إياد الجعفريصفحات المستقبل

نهاية الأسد في إنتصاره/ إياد الجعفري

 

 

يهلل الموالون للنظام هذه الأيام، لما يعتبرونها مؤشرات نصر نهائي لنظامهم، ويتم الحديث بكثافة عن أن سقوط شرق حلب، المُحتمل، سيكون النقلة النوعية الأخيرة في حرب النظام على المعارضة، والثورة أيضاً.

وتحت وطأة مرارة المشهد المُنكسر للمعارضة المسلحة في شرق حلب، انتقلت هذه النظرية الى أوساط الكثيرين من المعارضين، فراح بعضهم يتحدث صراحةً عن مؤشرات انتصار للأسد، بالفعل. بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، بدأ يناقش كيف ستكون حياة السوريين، وتحديداً، المناوئين منهم للأسد، بعد انتصاره المُرتقب.

بعيداً عن النقاش في فحوى تلك النظرية، التي تجزم بأن سقوط شرق حلب يعني نهاية الثورة، ونهاية المعارضة، وأن ما بعدها لن يطول كثيراً كي يطوي آخر صفحات الوجود الميداني المعارض للأسد، في إدلب. وبعيداً عن نظرية “الانتصار” ذاتها، التي يهلل لها موالون، ويقرّ بها معارضون، بمرارة، يغيب السؤال الآتي: هل سيكون الأسد قوياً حقاً بعد “انتصاره” المُنتظر؟

لنفترض أن أسوأ السيناريوهات حدثت. سقطت شرق حلب، ومن ثم، أجهزت روسيا والنظام والإيرانيون على آخر معاقل المعارضة الكبرى، في إدلب، سريعاً. ومن ثم، أجهزوا على ما بقي من جيوب صغيرة للمعارضة، شمال حماه وحمص، وحول دمشق، وكذلك في درعا.

لنضع كل السيناريوهات الأخرى، المطروحة بقوة، جانباً. ولنفترض أن نظام الأسد، بدعم من حليفيه الروسي والإيراني، حقق نصراً ناجزاً نهائياً، استعاد معه، معظم التراب السوري، خلال سنة من الآن، مثلاً.

الآن، في ظل هذا السيناريو الذي يفيض تفاؤلاً بالنسبة للموالين، وشُؤماً للمعارضين، لنطرح التساؤل التالي: هل سيكون بشار الأسد هو ذاك الذي كنا نعرفه قبل العام 2011؟، بمعنى: هل سيكون صاحب الكلمة العليا في سوريا؟، وهل سيكون كرسي حكمه في مأمنٍ حقاً؟

ما سنكتبه في السطور الآتية، ليس من وحي التمنيات، وليس بغاية رفع المعنويات للمعارضين، أو النيل من معنويات المؤيدين. ما سنكتبه في السطور الآتية، سائد في أدبيات الدراسات السياسية، التي عادةً ما تُوجز خلاصة تجارب أنظمة وحكومات مختلفة على مرّ التاريخ.

وحسب تلك الأدبيات، تسود قاعدة أقرب إلى الحتمية، هي أقرب إلى كونها سُنّة في تاريخ الأنظمة السياسية حول العالم. مفادها، كل نظام سياسي يعجز عن تأمين استمراره واستقراره، بقواه الذاتية، ويلجأ إلى وسائل وقوى خارجية، ليست من بنيته الداخلية، فإنه سيسقط، عاجلاً أم آجلاً، وسيخلفه نظام آخر، لديه مقومات البقاء والاستمرار الذاتية الخاصة به.

هي دورة لا تختلف كثيراً عن دورة البداوة والحضارة عند العلّامة ابن خلدون. فالنظام العاجز في ذاته، الذي يحتاج إلى رافع خارجي للاستمرار، سيزول، ليأتي آخر.

بشار الأسد قبل عام 2011، كان طاغية وديكتاتوراً، لكنه كان يُحكم السيطرة شبه المطلقة على البلاد، بجيش وقوى أمنية، هي من صميم تركيبة النظام السياسي الذي أسسه والده. أي، قبل العام 2011، كان استقرار النظام السياسي السوري، واستمراره، نتاج قواه الذاتية، التي هي من طبيعته الخاصة به.

لو انتهت الحرب في سوريا، بعد سنة من الآن، مثلاً، بنصر مؤزر، للأسد وحلفائه، ما هي مكونات الأطراف المسيطرة في سوريا حينها؟، وما هي النسب المئوية لسيطرة كل طرف فيها؟، ما نصيب الأسد ذاته من السيطرة والهيمنة على سوريا، مقارنة بشريكيه الروسي والإيراني؟

إذا تذكرنا أن الأسد لم يستطع الصمود، وكاد ينهار أكثر من مرة، لولا أنجدته إيران بتدخل عسكري مباشر، عبر مليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية والإيرانية. ومن ثم، لم تستطع إيران الصمود مع الأسد، لولا أنجدتهما روسيا بطائراتها. حينما نتذكر ذلك، ونراجع حجم التنازلات التي قدمها الأسد لحلفائه، والتي تجلت في امتيازات اقتصادية، وقواعد عسكرية على الأرض السورية. وحينما نراجع في أذهاننا حقيقة أنه لو تخلت روسيا وإيران عن الأسد، في هذه الساعة، لسقط من توه. لاستنتجنا حقيقة مؤلمة للموالين، قبل المعارضين، أن الأسد لم يعد الحاكم في سوريا، بات مجرد جزء صغير من تركيبة القوى المسيطرة على سوريا، وربما هو الجزء الأصغر من تلك التركيبة.

والأخطر مما سبق، بالنسبة للموالين المهللين لانتهاء الحرب لصالح الأسد، أن استمرار الحرب والصراع الإقليمي والدولي في سوريا، يعزز فرص بقاء الأسد، باعتباره ورقة ما تزال تملك قيمتها في قبضة الروس والإيرانيين، في إطار صراعاتهم وتفاوضاتهم مع مناوئيهم الإقليميين والدوليين. لكن في حال انتهاء الحرب، مثلاً، لصالح الإيرانيين والروس، لتبدأ مرحلة توزيع المكاسب وتقاسم كعكة الأرباح، على التراب السوري، يصبح مصير الأسد رهن اختلاف الأولويات والأجندات، والحاجة إلى ترتيبات تضمن استقرار الوضع لصالح الطرفين الخارجيين المسيطرين.

يظهر ذلك جلياً في ما نلحظه من حين لآخر، من مساعٍ روسية لفتح قنوات تواصل مع معظم القوى المعارضة السورية، حتى أكثرها عداءً لموسكو. فبعد الحرب، يجب أن تحصل ترتيبات حكم جديدة في دمشق، تحقق التوازن لمصالح الطرفين الإيراني والروسي في البقعة السورية. حينها، قد يكون بشار الأسد نقطة افتراق كبيرة بينهما، وقد يكون ضحية “انتصاره” المُنتظر.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى