حازم نهارصفحات مميزة

هل الاخوان وحدهم المشكلة؟: حازم نهار

 

حازم نهار

  تنتشر اليوم موجة من الهجوم الواسع على جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ربما بالاستفادة من المزاج العام المتوافق مع تحميل الإخوان في مصر وتونس مسؤولية الفشل حتى الآن. تستحق الجماعة في سورية النقد بالتأكيد، وهناك الكثير مما قيل منذ بداية الثورة في هذا الشأن، فقد جرى تحذيرها في مناسبات عديدة من الذهاب وراء الموجة الإخوانية التي تجتاح دول الربيع العربي، ونُصحوا أنه إذا كان الإخوان في مصر قد أخذوا الصف الثاني أثناء الثورة، فإنهم في سورية ينبغي أن يأخذوا الصف العاشر، بحكم اختلاف طبيعة البلدين من جهة، ومعرفتنا بالنظام السوري الذي سيسعى بالضرورة نحو إسباغ الصفة الإسلامية، وتالياً الإخوانية، على الثورة السورية من جهة ثانية. لكن هذا لم يحدث للأسف، إذ كانت الجماعة مستعجلة لتصدّر المشهد السياسي، وقرأت الوضع بشكل خاطئ عندما اعتقدت أن هناك مباركة دولية لحكمها استناداً إلى أنها الأقدر على تحييد وشل الأصولية الإسلامية أكثر من أي طرف آخر.

بعد قيام الثورة بأشهر، سارع الإخوان لتعديل موقف تجميد معارضتهم للنظام الذي أعلنوا عنه في أوائل عام 2009 إبان الحرب الإسرائيلية على غزة، وبدؤوا يتصرفون وكأنهم من أطلق الثورة، مع أنه لم يكن لهم أي علاقة على الإطلاق بها، لا هم ولا غيرهم. وعندما انتقلت الثورة نحو العسكرة بدأت الجماعة تشتري الولاءات بالمال السياسي، وتتحكم بالإغاثة، وبتشكيل المجالس المحلية والمدنية، وتخزن الأسلحة والذخائر، ربما استعداداً لمرحلة مقبلة.

بعض النقد الموجّه للإخوان يحمِّلهم مسؤولية عسكرة الثورة، وهذا غير صحيح، فلا الإخوان ولا غيرهم امتلكوا القدرة على التأثير في مسار الأحداث. فالنظام جرّ الجميع إلى هذا المسار، وما كان من الممكن تفادي ذلك في ظل عدم وجود توافق دولي إقليمي حول الوضع في سورية، حتى خرجت الأمور من يد الجميع.

لكن هذا لا يمنع محاولة استكشاف خلفيات ظاهرة نقد الإخوان المسلمين، وهنا نجد عدة احتمالات تتجسد في أربعة أنواع من النقد. النوع الأول، وهو النقد الذي يأتي في محاولة للتبرؤ من كل مشاكل المعارضة وإلصاقها بالإخوان. والثاني يأتي في سياق حالة من عدم التعيين، أي لمجرد النقد. والثالث، هو النوع الذي يسعى إلى تحصيل جوائز ترضية عن طريق نقد الإخوان. والرابع، وهو قليل، يصبّ في سياق المصلحة الوطنية وبناء رؤية متكاملة.

فيما يتعلق بالنوع الأول، أي الذي يأتي في سياق التبرؤ من أزمة المعارضة اليوم، وشيطنة الإخوان وتبرئة غيرهم، نستطيع القول إن الجميع مسؤولون بدرجات مختلفة عن هذه الأزمة، وهناك أطراف وشخصيات عديدة كان لها دور أكبر من الإخوان في إنتاج هذه الأزمة.

في الحقيقة، لم يكن هناك إخوان مسلمون عندما فشلت المعارضة داخل سورية في بناء توافق بين القوى السياسية  منذ عام 2008، وتكرّس انقسام حاد بينها، ولم تستطع بعد الثورة إعادة النظر في خطابها ومسؤولياتها، حتى أصبحنا أمام كتلتين متنازعتين، هيئة التنسيق الوطنية وإعلان دمشق، ولم تنجح كل محاولات التوفيق بينهما. فكل حالات الفشل في توحيد الجهود قبل الثورة، وخلال الأشهر الستة الأولى منها لم يكن للإخوان يد فيها.

كذلك، لا يد للإخوان في فشل هيئة التنسيق في لمّ الشمل وانفضاض القوى والأفراد عنها، كما لا دور لهم في سير ائتلاف إعلان دمشق نحو الاضمحلال التدرجي، ولا دور لهم في أن حزب الشعب حاول القيام بدور الحزب القائد في إعلان دمشق، وهو الحزب الذي لم يكن يهنأ له بال سوى بالنوم في حضن الإخوان، ولا دور لهم أيضاً في أن حزب الاتحاد تصرف على الدوام كحزب قائد في التجمع الوطني وفي هيئة التنسيق الوطنية بعد تشكلها. لا دور للإخوان في عدم ديمقراطية هذه الأحزاب والتشكلات واستمرارها بقياداتها نفسها منذ عقود.

لا دور للإخوان أيضاً في أن ما يسمى التيار الوطني الديمقراطي لم يستطع للآن توحيد صفوفه، بل وعجز عن بناء مؤسسات سياسية حقيقية، بما فيها التي تشكلت بعد الثورة. وبدلاً من مراجعة الذات وإعادة البناء ومعالجة عيوبه العديدة، يذهب هذا التيار نحو جعل حركة الإخوان كقميص عثمان الذي تلصق به كل الشرور. بعض التشكلات السياسية لا تزال مستمرة بحكم عاملين اثنين فحسب، الأول هو “ماركة الاسم”، والثاني وجود بعض الشخصيات الإعلامية داخلها. في ما عدا ذلك لا تمتلك أي مؤهلات أو عناصر للاستمرارية في المستقبل. ومن المفيد بالتالي، إلى جانب نقد الإخوان، أن ترفع هذه القوى لافتة “إكرام الميت دفنه” كي تكون أمينة للحقيقة السياسية.

لم يقدِّم هذا التيار حالة موثوقة واحدة، إن كان على صعيد الأداء أو الخطاب. فهو يفتقد للرؤية السياسية الواضحة، وتقوم مسيرته على “النطوطة” ولا تبعث على الطمأنينة. لا يوجد خطة عمل، ولا مرتكزات محدّدة في العلاقات الدولية، وهناك ضحالة في الإدارة والتنظيم والالتزام بالقانون، وبدلاً منها يحضر المزاج وينعدم أي ملمح للعمل الجماعي المؤسّسي، وتسيطر على قواه السياسية العيوب الشخصية لبعض الأفراد الذين يتحفوننا كل يوم برأي سياسي جديد.

تندب قوى وشخوص هذا التيار اليوم حظّها عندما تجد نفسها خارج أي تمثيل سياسي وإغاثي وعسكري، وتحلِّل ذلك بأشبه ما يكون مؤامرة من دول بعينها تقف وراء تأييد الإخوان. الوعي السطحي يرسم معادلات خطية بسيطة بين القوى والأشياء والفاعلين السياسيين، كأن يربط الإخوان المسلمين بقطر، وتالياً بواشنطن، بينما في الحقيقة تكون العلاقات بين الدول، وبين الدول والقوى السياسية، أعقد بكثير من هذه الأحكام، وفضيلة الإخوان تأتي من كونهم الطرف الأكثر تماسكاً وتنظيماً واجتهاداً واستغلالاً لعلاقاتهم فحسب.

النوع الثاني من النقد يصب دائماً في حالة من عدم التعيين، لا نكاد نخرج منه بمؤشِّر ما للمستقبل أو بفائدة لتغيير مسار ما، ويتركنا دائماً في حالة أشبه بالضياع والهلامية، ولذلك لا قيمة له في التجسّد سياسياً. أما النوع الثالث من النقد فهو ذاك الذي يختفي ويقبل بما هو موجود طالما المواقع الشخصية مضمونة، ولا يظهر إلى العلن إلا بقصد المساومة والحصول على جوائز ترضية.

 النوع الرابع هو ما يستحق التعاطي معه، أي ذاك الذي يرى اللوحة كاملة، ويفتش عن عيوب الذات والآخر، أملاً في إنتاج تجارب جديدة أكثر جدية وأقل أمراضاً وأعظم قدرة على الفعل والاستمرار. في الحقيقة، لم تقصِّر كل أطراف المعارضة، لا داخل البلد ولا خارجها، في إضافة المزيد من العقبات التي منعت التطور السياسي للمجتمع السوري خلال الثورة، بل إنها نقلت أمراضها إليه وشوَّشته، لأنها مارست السياسة، ولا تزال، ضجيجاً وصراخاً وعويلاً، وفي بعض الأحيان مزاجاً ومزاودةً وتسكعاً وتسولاً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى