صفحات العالم

هل أصبحت سوريا ساحة معركة بين إيران وخصومها؟


هدى الحسيني

ليس بالمقاومة والممانعة تحيا شعوب دولة بعدما تكون قد أخذت استقلالها، وليس بالمقاومة والممانعة تحيا شعوب دولة، جزء من أرضها محتل؛ إنما ترتبط بمواثيق دولية وتنتشر قوات حفظ السلام الدولية بينها وبين الدولة العدو.

ينسجم مفهوم المقاومة والممانعة مع النظام، ليقاوم منح شعبه أي نوع من الحرية، وليمانع في السماح لأحزاب أخرى بالوجود ومنافسة الحزب الحاكم ولو عبر برامج انتخابية.. وينسجم مفهوم المقاومة والممانعة مع احتلال دولة شقيقة تحت اسم قوات الردع العربية أولا، ومن ثم مقاومة وجود قوات الدول الأخرى، وممانعة حق شعب الدولة الشقيقة في التمسك بحريته واستقلاله.. مفهوم المقاومة والممانعة سمح لسوريا بالتدخل في شؤون دول عربية أخرى على أساس أنه لا حرب من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا.

هذا المفهوم، أو تلك المعادلة، حجب الرؤية عن النظام السوري، بأن الدجاج سيعود يوما ليبيض.

عام 2006 اتهم النظام السوري متشددين مرتبطين بـ«القاعدة» بشن هجوم على مجمع السفارة الأميركية في دمشق. لكن، هذا أثار شكوك خبراء أمنيين، بأن النظام نفسه متورط بشكل ما، وأراد استخدام الهجوم لإظهار تعاونه مع الولايات المتحدة ضد تنظيم «القاعدة»، وإحباط الهجوم كان لتحسين العلاقات مع واشنطن. ويبدو أن النظام يوم الاثنين الماضي اتخذ مخاطر محسوبة في إنتاج أزمة دبلوماسية مع أميركا وفرنسا. يقول لي مرجع غربي مطلع: «من المهم أن نتذكر أن زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي روبرت فورد وإريك شوفالييه إلى حماه لن تكون قد حدثت من دون موافقة الحكومة السورية، رغم أن الحكومة اشتكت واعتبرتها (تدخلا سافرا في الشؤون السورية)»، والسبب كما يضيف، أن «الحكومة أرادت التسبب في أزمة دبلوماسية مع واشنطن وباريس لتدعيم وجهة نظرها بأن السوريين سيقفون مع النظام في إدانة المتآمرين الأجانب لتدخلهم في الشؤون الداخلية السورية». ويشير إلى عنوان صحيفة «الثورة» التي تديرها الدولة: «فورد في مدينة حماه والسوريون غاضبون».

يضيف محدثي: «هل سيعطي هذا التكتيك النتيجة المرجوة؟ إن المناهضين للنظام حريصون على جذب انتباه الخارج لقضيتهم، وحذرون من محاولة النظام استخدام حجة المؤامرة الخارجية (الدولية) لتبرير ممارساته». ويؤكد أن «التوترات الدبلوماسية بين أميركا وسوريا سوف تتصاعد نتيجة الهجوم على السفارة ومنزل السفير الأميركي، لكن، لا توجد حوافز كثيرة من جانب أميركا لاتخاذ إجراءات مهمة ضد نظام الرئيس بشار الأسد. لأنه إضافة إلى إظهار أميركا عدم موافقتها على الحملات الأمنية السورية ضد المتظاهرين، فإن زيارة السفير روبرت فورد إلى حماه كانت تهدف إلى التعرف على نظرة المعارضة، وأن قوى المعارضة السورية لا تزال بعيدة جدا عن كونها البديل العملي لنظام الأسد، فالنظام البعثي لا يزال متماسكا، ولم يُكشف أن هناك انقسامات داخل الجيش من شأنها أن تدل على أن النظام عند حافة الانهيار، لذلك، فإن الرد الأميركي لن يكون أكثر من توبيخ دبلوماسي وفرض المزيد من العقوبات المحتملة».

إذا راقبنا وتابعنا ما يجري في حمص وحماه من مظاهرات وردود فعل النظام، نتذكر بنغازي ومصراتة في ليبيا. هذا التشابه لا بد أنه يلقي بظل ثقيل فوق تفكير الأسد، خصوصا أنه بدأ ينعكس في نهج وخطاب المجتمع الدولي، فالحديث عن تدخل دولي، كعملية توغل محدودة من جانب تركيا لإقامة منطقة عازلة داخل سوريا، عاد يتكرر بحجة توفير مناطق محمية للمعارضة السورية على غرار مدينة بنغازي في سوريا.

يوم الأحد، الثالث من يوليو (تموز) الحالي، تساءل مقال في صحيفة «حرييت» التركية عما إذا كانت القوات التركية قادرة على الدخول إلى سوريا من دون الحصول على موافقة دمشق أولا.. وأجاب: نعم. وأضاف المقال: «هناك احتمال أن تصبح سوريا أسوأ من العراق (…) مجازر جماعية وانهيار النظام والقانون قد يجعل التدخل التركي لا مفر منه، وإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية هو الخيار الأفضل لتركيا لتجنب تدخل عسكري مباشر. المهم أن لا يقدم الأسد على ارتكاب مجازر».

وفي السادس من هذا الشهر، اتهمت منظمة العفو الدولية النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

يبدو هذان التطوران، وكأنهما بداية لتكرار السيناريو الليبي. في الفترة الأخيرة اتهم الرئيس الليبي معمر القذافي، من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وحملة الأطلسي ضد القذافي وضد نظامه مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

ما تجدر ملاحظته أيضا أن القذافي لا يزال صامدا وإن كان غير مسيطر بالكامل. ويوم الاثنين الماضي قال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه: «الغارات الجوية على ليبيا فشلت ويجب أن تتوقف وتبدأ محادثات سلام حتى لو بقي القذافي وعائلته في السلطة أو مشاركين فيها». وكان قائد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء أبيب كونشافي قال: «أعتقد أن الأسد لا تزال لديه فرصة. ويجب عدم التقليل من حزمة الإصلاحات التي دعا إليها».

من ناحيتها، تجد حركات المعارضة السورية صعوبة في توحيد مواقفها. هناك العديد من الانقسامات بين المعارضين للنظام. انتقد قسم مثقفي دمشق الذين طالبوا بتطبيق تعميق الإصلاحات والحوار مع النظام دون إسقاط الأسد، وقسم، خصوصا سوريي الخارج، يطالب بإسقاط النظام. وكان لافتا ما نقلته هالة جابر مراسلة صحيفة الـ«صنداي تايمز» يوم الأحد الماضي التي كانت تغطي مظاهرات حماه يوم الجمعة، وكيف تقدمت منها فتاة صغيرة في نحو السابعة من العمر عندما كانت تمسح العرق عن وجهها وقالت لها: «بعض شعر رأسك ظاهر، وهذا ممنوع»!

بسام القاضي، رئيس مرصد «نساء سوريا»، كتب: «الإصلاحات ضرورية، إنما يجب أن تتحقق من دون عنف، وسوف يستغرق تنفيذها بعض الوقت، وأي انتخابات لن تكون حرة، ما لم يكن مضى عام على وضع القوانين الديمقراطية الجديدة المتوقعة: قانون الأحزاب، قانون الإعلام، قانون تجمعات عامة وحرة» وأضاف: «أي شيء أقل من هذا، فإن الانتخابات ستكون مقتصرة على موالين للنظام بطريقة عمياء، ومعادين للنظام بطريقة عمياء».

الصورة في سوريا حتى الآن معقدة جدا. الغرب يدافع عن الشعب السوري ويعاقب شركات ومؤسسات مملوكة للدولة ويعتمد عليها عشرات الآلاف من السوريين لتأمين لقمة عيشهم. وهناك النظام ووسائل قمعه، وهناك من هم ضده واستعملوا السلاح بهدف الإطاحة به. ثم هناك الذين ينتقدون كلا الجانبين، وإن كان بعض منهم انضم أحيانا إلى الاحتجاجات، لكنهم لم يلقوا بعد بثقلهم ضد أي من الطرفين. هؤلاء يمثلون الأغلبية ولا يزالون يمثلون «الوسط».

يمكن القول، إنه تقنيا، لا يواجه نظام الأسد خطرا وشيكا، فالركائز الأساسية لحكمه كالجيش ووحدة العائلة والطائفة لا تزال قائمة، لكن التهديد يأتي من عوامل أخرى تغذي عدم الاستقرار، وهناك خطر حقيقي من أن النسيج الاجتماعي السوري قد يبدأ في الانهيار قريبا.

وهناك قناعة بأن سوريا أصبحت ساحة معركة بين إيران وخصومها الغربيين والعرب.

خلال الأسابيع الماضية حاولت إيران جس النبض لبدء مفاوضات مع دولة عربية محددة، بهدف الحصول من العرب على الاعتراف بمجال النفوذ الإيراني مقابل أن تتخذ إيران خطوة إلى الوراء، ووضع حد أو على الأقل وقف تدخلها في الشؤون العربية الداخلية. والمعلومات الأخيرة تشير إلى أن المفاوضات بدأت، وعلينا مراقبة علامات التنازل التي سيُتفق عليها في المفاوضات في أماكن مثل البحرين، ولبنان، وسوريا والعراق!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى