سلامة كيلةصفحات سورية

هذه السنوات السبع/ سلامة كيلة

 

 

 

حريق حدث في جسد عامل في 17 كانون الأول/ ديسمبر أطلق حلماً جميلاً امتدّ في البلدان العربية، ولمس شعوب العالم. وأنهض آمالاً كان يبدو أنها انتهت منذ عقود “مداسة تحت أقدام” النهب الإمبريالي وسطوة النظم. وكسّر نمطيةً كانت تعمّم في الخطاب الإمبريالي، جوهرها اتسام المنطقة بالركود والتخلف وسيادة الأصولية الإسلامية والإرهاب، ومعاداة الديمقراطية.

لكننا الآن بعد سبع سنوات نغرق في الألم واليأس والشعور العميق بالفشل، فالوضع في تونس (وهو الأفضل) يراوح مكانه في تنازعٍ صامت، ومكبوت شعبي نتيجة تعمّق كل السمات التي صنعت الثورة: البطالة والفقر والتهميش. وفي مصر، باتت السطوة الشمولية أسوأ كثيراً، والانسحاق الشعبي توسّع كثيراً، والأمور تسير نحو الأسوأ على هذا الصعيد. واليمن يغرق في حرب أهلية وتدخل خليجي وحشي، وبات هذا التدخل هو المقرّر فيها. وليبيا مفكّكة بين “قبائل” وأحزاب، ومجموعات تتبع “الخارج”، وتعيش حرباً أهلية تخفت وتصعد. وطبعاً سورية باتت موقع صراع قوى متناقضة ضد الشعب، وتدخلات إمبريالية وإقليمية باتت تتحكّم في مسار الصراع، بعد أن جرى تدمير جزء كبير منها، وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. والعراق الذي حاول أن يطوّر احتجاجاته أُغرق في دموية السلطة، ومن ثم “داعش” والتدخل الإمبريالي الأميركي.

هل من أسوأ من ذلك كله؟ من كان يتخيّل أن يقود اشتعال جسد شاب إلى ذلك كله؟

لنعُد إلى البداية، في 17 ديسمبر/ كانون الأول بدأ تحرّك شعبي دفاعاً عن الشاب محمد البوعزيزي الذي كان قد حرق جسده، توسّع بانسياب من سيدي بوزيد إلى تونس كلها، ليتمركز حول وزارة الداخلية مركز القمع الوحشي. حدثت ثورة، ثورة كبيرة، فرضت ليس رحيل بن علي فقط، بل “فتحت باب جهنّم”، حيث امتدت إلى البلدان العربية، سواء ثوراتٍ أو حراكاً شعبياً، لكأن هذا الوطن كان محتقناً، إلى حدّ أنه يحتاج فقط إلى شعلة. كان الحراك سلمياً واسعاً، وشبابياً بشكل كبير، وذا شعاراتٍ واضحةٍ تتعلق بالخبز (العيش) والحرية والعدالة الاجتماعية، بالحق في العمل والأجر المناسب والديمقراطية. وهي شعارات طبقات اجتماعية، لكل منها مصالحه، تلخصت في هذا الجامع، المعبّر والذي يظهر غير ما يعمّم في الخطاب الإمبريالي. إنها ثورات طبقية، وليست تمرّدات “إسلامية”، وتدعو إلى الديمقراطية والحرية، وليس إلى حكم الدين، وتمسّ النمط الاقتصادي الذي أوجد الفقر والبطالة.

هي ثوراتٌ ككل الثورات الكبرى في التاريخ إذن. لهذا لامست شعوب العالم في دول الجنوب، وحتى في البلدان الرأسمالية التي باتت تنظر إلى العرب من منظور يناقض إعلام دولها، وتلمس فيما جرى ما يجب أن تفعله، حيث أنها تعيش المشكلات ذاتها، والعديد منها. لهذا أصبح ميدان التحرير في القاهرة رمزيةً لكل ثوري في العالم، وبات الحراك الشعبي الكبير حلماً تسعى إليه طبقاتٌ وأحزاب. وكأن “باب جهنم” بات ينتظر الرأسمالية التي تغرق في أزماتٍ لم تعد قادرة على حلّها، وحيث أنها تدفع الشعوب والطبقات العاملة إلى مزيد من الفقر والبطالة. وبالتالي، يتملكها الخوف الشديد من عودة شبح الثورات التي جاهدت طويلاً للتخلص منه، وظنت أنها استطاعت ذلك بعد انهيار الشيوعية.

إضافة إلى عوامل عديدة، ما نحن فيه الآن هو نتاج الرد الذي قامت به الطبقات الرأسمالية في المراكز الإمبريالية والدول العربية والإقليمية، حيث كان يجب إغراق الثورات بالدم والوحشية والتدمير، لطمر الحلم الذي نشأ فجأة ببناء عالمٍ جديدٍ يحقق الشعارات التي رفعتها الثورات، وهي تمسّ كل شعوب العالم. إذن، هجمة مضادة وحشية هي التي أوصلت إلى الوضع الذي نحن فيه بعد سبع سنواتٍ من الحلم الذي كان يتراجع بتتالٍ.

حطام كثير أُهيل على الحلم، وعلى الأمل، لكنه لن يستطيع “طمره”، فالأهم أن الشعوب تحرّكت، والأزمات تفرض عليها الاستمرار، والتجربة تصقل أجيالاً من صانعي التغيير.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى