صفحات سوريةهوشنك بروكا

هل ستتخلى إسرائيل عن الأسد”؟

 


هوشنك بروكا

“الأسد ملك إسرائيل”، تحت هذا العنوان نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية، في 29 مارس الماضي، مقالة قيّمة للكاتب الزميل سلمان مصالحة. ونظراً لإثارتها ردود أفعالٍ كثيرة، وإعادة نشرها في “ترجمات عربية رديئة وركيكة ومقتطعة”، ارتأى الكاتب ترجمتها إلى العربية بنفسه، وإعادة نشرها في إيلاف(12 أبريل 2011).

أتفق مع الكاتب في كلّ ما قاله عن “نظام الأسدين الذين رفعا شعار مقاومة إسرائيل، الفارغ من أيّ مضمون، والذي تمّ استخدامه فقط كبوليصة تأمين ضدّ أي مطلب مدنيّ بالحرية والديمقراطية.. وإنّ “نظام المقاومة السوري هذا، الذي لم يُسمِع صوتًا في جبهة الجولان منذ عام 1973، كان، ولا يزال، على استعداد أن يحارب إسرائيل حتّى آخر لبناني، وإذا لم يُفلح في ذلك – فحتّى آخر فلسطيني”.

كلّ هذا صحيح، بل وصحيح جداً.

وما صرّح به أحد أقرب المقرّبين إلى نظام الأسد، صاحب الإمبراطورية الإقتصادية، رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، بأنّ “استقرار إسرائيل هو من استقرار سوريا”، ما هو إلا ترجمةً حقيقة لواقع هذا النظام، الذي خدم أمن إسرائيل، ك”ملك أمين” لها، أكثر بكثير من خدمته لأمن واستقرار المواطن السوري.

ولكن السؤال الأهم الذي بات يفرض نفسه الآن، في ظلّ الأزمة السورية المشتعلة، منذ حوالي شهرين ونصف، والمفتوحة على كلّ الإحتمالات، هو:

أما زال الأسد ملكاً “صالحاً” لإسرائيل؟

هل ستحافظ إسرائيل على نظام الأسد، ك”عدوٍ معتدل”، كان استقرارها طيلة أربعة عقودٍ من اللاحرب واللاسلم من استقراره، وأمنها من أمنه، أم أنها ستتخلى عنه، في أقرب فرصةٍ ممكنة للتغير نحو سوريا متغيّرة جديدة؟

لا أحد ينكر أنّ إسرائيل قد تعايشت عقوداً مستقرّة من الهدوء وراحة البال مع “عدو معتدل”، قلّ نظيره، في تاريخ العداوت بين الدول. ولكن إسرائيل تعلم جيداً، أكثر من غيرها، أنّ الشرق الأوسط يتغيّر، والديكتاتوريات فيها إلى زوال، وحان للأسد، كغيره من “الأشقاء الديكتاتوريين” أن يحزم حقائبه ويرحل. هذا من جهة.

أما من الجهة الأخرى، فإن إسرائيل تعلم أيضاً، بأنّ الأسد الذي كان أيام زمان “ملكاً لها”، في جولان(ه)، طيلة أربعة عقودٍ من العداوة الشكلية، لم يكن “الملك الأمين” ذاته، في لبنان وفلسطين.

المحور الأساس، الذي كان ولايزال يشكّل الخطر الأكبر على أمن إسرائيل واستقراره، الآن ومستقبلاً، هو محور “سوريا + إيران + حزب الله + حماس”.

إيران التي تعتبر العمود الفقري في هذا التحالف “الممانع”، لا تقول ببطلان وجود إسرائيل فحسب، وإنما تتوعد أيضاً، جهاراً نهاراً، ب”محوها” من الخريطة، و”رميها” في أقرب بحر.

ففي الوقت الذي يمكن لإسرائيل أن تؤمّن استقرارها مع الأسد “ملكاً لها” في الجولان، لا يمكن لها تحقيق ذات الإستقرار مع حماس وحزب الله، المدعومين من إيران الغاضبة على إسرائيل، إلى يوم الدين وما بعده.

في ذكرى النكبة الأخيرة، قبل حوالي أسبوعين، كان اللعب السوري في الملعبين الفلسطيني واللبناني ضد إسرائيل مكشوفاً. الأسد حاول صرف انظار العالم عما يحدث في سوريا من قمع وحشي للاحتجاجات السلمية، عبر اللجوء الى تحركات في الجولان وجنوب لبنان إحياءً لذكرى النكبة الفلسطينية. هذا ما صرّح به مسؤولون إسرائيليون أيضاً.

بالنظر إلى تاريخ هروب النظام السوري من داخله المأزوم، إلى الممانعات الوهمية، على الجبهات الخارجية، فإنّه ليس من المستبعد أبداً، أن يلجأ الأسد بالتنسيق مع إيران، في أيّ وقت، إلى تحريك جيوبه على الحدود مع إسرائيل، وتصدير أزمته إلى لبنان وفلسطين، للهروب من “مقاومة الداخل”، إلى “مقاومة خارجية” ضد إسرائيل “العدوّة تحت الطلب”. لا سيما وأنّ “المقاومة” الأخيرة، ك”مقاومة ممانعة” ستسحر الجميع، عرباً ومسلمين، وقد توّحد النظام والمعارضة(أو بعضها في الأقل)، في خندق وطن واحد، ضد عدوٍّ واحد.

النظام السوريّ، كما هو معروف، خبيرٌ في سياسة صناعة وتصدير الأزمات، لحجب الداخل الوطني بالخارج العدو.

ولا يُستبعد أن يركب النظام السوري، السياسة ذاتها، في أزمته الراهنة أيضاً، كما ركبها من قبل، ونجح، في أزمات أخرى سابقة.

لهجة إسرائيل تجاه نظام الأسد، هذه الأيام، اختلفت عما كانت عليه في بداية الأحداث، خصوصاً بعد أحداث التسلل الأخيرة التي وقعت على حدودها مع سوريا. فطيلة أسابيع من اشتعال الثورة السورية، خلا التحليلات والمقالات الصحفية، لم نكن نسمع أية تصريحات رسمية، من الجانب الإسرائيلي، بخصوص الأزمة السورية. الكل الإسرائيلي الرسمي، كان صائماً عن الكلام في هذا الشأن. الكلّ في إسرائيل الرسمية، من اليسار إلى اليمين، تعامل مع الأحداث في بداياتها، بحذر شديد جداً، في كونها “شأناً داخلياً” بحتاً.

ولكن يبدو أنّ الأمر قد اختلف الآن، خصوصاً بعد العقوبات الأميركية والأوروبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد ورموز نظامه.

رسالة الشكوى التي بعثتها إسرائيل في 16 مايو الجاري إلى الأمم المتحدة، كانت واضحة في اتهامها للسلطات السورية بأنها وراء حادثة التسلل عبر خط فصل القوات المتفق عليه بين إسرائيل وسوريا. “هذه الحادثة لم يكن في الإمكان حدوثها أو تنظيمها بدون علم السلطات السورية”، حسبما جاء في الشكوى.

إسرائيل رأت في ذلك “عملاً خطيراً كان الهدف منه إثارة الإستفزازات للإلهاء عن قضايا أخرى”.

إذن، الخوف من قيام الأسد بردّ فعل يائس عبر جيوبه ضد إسرائيل، كما يقول محللون إسرائيليون أيضاً، لا يزال قائماً.

لا سيما وأنّ الفرصة أمام النظام السوري، لتجنّب عقوبات وإدانات وتدخلات دولية لاحقة، قد تصل إلى مجلس الأمن، تضيق، يوما بعد يوماً. فرنسا وبريطانيا أعلنتا قبل حوالي أسبوع، أنهما قريبتان من كسب تأييد 9 أصوات لقرارٍ يدين سوريا في مجلس الأمن.

أميركياً، يتجه الموقف ضد سوريا نحو المزيد من التصعيد لتضييق الخناق على النظام. موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأخير، الذي خيّر فيه الرئيس السوري بين التغيير أو الرحيل، كان واضحاً، في هذا الخصوص.

كلا الخيارين بالنسبة للنظام السوريّ مرٌّ وعلقم، فلا هو بقادر على الأصلاح والتغيير، ولا هو بتاركٍ للسلطة وراحلٍ بسلام. أما ما يمارسه النظام الآن من قتلٍ منظم بحق الشعب السوري لأجل البقاء، فهو ليس إلا أول الغيث، والقادم سيكون بكلّ تأكيد أهول وافظع وأشنع.

الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي لم يكتفِ بالإنضمام أمس إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، في مطالبة الرئيس السوري بقيادة التحوّل الديمقراطي للبلاد أو التنحي فحسب، وإنما صعّد اليوم من لهجته ضد الأسد ونظامه، حيث قال في مؤتمر صحفي عقد في ختام قمة الثمانية في دوفيل: “لقد فعلنا كلّ شيء لإعادة سوريا إلى المنظومة الدولية، وحاولنا مساعدة السوريين وتفهمهم، لكن بكلّ أسف أقول أن القادة السوريين قد تراجعوا خطوات مدهشة إلى الوراء.. وما على فرنسا في هذه الظروف إلا أن تسحب ثقتها من الأسد ونظامه، وأن تندد بما يجب التنديد به”.

 

في ظلّ هذا التصعيد السوري والتصعيد الدولي المضاد، ماذا يمكن لإسرائيل، إذن، أن تفعل ل”ملك”(ها) الأسد؟

هل ستنقذ إسرائيل النظام السوري من العزلة الدولية، هذه المرّة أيضاً، كما أنقذته من أزمات وعزلات دولية سابقة، عبر قنواتها المعروفة في أوروبا وأميركا؟

لا أعتقد، أنّ إسرائيل ستفعلها هذه المرّة.

ليس لأنها لا تريد الأسد، ولا تحبّه، ولا تعشق “عداوته المعتدلة”، وإنما لأن شهر العسل بينهما قد أوشك على نهايته، وذلك بحكم الضرورة التاريخية للشعوب العربية التي تريد الآن “إسقاط أنظمتها”.

أعتقد أنّ إسرائيل تعلم الآن، وهي الأدرى بشعاب نظام الأسد بالطبع، بأنه ما عاد ذات الملك “المعشوق إسرائيلياً” والمؤمّل فيه، الذي يمكن أن يؤمن ذات الإستقرار لذات إسرائيل. هذا فضلاً عن أن هذا النظام القاتل لشعبه، والمدان والمعاقَب الآن دولياً، على أعلى المستويات، ولا يزال حبل إداناته على الجرار، ما عاد بالإمكان أن ينفع إسرائيل وينفع استقرارها، كما كان.

الرئيس أوباما، انتقد في خطابه الأخير، الإستراتيجية الأميركية القديمة، المبنية على ما سماها ب”المصالح الضيقة”، أي تلك التي كانت تتقاطع مع مصالح الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة. لهذا دعا إلى استراتيجية أميركية جديدة، تأخذ مصالح شعوب المنطقة الثائرة لأجل حريتها بعين الإعتبار، ف”مصلحة أميركا الراهنة، لا تكمن في استقرار الدول فقط، وإنما تكمن في حق تقرير المصير للأفراد أيضاً”، على حدّ قوله.

هذا الفهم الجديد للرئيس الأميركي إلى شعوب الشرق الأوسط القادم، ليس “اكتشافاً أميركياً” جديداً لحرية هذه الشعوب، بقدر ما هو اكتشاف لمصالح أميركية جديدة، التي لا بدّ لها أن تُبنى على أسس ورؤى جديدة، تقتضيها المتغيّرات الجديدة في المنطقة. من هنا دعا أوباما إلى استغلال الفرصة التاريخية للوقوف الأميركي إلى جانب “كرامة الشعوب” ضد “قوة الديكتاتور”، حسب توصيفه، لأن من مصلحة أميركا القادمة، أن تبني استراتيجيتها الجديدة في المنطقة القادمة على التغيير، على أساس مصالح شعوبها، لا على أساس مصالح الديكتاتوريات، كما كان الأمر عليه في السابق.

ذات الشيء يمكن سحبه على إسرائيل القادمة ومصالحها في أمن وإستقرار المنطقة أيضاً.

فأيهما أفضل لإسرائيل القادمة، أمنها “المفترض” الذي كان من أمن واستقرار أنظمةٍ ديكتاتورية فاسدة، مثل النظامين المصري والسوري، أم أمنها الذي يجب أن يكون من أمن واستقرار وسلام شعوب المنطقة؟

الديكتاتوريات لا يمكن لها أن تصنع سلاماً، وإنما السلام هو من الشعوب إلى الشعوب.

الأرجح، هو أنّ الأسد، ما عاد “صالحاً” لأن يكون “ملكاً قادماً” لإسرائيل. وستتخلىّ هذه الأخيرة عن “عشق” عداوته، خصوصاً بعد تخلّي العالم عنه، ولن تحميَ نظامه هذه المرّة، كما فعلت في مناسبات أخرى سابقة.

ناهيك عن أنها بفقدانها وخسارتها للأسد، ستستفيد أيضاً.

هي، ستستفيد، لأن أعداءها بتفكك نظام الأسد، سيتفككون ويضعفون.

هي، ستسفيد، لأنّ تفكك نظام الأسد، سيعني تفككاً لجيوبه المسلحة في لبنان وفلسطين، فضلاً عن أنه سيعني تفككاً لأخطر حلف، كان ولا يزال يهدد وجود إسرائيل في المنطقة.

لا شك أنّ إسرائيل قلقة الآن من سوريا ما بعد الأسد، وممّن سيحكمها من بعده. وهذا قلقٌ مشروعٌ لها، كدولة لا تزال تحتل أراضٍ سورية، ولم توقّع معها اتفاقية سلام، مثل مصر والأردن.

هي، عبّرت عن ذات القلق، إبان الثورة المصرية، وصلّت لبقاء النظام المصري ورئيسه حسني مبارك أيضاً، كما صلّت لنظام الأسد في الأول من أزمته. ولكن التغيير الذي حدث في مصر، لم يؤثر حتى الآن، على علاقة هذه الأخيرة، واتفاقيات السلام والأمن الموقعة مع إسرائيل، كما توقّع البعض. فمصر الثورة، اعترفت منذ البداية، بإسرائيل وتعهدت أمام العالم بإحترامها لها كدولة جارة ذات سيادة، حسب اتقاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1978.

 

سوريا القادمة على التغيير الضروري بحكم الشعب، لن تكون على إسرائيل أصعب من مصر.

سوريا القادمة، بدون الأسد، ستفيد السوريين، وشعب إسرائيل أيضاً.

هي، ستفيد الإثنين معاً، لأن الشعب السوري، الذي ذاق الأمرّين من نظامه “الممانع والمقاوم”، طيلة أكثر من أربعة عقودٍ من الزمان، لن يرتكب حماقات “ممانعة” أخرى، من قبيل صناعة وبيع الشعارات الكبيرة، والوطنيات الزائفة، والمقاومات الهوائية، التي قمع بها النظام السوري، كلّ داخل وطني بخارجٍ عدو كان تحت الطلب.

سوريا الحرّة القادمة، الخارجة على الديكتاتور، ستفيد السلام للشعبين وللدولتين العدوّتين معاً، لأن الشعب السوري قد شبع من حروب النظام ضد طواحين الهواء، عبر معتمديه بالوكالة، طيلة عقودٍ من المقاومات والممانعات الكاذبة، التي ما عادت تسدّ جوعاً ولا تقنع أحداً.

فمن يصنع حريةً شجاعة، لن يخاف “السلام الشجاع”.

ولا سلام من دون حريةّ، كما لا حريّة من دون سلام.

ايلاف

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى