صفحات العالم

هل تحسم التكلفة البشرية الأزمة السورية؟

 

علي الغفلي

بعد مرور نحو عامين منذ بدأت الثورة السورية، يبدو واضحاً أن نظام بشار الأسد لايزال متماسكاً، كما يبدو واضحاً أن عزيمة المعارضة لهذا النظام هي متماسكة بدورها، وهذه ليست أخباراً جيدة على الإطلاق، إذ إنها تعني شيئاً واحداً فقط، هو أنه لا توجد نهاية مدوية للأزمة السورية في المدى القريب، سواء من خلال انتصار النظام أو فوز المعارضة، بل يتعين على الجميع الاستعداد لاستقبال المزيد من الأحداث الدموية في هذا القطر العربي، وذلك من خلال استمرار سقوط المئات من القتلى في الأسابيع وربما الشهور المقبلة .

استمر النظام السوري يتلقى الدعم الذي يحتاج إليه من الأطراف الخارجية الحليفة له، وذلك بصورة أقوى من الدعم الخارجي الذي تتلقاه المعارضة السورية من الأطراف الخارجية المتعاطفة معها . لم تتزعزع ثقة نظام الأسد في متانة الدعم غير المشروط الذي ظل يتلقاه على مدى اثنين وعشرين شهراً من عمر الثورة المتأزمة في سوريا، وبإمكان المرء أن يتصور في هذا السياق كل أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري الذي تغدقه إيران وروسيا والصين على دمشق، إلى الدرجة التي صارت معها أنباء وصول إرساليات العتاد العسكري الروسي والإيراني إلى الأراضي السورية غير مثيرة للاستغراب، وإعلان موسكو استحالة رحيل بشار الأسد عن السلطة يعد دليلاً على حرصها على جني عوائد استثمارها المريب في بقاء نظام الأسد .

وفي المقابل، يصيب التآكل المستمر ثقة قوى المعارضة السورية في الدعم المتناقص الذي يصلها من الدول المؤثرة في المجتمع الدولي، وتشتكي هذه المعارضة من أن معظم الدعم الذي كانت قد وعدت به من قبل الدول الصديقة للشعب السوري لم يجد طريقه إليها . تتعدد الأدلة التي تشير إلى تهالك موقف المجتمع الدولي في خصوص الأزمة السورية، ولعل أشد هذه المواقف بؤساً يتجسد في التحذير الخائب الذي وجهته القوى الغربية إلى نظام الأسد بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية، وذلك في الوقت الذي كان يجدر بها تحذيره من استخدام قواته الجوية في قصف منازل المدنيين السوريين . هذه جميعها أنباء مخيبة لآمال الثورة السورية بكل تأكيد، وتتخطى آثار هذه الخيبة الأبعاد النفسية لدى كل من السياسيين والمقاتلين في القوى المعارضة، لتصيب في مقتل فرص الثورة السورية في تحقيق هدفها المتمثل في التخلص من نظام بشار الأسد .

إن التكلفة البشرية للثورة السورية ضخمة جداً، وتشمل عشرات الآلاف من القتلى ومئات الألوف من الجرحى والنازحين، وهي للأسف تكلفة مستمرة في الارتفاع بشكل مزعج للغاية . ظل الشعب السوري يدفع ثمناً باهظاً جداً من حياة أفراده وحقهم في العيش الكريم على مدى سنتين، ولا أحد يعلم على وجه اليقين متى يمكن أن يتوقف هذا النزف الخطر . وبتعبير محدد ودقيق، تمثل التكلفة البشرية المتزايدة الجانب الأبرز للثورة السورية، وبعد أن يستبد بنا الشك في التوصل إلى حسم واضح للصراع بين نظام بشار الأسد والمعارضة، تصبح التكلفة البشرية الفادحة الأمر الأهم الذي يمكن أن يلخص فشل كل من نظام الأسد، والمعارضة، والمجتمع الدولي في السير بالأزمة السورية نحو أي نوع من النهايات السريعة .

يقود الغموض المأساوي الذي يحيط بالتكلفة البشرية المتفاقمة التي تسببها الأزمة السياسية في سوريا إلى طرح التساؤلات المفعمة بالاتهام بشأن المسؤولية تجاه هذه التكلفة، وهي تساؤلات ناتجة عن سقوط هذا العدد الهائل من القتلى في كل يوم من أيام الثورة .

هل يمكن بالفعل التمييز بين مسؤولية نظام بشار الأسد الذي يعمد إلى تسليط آليات التدمير على حياة المدنيين السوريين ومعيشتهم، وبين مسؤولية قوى المعارضة التي تصرّ على الاستمرار في منهجها القاصر في الثورة، خاصة بعد تيقنها من أن تكلفة هذا المنهج مرتفعة بكل المقاييس؟

هل من المبرر أن تتسبب مثابرة المعارضة في إنجاز هدف التغيير السياسي في سوريا في صنع هذا الحجم الكبير من الخسائر في أرواح المدنيين، خاصة بعد أن اتضح للجميع أن بشار الأسد لا يتردد على الإطلاق في فرض الخسائر البشرية بين صفوف الشعب من أجل أن يحقق هدف استدامة نظامه السياسي؟

كيف يمكن أن نفهم استمرار المجتمع الدولي في الوقوف عاجزاً عن التدخل البنّاء في الثورة السورية، سواء من خلال إبداء الإرادة السياسية اللازمة من أجل التحرك بشكل فاعل في لجم الجبروت القاتل والمدمر الذي يمارسه نظام الأسد، أو على أقل تقدير تقديم العون السخي من أجل معالجة أوجه الحرمان الإنساني الذي يرزح تحت وطأته مئات الألوف من النازحين السوريين في لبنان والأردن وتركيا؟

ولعل أهم الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الصدد يتعلق بمدى احتمال أن تتسبب قدرة نظام الأسد على رفع حجم التكلفة البشرية المصاحبة للثورة ضده في تآكل التعاطف المعنوي الذي تتلقاه المعارضة في داخل سوريا وخارجها، خاصة في الوقت الذي يتضح عجز المعارضة عن إيقاف أو تخفيض حجم التكلفة البشرية المتزايدة على مدى العامين الماضيين، فضلاً عن عجزها في إعطاء مؤشرات قرب النهاية الحاسمة ضد بشار الأسد . من المؤكد أن هذا الاحتمال هو أحد الأمور التي يراهن عليها نظام الأسد، وهو احتمال مؤسف ولكنه وارد تماماً، على الرغم من أنه يناقض الفكرة التي تقول إنه كان بمقدور بشار الأسد أن يحقق مكاسب أكبر في حال كان قد قرر الاستجابة لمطالب الشعب وتفاوض مع المعارضة في بداية الثورة، عوضاً عن مسارعته إلى التصعيد العسكري .

توجد حدود لاستمرار صبر المجتمع الدولي تجاه مراوحة الأزمة السورية في مكانها، بين عجز كل من النظام والمعارضة عن حسم الاقتتال العنيف لمصلحة بقاء النظام أو زواله، ومن المؤكد أن هذا الصبر قد شارف على بلوغ حدوده القصوى، وليس من المستبعد أن يؤدي يأس المجتمع الدولي أمام تصاعد التكلفة البشرية إلى قبوله بأية تسوية متاحة تضمن إيقاف مسلسل القتل، حتى في حالة كانت مثل تلك التسوية تتضمن عناصر بغيضة، من بينها الرضوخ لاستمرار بشار الأسد في السلطة .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى