صفحات العالم

هل الشرق الأوسط مرشح للمزيد من الدماء؟!/ د. نقولا زيدان

نتساءل بحق عن كل هذا الكم الهائل والسيل المتدفق المتدافع المتشابك من العناصر والتطورات والأحداث المثيرة التي لا تتوقف عند حد، هل تكمن في مكونات وسمات وتركيبة الأزمة السورية نفسها، أم تدخل في مسار وسياق التحضير لجنيف2 وكل فرق العمل واللجان التحضيرية والمفاوضات الجانبية والغالب عليها طابع السرية والتحفظ والتكتّم، حتى تختلط الأمور، وحيث يراد لنا أن نقف حائرين أمام خطة محكمة ومتقنة الإعداد والترتيب جرى الاتفاق عليها قبل شهور والمسماة اتفاق كيري لافروف؟ هل نحن حيال سايكس بيكو جديد بإخراج عصري يلائم المرحلة القائمة ومعطياتها الشرق أوسطية، يجري فرضها قسراً على شعوب المنطقة وعلى الشعب السوري على وجه الخصوص؟

من هي الجهة التي ابتدعت “داعش” وقدمت لها الرعاية والتسهيلات، بل فتحت لعناصرها أبواب السجون وأطلقتها في وسط العراق وغربه (الانبار) ثم راحت تحت ستار ليل الانتفاضة الشعبية السورية والمواجهات العسكرية تتسرب الى سوريا فتطعن الجيش السوري الحر في الخاصرة والخلف، فينعقد جنيف2 في ظروف مؤاتية لمصلحة نظام الأسد وحلفائه، ليستمر الديكتاتور الدموي وبطانته في السلطة في دمشق مهما كان الثمن؟

الى أي مستوى من البعثرة والتردي والتمزق قادت السياسة الأميركية، ضاغطة في السر والعلن على حلفائها الغربيين والدول العربية المساندة للثورة السورية، لحجب المساعدات العسكرية النوعية الناجعة والفعالة عن الثورة، مستبدلة أقنعة التحفظ والتريث بأقنعة أخرى مع ندها الروسي، بهدف تحويل مؤتمر جنيف2 (مونترو) الى حل منقوص وجهيض المستفيد الأول من نظام الأسد وحلفاؤه الإقليميون والدوليون؟

ما الذي يدور في الأنبار حيث معارك الفلوجة والرمادي، حيث المواجهات بين “داعش” و”النصرة” و”القاعدة” والجيش العراقي ومسلحي العشائر؟

إن تاريخ “داعش” لجهة من أنشأها وطوّرها وسهّل لها، والغاية التي أعدت لها ولمن تعمل ولمصلحة من وتخدم أي أهداف ووفق أي أجندة؟ كل ذلك لمعروف وجليّ للقاصي والداني!

إنه النظام الأأسدي وحليفه في طهران مروراً بحكومة المالكي لصاحبها في طهران. وهل تخفى علينا خلافات المالكي في زيارته الأخيرة لواشنطن عندما قطع زيارته وعاد مثقلاً بالضغوط الأميركية لينقلب على “داعش” التي ساهم في صنعها؟ أهل كان الانقلاب على “داعش” أحد الشروط الضمنية في الاتفاق النووي الإيراني الغربي؟ لا بل من المؤكد أنه كان في صلب اتفاق كيري لافروف. فهل من باب الصدفة أن يبدأ لافروف يروّج في الآونة الأخيرة أن مؤتمر جنيف2 قد يتحول الى مؤتمر ضد الإرهاب؟ لعبة ذكية يديرها الكرملين لتحويل المؤتمر عن مساره الحقيقي المنبثق عن جنيف 1 والذي نص على حكومة سورية انتقالية كاملة الصلاحيات في مرحلة ما بعد الاسد كما جاء حرفياً في بيانه الختامي (30/6/2012).

في المفهوم السياسي الذي لا يحتاج للكثير من الذكاء والادراك، لا يمكن الفصل بين التخاذل الاميركي حيال استخدام الاسد للسلاح الكيماوي من جهة وعقد اتفاق كيري – لافروف من جهة أخرى، لا بل وصولا للاتفاق النووي الايراني – الاميركي – الغربي دونما ادنى شك كمحصلة منطقية لتبادل المصالح وعقد الصفقات.

لمن المذهل والمعيب ان ينصح السفير روبرت فورد راس فريق العمل الاميركي المكلف بالاعداد لجنيف2، المعارضة السورية بالتوجه الى موسكو طلباً للسلاح الضروري للجيش السوري الحر والذي تأبى واشنطن تسليمه له. وفي الحال نصل الى استنتاج هو قمة في الاحباط: إذا كانت كل مؤتمرات اصدقاء الشعب السوري اشبه بمسرحية متعددة الفصول انعقدت بهدف اطالة الحرب السورية واستمرار معاناة الشعب السوري ومآسيه.

أتحولت سوريا على ضوء هذه المعطيات الملتبسة والمريبة الى كعكة جديدة للقوى العالمية والاقليمية تماما كما كانت بولندا في القرنين الثامن والتاسع عشر الماضيين تتقاسمها بروسيا وروسيا والنمسا فغابت عن خارطة اوروبا حتى مؤتمر باريس (1920) لتعود مجدداً عام 1939 فتشكل الفتيل الصاعق الذي اشعل الحرب العالمية الثانية.

ان وحدة اراضي سوريا وشعبها لمهددة الآن بأشد المخاطر، ودماء الشعب السوري ومهج شعبها وأرواحهم تتقاذفها الأطماع والصفقات والاتفاقات السرية، فما بالك من ملايين النازحين داخل سوريا وخارجها.

بل أسوأ من ذلك عندما ينتقل الصراع الدموي الى لبنان، بعد تورط حزب الله في الحرب هناك… فالذي جرى بالضبط انه ادعى ارسال مقاتليه لمقاومة “التكفيريين” في سوريا فاذا به يستقدمهم الى لبنان.

وفي ظل الأزمة اللبنانية المتعددة الجوانب التي تتخبط في فصلها الاخير منذ تسعة شهور، يرسل النظام السوري المتوجس هلعاً من جنيف 2 وبالتحديد من احتمال توافق طهران مع الاتجاه العام السائد هناك بضرورة تنحي الاسد، أزمته الخانقة الى ارضنا، فنعيش في حالة لا توصف من الخوف والهلع من الاغتيالات والتفجيرات المتواصلة.

بل تتحدث الصحف الايرانية وقادة الحرس الثوري هناك عن اسابيع مقبلة حافلة بالمزيد من سفك الدماء على ارضنا. وتأتي زيارة محمد جواد ظريف وزير خارجية ايران في هذا السياق بالذات بمعنى انه قادم ليشد ازرنا فننقض على الجراح ونصبر حتى يرفض جنيف 2 عن نتائج ملموسة قابلة للتنفيذ، تلك النتائج التي ستطيح بالنظام الاسدي الذي يتشبث بالسلطة في دمشق. ومن اجل ذلك نجده مستعداً دفاعاً عن رمقه الأخير لتحويل ليس سوريا كلها فحسب بل العراق ولبنان الى بحر من الدماء.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى