صفحات سوريةفايز ساره

هل تتغير علاقات الائتلاف السوري مع الصين؟/ فايز سارة

 

في خطوة هي الاولى من نوعها، جاءت زيارة وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الى جمهورية الصين الشعبية، حيث تضمنت الزيارة برنامج لقاءات، ركزت على امرين اثنين، اولهما القضية السورية ومواقف الطرفين السوري والصيني من تطورات هذه القضية، وفي الامرين كان ثمة تفاوت وافتراق في فهم القضية من جهة وفي موقف كل منهما من التطورات التي شهدتها القضية السورية في الاعوام الثلاثة الماضية.

ومنذ انطلاقة الثورة في سوريا اتخذت الصين موقفاً حذراً من الثورة، كان الاقرب الى موقف نظام الاسد في معارضة الثورة الشعبية، ومرد الحذر الصيني ابتعاد الصين عن الدخول في التطورات العاصفة في الشرق الاوسط، ومحاولتها البقاء بعيداً عن الصراعات الداخلية في البلدان العربية، التي اطلقتها موجة الربيع العربي، وبهذا بدا مفهوماً موقفها اللاحق في الانضمام الى الفيتو الروسي في مجلس الامن الدولي ضد أي قرارات تتعلق بسياسات نظام الاسد تحت حجة منع التدخلات الخارجية في الشأن السوري، وكله جعل من الموقف الصيني مناهضاً لارادة الشعب السوري في التغيير والانتقال من سلطة الاستبداد البعثي الى نظام ديمقراطي في سوريا.

والامر الثاني الذي تناولته اللقاءات تناول علاقات الصين مع الائتلاف الوطني، والتي اتسمت بحساسية خاصة، لان الموقف الصيني من الثورة منع تواصلاً بين المعارضة السورية ولا سيما الائتلاف مع الحكومة الصينية، وهو امر اخذ يتغير مع انطلاق مؤتمر جنيف2 في شباط الماضي مع حدوث تقارب بين الجانبين عبر عنه لقاء وزير الخارجية الصيني مع رئيس الائتلاف السوري على هامش جنيف2، وكشف في خلاله عن رغبة الطرفين في اعادة تقييم نظرتهما الى القضية السورية وافاق حلها بالتوجه نحو حل سياسي على نحو ما تضمنته القاعدة التي قام عليها جنيف2 من اعتماد جنيف1 اساساً وعلى تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة، وهو توافق جاءت على اساسه الدعوة الصينية لوفد الائتلاف السوري لزيارة بكين ولقاء المسؤولين هناك.

وتضمن برنامج الزيارة لقاءات مع طاقم الخارجية الصينية من جهة وطاقم البحث السياسي في الجمعية الصينية للصداقة مع الشعوب وفي مركز الدراسات الصينية من جهة ثانية. وفي حين ان الخارجية معنية بالجانب التنفيذي من السياسات، فان الجهة الثانية معنية في رسم السياسات وتطويرها، وبهذا المعنى يمكن القول، ان العلاقة بين المعارضة السورية ممثلة بوفد الائتلاف وجمهورية الصين دخلت في سياق مختلف عما كانت عليه في خلال الثلاث سنوات الماضية من زمن القضية السورية.

لقد سمع الصينيون وجهة نظر الائتلاف في القضية السورية باعتبارها قضية شعب يسعى الى الحرية والى تغيير ديمقراطي في مواجهة نظام مستبد ومدمر استدعى تحالفات دولية واقليمية بكامل امكانياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية من اجل اخضاع السوريين والعودة الى إحكام قبضته على البلاد، وعمل على احياء التطرف وتشجيعه ودعمه بما في ذلك تنظيمات القاعدة واخواتها، الامر الذي ادخل المعارضة والائتلاف في مواجهة مزدوجة مع نظام الاسد ومع جماعات التطرف الديني، وهي مواجهة لم تمنع عموم المعارضة والائتلاف خصوصاً من التوجه الى حل سياسي يوفر دماء السوريين، ويمنع تدمير ما تبقى من القدرات والامكانيات في سوريا.

 

وبين الصينيون لوفد الائتلاف، ان موقف الصين من القضية السورية، لا ينتصر للنظام ولا لشخص رئيسه، وانما ياخذ بالاعتبار مصلحة السوريين، وان الصين لهذا السبب، ترفض الحل العسكري الامني، وتعتقد ان الحل السياسي هو المطلوب، وان الفشل الذي حدث في جنيف2 نتيجة موقف النظام، ينبغي ان لا يمنع الاستمرار في المضي نحو حل سياسي، يمكن اطلاقه عبر جولة ثالثة من جنيف2، او عبر جنيف3، كما يقول البعض.

ومهدت التقاطعات في المواقف بين وفد الائتلاف والخارجية الصينية ليطرح الائتلاف رؤيته في تطوير الدور الصيني في القضية السورية، والمتضمنة ثلاث نقاط اساسية:

النقطة الاولى، تعزيز دور الصين في الدعم السياسي لنضال الشعب السوري من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة لكل السوريين في مواجهة خيارات النظام في الحل العسكري الامني وضد نزعات التطرف والتشدد من أي طرف جاءت، وتأكيد ضرورة قيام الصين باتخاذ موقف، يرفض استمرار قيام نظام الاسد بقتل المدنيين وتدمير المدن والقرى السورية وعمليات تهجير السوريين سواء داخل البلاد او نحو المحيط الاقليمي وفي الدول الابعد منها، وضرورة تقدم الصين كدولة كبرى وصاحبة اكبر ثاني اقتصاد في العالم للقيام بدورها في تخفيف الكارثة الانسانية التي اصابت السوريين نتيجة سياسات وممارسات نظام الاسد من خلال مساهمة اكثر جدية وفعالية في الاغاثة الانسانية ومنها الاعانات الطبية والقيام بمعالجة جرحى ومصابين وتوفير العناية الطبية لهم.

واعتراف الصين بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ممثلاً للشعب السوري انسجاماً مع موقف دولي يعترف بالائتلاف ممثلاً للشعب السوري، وافتتاح ممثلية للائتلاف في بكين، تقوم بتنسيق العلاقات بين الحكومة الصينية والائتلاف بما يخص القضية السورية وتطوراتها.

والنقطة الثانية، مساعدة صينية جدية ومسؤولة هدفها وقف التدخلات الاجنبية في الشؤون السورية ومنها تدخل ايران وميليشياتها مثل حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس العراقي وغيرها، والعمل على انسحاب القوات والمليشيات وكافة المسلحين الاجانب من سوريا، وكلاهما يحتاج الى قرار في مجلس الامن الدولي، ينبغي ان يكون تحت الفصل السابع.

والنقطة الثالثة، تأكيد الصين دعم حل سياسي للقضية السورية. حل يستجيب لارادة الشعب السوري في التغيير وهذا التوجه منسجم مع موقف الصين حيال جنيف2 بما يعنيه من ضرورة اعتماد جنيف1 اساساً لتسوية سياسية عبر الوصول الى هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات وهي الفكرة التي قام على اساسها جنيف2، اضافة الى توقف الصين عن ممارسة حق النقض «الفيتو» في مجلس الامن الدولي حيال قرارات الادانة لنظام الاسد وممارساته، وهو امر منسجم مع السياسة التي دأبت عليها الصين في التعامل مع السياسات الوحشية التي تقوم بها انظمة ضد شعوبها او ضد شعوب اخرى.

خلاصة الامر ان زيارة وفد الائتلاف الى الصين، ومباحثاته هناك تفتح افقاً في علاقات الجانبين، قد لا تكون ثماره العاجلة تغييراً جوهرياً في الموقف الصيني، لكنه يفتح افقاً بهذا الاتجاه، ليس لان الصين على ماهي عليه من اهمية في عالمنا المعاصر من الناحيتين السياسية والاقتصادية فقط، بل لان ذلك يفتح ثغرة في كتلة مثلت دعماً قوياً في المستوى الدولي والاقليمي لنظام الاسد وسياساته وممارساته الدموية ضد الشعب السوري.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى