صفحات سوريةميشيل كيلو

هدن أسدية ألغت الهدنة الدولية/ ميشيل كيلو

 

 

ما إن توقفت “الأعمال العدائية”، وبدأ التلاعب بالقرار الدولي حول فك الحصار عن المدن السورية، وبإدخال مواد غذائية وأدوية إلى ملايين المحاصرين والمرضى والجياع من الأطفال والنساء والشيوخ، حتى منح النظام حزب الله حق الإشراف على مناطق عديدة، مشمولة بالقرار، وأعطاه سلطة السماح بإدخال الغوث إليها، أو منعه عنها، خصوصاً في المناطق الحدودية مع لبنان، كالزبداني ومضايا. بطرق كهذه، تنصل النظام من تطبيق ستة قرارات دولية تلزمه بفك الحصار عن مدن وقرى وبلدات سورية، وبايصال الغذاء والدواء إلى خمسة عشر مليونا ونصف الميلون سوري يجوع بعضهم منذ نيف وثلاثة أعوام، كما في المعضمية وداريا، على الرغم من أنه يوجد بين هذه القرارات واحد يفوّض المنظمات الدولية بإيصال المساعدات، من دون الرجوع إلى النظام. لكن هذه المنظمات تتصرّف وكأنه لا يوجد قرارٌ كهذا، مع أن الذين أصدروه ضمنوه خطوات محددة ربطوا تطبيقه بها، كإدخال الدواء والغذاء، وإخراج المرضى، والدخول والخروج الحر إلى الأماكن التي تم فك الحصار عنها، ورفع حواجز الجيش والأمن وإطلاق سراح معتقليها… إلخ.

لم ينتهك النظام هذا الاتفاق وحسب، وإنما بادر أيضاً إلي ممارسة ضغوط جديدة على هذه المناطق، لإجبار سكانها على عقد “هدن” منفردة معه، لن تقدم لهم أي شيء، غير ما تقدمه الأمم المتحدة، فلماذا يتجاهل النظام الهدنة الدولية، لكي يعرض “هدناً” محلية وجزئية، لا لزوم لها، من دون أن تعترض المنظمات الدولية أو المبعوث الأممي إلى سورية عليها، على الرغم من أنها تبلبل العمل الدولي وتضر بصدقيته، وتخالف قرار الهدنة الدولي عبر ربط إدخال مواد الإغاثة بتسليم سلاح مقاتلي المناطق المستهدفة، وبانضمامهم إلى مليشيات الشبيحة التابعة له، وقبولهم عودة ممثلي السلطة الأسدية التي ثاروا ضدها إلى بلداتهم ومدنهم وقراهم؟

كذب النظام، كعادته، في ما زعمه حول دور الهدن المحلية في فك الحصار عن ضحاياه. وكذب حول حقيقة مراميه التي استهدفت أولاً: إيهام السوريين أنه لا ولن يرضخ للقرارات الدولية حول فك الحصار. ولو رضخ لما تبنى مساراً منفصلاً عنها، هو هدنه الخاصة، القائمة على اعتبار الهدنة الدولية العامة منعدمة الوجود، ولما وضع شتى أنواع الصعوبات أمامها، وأخيرا، لما فعل ذلك على مرأى ومشهد من الأمم المتحدة التي تتخذ أي إجراء ردا على تحديه. وثانياً: إقناع عصاباته بأنه ينتمي إلى الطرف الرابح في الصراع الذي لم يتلق دعماً غير محدود ضد شعبه وحسب، بل ويشد العالم أزره ويحميه، حتى حين يخرج على الشرعية الدولية ويهينها، ويخالف إرادتها. وثالثاً: إقناع السوريين أنه باقٍ، لأنه فوق القانون الدولي، وإلا لكان العالم طبقه عليه وعاقبه، وأن استمراره راجع إلى أسرار لا يُباح بها، تؤكد أن العالم ضد الثورة، وأن من الأفضل لها الاستسلام والتخلي عن أوهامها حول التخلص منه.

لا داعي للقول إن هذه التصرفات بما تضمره من نيات، تنفي نفياً مطلقاً أن تكون لدى النظام أية رغبة في السلام والحل السياسي. وهي تطرح أسئلة على المجتمع الدولي، منها: هل يمكن لمن يرفض جميع القرارات الدولية، بما فيها قرار الهدنة وفك الحصار، أن ينفذ هذه القرارات، من دون ضغوط؟ وهل يصدّق عاقل أن من يحاصر السوريين، ليرغمهم على عقد “هدن” محلية بديلة للهدنة المقررة دولياً، يجبرهم تنفيذها على فك علاقتهم بالثورة، والعودة إلى بيت طاعته، يمكن أن يشارك في حلٍّ يجلب السلام لمن قتل أطفالهم ونساءهم وشيوخهم، قصفاً وحصاراً وتجويعاً؟

لم تطبق الأمم المتحدة قراراتها التي تلزم النظام بفك حصاره عن قرى ومدن وبلدات سورية. وبالكاد، احتجت على إفشال هدنتها، وفرض هدن جزئية وابتزازية على الناس، بينما تعامت عن ازدياد عدد المناطق المحاصرة وأعداد المحاصرين.

ثم يسألونك بجد إن كان التفاوض سينجح مع نظامٍ يمارس كل هذه الارتكابات، وتبقيه الشرعية الدولية مطلق اليد في ضحاياه.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى