صفحات مميزة

هل الجيش السوري أخطأ الاصطفاف ؟


د. أميمة أحمد

في 8 آذار/ مارس من عام 1963 قامت مجموعة من ضباط الجيش السوري بانقلاب على النظام المدني القائم آنذاك ، وسميت الحركة الانقلابية ‘ ثورة 8 آذار قام بها الضباط الأحرار’ ، هؤلاء الضباط الذين لم تتجاوز أعمار أغلبهم الثلاثين عاما حملوا أحلاما عراضا ندية بالأماني ، تبشر بحياة أفضل للشعب السوري، وكان بين هؤلاء الضباط حافظ الأسد ومعه صلاح جديد وعبد الكريم الجندي وأمين الحافظ وغيرهم وضعوا حياتهم على أكفهم ليصنعوا حياة أفضل للشعب السوري ، الذي التف حولهم وكله أمل بتحقيق الوعود الوردية ، داخليا تمثلت بالعمل، التعليم ، الصحة ، خدمات اجتماعية ، اختيار ممثليهم في النقابات والبرلمان ، وخارجيا ، اعتبارها قضية العرب المركزية ، ويبقى الاستقلال منقوصا مادامت فلسطين محتلة ، لذا تحريرها من أولويات المهام الوطنية ، كانت الأحلام أقرب لحلم جميل قبل طلوع الفجر، وبهمة عنفوان هذا السن الشبابي أرادوا تحقيق الحلم .

وكان لانقلاب سورية له نظيره في مصر حركة 23 يوليو 1952 التي قام بها مجموعة ضباط بقيادة محمود نجيب ،وبعد صراع على السلطة بين مجموعة الضباط حسم الصراع لصالح الرئيس جمال عبد الناصر الذي ترأس مجلس قيادة الثورة 1954 وحتى وفاته 1970 ، استمد شرعيته من ثورة يوليو ، كما استمد قادة الإنقلاب في سورية شرعيتهم من ‘ ثورة 8 آذار ‘ .

تماما كان الصراع في سورية على السلطة ، لذا شهدت سورية ثلاثة انقلابات آخرها انقلاب وزير الدفاع حافظ الأسد على رفاقه نور الدين الأتاسي وصلاح جديد ويوسف زعين وآخرين، قضى معظمهم بالسجن نحو ربع قرن دون محاكمة ، ومات صلاح جديد قي سجنه، ولم ير الحرية ولو لأشهر كما حصل لرئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي الذي توفي بعد ستة أشهر من إطلاق سراحه بسبب السرطان الذي أصابه في سجنه ومُنع عنه العلاج . بانقلاب ‘ الحركة التصحيحية ‘ كما وصفها قائد الانقلاب ، وأصبح رئيسا للبلاد منذ 1970 حتى وفاته 2000 ، وورث الحكم لابنه طبيب العيون بشار بعدما مات الوريث الحقيقي باسل في حادث سير عام 1994.

ادعى الحكم الجديد العسكري بلباس مدني ،انه سيحقق العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات الوطن على المواطنين ، بعدما كانت حكرا على الأثرياء .

المقايضة كانت واضحة ، عدالة اجتماعية مقابل القبول بعدم المشاركة السياسية وبالتالي غياب الحريات الديموقراطية ، وإعلام رسمي يمتدح النظام لدرجة ‘ تأليه ‘ القائد في عهد الرئيس حافظ الأسد واستمر الحال إلى وريثه . كان الثمن باهظا لهذه المقايضة ، حيث تصحرت الحياة السياسية قي سورية بعدما كانت تعج بالأحزاب وتعددية الآراء من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين والانتخابات البرلمانية ، وكان النائب بالبرلمان جدير بالتفويض الشعبي الذي تمنحه له أصوات الناخبين ، يعني ‘ نائب ‘ ملوو هدومو ‘ يمثل الشعب عن جدارة ، لكن في ظل نظام البعث قائد الدولة والمجتمع وفق المادة الثامنة من الدستور السوري ، غابت الحريات تماما .

هذا الجيش السوري الذي كان مطمعا للشباب للانتساب إليه ليصبحوا ضباطا شرفاء يذودون عن حمى الوطن ، وخرجت أغاني للقوات المسلحة السورية في معركتها مع التنمية وفي مواجهة العدو رغم هزيمة 1967 .

اليوم ينعقد اللسان دهشة والشعب السوري يرى دبابات جيشه الوطني تطوق المدن والبلدات لسورية ، وأفراد من الجيش الجيش رفقة المخابرات بأجهزتها المختلفة يقتلون الشعب بدم بارد ، ترى هل أخطأ الجيش في اختيار موقعه من انتفاضة السوريين على الظلم والفساد والمحسوبية واحتكار السلطة والاقتصاد من قبل مجموعة اقرب للعصابة من أن تكون أفرادا في الدولة ؟ لماذا لم يقف الجيش السوري موقف الجيش المصري من انتفاضة مصر؟ لماذا لم يقف مثل موقف الجيش التونسي ؟ كان للجيشين موقف يحسب لهم باختصار فترة الاحتجاجات والمواجهات مع الأجهزة الأمنية للنظامين وبلطجيتهما ، وبالتالي حقن دماء الشعب ، فكلفة الثورة التونسية 280 شهيدا في أربع أسابيع ، وكلفة الثورة المصرية نحو 600 شهيد في نحو ثلاثة أسابيع، بينما كلفة الانتفاضة السورية منذ انطلاقتها في 15 مارس / آذار الماضي تجاوزت 2500 شهيد ، و 15 ألف معتقل ، وأكثر من 11 ألف نازح لدول الجوار بعد حملة قمع شرسة ضد المدنيين ، يتساءل المرء لماذا لم يعلن أي من قادة الفرق العسكرية الانشقاق عن الجيش كما حصل في الجيش الليبي والجيش اليمني ؟ لماذا لم يقدم أي مسؤول بالخارجية استقالته ، بل على العكس طلع وليد المعلم رئيس الدبلوماسية السورية ‘ بشطب ‘ أوربا من الخارطة . لكن هناك قناعة أن الجيش السوري الوطني سليل البطل يوسف العظمة لايمكن أن يخون قسمه بالدفاع عن أمن الوطن وحماية الشعب ، وإن انساق خلف دعاية النظام وما يروجه من ترهات ‘ جماعات مسلحة ومندسين ومؤامرة خارجية ‘ فليس مقبولا له بعد خمسة أشهر أن يسكت على قيام الشبيحة والقوات الأمنية بقتل الشعب ، فليعرف أبناء القوات المسلحة أن النظام يعرف قبل غيره أن دعايته بالتآمر الخارجي غير صحيحة مطلقا ، وآن لهم حسم هذا الوضع الخارج عن القانون الوضعي والإلهي.

‘ إعلامية سورية مقيمة بالجزائر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على feda إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى