صفحات العالم

هل دخلت سوريا “مرحلة ما بعد الأسد” ؟!


 عريب الرنتاوي

لم تبق دولة في العالم – باستثناء إيران – إلا ونصحت النظام السوري أو ضغطت عليه، لتنفيذ إصلاحات جوهرية، والإصغاء لنبض الشارع وهدير حناجر السوريين…الأن وقبل فوات الأوان…الآن وقبل أن تبلغ التطورات نقطة “اللاعودة”…الآن وقبل أن يتكامل بنيان المجتمع الدولي، وينعقد إجماعه حول الحاجة متعدد الأشكال والمسارات والجبهات والجنسيات.

وما كان للأردن (الرسمي) بالطبع، أن ينأى بنفسه بعيداً عن “مربعات سياسته الخارجية” و”دوائر تحالفاته وصداقاته”…فكان ما كان من “تطور” في الموقف، بلغ ذروته في الاتصال الهاتفي بين رئيسي الحكومتين، والذي ينذر – ربما – بخطوات تصعيدية إضافية، تزامناً مع تصاعد نشاط آلة القمع الدموية السورية، التي تتنقل من مدينة إلى بلدة، ومن قرية إلى مخيم، غير آبهة بشلال الدماء التي تنزف غزيرة.

مدفوعاً بشبكة واسعة من المصالح والروابط، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعوائلية…ومتحسباً لاعتبارات أمنه الوطني الذي طالما تأثر بهبوب رياح التهديد “الشمالية”…لزم الأردن (الرسمي)، جانب الحياد في الأزمة السورية…وأبقى تعبيراته عن مواقفه من مجريات الأحداث، في أدنى مستوياتها…عرض النصح وعبر عن القلق ولوّح بنفاذ الصبر وعدم القبول باستمرار عمل ونشاط آلة القتل الوحشية…والأرجح أن قادمات الأيام، ستشهد خطوات إضافية على هذا الطريق.

وفي ظني أن “تصعيد” لغة الخطاب الرسمي حيال النظام في سوريا، لن تجد مقاومة أو رفضاً شعبياً أردنياً…غالبية الأردنيين تكره ما يفعله النظام السوري بشعبه، والذين ذهبوا إلى دمشق، يعبرون عن آراء شريحة ضيقة من الأردنيين…والمستمسكون بنظرية “عنزة ولو طارت” ويصرون على تقديم فروض الولاء والطاعة لنظام دمشق، حتى بعد دخول سلاح البحرية على خط الحرب على اللاذقية، مدينة ومخيماً، هؤلاء لا يجدون من يصغي لترهاتهم…فنحن نسمع في كل محفل ومجلس، ضيق الناس و”قرفهم” مما يجري على حدودنا الشمالية.

التيارات الرئيسة في المعارضة، وبالأخص الإسلاميين على اختلاف توجهاتهم، سبقت الحكومة في التعبير عن الرفض والإدانة والتنديد بسياسات النظام السوري وممارسته…والأرجح أن الحال سيستمر على هذا المنوال، طالما ظلت “كرة اللهب” تتنقل من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ومن مخيم للاجئين إلى مخيم آخر لهم.

ثم، أن الأردن، الذي يقيس مواقفه هذه الأيام، بميزان خليجي حساس بامتياز، ما كان له أن يتأخر طويلاً أو أن يقف بعيداً عن الموقف السعودي، الذي استدرج مواقف بحرينية وكويتية، فضلا عن مواقف قطرية وإماراتية، سبّاقة في إدانتها للنظام السوري…علماً بأن البحرين والكويت، مدينتان لنظام الأسد، الأب والأب، بالشيء الكثير…فالأسد الأب، بعث بقواته إلى حفر الباطن، في حرب تحرير الكويت، والأسد الإبن بارك دخول السعودية وقوات درع الجزيرة على البحرين لاستئصال دوّار اللؤلوء الذي كاد يتحول إلى “ميدان تحرير” بالمقاييس والمعايير البحرينية.

أما على المستوى الدولي، فلم يعد بالإمكان بعد التصاعد والتصعيد في المواقف الأوروبية والأمريكية، وبعد التبدّل الذي طرأ على مواقف الصين وروسيا، وبعد التصريحات التي صدرت عن زيارة ترويكا مجموعة “الإيبا” التي تضم كل من الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، لم يعد ممكناً بعد كل هذا الانزياح في المواقف الدولية، أن يظل الأردن ملتزماً الصمت حيال ما يجري في سوريا، فكانت الانتقالة، مؤلمة وطبيعية ومحفوفة بالمجازفة كذلك.

إن صحت القراءة الأردنية لمجريات الأحداث السورية، فإن عمّان كغيرها من العواصم، بدأت تتعامل مع مرحلة ما بعد الأسد في سوريا…وعمّا قريب جداً، سيدأ المجتمع الدولي بمطالبة الرئيس بالتنحي، وسنسمع عن عروض بملاذات آمنة بدأت بأسبانيا، ولن تكون جدة من بينها، لا سيما بعد أن بدأ الإجماع الدولي ينعقد على الإقرار بفقدان النظام لشرعيته، و”أن سوريا من دون الأسد، ستكون أفضل حالاً”.

والحقيقة أن أحداً غير النظام السوري نفسه، لا ينبغي أن يُلام على الأوضاع الصعبة التي انتهت إليها الأزمة…والحال المؤلم الذي آلت إليه الأوضاع في سوريا…لقد أدار النظام أذنا من طين وأخرى من عجين لكل النداءات المخلصة والمغرضة على حد سواء…وفقد أصدقاءه وحلفاءه تباعاً، الواحد تلو الآخر…عربياً فقدت دمشق الحليف القطري النشط، الذي تحوّل إلى خصم شرس…إقليمياً فقدت “ذخراً استراتيجياً” تمثل في تركيا / أردوغان وليس من المستبعد أن تتحول أنقرة عمّا قريب إلى “عبء استراتيجي” على النظام…ودولياً، فقد النظام حليفاً قوياً في الإليزيه، لطالما لعب أدواراً ريادية في فكفكة عزلة دمشق الدولية…والآن يبدو أنه لم يبق للأسد سوى أحمدي نجاد وحسن نصرالله و”اللجنة الشعبية الأردنية لمساندة سوريا”.

مركز القدس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى