياسة “فرق تسد” من خلال تأسيس روابط مع الأقليات في سوريا لخلق حالة توازن مع الأغلبية “غير مقنع”، فـ “الأقليات” لم تكن موجودة مسبقاً بانتظار الفرنسيين كي يتعاملوا معها، في الحقيقة لقد ساعد الفرنسيون أنفسهم في تحديد أي من تلك المجموعات الموجودة في سوريا سيتم تعريفها على أنها أقلية وأي منها لن يُعرّف على أنه كذلك، فعلى سبيل المثال رفض الفرنسيون مطالبات الأكراد والشراكس لكي يتم الاعتراف بهم سياسياً على أنهم أقليات بذريعة أن مصطلح “مجتمع” community يستخدم حصراً للدلالة على التجمعات الدينية، على الرغم من أنه كان أكثر صعوبة بالنسبة إليهم، أي المجموعات العرقية-اللغوية [كالأكراد والشراكس]، الاندماج في “الوطن العربي السوري” من المجتمعات الدينية التي تتحدث اللغة العربية.

أحد الأسباب التي دفعت الفرنسيين إلى تقسيم المجتمع السوري على أسس دينية هو مصلحتها بالمحافظة على روابط وثيقة مع المسيحيين في منطقة شرق المتوسط، وتحديداً في لبنان حيث تركّزت “مصالحها وعملاؤها”، كما أن هذه السياسة سمحت لها بإقصاء “المسيحيين (الكثر) الذين لم يتخذوا موقفاً معادياً من القومية [العربية/السورية]“.

ولكن ذلك لم يمنع الفرنسيين من استغلال الانقسامات العرقية-اللغوية من خلال توظيف الشراكس والأرمن في قواتها العسكرية على سبيل المثال.

الإمبراطورية العثمانية لم تعترف بالفرق الإسلامية  كملل على الرغم من أنه يمكن اعتبار العلويين والدروز بمثابة ملل “غير رسمية” لأنهم تمتعوا باستقلال ذاتي كامل تقريباً.

يعبّر استخدام توصيف “أقلية” في النقاشات السياسية في سوريا عن توسع سلطة الدولة في إطار مفهوم الدولة القومية أكثر مما يعبّر عن وجود هويّات أصيلة. إنه توصيفٌ مهم ليس لأن الأقليات كتجمعات سياسية تمتلك مطالب محددة مسبقاً، بل لأن التوصيف نفسه مفيد جداً في التعبئة السياسية.

لقد برّر الفرنسيون تدخلهم في الشؤون العثمانية بدعوى حماية المجتمعات المسيحية، بما أنّ هذه الحجّة لا تتماشى مع نموذج الدولة القومية العلماني، فقد أعاد الفرنسيون صياغة تدخلاتهم في سوريا بحيث تغدوا أنها تدخلات من أجل حماية “الأقليات”.

من خلال فرض مفهوم توصيفي كـ “أقلية” على مجتمع ما، فإننا نطمس من ملامحه أكثر مما نكشف، مما يجعلنا غير قادرين على تتبّع الكيفية التي ظهرت وتطورت من خلالها تلك المجموعات السياسية والاجتماعية التي نصفها باستخدام هذه المفاهيم.

نمـوذج الدولـة القوميـة وظهـور “الاقليــات” في سـوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى