إياد الجعفريصفحات المستقبل

هل انقلبت تركيا في سوريا؟/ إياد الجعفري

 

 

ماذا كان يمكن أن يحدث، لو انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من اليابان وأوروبا الغربية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتخلت عن الأنظمة الناشئة هناك، حينها؟

سؤال لطالما طرحه منظّرو “توازن القوى” في العلاقات الدولية، لفهم كيف تسير هذه العلاقات.. وكانت الإجابة لدى معظمهم، أن اليابان ودول أوروبا الغربية كانت ستعمل على تأمين أمنها في مواجهة “الاتحاد السوفيتي” و”الصين” حينها، إما داخلياً عبر تعزيز قدراتها العسكرية الرادعة، ومن بينها، السلاح النووي، وإما عبر تحالفات دولية أخرى، من بينها، التحالف بين اليابان وأوروبا الغربية نفسها.. لكن أحد السيناريوهات التي طُرحت بقوة، كإجابة لهذا السؤال لدى الباحثين المتخصصين في العلاقات الدولية، هو أن اليابان وأوروبا الغربية كان من الممكن أن تغيرا تحالفاتهما بصورة نوعية، من قبيل التحالف مع الصين، أو حتى ربما، الاتحاد السوفيتي نفسه، وذلك لضمان بقائهما في مظلة قوة عظمى تقيهما من التهديدات التي تتعرض لأمنهما القومي.

هذا بالضبط ما تحاول أن تلوح به تركيا، للأمريكيين.

وفيما تتزايد المخاوف من انقلاب نوعي في السياسة التركية تجاه الصراع في سوريا، لصالح التحالف مع إيران وروسيا، يبدو أن عيون الأتراك منصبة على زيارة نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، المنتظرة إلى تركيا.

تصريحات رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، مؤخراً، أثارت مخاوف من انقلاب نوعي في السياسة التركية، فيما غاب عن المراقبين الذين ناقشوا تلك التصريحات، نقطة ملفتة فيها، وهي إشارة يلدرم إلى أن تركيا ستضطلع بدور أكثر فاعلية في القضية السورية خلال الأشهر الستة المقبلة.

فما سرّ “الأشهر الستة المقبلة”؟، ولماذا تقلق الأتراك؟

ببساطة، الأشهر الستة القادمة هي التي تفصلنا عن استقرار إدارة جديدة في البيت الأبيض، وترتيب الخطوط العامة لسياستها الخارجية الجديدة، التي لن تظهر معالمها قبل نهاية شهر شباط القادم.

حتى ذلك الحين، تخشى تركيا من تداعيات استهانة الأمريكيين بأمن تركيا القومي، وتركيزهم على تحقيق نصر نوعي على تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، وكذلك في العراق، بالاعتماد على مليشيات كردية، بغية تسجيل ذلك في سجلات إنجازات باراك أوباما الراحل قريباً. الأمر الذي يهدد بتوسع مناطق السيطرة الكردية في شمال سوريا، وربما، تحقيق الحلم الأثير لبعض الأكراد، بتحقيق الوصل الجغرافي للكانتونات الثلاثة في مناطق سيطرتهم.

لعرقلة ذلك.. تلوح تركيا للأمريكيين بانقلاب نوعي في سياساتها الخارجية.. وتلوح بذلك أيضاً للروس والإيرانيين..

وتعرض تركيا وضع أوراق قوتها السورية موضع التعاون مع أي حليف يمكن أن يضمن لها، لجم التمدد الكردي شمال سوريا.

لكن ذلك لا يعني بأي حال، التضحية بتلك الأوراق، أقصد، أوراق القوة السورية، بصورة نهائية، لأن ذلك يعني أن تركيا لن تجد ما تساوم بواسطته، مع الأمريكيين من جهة، ومع الروس والإيرانيين من جهة أخرى.

ما يمكن أن تقدمه تركيا في هذا المجال، هو ما سبق أن قدمته في مرات سابقة، وهو المساهمة في لجم تحركات فصائل المعارضة في بعض الجبهات، بناء على قواعد لعبة متفق عليها مع الطرف الذي تتساوم معه (أمريكا، أو، إيران وروسيا).

لكن.. إلى أين ستذهب تلك المساومة؟

من العصيب الجزم بالمسار الذي ستأخذه الأمور في الوقت الراهن.. لكن هناك تطورين قد يحددا ذلك المسار:

الأول، هل سيستطيع جو بايدن أن يقلص هوامش النفور في العلاقات التركية – الأمريكية؟

ماذا يمكن للأمريكيين أن يقدموا لتركيا لتحجيم حالة النفور معها؟.. وما الذي يمكن لتركيا أيضاً أن تقدمه للأمريكيين لتحقيق ذلك؟

لا بد أن الأتراك واعون صعوبة تحقيق مطلبهم، بتسليم فتح الله غولن، المقيم على الأراضي الأمريكية.. لكن قد يكون أحد الحلول الوسط التي قد يعرضها بايدن، القيام بإجراءات قانونية تحد من نشاطات غولن واتصالاته، بصورة تجعله في حالة أقرب إلى الإقامة الجبرية.

في الحالة السورية، يمكن للأمريكيين أن يلجموا التمدد الكردي، مقابل تقدم قوات معارضة سورية مدعومة من تركيا، لطرد “داعش” من مناطق ريف حلب التي كان الأكراد في طريقهم إليها، وبدعم من التحالف الدولي نفسه. وهو ما بدأ بالفعل في بلدة الراعي، ويُعتقد أنه في طريقه للتكرار في مدينة جرابلس الحدودية، ذات الموقع الاستراتيجي.

أما في حال لم تحصل تركيا على تسوية مُرضية في قضية فتح الله غولن ونشاطاته التي تهدد استقرار الدولة التركية، ولم تتوصل إلى تعاون ميداني حقيقي مع الأمريكيين للسيطرة على مناطق ريف حلب المتبقية، الخاضعة لسيطرة “داعش”، بدلاً من التمدد الكردي فيها.. إن لم يحصل ذلك.. فنتوقع أن تركيا قد تذهب في تواصلها مع الإيرانيين والروس إلى أبعد من مجرد التصريحات، وتلمس إمكانيات وفرص التعاون في سوريا.

أما التطور الآخر الذي سيؤثر في مسار الأمور، هو، إلى أي حدّ تستطيع روسيا وإيران، ومعهما نظام الأسد، تقديم ما يُرضي تركيا للحد من التمدد الكردي في شمال البلاد؟

معارك الحسكة الأخيرة لا تُوحي بأن نظام الأسد قادر على فعل شيء بهذا الصدد، فهو، كما تُوحي النتائج الأولية للمعركة مع الفصيل الكردي الأبرز، الخاسر الأكبر من معارك الحسكة. كما أن التدخل الجوي الأمريكي حيّد الطيران الروسي، ووضع طيران النظام موضع التهديد.

إذا خرج نظام الأسد من الحسكة خاسراً، أو انتهت المعركة بتهدئة، دون أي نتائج سلبية على حساب الأكراد، فهذا يعني، أنه لا يوجد الكثير مما يمكن أن يقدمه نظام الأسد في خدمة الأتراك، في المسألة الكردية. والحل، المتاح تركياً، إما التدخل العسكري المباشر، أو غير المباشر، دون تفاهم مع الأمريكيين، أو بالتفاهم معهم، حسب التطورات الناجمة عن محادثات بايدن في أنقرة قريباً.

خلاصة الأمر، لا يبدو أن تركيا انقلبت تماماً في سياستها بسوريا.. هي تلوّح بذلك، وتختبر الفرص المتاحة مع الإيرانيين والروس، لكن من المستبعد أن تنفصم تركيا عن تحالفها التقليدي مع الغرب، ومع فصائل المعارضة المسلحة السورية، لأسباب عديدة موضوعية، أبرزها، عدم قدرة الروس والإيرانيين على تقديم الكثير لها في المسألة الكردية، واستبعاد الوصول إلى المرحلة التي يضطر فيها الأمريكيون تركيا إلى فصم عرى التحالف معهم، لأن ذلك يعني خسارة جيوإستراتيجية كبرى للأمريكيين في المنطقة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى