صفحات الرأي

هل بمقدور الطغاة الإفلات من الإعلام الجديد؟


سونر چاغاپتاي

تؤكد الانتفاضات العربية أن “تقنية الاحتجاجات” التي نشأت مؤخراً من كاميرات الهاتف المحمول وحتى شبكات التواصل الاجتماعي تغير سلوك الناس في ظل الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية.

وقبل صعود “تقنية الاحتجاج” كان على الأفراد أن يتحملوا طغيان الأنظمة المستبدة لأنه لم تكن تتوفر لهم سوى أدوات قليلة لتنظيم الاحتشادات الجماهيرية بدون تفادي الكشف عنها. وبكل بساطة كان المواطن العادي يفتقر إلى الأدوات الضرورية ليتفوق على حاكمه من حيث الدهاء. وقد امتلكت الأنظمة الاستبدادية على وجه السرعة قدرات قمع المنشقين والمعارضين قبل أن يكون بمقدور الأفكار أن تتطور إلى شبكة من الحركة الجماهيرية.

وقد أطلق هذا العنانَ للطغاة ليمارسوا سلطاتهم الغير محدودة لتزوير الانتخابات وسرقتها باستمرار وقمع أية معارضة بل وارتكاب مذابح بحق مجموعات من الناس الذين يعتبرونهم أعداء للدولة. ولم تكن تتوفر لدى شهود هذه الجرائم التقنية لبث قصصهم لبقية العالم على أمل التدخل الإنساني.

ولنأخذْ البوسنة على سبيل المثال. ففي عام 1995 بدأت الميليشيا الصربية القومية و”الجيش الوطني اليوغوسلافي” القتل العشوائي لآلاف البوسنيين في سريبرينيتسا في البوسنة في 11 تموز/يوليو. ومع ذلك، فإن العالم الخارجي قد سمع بتقارير عن مذبحة يتم ارتكابها ولكن فقط بعد ذلك بكثير في وقت لاحق من ذلك الأسبوع عندما كانت الميليشيا الصربية و”الجيش الوطني اليوغوسلافي” قد أوشكوا على الانتهاء من جرائمهم مما أسفر عن مقتل أكثر من 8000 شخص.

أما تقنيات هذه الأيام والتي لا نأبه لها كثيراً مثل الهواتف ذوات الكاميرا والاتصالات اللاسلكية وشبكات التواصل الاجتماعي فتسمح بتسجيل الجرائم التي ارتكبتها الحكومات وقت حدوثها والإبلاغ عنها. وهذا يشبه ثورة اجتماعية حيث إن مواطني الأنظمة الاستبدادية وقامعيهم قد أصبحوا الآن رأساً برأس، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق.

وتعتبر الانتفاضة السورية مثالاً على ذلك. فعندما قتل والد بشار الأسد عشرات الآلاف من مواطنيه في حماة في عام 1982 كان السوريون في مدن أخرى جاهلين تماماً ولم يعرفوا عن حدوث مثل هذه المذبحة وقتها.

واليوم يشاهد جميع السوريين وحاشية الأسد بصورة يومية وينزلون إلى الشوارع للاحتجاج، وهذا بفضل الانترنت وتقنيات الاتصال الحديثة التي توفر حيزاً اجتماعياً وسياسياً للتعبئة وهو الحيز الذي ليس بوسع الأسد نفسه السيطرة عليه. و “تقنية الاحتجاج” الجديدة مثل الهاتف المحمول البسيط تسمح لكل متظاهر أن يصبح مراسلاً متمكناً يذيع أشرطة الفيديو وينشر الصور ويروي حكايات عما يمارسه الأسد من قمع، إلى الناس في جميع أنحاء العالم.

وسوف يسقط الأسد لأن معارضته التي يتم بثها في الوقت الحقيقي بلا انقطاع عبر كل منافذ الإعلام الإخبارية سوف تستحث غضب العالم الخارجي بما يؤدي إلى التدخل. والأهم من ذلك أنه بما يشبه مصير حسني مبارك في مصر فإن السوريين سوف يُطيحون بدكتاتورهم بفضل استخدام التقنيات الجديدة.

وسيصبح من الصعب بصورة متزايدة على الطغاة أن يُنفذوا مجازر وجرائم أخرى ضد الإنسانية أيضاً. وتاريخياً فإن التباين الصارخ في القوة بين القامع والضحية قد مهد الطريق للمذابح. وقد وجد الضحايا أنفسهم في السابق بلا أدنى حيلة يستعينون بها لمقاومة إذلالهم وما يتلو ذلك من اضطهاد قامعيهم لهم أو أن يدعوا إلى مساعدة من الخارج. وهكذا فإن “تقنيات الاحتجاج” يمكن أن تخفف جزء من هذه المشكلة بتمكين المضطهدين. وهكذا فإن من يتعرضون لمذبحة يمكنهم الآن أن ينشروا دعوتهم للحصول على مساعدة أسرع من العالم الخارجي داعمين بذلك نداءهم للتدخل الإنساني.

وبعبارة أخرى فإنه لن تتوفر بعد الآن حصانة “حكم بالسلالة” للأسد أو ديكتاتوريين آخرين باستثناء ربما كوريا الشمالية التي تجبر مواطنيها على العيش في عصر ما قبل “تقنية الاحتجاج” (حيث تحظر بيونغ يانغ الإنترنت والهواتف المحمولة باستثناء القلة المَحظية التي تستخدمها).

وليس فقط أن “تقنية الاحتجاج” سوف تلقي الضوء على كافة الجرائم العامة مثل المذابح بل أيضاً ستؤثر على القادة المتهمين بتزوير الانتخابات. فقد واجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اضطراباً واسع النطاق على نحو مفاجئ بعد انتخابات 2011 التشريعية. وقد استغل عموم الناس الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة لتوثيق حالات التزوير في الانتخابات في نفس وقت حدوثها وذلك للمرة الأولى في روسيا.

والاختبار التالي لبوتين هو الإفلات من انتخابات آذار/مارس الرئاسية. وعلى القادة الآخرين الذين يُزوّرون الانتخابات – وليس فقط بوتين – بدءاً من رؤساء جمهوريات آسيا الوسطى وحتى ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا أن ينتبهوا إلى أنه “في عصر “تقنية الاحتجاج” عندما يلعب كل مواطن دور مراقب الانتخابات سيصبح من الأصعب تنفيذ التزوير الجسيم للانتخابات.

وفي عام 1517 عندما استغل مارتن لوثر الصحافة المطبوعة التي اكتُشفت حديثاً آنذاك لنشر أطروحاته عبر أرجاء أوروبا كان استخدامه لهذه التقنية الجديدة قد غيَّر للأبد طريقة رؤية الأوروبيين للعالم. وهكذا يمكن أن تصبح “تقنية الاحتجاج” خطوة ثورية تشكل سلوكاً اجتماعياً في الأنظمة الاستبدادية.

وبالطبع فيمكن للمستبدين أن يتعلموا بسرعة كيفية التلاعب بهذه التقنيات الجديدة محولين إياها في بعض الأحيان إلى أدوات للسيطرة الاجتماعية. ومع ذلك، فحتى عندئذ سيظهر أن العلاقة بين مواطني الأنظمة المستبدة ومضطهديهم قد تغيرت وأنه ليست هناك عودة إلى الوراء.

سونر چاغاپتاي هو مدير برنامج البحوث التركية فيمعهد واشنطن ويظهر بانتظام كأحد المعلقين على شبكة “سي إن إن غلوبل پبليك سكوير”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى