صفحات العالم

هذه أسباب تراجع “داعش” في سوريا/ جلال زين الديـن

 

 

بالنسبة للعديد من السوريين القاطنين في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشم “داعش”، فإن هذا التنظيم ليس سوى حالة مرضية طارئة لا أصيلة في المجتمع. وهو في قمة تضخمه يحمل بذور تفتته وزواله، وهناك عوامل عدة تسهم في هذا التفتت أبرزها:

أولاً، تناقص أعداد المهاجرين الأجانب في التنظيم، ومردّ ذلك إلى البيعات التي حصل عليها أبو بكر البغدادي في سيناء وليبيا ونيجيريا، والتي أدّت لإلحاق الضرر بالتنظيم مقداراً يفوق المكاسب الإعلامية، فالمؤمنون بهذا الفكر المتطرف من أبناء المغرب العربي وأفريقيا وربما أجزاء من أوروبا سيلتحقون بالتنظيمات التي بايعت داعش والموجودة في هذه الدول، ما سينعكس سلباً على قوة التنظيم في سورية والعراق.

“عدنان” المقرب من عناصر التنظيم في ريف حلب، يشير إلى أنه في الواقع “تناقصت أعداد المتدفّقين من أبناء المغرب العربي بشكل كبير”، وأضاف: “يمكن القول إنَّ الهجرة توقفت”. والمتتبع لعمليات قدوم المهاجرين العرب عموماً يلحظ توقف هجرتهم بعد معارك التنظيم ضد الثوار في سوريا، ويعتقد البعض أن هذا هو السبب ربما الذي دفع البغدادي لقبول بيعات التنظيمات الأخرى ولو في مناطق بعيدة، وذلك أفضل من خسارتهم.

إضافة إلى ذلك فإن تناقض عدد المهاجرين يعود أيضًا إلى مقتلهم بأعداد كبيرة في معارك طاحنة في سورية والعراق، أو بسبب تشديد الرقابة الدولية على حركتهم. ومعلوم الدور الذي لعبه المهاجرون العرب أو الأجانب في تمدّد التنظيم، إذ يقول المحامي مصطفى إن “كل عمليات الاقتحام الكبرى أُسندت للمهاجرين، الذين يمتلكون عقيدة قتالية عالية، وتناقصهم لا يؤدي لضعف القدرة القتالية للتنظيم فحسب، بل يؤدي لانحسار أعداد المنخرطين بالتنظيم من الأنصار”، إذ أبهر المهاجرون الشباب السوري، وشكّلوا عامل جذب لهم بشجاعتهم المتهورة، كما أنَّ تناقص المهاجرين يضعف الهوية التي يحاول التنظيم وسم المنطقة بها.

ثانياً، فإن الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، وبمقدار ما زادت من إصرار المؤمنين بفكر التنظيم على المضي بمشروعهم، فإنها من جانب آخر أقنعت آخرين باستحالة أن يكون لهذا التنظيم دولة، إذ لا يستطيع رئيس هذه الدولة المفترضة أو وزراءه أو قادته الظهور، والتفاعل مع الشعب. ويقول المدرس محمد أمين من ريف حلب إن “الناس تسخر في مجالسها الخاصة المُغلقة من تنظيم الدولة، وإجراءاته في بناء المؤسسات، وينظرون لعملية البناء هذه على أنها عملية تخريب”، ويسمع عناصر التنظيم كثيراً من هذه الهمسات ما يشكل ضغوطاً نفسية عليهم، ويحول دون انخراط جدد في صفوف التنظيم.

ثالثاً، طريقة ممارسة التنظيم للسلطة، ونفور الحاضنة الشعبية منه جراء هذه الممارسة، إذ جذب التنظيم بداية كثيراً من العوام بدعوى محاربة الفساد، ومحاربة الظلم والاستبداد، وإقامة شرع الله وتحكيم الشريعة الإسلامية، لكنَّ الشارع صُدِم بحجم المظالم، وبطش القبضة الأمنية للتنظيم، وتشويهه للإسلام عبر التطبيق الشكلي له وغياب جوهر الدين الإسلامي. ويقول الشيخ عبد القادر من ريف حلب الشرقي إنه “من المستغرب أن تكون المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم أشد بغضاً له، لأنها عاينت إجرامه، ورأت فهمه الخاطئ للدين، وشتان بين السامع والرائي”، فأعداد المنخرطين في صفوف التنظيم مناطق سيطرته لا تذكر مقارنة مع الوضع البائس الذي يعيشه أبناء هذه المناطق، وحجم المغريات –ولا سيما المادية- التي يقدمها التنظيم.

رابعاً، المكاسب العسكرية والانتصارات التي يحققها الثوار بمساندة “جبهة النصرة” شكّلت ضربة قاتلة للتنظيم ولنظام بشار الأسد معاً. إذ لطالما اتهم تنظيم الدولة الثوار وجبهة النصرة بخيانة الإسلام والمسلمين، مدّعياً استحالة تحقيق هذه القوى النصر على الأسد. لكنَّ ما حققته “النصرة” من تفاهم مع الفصائل الثورية السورية، والتقدم في إدلب، شكّل خسارة كبيرة للتنظيم. ويقول الشيخ قاسم إن “تنظيم الدولة يخشى النصرة والتنظيمات السلفية أكثر من نظام الأسد والتحالف الدولي، فهذه التنظيمات سحبت مشروعية التنظيم الدينية، وأثبتت أنَّ هناك مشروعاً إسلامياً آخر لا يتناقض مع أهداف الثورة السورية، أو على الأقل يمكنه تحقيق الانسجام بهذه المرحلة على الأقل، بل أثبتت أنَّه من الخطأ احتكار الدين، وتسخيره لغايات سياسية لا تمت بصلة له”.

وهذا ما يفسّر ردود فعل التنظيم ومؤيديه على انتصارات النُصرة والثوار في إدلب. يقول أبو الحارث، وهو عنصر من تنظيم الدولة في ريف حلب الشرقي إن “النُصرة أضعف من أن تحافظ على النصر وستتراجع”، معتبراً أن “الاختبار الحقيقي لها سيكون في تطبيق الشرع، وهنا ستفشل بالتأكيد، فوجود “الجيش الحر” معها، ومن وراءه سادته سيمنعهم من تطبيق الشرع”. لكن المتابع لشؤون التنظيم يرى الخجل في وجوه عناصره، إلا أنهم مجبرون على نفي الواقع وإيجاد الذرائع حتى يبرروا موقفهم أمام أنفسهم أولاً وأمام الناس، فهم في مكان لا تراجع فيه.

خامساً، عملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، فهي من أبرز عوامل تفتت تنظيم “داعش”. وبحسب عدد من المتابعين لشؤون الجهاديين، فإنّ السلفية الجهادية الخليجية لعبت دوراً رئيساً في دعم تنظيم الدولة مادياً وبشرياً، و معظم الشرعيين في التنظيم من الخليجيين، وانتهج قسم من هؤلاء التطرف بدعوى استكانة دول الخليج واستسلامها للنفوذ الإيراني (الشيعي) وتخلّيها عن حماية أبناء السنة. أما وقد أثبت الواقع العكس، وأنَّ منطق الدول يختلف عن منطق التنظيمات والميليشيات فإنَّ مراجعة فكرية ستحدث عند هؤلاء. ويقول خريج الشريعة الشيخ قاسم: “لن نتحدث عن عودة الذين ذهبوا للعراق وسورية، ولكن من المؤكد أنَّ السلفية الجهادية ستفكر ملياً قبل التوجه للتنظيم أو دعمه”.

سادساً، العامل الزمني الذي يلعب دوراً في تفتت تنظيم الدولة. جُلّ المنتسبين لتنظيم الدولة من السوريين كان هدفهم بداية إسقاط نظام الأسد، وهدف المهاجرين نُصرة المظلومين في بلاد الشام. وبالتالي فإنّ طول المدة لتحقيق هذه الأهداف سؤدي إلى حالة من التململ في صفوف عناصر التنظيم، ولا سيما أنَّ ذلك يترافق مع غياب أفق سياسي واضح لدولة التنظيم، مع ضربات مؤلمة لها، إضافة لطبيعة الحياة العسكرية القاسية للتنظيم.

“داعش” حاربت كذلك عدداً من القوى الطائفية الأخرى التي تشكل وجهاً آخر للتنظيم نفسه في تطرفها، وربما تتفوق عليه. ويقول المحامي مصطفي من ريف حلب الشرقي إن “أبناء السُنّة وجدوا أنفسهم بين نارين؛ نار تطرف الميليشيات، ونار تنظيم الدولة، وآثروا نار التنظيم على نيران تلك الميليشيات الطائفية”، فوجود نظام سياسي عادل سيمنح الشباب خياراً ثالثاً. لكن كل ذلك مرهونٌ بالتطورات الإقليمية والنيّة الصادقة للمجتمع الدولي بالاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة، ورفع اليد عن أنظمة الاستبداد الطائفية.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى