صفحات سورية

هل سوريا سبب التوتر الأميركي-التركي؟/ عبد القادر عبد اللي

 

 

فور إعلان القضاء التركي عن عزل 28 رئيس بلدية، في أحياء وقرى وبلدات كردية، بتهمة التعاون مع حزب “العمال الكردستاني”، وتعيين مندوبين قضائيين مكانهم، أعلن السفير الأميركي في أنقرة جون باس: “نشعر بالقلق لعزل المنتخبين”.

تلقى المسؤولون الأتراك هذه العبارة، باعتبارها القشة التي قصمت ظهر البعير، وتتالت ردود فعل غريبة، ولعلها مفاجئة. فهل هذا التوتر ناجم عن عزل 28 رئيس بلدية قرية وحي فقط؟

جاء تصريح وزير العدل التركي بكر بوظداغ سريعاً: “عندما تقوم المؤسسات القضائية في تركيا بعملها، لا تستأذن أحداً، وإذا كان السفير الأميركي لا يعرف هذه الحقيقة، فسنعلمه إياها”. ولم يخرج تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، عن هذا الإطار، فقد قال: “السفير الأميركي ليس والياً على تركيا”.

ولعل تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، جاء الأقسى في وصف السفير: “هذه الأمة سترد بالشكل المناسب على من يتحذلق ولا يعرف حدوده وقيمته. على الدول الكبرى أن تفكر جيداً عند تعيين سفرائها”.

الحقيقة أن المسؤولين الأتراك كافة وجهوا كلاماً حاداً للسفير، وكل كلامهم يكاد يضغط على حدود اللباقة الديبلوماسية.

على صعيد المعارضة أيضاً، فقد قال رئيس حزب “الحركة القومية” دولت بهتشلي: “السفير الأميركي يتجاوز حدوده، إنه يمطر تركيا بالإهانات، تركيا ليست الولاية الثالثة والخمسين في الولايات المتحدة الأميركية”.

في الحقيقة أن دولت بهتشلي ووزير الخارجية التركية أشارا إلى نقطة مهمة في العلاقات التركية-الأميركية، فغالبية السفراء الأميركيين المعينين في تركيا يتعاملون مع هذا البلد وكأنه ولاية أميركية.

لم يعد سراً أن العلاقات التركية الأميركية منذ العام 2011 تدهورت كثيراً، ويمكن القول إنها بلغت أدنى مستوى لها. وهناك من ربط هذا التدهور بتدهور العلاقات مع إسرائيل إثر حادثة سفينة مرمرة، ولكن عودة العلاقات مع إسرائيل لم تحسّن العلاقات التركية-الأميركية. كما أنه من الممكن أن يربط تدهور العلاقات التركية-الأميركية بموقف تركيا من الربيع العربي عموماً، والنظام السوري خصوصاً، حيث وإن بدت الولايات المتحدة مناصرة للثورات العربية، فقد تبين لاحقاً أنها دعمت الثورات المضادة والأنظمة السابقة، وما زالت على موقفها، وهو مناقض للموقف التركي.

من جهة أخرى، لا يُنكر أن عاملاً جديداً لعب دوراً بتأجيج هذا التوتر، وهو العلاقة بين الولايات المتحدة وحزب “العمال الكردستاني”، وجاءت قضية رؤساء البلديات هذه لتصب الزيت على النار في هذا الموضوع تحديداً. فرؤساء البلديات المعزولين يحاكمون بتهمة الانتماء إلى حزب “العمال الكردستاني”، أو استخدام إمكانيات البلديات في خدمة هذا الحزب الذي دخل حالة تحالف جديدة مع الولايات المتحدة.

وصلت العلاقات التركية-الأميركية إلى الحضيض إثر انقلاب 15 تموز/يوليو الفاشل في تركيا، وترددت الأنباء عن دعم أميركي للانقلابيين. وقد اضطر السفير الأميركي، باس، لدحض هذه الأقاويل مرات عديدة، ولكن القناعة السائدة في تركيا هي أن الولايات المتحدة تقف وراء الانقلاب.

لعل كلمة “المُنتخبين” في تصريح السفير الأميركي أعادت قضية الدعم الأميركي للانقلاب إلى راهن الأحداث. وهذا ما طرح قضية: “أليس البرلمان والحكومة ورئيس الجمهورية منتخبين؟” لماذا لم يكن هناك موقف أميركي واضح من هؤلاء المنتخبين؟ المقارنات بين الموقف الأميركي في انقلاب 15 تموز، والموقف إثر عزل 28 رئيس بلدية لم تكن بالطبع لصالح الولايات المتحدة. فعند الانقلاب لم تعلن الولايات المتحدة موقفها إلا بعد التأكد من فشله، أما هنا فقد أعلن السفير الأميركي “موقف بلاده” حتى قبل تنفيذ القرار القضائي.

من غير الممكن الاقتناع بأن الزوبعة القائمة الآن بين تركيا والولايات المتحدة، هي بسبب عزل 28 رئيس بلدية قرية وحي. فهناك اتفاق أميركي-روسي حول سوريا، أعلن عن وجود بنود سرية فيه، استبعد تركيا. وإن كانت تركيا قد أعلنت مباركتها للاتفاق، وبادرت بإرسال المساعدات الإنسانية إلى حلب، فإنه لم يكن هناك تجاوب أميركي معها على هذا الصعيد، وعلّقت مساعداتها طويلاً في الحدود. واتصل وزير الخارجية التركي مرات عديدة بنظيره الأميركي جون كيري، من أجل تمرير المساعدات إلى حلب دون جدوى. وما زالت تركيا تضغط على الولايات المتحدة من أجل تمرير المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

تركيا تحرج الولايات المتحدة أيضاً في خطة تحرير الرقة والبصرة، فهناك تسريبات أولية تقول إن تركيا طالبت الولايات المتحدة في أول تواصل عسكري بين البلدين بأن يكون المقر العام لقوات “التحالف” ونقطة انطلاق قواتها باتجاه الرقة في منبج، وأنها ستدخل من محور آخر في الشمال هو تل أبيض، وقد حشدت تركيا قواتها المسلحة بالفعل على طرفي تل أبيض من الشرق والغرب. ولا يخفى أن توزيع القوات التركية هذا يقطع “الكنتونات” الكردية الثلاثة في الشمال السوري، ويزيل التواصل الجغرافي بينها، وهذا ما تطالب به تركيا منذ البداية.

يمكن قراءة التوتر القائم الذي تأجج بسبب تصريحات السفير جون باس، على أنه عملية تحسين شروط التفاوض بين الأميركيين والأتراك في القضية السورية عموماً، وقضية “داعش” وحزب “العمال الكردستاني” بشكل خاص.

رسالة الأتراك للأميركيين ليست سرية، وهي تقول: “نحن مستعدون للمساعدة في قتال داعش، وتحرير الرقة والبصرة، ولكن شريطة فك ارتباطكم بحزب العمال الكردستاني”.

الرسالة صعبة على الولايات المتحدة، فهي تنظر إلى تركيا باعتبارها ولاية من ولاياتها كما قال دولت بهتشلي، فكيف ستقدم تنازلات لها؟

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى