صفحات العالم

هل أضاعت روسيا البوصلة في سوريا؟/ عبد الوهاب بدرخان

 

 

دعوة الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق نار إنساني في سوريا «غير واقعية»… هذه العبارة للسفير الروسي لدى المنظمة الدولية فاسيلي نيبنزيا، أشارت إلى رفض موسكو هدنة في منطقة الغوطة الشرقية المحاذية لدمشق، بعدما تدهور الوضع الإنساني إلى أدنى درجة، بفعل قصف متواصل أمر به النظام السوري، وتخلله استخدام لغاز الكلور.

وقال السفير الروسي مبررا هذا الموقف: «نرغب في أن نرى وقفا لإطلاق النار، نهاية للحرب، لكنني لست واثقا بأن الإرهابيين يوافقون على ذلك».

وسبق أن تفاوض الروس مباشرة مع المقاتلين «وليس الإرهابيين» في الغوطة، باعتبارها إحدى المناطق الأربع لـ«خفض التوتر»، وتوصلوا إلى اتفاق تلو اتفاق لوقف النار، وإيصال مساعدات إنسانية إلى أهالي المنطقة.

لكن النظام وحلفاءه أسقطوا كل الاتفاقات، لأنهم لا يرضون بأقل من استسلام المقاتلين وترحيلهم مع ذويهم… إلى إدلب.

أصبح معروفا أنه عندما يقال إن النظام السوري هو من ينفذ هذا القصف، فإن ذلك يعني أيضا أن الروس وآخرين متورطون فيه، لأن النظام الذي يرغب جدا في التخلص من خطر الغوطة تأمينا لـ«عاصمته»، لا يملك الإمكانات والعناصر البشرية.

لكن القصف الجنوني كان يشمل بالتزامن محافظة إدلب، التي ارتضاها الجميع قسرا منطقة التهجير الداخلي لسكان المناطق التي يجري إسقاطها عسكريا، كما حصل سابقا في شرقي حلب وبعض نواحي حمص والغوطة نفسها.

وهذا القصف كان روسيا، واستخدم فيه أيضا غاز الكلور في سراقب، وبالتالي فإن الاختباء وراء النظام ليس سوى إجراء احترازي لإبعاد تهمة السلاح الكيماوي عن موسكو، التي لا تجيز استخدامه فحسب، بل تتكفل بتجنيب نظام دمشق أية إدانة أو إجراءات دولية لمحاسبته.

أما لماذا القصف الروسي على إدلب؟!

فقد عرف العالم أنه للثأر والانتقام بعد إسقاط طائرة «سوخوي25» بصاروخ مضاد محمول على الكتف، وهو حادث نادر منذ بداية التدخل الروسي في خريف 2015، وجاء بعد فشل مؤتمر سوتشي.

لذلك تعتبره موسكو مؤشرا على مرحلة جديدة كانت تتوقعها ولا تعرف متى تبدأ، مرحلة تصبح فيها متورطة في سوريا، وليست مجرد طرف بالغ التفوق الناري وسط أطراف ضعفاء ومنهكين.

بل لعل موسكو اعتقدت أنها تمكنت من تجاوز مرحلة كهذه، ومن إحباطها مسبقا، لكنها ربما تعي الآن أنها تسرعت في الإيحاء، وأحيانا في الإعلان بأن الحرب انتهت، وبعد مضي أسبوعين على إسقاط الطائرة ومقتل طيارها، لم تستطع موسكو تحديد الجهة التي استهدفتها وتحدتها.

وبديهي أنها تشتبه بمجموعات تتلقى دعما أمريكيا ولا تستبعد أحدا، إذ تشعر بأن كل الأطراف المتدخلة في سوريا تريد إرسال إنذار إليها، ومع ذلك وجهت معظم انتقامها إلى الأسواق والمدارس والمستشفيات، أي أنها استهدفت المدنيين خصوصا، وليس «الإرهابيين» كما تصفهم.

بهذه «الإنجازات» في إدلب والغوطة، تريد روسيا بلورة حل سياسي للأزمة، لكن كل ما تشهده سوريا منذ بدأت روسيا تبشر بـ«انتهاء الحرب»، ومنذ هزيمة تنظيم «داعش»، كان امتدادا لمسلسل «جرائم الحرب»، وقد تنبه الجميع الآن إلى عودة الوضع إلى مربعه الأول:

صراع بين نظام وشعب، وقد استخدم «الإرهاب» لإفساد حقيقته، وليس «حصار القرون الوسطى» الذي تتعرض له الغوطة، كما وصفه المندوب الفرنسي في مجلس الأمن، قائلا أيضا: «عدنا الآن إلى المرحلة الأكثر قتامة من هذا النزاع»، سوى شهادة واضحة بأن الدور الروسي أضاع البوصلة.

كاتب صحفي لبناني

العرب القطرية

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى