صفحات العالم

هل اطمئنان النظام السوري في محله؟


 سركيس نعوم

الأخبار الواردة من دمشق على عدد من المتصلين بها تشير الى ان القيادة السياسية السورية العليا لا تزال واثقة من قدرتها على التعامل مع “الانتفاضة الشعبية” المندلعة منذ ستة اشهر وما تسميه هي عصابات التخريب المدفوعة من الخارج الاميركي – الاسرائيلي بغية ضرب نظام الممانعة الوحيد في العالم العربي. فالجيش السوري ورغم ما يبثه بعض الإعلام المرئي “المغرض” وتنشره وسائل الإعلام الاخرى عن انشقاقات داخله لا يزال متماسكاً، ولا يزال ولاؤه للنظام تاماً، ولا يزال على جهوزيته المعروفة للتعامل مع التطورات التي قد تستجد في سوريا. ولا يقلل ذلك “فرار” عدد من العناصر منه والتحاقهم بالمنتفضين، لأنهم يبقون افراداً عاجزين عن اطلاق “فرار” جماعي وعن ضمّ قطعات عسكرية مهمة بكامل سلاحها وعتادها اليهم.

وعدد التظاهرات الشعبية في رأي القيادة المشار اليها اعلاه الى تراجع وكذلك عدد المشاركين فيها. هذا فضلاً عن التراجع في اعداد ضحايا “تصدي” القوى الامنية والعسكرية لها. وقيادة النظام السوري لا تشعر بالهلع على الاطلاق. وقد ظهر ذلك من طريقة تعاطيها مع الاجتماع الاخير لمجلس جامعة الدول العربية الذي اصدر بياناً سلبياً حيال دمشق، وقرر ابلاغه الى القيادة فيها بواسطة لجنة عربية يكون الأمين العام للجامعة في عدادها. فهي رفضت البيان، ونفت ان يكون تمّ الاتفاق على اصدار اي بيان، وخفّضت مستوى مشاركتها في الاجتماع الذي كان على مستوى الوزراء ورفضت استقبال اللجنة العربية، ولم تُعطِ الأمين العام للجامعة الضوء الاخضر للقيام بالزيارة منفرداً الا بعد انقضاء اسبوع او اكثر افهمته اثناء المشاورات التي تخللته ان شرط الاستقبال والبحث هو غياب اي شيء اسمه “ابلاغ” او “بيان” او “موقف رسمي عربي جماعي”.

كما ظهر عدم شعور القيادة السياسية السورية العليا بالهلع من خلال الاتصالات المستمرة وإن بتقطع بين سوريا ودول عربية عدة منها قطر. فهي اكدت لبعض هذه الدول الذي ابلغ اليها انه يحمل مشروعاً اصلاحياً لسوريا عماده الديموقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان وما الى ذلك، ان الهدف الاساسي من التحرّك في الشارع السوري او بالاحرى من دفع الغرب وحلفائه العرب بعض هذا الشارع الى التحرّك هو تهيئة الظروف لسلام مع اسرائيل بشروطها وليس سيادة العدل والمساواة بين ابناء الشعب السوري واطيافه المتنوعة. كما تساءلت امامه عن صدق “غرامه” بالديموقراطية مع الدول العربية الاخرى وخصوصاً الخليجية منها التي لم يُعرف عنها يوماً إحترام لحقوق الانسان او للتنوع والتعددية الاثنية والطائفية والمذهبية.

الى ذلك كله لا تشعر قيادة النظام السوري بالهلع لأنها تعرف ان الغرب يعرف ان سوريا ليست ليبيا، وان عملاً عسكرياً جماعياً دولياً او شرق اطلسي ضدها ليس وارداً عنده وخصوصاً عند اميركا. ولأنها تعرف ايضاً ان زعيمة هذا الغرب لم تصل الى حد طلب تنحّي الاسد إلا قبل اسابيع لأنها تخاف البديل من نظامه في ضوء ظهور قوة الاسلاميين من “اخوانيين” وسلفيين ومتطرفين ليس في سوريا فحسب بل في العالم العربي كله.

هل ثقة نظام سوريا بنفسه وأهله به المفصّلة اعلاه في محلها؟

المتابعون الموضوعيون من لبنان وعدد من المتابعين الاميركيين يؤكدون ان نظام الاسد لا يزال قوياً وبعيداً من الانفجار من داخل، ذلك ان في مقابل القسم من الشعب المقهور والمطالب باسقاطه هناك قسم آخر لا يزال معه، وهو يمثّل عناصر “مفتاحية” من المجتمع السوري. فضلاً عن ان تشرذم المنتفضين يدفع الى التساؤل عن إمكان نجاحهم في قلب النظام. لكنهم يقولون في الوقت نفسه ان النظام السوري اكد لحلفائه اللبنانيين اكثر من مرة انه سيقضي على الانتفاضة خلال اسابيع. لكنه كان يمدّد المهلة كل مرة يراهم فيها الى درجة ان بعضهم “العليم” قال انه سمع من مرجعيات عليا ان النظام يحتاج الى سنة للتخلّص من الانتفاضة، علماً ان بعضاً آخر منهم سمع بعد ذلك ومن دمشق ان القضاء عليها يستلزم سنتين.

في اختصار المراقبة الميدانية تشير الى عدم سهولة قضاء النظام على الانتفاضة من دون استعمال اسلوب حماه لعام 1982، أن الظروف الدولية والاقليمية لا تسمح به، ولأن مضاعفاته على مستعمله قد تكون سلبية. وتشير ايضاً الى عدم استسهال نجاح الانتفاضة في “اسقاط النظام”. ويعني ذلك ان الوضع الراهن في سوريا “سيعِسّ” اي سيستمر حريقه مع فترات من الانطفاء قد تكون قليلة. وعواقب ذلك وخيمة على السلم الاهلي في سوريا كما على لبنان.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى