صفحات العالم

هل العلمانية تبرير كافٍ للاستبداد؟

 


منى فياض

وسط الحيرة اللبنانية في كيفية التعامل مع أحداث سوريا، الأكثر اثارة للدهشة هو تبرير بعض حلفاء النظام السوري، وخاصة من المسيحيين، دعمهم هذا النظام بأنه علماني.

يختلف تعامل الدول الغربية مع الثورات العربية، ولنقل الانتفاضات لمن لا يثق بها بعد، باختلاف الدولة العربية المعنية. فتتوجه لكل نظام بخطاب وسلوك مختلفين. مرّت الثورة التونسية تحت أنظار العالم مثيرة انتباهه ولكن ليس تخوفه او اهتمامه الكبير. تونس على أهمية ريادة تجربتها وخصوصياتها بلد صغير ولا يملك الثروات وموقعها ودورها في النظام العربي ليسا مركزيين.

اختلف الأمر مع مصر التي أثارت اهتمام وأهواء وإعجاب العالم أجمع. وسمعنا عن انها اعتادت منذ قدم التاريخ أن تكون رائدة في بث قيم ومرجعيات تصلح دروسا للعالم، وسرعان ما دعمت ثورتها ربما للحد من خسائر الدولة المعنية أكثر من غيرها بهذا التغير، أي اسرائيل، كي لا يحصل طوفان لا يمكن ضبطه. تركت للقذافي مهلة من الوقت لكي يستعد جيداً، ثم تمت مجابهته وبالرغم من تدخل قوات التحالف الغربي الدولي مجتمعة نجده يقف صامداً تجاههم !!؟ بحيث قد تنجر ليبيا الى حرب أهلية تحت أبصار العالم؛ وفيما يتندرون على أفعاله المستهجنة وأقواله البعيدة عن المنطق السليم، لا يزالون يراعونه بطريقة غير مقنعة أو مفهومة.

في اليمن لا يزال صالح واقفاً على رأس نظامه المهزوز، كي لا يبدو التراجع أمام الثورات الشعبية سهلاً وسريعاً كما حصل في تونس ومصر. فالجارة الكبرى هناك يتم أيضاً مراعاة وضعها والسماح لها بأطول وقت ممكن لمراجعة ملفاتها فربما توقف الاصلاحات موجة التسونامي على أعتابها. من هنا كان استخدام القسوة والقمع في البحرين ممكنين بغض طرف دول العالم الديموقراطي من أجل طي سريع لصفحة الاصلاح السياسي والعام تجاه أقلية شيعية (كنموذج عن الأقليات غير المعترف بحقوقها) تطرح مشكلة في أكثر من بلد.

وصلت العدوى إلى سوريا، التي لم يكن من المنتظر أن تثور بمثل هذه السرعة، نظراً لاختلاف خطاب النظام الممانع (كما شرح مفصلاً الرئيس السوري في مقابلته الصحافية الشهيرة) ولأن الشعب السوري عانى طويلاً من آثار التروما التي وقع ضحيتها إثر مجازر حمص وحماة في 1982 وقبلها بعامين منذ العام 1980. ترك السوريون تحت النار منذ منتصف الشهر الفائت فالدول الغربية والجوار تتعامل مع هذا الوضع بميزان الذهب، وتحتار ما هو الموقف الملائم الذي عليها اتخاذه؟ مساندة النظام بوضوح عبر السكوت عن القمع الذي سبق لها ان عارضته في أماكن أخرى، أم مساندة الشعب في انتفاضته وفي مطالبه التي لا تشذ عن مطالب الشعبين اللذين ساعدتهما!؟

في الحقيقة الشعب السوري يتعرض للظلم بشكل مضاعف، فهو حتى الآن لم يجد سنداً من أي طرف بشكل واضح وقوي. يرفعون في وجهه سلاح الفزاعات، أن يحدث مثلما حدث في العراق، أو الفتنة على الطريقة اللبنانية، او مجيء الأصوليين…وكأنه يراد لثورته السلمية أن تتحول بالرغم منها إلى العنف المسلح والطائفي فوق ذلك؛ ومن جهة ثانية، وبالرغم من تبادل العداء في العلن ومن ممانعة النظام السوري المتعددة الوجه، هناك تخوف من أي بديل له من قبل الغرب وإسرائيل. اي بديل آتٍ هو أسوأ مما هو موجود لأن أفضل ما حصلت عليه اسرائيل هو الستاتيكو الحالي في الجولان بالرغم من كل الحروب الكلامية المعلنة. في لبنان يجابه الدعم الخجول أو اللفظي الممكن، بتسيير تظاهرات داعمة للنظام في تاكسيات مستأجرة  لعمال يتعرضون لاستغلال مضاعف، فيطلّون من شبابيك التاكسي الأبيض الذي يجوب الشوارع مستفزاً ويكاد يتسبب بخلل أمني داخلي لبناني.

ثمة حيرة كبيرة في لبنان في كيفية التعامل مع أحداث سوريا، زادت في تعميقها مزحة تدخل حزب المستقبل العسكري والمالي في سوريا، كتعبير عن العجز السوري عن تسويق فكرة المؤامرة للداخل من ناحية، وكإستباق لمن تسوّل له نفسه من اللبنانيين في دعم ما يحصل هناك.

لكن أكثر المواقف إثارة للدهشة هو تبرير بعض حلفاء النظام السوري، وخاصة من المسيحيين، ممن تحمسوا للثورات العربية وعدّوها في خانتهم، لدعمهم لهذا النظام ضد إرادة السوريين، بأنه نظام علماني!! أي أنهم يقبلون بالاستبداد للجيران لزعمهم أن علمانيته المفترضة تقبلهم كأقلية من دين آخر. بينما هم في الحقيقة سلعة ترويجية للنظام ولتسامحه!!

وعدا عن أنهم ينزعون عنهم صفة الحياد، على الأقل إذا لم يكن الانتماء إلى مطالب الأكثرية الواضح مكمنها، لا يجد المراقب بداً من سؤالهم: هل إن النظام السوري علماني حقاً؟ وإذا تناسينا مآثره التي تبرهن العكس، هل يمكن تبرير الاستبداد بملايين السوريين بسبب مليون أو مليوني مسيحي راضين عن النظام؟ تحت غطاء العلمانية؟ ولماذا لا يكون الحل الذي تقدمه تركيا الديموقراطية ذات الغالبية الاسلامية والتي يمثل حزبها الحاكم الإسلامي أفضل نموذج للعلمانية؟ هل شرط العلمانية هو الاستبداد؟ وهل يمكن الفصل بين العلمانية والديموقراطية؟ وهل يمكن الأقليات أن تعاني التهميش وعدم الاعتراف بالحقوق في ظل نظام ديموقراطي حقيقي؟

إنه سؤال مطروح على المسيحيين في لبنان وسوريا معاً، أين مصلحة المسيحيين، على المدى الطويل، في الوقوف مع الاستبداد، سواء أكان علمانياً أم دينياً!!

يظل السؤال: كيف ندعم الثوار العرب الذين يقتلون في الطرقات؟

أتلقى أحياناً مناشدات لدعم الشعب السوري، أو مقالات تتساءل لماذا لا يتظاهر العربي في البلد الفلاني لدعم الشعب العربي الفلاني. في الحقيقة تعلم الشعوب العربية الآن أن الدعم الوحيد الذي يساعدها لم يأتِ سوى من داخلها ومن كسرها حاجز الخوف المهين والمكبل، ومن نجاح الثورات في غير بلد عربي وفي تحوله للسير في اتجاه ديموقراطي حقيقي وليس أقل من ذلك.

التظاهرات والبيانات التي لطالما هطلت على الشعوب ليست كافية في دعم جدي لأي انتفاضة؛ فالشعوب العربية ترزح تحت الظروف والأوضاع المزرية نفسها وهي تعي ذلك وتعرف ضمناً انها تتساند في العمق وأنها وحدها المسؤولة عن مصيرها؛ ووحدها الانجازات هي التي سوف تعيد الأمل وتبث روح النضال عند الآخرين. ليس للشعوب من أمل سوى في سواعد أبنائها الأحرار.

( استاذة جامعية)

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى