صفحات الثقافة

هل تعرفون عامر مطر ؟


سيد محمود

من منكم يعرف الشاب السوري عامر مطر ؟ لا أظن أن أحدا يعرفه، فالمصريون منشغولون بما يجري في الثورة المصرية من تحولات ، انشغال يعتقد البعض أنه يبرر الاهمال الاعلامي الذي يواجه به الدم السوري المراق من اجل الحرية . لكنه اهمال مؤسف علي أي حال ، لان هناك من يعتقدون مثلي أن سوريا خط احمر للأمن القومي المصري وبالتالي لا يمكن التعامل مع ما يجري فيها علي أنه شأن سوري محض ، فلا يزال العلم السوري يحمل نجمتين ، واحدة منهما تخص مصر ، عاشت النجمة منذ سنوات الوحدة التي انتهت رسميا لكن آثارها الشعبية تجعل لكل مصري مكانة استثنائية في سوريا .

ومطر الذي أحدثكم عنه ليس معارضا سياسيا محترفا من هؤلاء الذين ذهبوا إلي مدينة أنطاليا التركية لاعداد خطه لمواجهة النظام السوري ولا هو محلل سياسي من الذين يدفع بهم نظام بشار الأسد لتجميل وجهه في الفضائيات لكنه مجرد صحفي شاب عرفته قبل أكثر من عام في دورة تدريبية في بيروت ضمت معه نحو خمسة صحافيين سوريين كان هو أقلهم رغبة في العمل والتدريب ، اذ كان يكتفي بابتسامة تكسر الوقت وبكثير من الشغب ليضفي علي الورشة أجواء كوميدية كنا بحاجة اليها .

شهور مرت وظلت صورة مطر لا تفارق إطارها الكوميدي الذي يلائم “الشاب الكسول ” كما أسميته ، الي أن قمت بزيارة إلي مدينة الرقة السورية في ديسمبر الماضي وهناك تعرفت علي وجه آخر لعامر ابن هذه البادية القاسية كناشط بارز في حملة تقف وراءها منظمات من المجتمع المدني وتستهدف اعانة نازحي الجزيرة السورية الذين هربوا من الجفاف وباتوا مجرد نازحين علي أطراف المدن السورية، والجزيرة التي يعرفها السوريون تضم مع الرقة دير الزور والحسكة وسميت بهذا الاسم نظرا لوجودها بين نهرين هما الفرات ودجلة في الحدود المشتركة بين سوريا والعراق وتركيا – وهي منطقة غنية جدا تعرضت لتهميش تنموي واضح علي الرغم من أنها منطقة تنوع إثني وقومي وديني هائل ففيها تجمعات للأكراد وللسريان والأرمن والآشوريين واليزيديين وهي ميزة كبري لكن الخطط الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة السورية لم تكن ناجحة وتوالت معها سنوات من الجفاف وجفت الأراضي، وهجرت القري وماتت الحيوانات بحيث قدرت الأمم المتحدة عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في تلك المناطق بنحو 800 ألف نسمة 190 ألفا منهم يأكلون من مساعدات البرنامج الغذائي110 آلاف منهم يحلمون بما يسد الرمق، كما أخبرني عامر مطر وهو يشرح لي سلسلة تحقيقاته التي نشرها في صحيفة النهار اللبنانية، ويؤكد لي أن عائلات كثيرة تقدر بنحو30 ألف عائلة نزحت من الجزيرة السورية، وحطت رحالها في مخيمات كثيرة علي اطراف الجنوب السوري بسبب هذا الجفاف.

وعندما عدنا إلي دمشق كشف لي عامر عن وجه جديد يتعلق بنشاطه في ورشة القراءة التي تجمع بينه وبين مثقفين شباب يلتقون بمؤلفي بعض الكتب لمناقشتهم في محتواها ولما عدت إلي القاهرة كان علي أن اعيد رسم صورة أخري لمطر فكتبت تحقيقا صحفيا عن الهموم الانسانية التي حملتها معي بفضل المعلومات التي وفرها لي .

وعلي ” الفيس بوك “حرصت علي متابعة ما تنجزه الحملة التي أطلقها لإنقاذ نازحي الجزيرة لكن الايام الأولي للانتفاضة الشعبية السورية من أجل الحرية حملت لي خبرا سيئا تمثل في اعتقال مطر لعدة أيام خرج بعدها وهو يؤمن أكثر بحاجة بلاده إلي الحرية . فلم يكسر السجن روحه كما توقع البعض.

اليوم يكتب مطر في صحيفة ” الحياة ” بغزارة لافتة ليس هربا من صورة الصحفي الكسول وإنما برغبة صادقة في تأكيد صوته الشاب الجري، ذلك الصوت الذي لم يرتبك أمام نداءات التغيير، ولم يقف مترددا في المسافة الآمنة بين ايمانه بحرية شعبه وضرورة أن يأتي هذا الايمان متوافقا مع خطاب السلطة كما فعل آخرون ففي وقت مبكر جدا صاغ عامر مطر انحيازاته واختار ولم يسأل نفسه من أي مكان جاءت صرخات الحرية ، فالمهم أنها جاءت وعلينا أن نسمعها بوضوح .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى