صفحات سوريةفايز ساره

هل بدأ توحيد الجيش الحر؟/ فايز ساره

يصنف الجيش السوري الحر بين اهم ظواهر الثورة في سوريا، وهو الموازي المباشر والمسلح للحراك الشعبي الواسع الذي اطلقه السوريون مع بداية الثورة، شاملاً حركة تظاهر واحتجاج، واشكال من التضامن والتآزر في مواجهة النظام وسعياً من اجل تغييره واقامة نظام ديمقراطي بديل. بل ان الجيش السوري الحر ولد في اطار ذلك الحراك ومن اجل الدفاع عن حركة التظاهر والاحتجاج وعن حواضنها الاجتماعية.

ورغم الخلفية الموحدة في نشأة الجيش الحر من حيث تكوينه من ثوار مدنيين وعسكريين منشقين، ومن حيث اهدافه الاساسية في الدفاع عن الشعب وحماية المتظاهرين، فقد ظهرت تشكيلاته منفصلة عن بعضها بعضاً لا يجمعها سوى الاسم، وفشلت محاولات عديدة في دمج وتوحيد تلك التشكيلات في كيان تنظيمي واحد وتحت قيادة واحدة،لكنها لم تغلق الباب، حيث بقي شعار وحدة الجيش الحر بين اهم الشعارات المرفوعة في صفوف السوريين الراغبين في انتصار الثورة.

ان اسباباً كثيرة ادت الى فشل محاولات توحيد الجيش الحر، وتأخير انجاز هذا الهدف، ولعل ابرز الاسباب السياسية، يكمن في غياب مركز قيادي فاعل ونشط للمعارضة السورية، يمكن ان يشكل حاضنة ومرجعية سياسية ولوجستية للجيش الحر، كما ان بين الاسباب وجود تدخلات اقليمية ودولية، ساهمت في تكريس وجود تشكيلات منفصلة، وان كانت تنتمي علنا الى الجيش الحر، فان ذلك الانتماء لم يتجاوز حد القول، اذ هي تشكيلات محلية الطابع.

ولم تتمخض تلك الاسباب عن فشل عملية توحيد الجيش الحر تعقيد محاولات توحيده، فقط، بل شجعت اضافة الى البيئة العامة في البلاد- على ولادة مزيد من التشكيلات المسلحة في البلاد، شاركت في اقامتها اطراف داخل المعارضة وخارجها من خلال تأسيس تشكيلات مسلحة تتبع لها على نحو ما فعلت جماعة الاخوان المسلمين في انشاء مجموعة من التشكيلات العسكرية، وكذلك قيام الاتحاد الديموقراطي الكردي (PAD) بانشاء وحدات الحماية الشعبية، فيما قامت جماعات اسلامية متشددة بانشاء تنظيمات عسكرية مثل جبهة النصرة ودولة العراق والشام وثيقتي الصلة بتنظيم القاعدة، وقد شجعت تلك التطورات مع تسلل المال السياسي الى ايدي جماعات محلية وشخصيات على تأسيس تشكيلات عسكرية التبست تسمياتها كما التبست روابطها، وقد تحول بعضها الى ادوات في ايدي امراء الحرب في أكثر من منطقة سورية.

غير انه وفي ظل التطورات السياسية – العسكرية والامنية التي دخلتها البلاد، وابرز ملامحها دخول الصراع بين النظام والمعارضة حيز المراوحة بالمكان، دون ان يستطيع احدهما تحقيق انتصار على الاخر، مع استمرار عمليات القتل والدمار التي يتابعها النظام ضد السوريين، وفي ظل بروز وتنامي قوة تشكيلات مسلحة لها مشاريع تتصادم مع المشروع العام للجيش الحر في حماية المناطق المدنية واسقاط النظام، ومنها كان مشروع الجماعات الاسلامية المتشددة في اقامة دولة اسلامية، ومشروع الاتحاد الديمقراطي الكردي (PAD) في تشكيل ملامح لكيان كردي في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، مما فجر صراعات دموية بين اطراف متعددة، بينها صراعات بين تشكيلات جماعات التشدد الاسلامي وقوات الحماية الشعبية وتشكيلات الجيش مما وضع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام على حافة الحرب الاهلية، الامر الذي بات يتطلب اقامة قوة عسكرية موحدة لها تغطية وطنية عامة، يمكن ان تتشكل حول هيئة الاركان للجيش السوري الحر، ويمكن للتشكيلات المنتسبة للجيش الحر والقريبة منه، ان تشكل الهيكل الاساسي للجيش الموحد التابع عسكرياً لهيئة الاركان، التي تشكل مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة حاضنة ومرجعية سياسية ولوجستية للجيش الحر.

ان ضرورات توحيد الجيش الحر، لا تتصل بطبيعة الصراع العسكري بين النظام والمعارضة، وهو صراع يبدو في احتمالاته متسع في الاماكن وممتد من الناحية الزمنية، مما يتطلب تحشيد وتنظيم قوى المعارضة العسكرية ووضعها تحت قيادة مسؤولة لها برامج تسليح وتدريب وامداد ودعم مشتركة، تكون قادرة على مواجهة التهديدات التي تمثلها قوات النظام.

وتتجاوز ضرورات توحيد الجيش الحر موضوع الصراع بين النظام والمعارضة الى موضوع آخر وهو حماية الكيان الوطني والمشروع الوطني للسوريين الذي ينبغي ان يركز على ان سوريا دولة لكل مواطنيها بغض النظر عن تنوعهم الديني والقومي والطائفي والمناطقي، وهو تنوع ينبغي حمايته في اطار الدولة الوطنية، وليس على حسابها، والحاضن الرئيس لمثل هذا المشروع هو الجيش الحر الذي تأسس اساساً على قاعدة حماية الشعب من عدوان النظام وادواته، وهو المؤهل للعب دور الموحد والحامي للكيان الوطني من ان يقع اسير تطرف ديني او قومي او طائفي، بحيث يمنع انقسام سوريا الى كيانات متصارعة، ويمنع ايضاً اقامة دولة اسلامية متشددة على نحو ما ترسم القاعدة واخواتها من جبهة النصرة ودولة العراق والشام، او لجهة نواة لكيان كردي في الشمال والشمال الشرقي.

كما ان بين ضرورات توحيد الجيش الحر، تأمين المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بما يعني ذلك من وقف الصدامات بين التشكيلات المسلحة على نحو ماحدث في محافظات عدة في الاشهر الاخيرة، والتي كلفت السوريين فواتير من الدم والدمار اضافة الى تلك الفواتير الناتجة عن عدون النظام على تلك المحافظات، التي باتت بحاجة الى ضبط امني يوفر ارواح وممتلكات السوريين الخاصة والعامة.

ان ضرورات توحيد الجيش الحر كثيرة، والحاجة الى خطوات عملية في هذا الاتجاه تبدو متزايدة وملحة، وقد يكون ذلك بين الاسباب التي دفعت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الى التحرك مع قيادة اركان الجيش الحر في هذا الاتجاه، وهو تحرك قد تكون نواته الصلبة تشكيل قوة اساسية، تضم نحو ستة آلاف عسكري محترف بمثابة الخطوة الاولى التي تبدأ منها عملية توحيد الجيش الحر الذي سيكون نواة جيش سوريا بعد سقوط النظام.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى