صفحات الثقافة

نوافذ المنفى

احمد بزون

هل يحتضن لبنان المثقفين السوريين؟ سؤال يمكن أن نصوغه بأشكال مختلفة، إلا انها تصب جميعاً في معرفة طبيعة العلاقة بين الفضاءين الثقافيين اللبناني والسوري في ظل واقع التهجير.

وإذا كان الموضوع السوري حاضراً بقوة في لبنان، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهو حاضر أيضاً على المستوى الثقافي. لكن الإعلام ينجذب دائماً للحماوة، لأزمة، لحادثة، لقتال وقصف وتجمهر وتوتر أمني.

واضح أن النشاط الثقافي أقل حضوراً أمام التفجيرات الأمنية وتعقيدات العلاقات السياسية، فهو يأتي في آخر درجات السلّم، لو قسمنا الأنشطة السورية في لبنان إلى درجات. إذ إن وجود ما يقارب مليون سوري في لبنان لا يمكن أن يمر من دون أن يظهر في الشارع والأسواق التجارية وأسواق العمل ومخيمات اللاجئين، وحتى في المطاعم والملاهي والمنتزهات.

أمس نشرنا تحقيقاً عن “دار الإقامة الفنية في عاليه”، أسسته ناشطة سورية هي رغد مارديني، كذلك سبق لرزان الشطي، وهي ناشطة سورية أيضاًَ، أن ساهمت في إقامة عدد من المعارض لفنانين سوريين، واهتمت غاليريات في عرض أعمال عدد آخر، وأقيمت مجموعة من الأمسيات الشعرية، نظم “زيكو هاوس” سلسلة منها لكنها سرعان ما توقفت، وصُوّرت في لبنان مسلسلات وأفلام، وعرضت مسرحيات. فالحضور الثقافي السوري حاضر بوضوح.

لكن المهم أن من يتابع عدد المثقفين السوريين المهجرين في لبنان، ومن يصادف العديد منهم في مقاهي منطقتي الحمراء والجميزة، يتأكد من أن ما يقام من أنشطة لا يقاس مقارنة بعدد المثقفين السوريين في بيروت، فالتوازن مختل لا محالة.

هناك من يظن سوءاً بهذا الاختلال، معتبراً أن السبب في سوء علاقة بينهم وبين المثقفين اللبنانيين، وهناك من يتحدث عن علاقات استعلائية، أو عن شعور بأن المثقف الوافد ينافس المقيم… وسوى ذلك من الأسباب التي لا تمت للحقيقة بصلة. فالعلاقة بين المثقفين اللبنانيين والمثقفين السوريين، متداخلة منذ زمن بعيد، وقد شكل لبنان، منذ زمن بعيد، منفى إجبارياً أو اختيارياً لعدد لا بأس به من المثقفين العرب وأكثرهم سوريون، في مراحل مختلفة، بل إن من يتذكر حضور نزار قباني ويوسف الخال وأدونيس والماغوط وخالدة سعيد، الذين شكلوا أقطاباً مهمة وفاعلة في الساحة الثقافية اللبنانية، ينتبه إلى مدى التفاعل الثقافي بين لبنان وسوريا، طبعاً بسبب الجيرة والقربى، بعيداً عن كل المقولات السياسية التي قد تجد بعضها أسباباً تفترض روابط من نوع آخر.

يمكن أن نتحدث عن عدد من المثقفين السوريين الذين انخرطوا في العمل الصحافي، أو في عمل مهني فني داخل مؤسسات لبنانية، غير أن غالبية المثقفين السوريين في لبنان يتابعون أنشطتهم الثقافية الفردية عموماً، لكن عدداً منهم لا يزال يعيش عزلة بعيدة عن العاصمة وحراكها الثقافي، أو يعيش حال انتظار وترقب لما يجري في سوريا، ولم يحسم قناعته بأن الإقامة يمكن أن تكون طويلة، وتفترض التعامل مع الواقع الجديد.

الأهم في موضوع العلاقة أن المثقفين اللبنانيين يتعاملون مع نظرائهم بعيداً عن الانقسامات الحادة التي يعيشها السوريون.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى