صفحات العالم

هل تطبق أميركا في سوريا اليوم السياسة التي اعتمدتها سابقاً في لبنان؟/ اميل خوري

هل صحيح أن الولايات المتحدة الاميركية تبيع حلفاءها وأصدقاءها خدمة لمصالحها، أم إنها تفعل ذلك حماية لهم من كيدية خصومهم؟

ثمة من يقول إن السياسة البراغماتية التي تنتهجها الولايات المتحدة الاميركية عندما تفشل في تحقيق أهداف مخططاتها فإنها تتعامل مع الواقع، وهي سياسة مارستها في دول كثيرة مثل افغانستان والعراق ومصر وتونس وليبيا واليمن ولبنان والآن في سوريا وفي إيران، إذ يتكرر المشهد نفسه الذي شاهده اللبنانيون في أزماتهم وحروبهم. ففي عام 1958 لم تستجب أميركا دعوة الحكومة اللبنانية إلى إرسال الاسطول السادس لمساعدتها على قمع أحداث ذاك العام والتي لم يكن لها من هدف سوى منع الرئيس كميل شمعون من تجديد ادّعوا انه يسعى اليه، ولم يشفع وجود الدكتور شارل مالك وزيرا للخارجية في تلك الحكومة في استجابة الطلب لأن الصداقة شيء والمصلحة شيء آخر، ولم يتحرك الاسطول السادس الا عندما سقط “حلف بغداد” بهدف ملء الفراغ الذي أحدثه في المنطقة. وكان ذلك بداية حلول النفوذ الاميركي مكان النفوذ البريطاني، واضطرت الولايات المتحدة الاميركية لضمان فوز اللواء فؤاد شهاب برئاسة الجمهورية الى الاتصال بخصمها السياسي حينذاك الرئيس جمال عبد الناصر والاتفاق معه على دعم المرشح شهاب في وجه منافسه العميد ريمون اده الذي قال للمبعوث الاميركي عندما أبلغه ذلك انه سيكون مرشحاً منافساً للواء شهاب حرصاً على الديموقراطية التي تدّعي دولته الحرص عليها ولئلا يقال إن اللواء شهاب فاز بالرئاسة في ظل الاسطول السادس.

وفي حرب الـ75 كانت الولايات المتحدة تنتظر ان ينتصر المسلحون المسيحيون على المسلحين الفلسطينيين ومن معهم او يحصل العكس ليكون لها موقف، لكن الحرب استمرت 15 سنة ولم يتغلب طرف على آخر لأن اميركا ربما ارادت ذلك عندما وضعت خطوطاً حمراً عُرفت بخطوط الديبلوماسي الاميركي سيسكو لا تجيز لكل طرف محارب تجاوزها. وكانت الولايات المتحدة خلال هذا الوقت تفاوض الرئيس حافظ الأسد تحت الطاولة توصلاً الى وقف الاقتتال في لبنان وإخراج المسلحين الفلسطينيين وعلى رأسهم ياسر عرفات من لبنان إلى تونس. وعندما تم التوصل إلى الصفقة الاميركية – السورية وقضت بالموافقة على اتفاق الطائف، وعلى وضع لبنان تحت الوصاية السورية لمدة سنتين قد تكون كافية لاقامة الدولة اللبنانية القوية بجيش قوي قادر على حفظ الامن في البلاد من دون حاجة الى اي قوة مستعارة، واذا بمدة السنتين تصبح ثلاثين سنة والولايات المتحدة راضية وساكتة ما دامت الحدود مع اسرائيل هادئة. وكانت الحكومة اللبنانية كلما طالبت الولايات المتحدة بإنهاء هذه الوصاية على لبنان تجيب انها تخشى من عودة الاضطرابات الامنية اليه فتنعكس سلباً على سوريا ويستولي “الاخوان المسلمون” على السلطة فيها.

ويخشى أصحاب هذا الرأي ان تكون الولايات المتحدة تطبق في سوريا اليوم السياسة التي طبقتها في لبنان إذ انها لم تجعل طرفا مقاتلا يتغلب على طرف آخر بعد مرور ثلاث سنوات على القتال الى ان تتوصل الى عقد صفقة مع ايران كتلك التي عقدتها مع سوريا حول لبنان، مع فارق ان الاتحاد السوفياتي الذي لم يكن له دور في تلك الصفقة، بات لروسيا دور هذه المرة في اي صفقة تعقدها الولايات المتحدة مع ايران حول سوريا وفي المنطقة. وهذه الصفقة تظهر خطوطها العريضة بعد الاتفاق على تنفيذ البرنامج النووي كونه الاهم خصوصا بالنسبة الى اسرائيل التي تصبح في موقع قوي عندما تتخلص من السلاح النووي الايراني بعدما تخلصت من السلاح الكيميائي السوري، اذ تكون اسرائيل قد ضمنت أمنها ويصير تحقيق السلام الشامل في المنطقة همّاً عربياً ودولياً إن لم يكن عادلاً…

لقد قضت البراغماتية الاميركية في الماضي بالتعاون مع خصمها السياسي الرئيس عبد الناصر كي تستطيع ان تحل بنفوذها في لبنان والمنطقة محل النفوذ البريطاني، وقضت بالتفاهم مع الرئيس حافظ الأسد من خلف ظهر السوفيات على وقف الاقتتال في لبنان ويكون ثمن ذلك وصاية سورية عليه دامت 30 عاماً خلافاً حتى لما نص عليه اتفاق الطائف وإخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان الى تونس، وقد تقضي السياسة الاميركية البراغماتية بالتفاهم مع ايران على هوية الحكم وشكل النظام في سوريا على نحو يطمئن دول الجوار ويبدد مخاوفها، وعلى إقامة دولة قوية في لبنان آمنة مستقرة في اطار حياد مقبول من كل الاطراف، وعندها لا يعود مبرر لوجود سلاح خارج الدولة وفي اي منطقة بل تصبح قواتها المسلحة وحدها المسؤولة عن الأمن في كل المناطق.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى