صفحات سوريةعبدالله أمين الحلاق

نهاية العالم…بداية السوريين

 

عبد الله امين الحلاق

نبوءة شعب المايا التي تقول بنهاية العالم وخرابه يوم 21 كانون الأول 2012 نتيجة اصطدام جسم فضائي به، جابت العالم من أدناه إلى أقصاه ليومي 20 و 21 من هذا الشهر، فيما وجد بعض البشر المهدّد وجودهم على سطح البسيطة تبعاً للنبوءة، في تلك الأخيرة مجالاً استثمارياً وباباً للربح العميم. الصينيون صاروا يروجون ما قالوا إنها وسائل إنقاذ من الكارثة المحيقة بالبشر، وسكان جبل «رتاني» في صربيا ما اعتبروا ان منطقتهم هي الأكثر أمناً لمن يرغب في تفادي الهلاك، وهلمجرا.

وإذ يصدر هذا المقال في «السفير» وقد مضى اليوم المرتقب وأيام بعده على خير، من دون أن ينتهي العالم لأي سبب كان، فإن ثمة مصيراً جديداً لبلاد العرب وشعوبها تصنعه اليوم هذه الشعوب معلنة فيه بداية عالم عربي جديد، في الوقت الذي يتحدث غيرهم عن نهاية العالم. سنتان تماماً من عمر ربيعها ولا تزال الشعوب تكابد معاناة دخولها التاريخ من جديد بعد أن أعلن فرانسيس فوكوياما نهايته قبل عقدين، وتعلن قبائل المايا نهايته بحكم الماورائيات الراسخة لديها. ذلك لا يعني بالطبع أن المجتمعات العربية قد غادرت باب الخرافات والجهل والتجهيل وأغلقته وراءها إلى الأبد كما حدث في بلدان انتصر التنوير فيها على سلطة الدين، لا بل إن الدين لا يزال يفعل فعله النكوصي احايين كثيرة في خضم الثورات العربية وما بعدها… إلا أن معركة الحرية والتحرر من انظمة الاستبداد والقمع والقهر والتجهيل المزمن تبدو اليوم معركة عودة إلى العالم تضع نفسها وجهاً لوجه مع شعوذات نهاية العالم وأطروحة نهاية التاريخ.

كان من الواضح قبل لحظة من إشعال محمد البوعزيزي نفسه بأن العرب محكومون بالبقاء خارج التاريخ وخارج دائرة الفعل فيه. الثورات العربية والثورة السورية أعادت العرب إلى الوجود الفاعل الذي يبدأ ببناء الديموقراطيات السياسية ونظم الحريات الاجتماعية. كان ثمة رد فعل في خطاب الأنظمة العربية قاطبة، يفيد بكوارث شتى قد تحيط بالمنطقة والعالم إن سقطت تلك الانظمة. النظام السوري بشّر العرب والمنطقة والعالم بحروب ضروس وفوضى وعدم استقرار مديد إن مس وجوده تهديد. فزاعة الإسلاميين والحرب الواسعة على مستوى المنطقة كانتا لسان حال مسؤولي هذا النظام وصولاً إلى رأس النظام، بشار الأسد. تلاقٍ لافت للانتباه ذلك الذي يجمع النظام السوري بقبيلة المايا وشعوذات نهاية العالم قريباً.

معركة العرب والسوريين من أجل الحرية والديموقراطية والعيش الكريم هي معركة ضد الزيف والخرافة بشكل ما. زيف عدم اهلية السوريين إلا ليكونوا في موقع العبد لحاكم احتل عرش الله على الأرض، وخرافة خراب البلد والمنطقة وربما العالم، إن زال هذا النظام وأقرانه: باقي الأنظمة العربية البائسة. كان السوريون يعيشون خارج العالم بكل معنى الكلمة، ذلك أن ما هو خارج الحدود السورية وما هو داخلها كان ممتنعاً عن السوريين إلا ما شاءت وسمحت به السلطة، في الوقت الذي كانت تجري فيه عملية تجهيل ممنهجة تلتقي مع الزيف والخرافة الدينيين في المآل والنتائج. فمثلما كان الإسلاميون ينسبون كل ما هو ماضٍ ويومي ومستقبلي إلى الغيب وإلى سلطات خفية حصرها الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي بالجن والأرواح، وهو يحاول استجلاب نصوص قرآنية وقَسْرها لتكون في موقع إثبات صحة رؤاه الصالحة… كان السوريون يعيشون في ظل نصوص ودساتير تديّن يومياتهم وتختزلها في فكرة ان وجودهم مرتهن فقط للبقاء في ظل حكم العائلة الأسدية. كيف لا وقد حاز الأسد خوارق ومعجزات تمثلت لدى البعض من المغرمين والمهووسين به وبابنه بظهور وجهه على سطح القمر، وغير تلك من مكرمات أبدعت المؤسسة الدينية المقربة والمتماهية مع «العلمانية الأسدية» في سردها وتقديم البراهين عليها.

طوبى إذاً لقبائل المايا والانكا والازتك تعويذتها وخرافتها القائلة بانتهاء العالم في يوم محدد، مقارنةً بانتهائه منذ 16 تشرين الثاني 1970 في سوريا، وفي تواريخ مختلفة في ملكيات وجمهوريات عربية يمسك زمام القمع فيها حكام بامر الله، وإن تكن كوة الضوء التي تلوح في بداية نفق العذابات الطويل أقرب بما لا يقاس اليوم من أي وقت آخر قبل بدء معركة العودة إلى العالم والأنسنة والتاريخ. كان الزمن يبدو سكونياً في بلدان السجون والقمع الرهيب، بقدر ما يكون ديناميكياً وذا دلالة على تقدم في مسيرة التاريخ وذهاب هذا العالم في سديم لا متناهٍ من الاحتمالات المستقبلية للبشرية جمعاء.

التهويل من نهاية المنطقة والعالم مع سقوط النظام السوري يستدعي رحيل رجال أعمال واقتصاديين وخبرات ومسؤولين من البلد إلى مناطق اكثر أمناً من التداعيات المحتملة لحظة سقوط نظام الزيف الأسدي وخرافاته القروسطوية. هؤلاء يدركون حجم الطوفان الهائل والتغييرات الزلزالية التي سيخلقها انهيار هذه العروش المدججة بالخرافة واستلاب العقل والارداة، عروش رسّخت القبَلية والعشائرية والطائفية، وكأن افتراس الإنسان للإنسان وقتله والتمثيل بجثته أمر عادي في ربوعها وفي معركتها ضد الشعوب الثائرة، بشكل تأنف عن ممارسته أي قبيلة بدائية كانت تنتظر انقراض الإنسان والعالم في 21 كانون الأول 2012.

في المقابل، يبدو أن البشرية استقرت على تطور ما في المفاهيم والأفكار والمعتقدات بما فيها المعتقدات الدينية، وصار من الضروري اللحاق بركبها وإن تأخر موعد الانفجارات الثورية التي تعيد البشر إلى عالم اليوم. وإذا كان ثمة مسيرة ما تصعب معها العودة القهقرى إلى البدائية رغم توزع بؤرها وانتشارها في أصقاع مختلفة على سطح هذا الكوكب، فإن عصراً جديداً يبدأ اليوم في سوريا وفي بلاد العرب يتلو بدائية وغرائزية عقود مديدة، وعنوانه أفول الاستبداد العربي إلى غير رجعة، شأنه شأن العصر الجوراسي والديناصورات، أو بدء العصور الحديثة التي صارت تؤرخ للحضارة البشرية… لا بل وحتى طوفان نوح العميم الذي يبدو ضرورياً اليوم في منطقتنا للعبور إلى بر الامان، وإن شحت سفن النجاة سريعاً.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى