صفحات مميزة

هل سيحصل التدخل السعودي البري المرتقب في سورية –مجموعة مقالات وتحليلات-

سوريا: هل يكفي التلويح بالحزم التركي-السعودي/ عبد القادر عبد اللي

منذ أيام يُسرّب مسؤولون سعوديون أنباءً عن تدخل سعودي بري في الشمال السوري، عبر الأراضي التركية، من دون ذكر أسمائهم.

وفي الحقيقة بدا الأمر في غاية الغرابة. فالدولتان؛ السعودية وتركيا، تخوضان حربين شرستين، وتستخدمان فيهما كل أنواع الأسلحة تقريباً، ومن الصعب على أية منهما فتح جبهة أخرى. لذلك بدت التسريبات غير مقنعة في أكثر الأحيان، خاصة عندما وُجهت أسئلة للمسؤولين الأتراك حول هذا الأمر، فكان النفي غير الواضح تماماً، واللغة الغائمة التي لا يفهم منها شيئاً محدداً.

واختفت التصريحات النارية، والخطوط الحمر، ما عدا تصريح واحد أدلى به رئيس الجمهورية التركية أثناء عودته من جولة أميركا اللاتينية، وبعد إلحاح الفريق الصحافي المرافق حول التدخل السعودي التركي المشترك في سوريا، فقال: “لن نسمح بعراق جديد جنوبنا”.. إنها جملة مطاطة وتحتمل تفسيرات كثيرة، ويمكن أن تُدرج في خاصة لن نسمح بحماة أخرى، ولن، ولن، ولن..

أخيراً تم الاعتراف بمتابعة الطائرات السعودية عملياتها في إطار “التحالف الدولي” ووصول “قوات استطلاع” سعودية نزلت في قاعدة إنجيرلك. وهذه قاعدة أميركية بالدرجة الأولى، تابعة لحلف “شمال الأطلسي”، وتقع على مسافة ثمانية كيلومترات شرقي مدينة أضنة بالقرب من قرية إنجيرلك في جنوب تركيا. هذا يعني أن القوات البرية السعودية نزلت في قاعدة أميركية تخدم “التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية”. وفي حال دخولها برياً إلى سوريا، ستكون تحت مظلة “التحالف الدولي” ولا ننسى أن هذا التحالف تشكّل في جدة السعودية في أيلول/سبتمبر 2014.

الخطة التي طرحتها تركيا في مؤتمر جدة، ولم توافق عليها الولايات المتحدة، وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن رفضها في مؤتمر “قمة العشرين” الذي عُقد في أنطاليا التركية، كانت تقضي بتحرير المناطق من تنظيم “الدولة الإسلامية” بشريطة ألا يستفيد منها الأسد، أي تُسلم للجيش الحر تحديداً، وتقدم لهذا الجيش الحماية.

الأمر الغريب هو أن الولايات المتحدة رفضت الطلب التركي بشدة. يومها كان الملك السعودي عبدالله، على قيد الحياة، ورفض الاقتراح التركي أيضاً.

بحسب التصريحات الأميركية، فقد رُفضت الخطة التركية لأن أهدافها ستكون أبعد من القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، وستحارب المجموعة الكردية الحليفة للولايات المتحدة وهي حزب “الاتحاد الديموقراطي”. وفي الحقيقة فأن تركيا لا تنكر هذا الأمر، وتقوله بشكل علني، فما الذي جعل الولايات المتحدة توافق على عملية كهذه، والشروط والأسباب التي كانت تجعلها ترفض مازالت قائمة إلى اليوم؟

حظيت السعودية بالدعم الأميركي في هذه العملية، بمعنى أنها انتزعت من الأميركيين ما لم يستطع الأتراك انتزاعه عبر سنة ونصف السنة تقريباً. ولن يكون هناك خطأ بالقول إن أكثر الدول حرجاً من هذه القضية هي إيران. فإذا وقفت ضد التدخل السعودي، ستظهر بأنها تدافع عن تنظيم البغدادي، لذلك فقد كلفت أحد أجرائها بأن يملي على “وليد المعلم” تصريحات أقل ما يقال فيها إنها شديدة الغباء، فوعد بإرسال السعوديين بالتوابيت إلى بلادهم، بمعنى إنه سيقاتل إلى جانب تنظيم “الدولة الإسلامية” ضد السعودية وتركيا إن دخلتنا برياً.

وبالطبع فإن موقف إيران كان في الاتجاه المعاكس تماماً لاتجاه المعلم، فبعد خلافات شديدة بينها وبين تركيا منذ سنوات في قضية بيع الغاز الطبيعي لتركيا، بادرت إيران للمصالحة والقبول بالتحكيم الدولي، وحتى تلبية المطالب التركية دون تحكيم دولي، بل أكثر من هذا فقد صرحت مصادر الإيرانية بأن حسن روحاني، سيزور تركيا في الأيام المقبلة.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قدم وزير الخارجية الإيرانية نفسه بصورة عكسية تماماً أيضاً، وأكد أن من مصلحة السعودية وإيران أن يتعاونا في هذا الموضوع، أي قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وإذا كانت روسيا تهدد تركيا منذ سقوط طائرتها باستمرار، فهي إزاء هذه الحالة الجديدة اكتفت بالقول إن الأمر يحتاج إلى قرار دولي جديد، علماً أن القرار الدولي بتشكيل التحالف صريح فهو يخوض الحرب ضد هذا التنظيم بالأشكال كافة، ويمكن طرح قراءة معاكسة للقراءة الروسية.

مع وصول طلائع قوات الاستطلاع السعودية إلى تركيا، وقع حادثان صغيران ومحدودان بحسب الأركان التركية، وأكثر من هذا بكثير بحسب مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” رامي عبد الرحمن، وبحسب “قوات سوريا الديموقراطية”.

قالت الأركان التركية إن قصفاً متزامناً من موقعين أحدهما لحزب “الاتحاد الديموقراطي” (الكردي) قرب مطار منغ، والآخر من موقع لقوات النظام السوري شمالي اللاذقية، على مخفرين تركيين حدوديين قد حدث، وتم الرد على المصدرين ضمن قواعد الاشتباك، وأسكتت مصادر النيران.

لا شك أن عمليات جس نبض ستحدث اعتباراً من الآن، وبالطبع فإن جس النبض لا يتعلق بالنظام السوري وحزب “الاتحاد الديموقراطي”، بل يتعلق بالروس والأميركيين، وبحسب تلك الردود ستتصعد الأمور.

الملاحظ أن العديد من الدول الأوروبية انتقدت القصف الروسي على سوريا، مع وصول القوات السعودية إلى تركيا، فهل هي مصادفة أن تسكت طوال هذه الفترة، وتنطق الآن؟

فرضت السعودية عمليتها العسكرية في اليمن باسم الحزم، ويومئذ تردد اسم “حزم سوري” مقابل حزم يمني، فالعدو واحد. الظروف السياسية والعسكرية كما تظهر لا تسمح للسعودية وتركيا بالدخول في عملية برية لقتال تنظيم “الدولة”، وتخفيف الضغط على المقاتلين الذين يقاتلون النظام. ولكن هل التلويح بالحزم فقط يمكن أن يلبي الغرض، ويخفف الضغط عن المعارضة السورية وإلزامها بقبول الشروط الإيرانية الروسية؟ أم هناك حزم حقيقي جعل الطرفين ينطبق عليهما المثل القائل: “ما الذي جعلك تقدم على المُرّ.. قال الأمرّ منه”. هل هناك تهديد وجودي “أمرّ” للسعودية وتركيا، يجعلهما يغامران بما فوق طاقتيهما؟ يبدو أنهما يقرآن الأمر على هذا النحو.

المدن

 

 

السعودية وإيران: صراع الأدوار وانعكاساته الإقليمية/ د. جمال عبد الله

ملخص

أدَّى اعتداء بعض المتظاهرين الإيرانيين على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، في 2 يناير/كانون الثاني 2016، عقب إعلان الرياض تنفيذها حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي المعارض، نمر النمر، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.

فقد أثار إعدام نمر النمر دون الآخرين الذين نُفِّذت بحقهم أحكام الإعدام حفيظة إيران التي تعتبر نفسها الحامي التقليدي للشيعة في العالم الإسلامي، لاسيما أولئك الذين تعتبرهم أقلية في دولٍ يكون معظم مواطنيها من المسلمين السُّنَّة.

ويبدو أن السعودية أرادت من تنفيذ حكم الإعدام في توقيتٍ واحد بهذه المجموعة الأكبر منذ عام 1980، إبراز موقفها الحازم والمتشدد من التطرف أيًّا كان أصله ومرجعيته، وبغضِّ النظر عن العقيدة التي يؤمن بها أولئك المتطرفون أو الطائفة التي ينحدرون منها.

من المُسلَّم به أن كلًّا من السعودية وإيران فاعلٌ رئيس في الصراعات الدائرة في المنطقة لا سيما تلك المندلعة في سوريا واليمن، مع اختلاف الجهات التي يدعمها كل طرف؛ عليه، يُخشى أن ينعكس التوتر المُتصاعد بين البلدين على القضايا الإقليمية الحيوية؛ في ظلِّ حالة صراع الأدوار بين الرياض وطهران.

كما تتواجه السعودية وإيران منذ عدة أشهر في ميدانٍ آخر، هو سوق الطاقة، وذلك منذ انخفاض أسعار منتجات الطاقة لاسيما النفط، وإصرار الرياض على عدم خفض إنتاجها من هذه السلعة التي تسهم إلى حدٍّ كبير في التحكم باقتصادات عددٍ من الدول، ما قد يُفسِّر، من قِبل بعض المختصين الاقتصاديين، بأنَّ قرارَ الرياض عدمَ خفض إنتاجها من النفط جاء نتيجة رغبتها الحدِّ من نمو الإنتاج الإيراني المُتوقَّع من هذه السلعة (النفط)، والذي سيؤدِّي بدوره إلى زيادة تدفق الإيرادات على خزينة الدولة الإيرانية، وبالتالي إمكانية استثمار بعض تلك العائدات في تطوير برامج تسلحها وتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال تمويل الميليشيات والأنظمة الموالية لها في المنطقة.

مقدمة

تشهد العلاقات السعودية-الإيرانية توترًا كبيرًا منذ اعتداء متظاهرين إيرانيين على مقري السفارة  والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، في 2 يناير/كانون الثاني 2016، عقب إعلان الرياض تنفيذها حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي السعودي، نمر باقر النمر، ضمن مجموعة من 47 شخصًا أُدينوا بقضايا تتعلق بأعمال إرهابية شهدتها المملكة خلال العقد الأخير.

ووصل هذا التوتر إلى حدِّ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، في 3 يناير/كانون الثاني 2016، بسبب ما وصفته بـ”الاعتداءات العدوانية للنظام الإيراني” (1)، وتصريحاته غير المسؤولة ضد الدولة السعودية؛ ما قد يؤدِّي إلى انعكاس آثار هذا التوتر بين البلدين على عدد من الملفات الإقليمية المهمة، لاسيما في سوريا واليمن ولبنان، وكذلك على ملف أسعار النفط العالمية.

يناقش هذا التقرير أبعاد التوتر في العلاقات بين السعودية وإيران، ويحاول رصد انعكاساته المتوقعة على القضايا الإقليمية الحيوية؛ في ظلِّ حالةٍ من صراع الأدوار بين الرياض وطهران.

التوتر السعودي-الإيراني: سبب الأزمة الراهنة

أعلنت المملكة العربية السعودية، في 3 يناير/كانون الثاني 2016، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وذلك بعد تصاعد حدَّة التوتر بين البلدين نتيجة تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين التي هاجموا فيها سياسات الرياض بعد الإعلان عن إعدام رجل الدين الشيعي، المعارض السعودي نمر النمر، في يوم السبت الموافق 2 يناير/كانون الثاني 2016؛ حيث تبع ذلك إقدام بعض المتظاهرين الإيرانيين على إحراق مقرِّ السفارة السعودية في العاصمة طهران، والاعتداء على القنصيلة السعودية في مدينة مشهد الواقعة شمال شرق إيران.

ولعلَّ هذا التصعيد الذي أدَّى مؤخرًا إلى أزمةٍ دبلوماسية بين الرياض وطهران، يعكسُ فصلًا جديدًا من فصول العلاقات المتوترة بين البلدين على مرِّ العقود الخمسة الماضية، لاسيما منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، وما تبعه من تنافس بين القوتين الإقليميتين على قيادة العالم الإسلامي.

موقف سعودي حازم ضد التطرف

أعلنت وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية، صباح يوم السبت، الموافق 2 يناير/كانون الثاني 2016، تنفيذ حكم القصاص (الإعدام) بحق 47 متهمًا، كان منهم رجل الدين الشيعي المعارض السعودي نمر باقر النمر؛ حيث أُدين المتهمون “باعتناق المنهج التكفيري” و”الانتماء لتنظيمات إرهابية” مسؤولة عن سلسلة هجمات دامية تم تنفيذها في مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية خلال الفترة 2003-2006، كما جاء في نص بيان وزارة الداخلية السعودية (2).

وقد صادقت المحكمة العليا ومحكمة الإستئناف السعودية على حكم الإعدام الصادر بحق نمر النمر، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعد إدانته بعدَّة تهم، منها: “قيادة احتجاجات” في المنطقة الشرقية من السعودية، و”إشعال الفتنة الطائفية”، و”الخروج على ولي الأمر” (3).

لقد أثار إعدام نمر النمر دون الآخرين الذين نُفِّذت بحقهم أحكام الإعدام حفيظة إيران التي تعتبر نفسها الحامي التقليدي للشيعة في العالم الإسلامي، لاسيما أولئك الذين تعتبرهم أقلية في دولٍ يكون معظم مواطنيها من المسلمين السُّنَّة.

ويبدو أن السعودية أرادت من تنفيذ حكم الإعدام في توقيتٍ واحد بهذه المجموعة الأكبر منذ عام 1980، إبراز موقفها الحازم والمتشدد من التطرف أيًّا كان أصله ومرجعيته، وبغضِّ النظر عن العقيدة التي يؤمن بها أولئك المتطرفون أو الطائفة التي ينحدرون منها.

من جهةٍ أخرى، يبدو أن الرياض تخشى من أن قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2016، كنتيجة للاتفاقية التي وقَّعتها إيران في فيينا بشأن ملفها النووي في يوليو/تموز 2015 مع مجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، قد يسمح لإيران بتوسيع نفوذها في أماكن تواجدها من خلال وكلائها، لاسيما في كلٍّ من سوريا والعراق واليمن ولبنان، وذلك بضخِّ مزيدٍ من الأموال للمجموعات الموالية لها كحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن ونظام بشار الأسد في دمشق وبعض الميليشيات الشيعية في العراق.

وبالتالي، فقد حسمت السعودية أولوياتها منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى رأس هرم السلطة في البلاد، في يناير/كانون الثاني 2015، فكان خيارها مواجهة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية (4)، وصد محاولات طهران توسيع نفوذها في المنطقة لاسيما في الدول المجاورة للملكة العربية السعودية كاليمن والعراق وسوريا.

من المُسلَّم به أن كلًّا من السعودية وإيران فاعلٌ رئيس في الصراعات الدائرة في كلٍّ من اليمن وسوريا مع اختلاف الجهات التي يدعمها كل طرف؛ حيث تسعى الرياض إلى إعادة الشرعية في اليمن وذلك بعد أن استولت جماعة الحوثي وأنصار الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، على مفاصل الدولة اليمنية، في سبتمبر/أيلول 2014، بينما تتلقى جماعة الحوثي دعمها من إيران.

وكذلك الحال في سوريا التي اقتربت ثورتها من دخول عامها الخامس، حيث تدعم إيرانُ بالمال والعتاد والمقاتلين نظامَ الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات المقاتلة بجانبه كحزب الله اللبناني، بينما تدعم السعودية ومعها دول عربية وإقليمية أخرى فصائل المعارضة التي توصف بالمعتدلة التي تقاتل ضد قوات النظام السوري، كما تشارك الرياض بفعالية في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لقتال ما يُسمَّى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

حرب تصريحات بين الرياض وطهران

أدَّت الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين السعودية وإيران على خلفية اعتداء بعض المتظاهرين الإيرانيين على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران نتيجة تنفيذ الرياض حكم الإعدام بحق المعارض السعودي، نمر باقر النمر، إلى اندلاع حرب تصريحات بين مسؤولي البلدين، وكذلك إلى انطلاق عدد من المظاهرات الغاضبة في بعض الدول الإسلامية التي يتواجد فيها المكوِّن الشيعي، مثل: لبنان وأفغانستان والبحرين واليمن والعراق وباكستان، وكذلك في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية حيث توجد بلدة العوامية مسقط رأس رجل الدين الشيعي، نمر النمر.

فمن الجانب الإيراني، صرَّح مساعد وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان بـ”أنه لا يمكن للحكومة السعودية تغطية خطأ إعدام شخصية دينية بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين” (5)، وحذَّر عبد اللهيان في تصريح لوسائل إعلام إيرانية، من أن إعدام النمر “سيكلِّف السعودية ثمنًا باهظًا”، وأضاف: “يجب أن يكُفَّ المسؤولون السعوديون عن المغامرات ضد أبناء شعبهم ودول المنطقة، وأن يتحركوا في مسار العدل والمنطق” (6).

من جانبه، اعتبر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية في كلٍّ من طهران ومشهد يُعدُّ انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية، وأشار إلى أن النظام الإيراني يحمل سجلًّا طويلًا من الاعتداءات على السفارات؛ حيث إن الإيرانيين اعتدوا من قبل على سفارتي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا (7). كما اتهم الجبير إيران بأنها توفر الحماية لقادة تنظيم القاعدة، بينما السعودية عازمة على الاستمرار في نهجها للقضاء على الإرهاب من خلال بنائها لتحالفات عربية وإقليمية وإسلامية لمواجهة التطرف أيًّا كانت مرجعيته والقضاء عليه.

فصل جديد من التصعيد بين إيران والسعودية

ينبغي الإشارة إلى أن هذه القطيعة الدبلوماسية بين البلدين ليست الأولى، حيث قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران خلال الفترة من العام 1987 إلى العام 1991، كنتيجة لأحداث موسم حج عام 1987 عندما قام بعض الحُجَّاج الإيرانيين بتنظيم مظاهرات أثناء أدائهم مناسك الحج في مكة المكرمة؛ الأمر غير المصرَّح به من قِبل السلطات السعودية؛ حيث قامت قوات الأمن السعودية بإطلاق النار على المتظاهرين ما أدَّى إلى مقتل 275 من الحجاج الإيرانيين في ذلك الموسم (8).

كما شهدت العلاقات بين البلدين توترًا ملحوظًا في عام 1996 إثرَ التفجيرات التي شهدتها مدينة الخُبر الكائنة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، والتي قُتل فيها 19 عسكريًّا أميركيًّا، وتم توجيه أصابع الاتهام حينها إلى مجموعات تلقت دعمها من طهران (9).

ويمكن تشبيه مسار تطور العلاقات بين البلدين منذ الثورة الإسلامية في إيران والتي اندلعت في عام 1979 بحركة أسنان المنشار صعودًا ونزولًا، فبالإضافة إلى ما تمت الإشارة إليه آنفًا، شهدت العلاقة بين الرياض وطهران توترًا كبيرًا إبَّان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران؛ حيث دعمت السعودية حينها ومعها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بغداد في حربها ضد طهران، وأنفقت مليارات الدولارات كدعم للحكومة العراقية التي كان يُنظر إليها على أنها حامية البوابة الشرقية للعالم العربي والسدُّ المنيع في وجه المخطط الإيراني لتصدير الثورة الإسلامية وتوسيع نفوذها في الدول العربية (10).

ولعلَّ حادث التدافع في منى بين الحجيج والذي وقع في أول أيام عيد الأضحى خلال موسم حج العام 2015، وراح ضحيته أكثر من 700 شخص بحسب الإحصاءات الرسمية السعودية، (أكثر من ألفي شخص بحسب الأرقام التي أعلنتها وكالة أنباء أسوشيتد برس) (11)، منهم 464 حاجًّا إيرانيًّا وفق الحصيلة التي أعلنتها منظمة الحج والزيارة الإيرانية (12)، أعادت التوتر إلى العلاقات بين البلدين بعد أن اتهمت طهران الرياض بفشلها في حفظ أمن وسلامة الحجاج.

من الواضح أننا بصدد مرحلة جديدة من تصعيد التوتر بين القوتين الإقليميتين، وسيكون المستفيد الأول من هذا التصعيد المجموعات المُتشددة لاسيما تلك التي تجد لها بيئة حاضنة في إيران، وذلك على حساب التيارات السياسية المعتدلة فيها، والتي يُعد كلٌّ من الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف من ركائزها؛ حيث تراهن نسبة عالية من النخبة الإيرانية على فوز الجناح المُعتدل بالانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجري في 26 فبراير/شباط 2016.

وتشير ردَّة فعل الرئيس الإيراني حسن روحاني على الهجمات التي استهدفت مقار البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، والتي نفَّذها بعض المتظاهرين الإيرانيين الغاضبين من تنفيذ حكم الإعدام برجل الدين نمر النمر، إلى الرغبة بعدم التصعيد مع الرياض؛ حيث اعتبر أن ما حدث “غير مبرَّر على الإطلاق” (13)، ووصف تلك التصرفات (الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد) بالهوجاء والإجرامية ومن قام بتنفيذها بالمتطرفين (14)؛ وأضاف في تصريحات نقلتها عنه وكالة “إيسنا”: “إن هذا العمل يضر بسمعة البلاد، وأن المسؤولين سينهون هذه التصرفات الهوجاء والإجرامية”. كما وجَّه روحاني رسالة إلى رئيس السلطة القضائية، آملي لاريجاني، أكَّد فيها على “ضرورة محاسبة من يقف خلف الهجوم الذي طال السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد” (15).

وفي السياق نفسه، فإنَّ موقف الرئيس روحاني من هذه الأزمة يعكس الانقسام الحادَّ في مواقف المسؤولين الإيرانيين، لاسيما عند مقارنة تصريحاته بالتصريحات المتشددة التي صدرت عن المرشد الإيراني، علي خامنئي، والتي اعتبر فيها “أن إراقة دم هذا الشهيد المظلوم من دون وجه حق (نمر النمر) ستؤثِّر بسرعة، وأن الانتقام الإلهي سيطول الساسة السعوديين” (16). ولكن، وفي وقت لاحق، عاد خامنئي واستنكر الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، معتبرًا أن ما حدث أمرٌ غير مقبول ويضر بمصالح طهران ولا يفيد أحدًا (17)، تمامًا كما حدث عقب الاعتداء على السفارة البريطانية في طهران قبل سنوات قليلة.

تداعيات الصراع السعودي-الإيراني على قضايا المنطقة

بعد قرار المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في 3 يناير/كانون الثاني 2016، اتخذ عددٌ من الدول العربية كالبحرين والسودان والصومال وجيبوتي قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، تضامنًا مع الرياض من جهة ورفضًا للسياسات الإيرانية التي اعتبرتها تلك الدول بمثابة سياساتٍ تدخلية في شؤون دول المنطقة (18).

كما قامت دولٌ عربية أخرى كقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت وجزر القمر باستدعاء سفرائها من إيران بعد أن تم الاعتداء على مقار البعثات الدبلوماسية السعودية في كلٍّ من طهران ومشهد (19).

دولٌ أخرى كماليزيا وباكستان والمغرب وتركيا والأردن، قامت باستدعاء السفير الإيراني المعتمد لدى عواصمها وقدَّمت احتجاجًا شديد اللهجة على التصرفات “العدائية” ضد مقرات البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران (20).

دون شك، فإن توتر العلاقات بين كل من الرياض وطهران، سيؤثِّر على مسار عددٍ من ملفات المنطقة التي يتشارك فيها الطرفان كلاعبيْن رئيسين متضادين لاسيما في كلٍّ من سوريا واليمن.

لقد وافقت كل من السعودية وإيران على أن يجلسا على طاولة المباحثات الخاصة بالملف السوري مع أطراف دولية أخرى في فيينا، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق إطار زمني لحل الأزمة السورية، يتضمن خارطة طريق لإقرار وقف إطلاق نار شامل مدعوم بقرار دولي؛ ما سمح بصدور القرار الأممي رقم 2254، بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي ينص على بدء محادثات السلام بسوريا في يناير/كانون الثاني 2016، ويؤكد أن الشعب السوري هو من يقرِّر مستقبل البلاد ويدعو لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، ويطالب بوقف الهجمات ضد المدنيين وبشكل فوري (21).

والآن، وبعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، ودعم كلٍّ منهما أطرافًا متناقضة في النزاع القائم في سوريا، يبقى التساؤل المطروح: هل من الممكن أن يجلس الطرفان مجددًا على طاولة مباحثاتٍ أخرى بشأن الملف السوري؟ وإن كان ذلك ممكنًا، فوفق أية تسوية؟

لقد أبدت إيران غضبها عقب إعلان أحمد عسيري، المستشار في مكتب وليِّ وليِّ العهد ووزير الدفاع السعودي، أنَّ الرياض على استعداد لارسال قوات برية إلى سوريا، وصرَّح رئيس الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، بأن ذلك سيكون بمثابة “رصاصة الرحمة على نظام الرياض” (22).

وفي اليمن، تقود المملكة العربية السعودية تحالفًا عربيًّا من عشر دولٍ في حربها على جماعة الحوثي وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح المدعومين من إيران، وذلك بعد انقلابهم على الشرعية وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014، منتهكين بذلك مبادئ المبادرة الخليجية التي أُعلن عنها، في 3 إبريل/نيسان 2011، ومخرجات الحوار الوطني التي أفضت إلى ترشيح مجلس النواب اليمني، في 21 فبراير/شباط 2012، عبد ربه منصور هادي، كمرشح رئاسي وحيد للانتخابات الرئاسية والتي جرت بالفعل في 25 فبراير/شباط 2012.

شهدت الأزمة اليمنية عدَّة جولات من المباحثات في جنيف بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثي، دون أن يفضي ذلك إلى بوادر تقارب بين الأطراف المتصارعة يمكن أن يؤدي بدوره إلى وقف الحرب الدائرة في اليمن منذ إعلان الرياض عن بدء عملية عاصفة الحزم في 26 مارس/آذار 2015.

عليه، يمكن استنتاج أن صانع السياسة السعودي قد اتخذ قرارًا حازمًا بعدم السماح لإيران بأن تتمدد وتوسع نفوذها باقترابها من حدود المملكة جنوبًا في اليمن، معتبرًا أن حفظ أمن السعودية وأمن دول مجلس التعاون الخليجي بمثابة الحفاظ على أمن الإقليم الذي لا يمكن التفريط به بأية حالٍ من الأحوال.

بالرغم مما سبق ذكره، فإنه يُستبعَد أن يؤدي التصعيد الدبلوماسي بين الرياض وطهران إلى نشوب حربٍ عسكرية بين البلدين؛ ذلك أنَّ الحرب بين إيران والسعودية هي “بداية لكارثة كُبرى في المنطقة، سوف تنعكس بقوة على بقية العالم” كما صرَّح بذلك الأمير محمد بن سلمان، وليُّ وليُّ العهد ووزير الدفاع السعودي في لقائه المطوَّل الذي أجرته معه صحيفة الإيكونوميست البريطانية في يناير/كانون الثاني 2016، مؤكدًا أن بلاده لن تسمح بحدوث شيء من هذا القبيل (23).

رفع العقوبات عن إيران وصراع الطاقة

يتواجه كل من السعودية وإيران منذ عدة أشهر في ميدانٍ آخر، هو سوق الطاقة، وذلك منذ انخفاض أسعار منتجات الطاقة لاسيما النفط، وإصرار الرياض في المؤتمر الوزاري الأخير لمنظمة الأوبك والذي عُقد في العاصمة النمساوية فيينا، في 4 ديسمبر/كانون الأول 2015، على عدم خفض إنتاجها من هذه السلعة التي تسهم إلى حدٍّ كبير في التحكم باقتصادات عددٍ من الدول.

ولاشك بأن إعلان المجتمع الدولي (الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمم المتحدة)، في يناير/كانون الثاني 2016، رفعَ العقوبات الاقتصادية عن طهران، والتي كانت مفروضة عليها منذ قرابة العقد من الزمن بسبب سعيها لتطوير برنامجها النووي، يُحتِّم على منتجي الطاقة من النفط والغاز أن يحتاطوا من عودة إيران إلى أسواق الطاقة العالمية، لاسيما بعد أن أعلن عددٌ من المستثمرين والشركات الدولية رغبتهم بالاستثمار في مجال الطاقة في إيران؛ ما قد يُفسِّر، من قِبل بعض المختصين الاقتصاديين، قرارَ الرياض عدمَ خفض إنتاجها من النفط رغبةً منها في الحدِّ من نمو الإنتاج الإيراني المُتوقَّع الذي سيؤدِّي بدوره إلى زيادة تدفق الإيرادات على خزينة الدولة الإيرانية، وبالتالي إمكانية استثمار الكثير من تلك الأموال في تطوير برامج تسلحها وتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال تمويل الميليشيات والأنظمة الموالية لها (24)؛ عليه فقد كان القرار السعودي ترك إعادة ضبط أسعار هذه السلعة الحيوية للاقتصاد العالمي (النفط) إلى قواعد وقوانين السوق من حيث العرض والطلب.

ونتيجةً للسياسة النفطية التي قررت الرياض اعتمادها فيما يخص عدم تخفيض إنتاجها من النفط، وما أدَّت إليه من انخفاضٍ حادٍّ في سعر برميل النفط الذي وصل إلى ما دون 30 دولارًا أميركيًّا للبرميل الواحد، في يناير/كانون الثاني 2016، فمن المتوقع أن تتحمَّل الرياض تكلفةً عالية لاسيما أنها تقود تحالفاتٍ عسكرية عربية وإقليمية خارج أراضيها (التحالف العربي في اليمن، والتحالف الإسلامي الذي أعلنت عن تشكيله في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015 والذي يضم 35 دولة)، وتشارك في تحالفات دولية أخرى (التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والذي يضم قرابة 65 دولة ومنظمة دولية)، وإعلان استعدادها مؤخرًا المشاركة بإرسال قواتٍ برية داخل الأراضي السورية تحت مظلةٍ دولية (25)؛ ما يستنزف مليارات الدولارات من خزينة الدولة السعودية؛ ولعلَّ ذلك يُفسِّر العجز الذي ظهر في موازنتها التي أعلنت عنها في 28 ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي وصل إلى 87 مليار دولار أميركي (26)، ما يؤدي بالمحصلة إلى فهم سياسات التقشف التي أعلنت عنها الرياض بالتزامن والتي تضمنت رفع أسعار الوقود (البنزين) بنسبة تصل إلى 40%، ورفع أسعار خدمات الكهرباء والمياه (27).

خاتمة

يمثِّل التصعيد الذي تشهده العلاقات السعودية-الإيرانية، فصلًا جديدًا من التوتر بين البلدين، لكن لا يُتوقَّع أن يتطور الأمر ليصل إلى نشوب حرب عسكرية بين الرياض وطهران؛ حيث لا يرغب أي من الطرفين في أن يصل التصعيد إلى هذا الحدِّ.

ويبدو أن هذا التوتر سوف ينعكس على ملفات المنطقة التي يتشارك كلا الطرفين في لعب دورٍ فاعلٍ فيها، لاسيما في كلٍّ من سوريا واليمن، كما يُتوقَّع أن يتأثر سوق الطاقة العالمي بالتصعيد الذي تشهده العلاقات السعودية- الإيرانية، خاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية الدولية التي كانت مفروضة على طهران.

يبقى أن نشير إلى أن دخول روسيا كفاعل رئيس في أزمات منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في سوريا ورغبتها في تعزيز وجودها كلاعبٍ رئيس في المنطقة في ظل انحسار الدور الأميركي، سيُلقي بظلاله على إدارة التوتر الذي تشهده العلاقات الإيرانية-السعودية، لا سيما بعد دخول رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن إيران حيز التنفيذ منذ يناير/ كانون الثاني 2016، وبالتالي قدرة طهران المتوقعة على إنتاج وتوريد مزيدٍ من النفط والغاز إلى الأسواق العالمية؛ حيث سيكون من مصلحة روسيا، التي تُعد من أكبر البلدان المنتجة للغاز في العالم، التخفيف من الآثار السلبية لتقلبات الأسعار المتعلقة بمنتجات الطاقة.

_______________________________

د. جمال عبد الله – باحث مختص بالشؤون الخليجية

 

الهوامش

  1. تنديد عربي وخليجي بإيران “الراعية للإرهاب”.. ودعوات لضبط النفس، الحياة، 3 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2016): http://www.alhayat.com/m/story/13211685
  2. الداخلية السعودية: إعدام 47 شخصًا بينهم المعارض الشيعي، نمر النمر، BBC عربي، 2 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2016): http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/01/160101_saudi_arabia
  3. الشايع، خالد، المحكمة العليا السعودية تصادق على إعدام نمر النمر، العربي الجديد، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2016): http://www.alaraby.co.uk/society/2015/10/25/المحكمة-العليا-السعودية-تصادق-على-إعدام-نمر-النمر
  4. المرزوقي، منصور، عامٌ للملك سلمان في قصر اليمامة: قطيعة أم امتداد؟، مركز الجزيرة للدراسات، 12 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 11 فبراير/شباط 2016): http://studies.aljazeera.net/reports/2016/01/201611294313309689.htm
  5. خليفة، أحمد صبحي، مسؤول إيراني: لا يمكن للسعودية تغطية خطأ إعدام شخصية دينية بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية، Reuters عربي، 3 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2016): http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0UH0S120160103
  6. إيران تحذِّر السعودية: إعدام “النمر” سيكلِّف ثمنًا باهظًا”، CNN بالعربية، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2016): http://arabic.cnn.com/middleeast/2015/10/26/iran-ksa-nimr-alnimr
  7. السعودية تقطع علاقاتها بإيران وتطرد دبلوماسييها، العربية نت، 4 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2016): http://www.alarabiya.net/ar/saudi-today/2016/01/04/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D9%82%D8%B7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%B7%D9%84%D8%B1%D8%AF-%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%8A%D9%87%D8%A7.html
  8. التداعيات المحتملة للقطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، مجلة الخليج الجديد، العدد الأول، 19 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 11 فبراير/شباط 2016): http://www.scribd.com/doc/295953427/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84
  9. المصدر السابق.
  10. محمد، محمد عبد الله، تكاليف حرب العراق عشرة أضعاف ما أُنفِق على حرب الخليج الأولى وفيتنام (2)، الوسط، 13 يونيو/حزيران، 2010، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2016): http://www.alwasatnews.com/news/434509.html
  11. عدد ضحايا تدافع الحجاج في مِنى “تجاوز 2000″، BCC عربي، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2016): http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/10/151019_haj_stampede_death_toll
  12. ارتفاع عدد ضحايا الإيرانيين في كارثة الحج إلى 464 شخصًا، BCCعربي، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 11 فبراير/شباط 2016): http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/10/151001_iran_saudi_haj_death_toll
  13. الرئيس الإيراني: الهجوم على السفارة السعودية في طهران عمل “غير مبرر”، The Huffington Post عربي، 3 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2016): http://www.huffpostarabi.com/2016/01/03/story_n_8906672.html
  14. المصدر السابق.
  15. خامنئي: عقاب إلهي سيطول السعوديين، RT Arabic، 3 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2016): https://arabic.rt.com/news/806213-%D8%AE%D8%A7%D9%85%D9%86%D8%A6%D9%8A-%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D8%A5%D9%84%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%A7-%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86/
  16. المصدر السابق.
  17. خامنئي: مهاجمة السفارة السعودية في طهران عمل ضد الإسلام وإيران، The Huffington Post عربي، 20 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 11 فبراير/شباط 2016): http://www.huffpostarabi.com/2016/01/20/story_n_9028168.html
  18. 5 دول تقطع علاقاتها مع إيران.. والعالم يندد بانتهاكاتها، الشرق الأوسط، 8 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2016): http://aawsat.com/home/article/538376/5-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%AA%D9%82%D8%B7%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%86%D8%AF%D8%AF-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7
  19. المصدر السابق.
  20. المصدر السابق نفسه.
  21. قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن سوريا، الجزيرة نت، 20 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2016): http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2015/12/20/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%B1%D9%82%D9%85-2254-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
  22. عاصفة هجومية إيرانية على السعودية بعد إعلان نيَّة التحرك بسوريا.. وجعفري: ستكون رصاصة رحمة للرياض، CNN بالعربية، 6 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2016): http://arabic.cnn.com/world/2016/02/06/iran-attacks-saudi-arabia-syria-contribution
  23. “بن سلمان” لـ “إيكونوميست”: لن نسمح بمواجهة عسكرية مباشرة مع إيران ونعتزم خصخصة التعليم والصحة، مجلة الخليج الجديد، العدد الأول، 19 يناير/كانون الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2016): http://www.scribd.com/doc/295953427/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84
  24. Izambard, Antoine, 5 Questions pour comprendre la crise entre l’Arabie Saoudite et l’Iran, Chalanges, 4 January 2016, (Accessed on 2 February 2016): http://www.challenges.fr/monde/moyen-orient/20160104.CHA3451/4-questions-pour-comprendre-la-crise-entre-l-arabie-saoudite-et-l-iran.html
  25. نمر، سليمان، السعودية تعلن استعدادها للمشاركة بعمليات برية في سوريا، القدس العربي، 4 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 11 فبراير/شباط 2016): http://www.alquds.co.uk/?p=476914
  26. السعودية تقر موازنتها لعام 2016 بعجز قدره 87 مليار دولار، RT Arabic، 28 ديسمبر/ كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2016): https://arabic.rt.com/news/805576-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9/
  27. السعودية ترفع أسعار الوقود، الحياة، 28 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2016): http://www.alhayat.com/Articles/13079072/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AF

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

هل تتدخّل السعودية برّياً في سوريا؟/ ألكس راول

مع تمكين الضربات الجوّية الروسية للميليشيات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، بما فيها حزب الله اللبناني، من تحقيق مكاسب غير مسبوقة حول حلب، مُهددةً بتحقيق ما يصفُه الثوار بالضربة القاضية للمعارضة المسلّحة، تعبّر بعض أهم الدول التي تدعم هؤلاء الثوار عن استعدادها للقيام بإجراءات تصاعدية جديّة بنفسها.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال الأسبوع الماضي إنّ المملكة كانت تفكّر في إرسال “فرقة عسكرية بريّة، أو فرقة قوات خاصة” إلى سوريا. وفي حين أكّد الجبير أنها ستعمل تحت رعاية الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش، قال مصدر سعودي لـNOW إنّ الهدف سيكون قتال القوات الموالية للنظام بقدر ما هو مواجهة جهاديي الخلافة.

وفي حين يستبعد العديد من المحللين، ومعهم مسؤولون إيرانيون وفي النظام السوري، المسألة برمّتها، معتبرين بأنها غير واقعية، تحدّث بعض الدبلوماسيين الغربيين عن شخصية وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان – مهندس حرب المملكة في اليمن- التي يصعب التنبؤ بقراراتها، معتبرين بأنّ هذا سبب لحصول الأمر (مع محمد بن سلمان، لا يمكنك التنبؤ، قال أحدهم للفاينانشيل تايمز). ويصر مراقبون يملكون علاقات قوية داخل السعودية على صحة الخبر.

“الخبر جدي […] إنها بداية تدخل سعودي في سوريا لتغيير الموازين، ولإعادة التوازن”، قال جمال خاشقجي، صحافي سعودي مخضرم ومستشار سابق للأمير تركي الفيصل عندما كان سفيراً، وأضاف: “يحاول الروس إملاء حلّهم في سوريا بالقوة، وبالتالي تشعر المملكة العربية السعودية بأنها يجب ألا تسمح لهم بذلك”.

وفي حين لم يتم الإفصاح عن أي تفاصيل خاصة، مع اعتبار الجبير الأربعاء بأنّه لن يكون من “المناسب نشر تفاصيل في الوقت الراهن”، قال الخاشقجي لـNOW بأنه يتصوّر انتشار قوات سعودية، إلى جانب شركاء خليجيين (الإمارات والبحرين عرضتا المشاركة)، إلى جانب الولايات المتحدة وتركيا، اللتين تخطط المملكة كما قيل للقيام بتمارين عسكرية مشتركة عما قريب معهما.

“لقد أمّنت المملكة العربية السعودية دعم تركيا”، كتب الخاشقجي مؤخراً، مضيفاً أنّ أي “تدخّل سعودي- تركي مشترك سوف يوفّر لأنقرة الفرصة لتطبيق المنطقة العازلة التي لطالما دعت الى تطبيقها”.

“الآن سوف يناقش مسؤولون سعوديون- بقيادة وزير الدفاع محمد بن سلمان مسألة تأمين غطاء جوي مع الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة والتي تُعتَبَر مسألة معقدة”. ولدى سؤاله عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستقبل فرضياً التدخل السعودي المقترح، أجاب وزير الخارجية الأميركي قائلاً: “بالتأكيد”.

وفيما خصّ الهدف العام للسعودية من هذا التدخل، قال خاشقجي لـNOW إنه يتصوّر بأن تتوصل الرياض إلى اتفاق معيّن مع روسيا يقضي بفصل غير رسمي لغرب سوريا الذي يسيطر النظام على أجزاء كبيرة منه عن الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة الواقعة أكثر باتجاه الداخل. وسيكون القسم الأخير “تحت حماية السعودية وحلفائها”، في حين ستقوم روسيا وإيران والحلفاء المسلّحون بحماية القسم الأول، وذلك وفقاً لاتفاق يقضي بعدم مهاجمة أي جهة للجهة الأخرى. وعلى الرغم من عدم تردّد روسيا في صدّ الثوار المدعومين من السعودية (ومن تركيا وأميركا) في الأشهر الأخيرة بواسطة الضربات الجوية، يعتقد بعض الدبلوماسيين الغربيين بأنّ موسكو لن ترغب في ضرب جنود سعوديين، خشية التأير سلباً على العلاقات التجارية الثنائية بين البلدين.

هذا التقسيم غير الرسمي قد “يؤدي الى تهدئة الوضع السوري لبضعة أشهر أو لبضع سنوات”، قال خاشقجي لـNOW، بعدها “سوف يقوم سوريّو القسمين بمحادثات من اجل إعادة التوحد. أما قضية بشار الأسد فستُترك للمستقبل، لكن أقلّه سوف تتوقّف ماكينة القتل والإرهاب. أنا أتوقّع حصول مثل هذا السيناريو”.

إلاّ أنّه يوجد بالتأكيد عدد من الأسباب للاعتقاد باستبعاد حصول حتى مجرّد تدخل عسكري سعودي محدود. أولاً، وعلى الرغم من مشاركة تركيا للسعودية في عدائها لدمشق (الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان اتهّم الأسد بالإبادة الجماعية)، فقد اقترحت تقارير الصحافة لتركية هذا الأسبوع عدم تحرّك الجيش عسكرياً بدون موافقة من مجلس الأمن.

ثانياً، ثمّة أسئلة تُطرح حول مدى جدوى الجيش السعودي، الذي لم يفلح كثيراً في حملته في اليمن التي استمرّت عشر أشهر ضد الحوثيين الذين لا يملكون من التجهيزات ما قد تمتلكه بعض القوات المقاتلة الى جانب الأسد مثل “حزب الله”.

ومن ثم لا ننسى الإعلان عن اتفاق “وقف الاعتداءات” في سوريا الذي تم التوصل اليه بين روسيا والولايات المتحدة والذي نص على حد موسكو من ضرباتها الجوية قبل 19 شباط وتسهيلها وصول الدعم الانساني الى المناطق المحاصرة. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ الاتفاق دلّ على تغيير “نوعي” في سياسة واشنطن تجاه سوريا، وجعلها أقرب الى موسكو. وسواء أكان ذلك صحيحاً أم غير صحيح، قال محللون لـ NOW إنّ الاتفاق سوف يجعل الولايات المتحدة غير ميّالة الى الاتفاق على أي خطوات من شأنها أن تستعدي روسيا في المستقبل القريب.

“يقوم الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حالياً بالتنسيق عن قرب مع الروس فيما خصّ غاراتهم على الأراضي السورية”، قال فداء عيتاني، الصحافي اللبناني الذي جاب أنحاء سوريا منذ بدء الحرب فيها. “لا يريد الائتلاف التدخّل في سوريا إلا من أجل ضرب مواقع داعش”. وتابع: “إذا كان التدخّل السعودي المفترض على علاقة بالائتلاف الدولي الذي ينسّق بدوره مع روسيا، سوف يكون من الصعب رؤية كيفية معارضته مصالح موسكو (وبالتالي مصالح دمشق) بشكل فعلي”.

بدوره قال الخاشقجي لـ NOW إنّ التدخّل السعودي “يمكن أن لا يحصل في حال استطاع الأميركيون إقناع الروس بوقف ضرباتهم وبالاتجاه نحو جنيف”، وبالفعل فقد يكون حديث الرياض عن تدخّلها في سوريا مجرّد عرض عضلات يهدف الى ممارسة المزيد من الضغط للوصول الى هذه النتيجة. لكن في حال فشل وقف اطلاق النار، أو لم يتحقّق أصلاً، قال الخاشقجي إنّه يعتقد بأنّنا سوف نشهد تدخّل السعودية في وقت قريب جداً. “إذا ما استمر الروس في اصرارهم على السيطرة الكاملة، حينها سوف يكون على السعوديين التدخّل في أقرب وقت ممكن من اجل احداث تأثير فعلي على الأرض”، وختم: “لأننا في حال أجّلنا الأمر إلى شهر آخر واستمر الروس في قصفهم، وتقدّمهم باتجاه حلب، سوف نشهد كارثة انسانية في شمال سوريا”.

ساهم أمين نصر في جمع المعلومات لاعداد هذا المقال

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

 

 

 

توتر إيران إزاء أي مبادرة عربية/ وليد شقير

تعيب طهران وحلفاؤها على المملكة العربية السعودية، ان إعلانها الاستعداد لإرسال قوات برية لمحاربة «داعش» في سورية، في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب، وتعتبر أن هدف الإعلان السعودي أن «يكون لها موطئ قدم في سورية»، كما قال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه قبل 4 أيام.

لا حرج لدى القيادة الإيرانية في أن تهدد الرياض رداً على مبادرتها هذه آخذة عليها السعي الى دور في بلاد الشام، سواء في قتال «داعش»، أم في الحل السياسي للأزمة السورية، فيما هي، الجهة غير العربية، تصادر حق التدخل وتصعيد الحرب وانتهاك سيادة دول عربية والسعي الى قلب موازين قوى داخلية وتنصيب أتباع وتقويض مقومات الدولة ومؤسساتها في هذه الدول، تحت شعار «المقاومة»، وبحجة محاربة الإرهاب. ولا حرج أيضاً لدى طهران في ادعائها محاربة «داعش»، فيما المعارك التي تخوضها، وفق مواقفها المعلنة، تهدف الى حماية بشار الأسد من السقوط أمام الفصائل المعارضة المسلحة المتحاربة هي الأخرى مع «داعش»، من ريف دمشق ومحيطها، الى درعا جنوباً وريف حلب شمالاً، تاركة مع الميليشيات التي استقدمتها، مناطق سيطرة «داعش» لحالها حيث يعبث التنظيم المتوحش بحياة السوريين مثلما تفعل هذه الميليشيات في سائر المناطق التي تدخلت فيها. تحت ستار احتكار محاربة مزعومة لـ «داعش»، يكمل التدخل الإيراني مصادرة قرار الشعب السوري بالانعتاق من نظام مستبد، تحكّم برقابه لعقود، ويساهم في تحويل الصراع الدائر الى حرب أهلية طاحنة تدمّر الدولة والنسيج الاجتماعي والديموغرافي لمصلحة دور طهران الإقليمي. فالنفوذ الذي يتغنى به الرئيس الإيراني حسن روحاني حين قال أثناء جولته الأوروبية الأخيرة إن «أميركا لا تستطيع تسوية أي مشكلة في المنطقة من دون نفوذ إيران أو كلمتها»، بلغ حد مصادرة قرار النظام السوري نفسه، هو هذا «النفوذ» الذي استدعى التدخل الروسي الصيف الماضي بالنيابة عن بشار الأسد، حين كادت المعارضة (غير الداعشية) تسيطر على مناطق عدة تزيل ورقة التين التي تتستر بها طهران للإبقاء على وجودها المباشر في بلاد الشام. وهو النفوذ نفسه الذي صعّد الكراهية بين السوريين ورفع درجة الاستنفار المذهبي، وأدى الى المزيد من الدمار والتهجير وقتل المدنيين بلا رحمة، بمساعدة فلاديمير بوتين. أليس هذا النفوذ، هو الذي صنع «داعش» في العراق واستقدمها الى سورية فبات عنوان مقاتلتها غطاء للفتك بالشعب السوري؟

تزداد طهران وحلفاؤها توتراً كلما فاجأتها السياسة السعودية الجديدة بالانخراط في الصراع على النفوذ والأدوار في المنطقة، بخطوات أو مبادرات جديدة. هكذا ارتفعت لهجة التهديدات للرياض من الجانب الإيراني إثر القرار السعودي مواجهة ذراعهما الحوثية في اليمن، بعدما كان السيد نصرالله وجه انتقادات شديدة للخليجيين، وبعدما عاب عليهم أنهم هم الذين «تركوا الساحة فملأت إيران الفراغ»… فالجموح الإيراني ما زال يتكل على مرحلة العقود السابقة من الانكفاء العربي حيال سعي طهران إلى الامتداد في الإقليم. وأصحاب الجموح هذا قامت حساباتهم على هذا الانكفاء، وما زالوا يرفضون التسليم بتحوله الى انخراط فعلي واستعداد لدفع أثمان المشاركة في الحروب والقتال مع ما تتطلبه من تضحيات بدل الاستغراق في حال الرخاء وتفادي الانغماس في التحديات.

الذروة الجديدة للتوتر الإيراني مع الاستعداد السعودي للمشاركة في قوات على الأرض لمحاربة «داعش»، مع أنها مشروطة بموافقة التحالف الدولي، وأمامها صعوبات يقع على عاتق الرياض تذليلها بالاشتراك مع واشنطن وتركيا، تعود الى تصدّر الدولة «السنية» الأبرز محاربة التطرف السنّي الذي أخذ يمس الاستقرار داخل المملكة. وهو تطور يأتي في سياق الاستعاضة عن التلكؤ الأميركي في خوض غمار هذه الحرب على الأرض، ويسقط حجة واشنطن بأن على الدول السنية أن تأخذ دورها في هذه الحرب. ولم يجد السيد نصرالله للتعمية على هذا التطور الجوهري، سوى السعي الى لصق تهمة «قبول الصداقة مع إسرائيل» ببعض السنة، لمجرد أن مسؤولاً إسرائيلياً سابقاً تحدث عن آماله في هذا المجال.

حققت طهران طموحات وتقدماً على الأرض في سورية، في الآونة الأخيرة لكنها في كل مرة تعمل على قطف ثمارها السياسية تجد ما يعاكس النفوذ الذي تحدث عنه روحاني، وما بشر به نصرالله من «انتصارات» قريبة في اليمن وسورية (منذ 2011) وكل مكان، من دون نتيجة. وهو لذلك يتوعد بأنه سيستمر في الحروب «في العقود الآتية وحتى القرون الآتية»، كما قال، «لتحقيق الانتصارات».

الحياة

 

 

 

 

لماذا التدخل البري في سورية؟/ محمد قواص

لم يتوقف وزير الخارجية السعودي عادل جبير، منذ أشهر، عن تكرار ما بات لازمة في الموقف السعودي من الشأن السوري: لا مستقبل للأسد في سورية المستقبل، والرياض مع أي حلّ ديبلوماسي يضمن رحيله، فإن لم يرحلْ بالحوار فالخيار العسكري جاهز لإجباره على ذلك.

ما بين الموقف السعودي والموقف الأميركي مشتركٌ لفظي قد لا يعبّر بالضرورة عن استراتيجية مشتركة. تمعن واشنطن في النأي بنفسها عن أي تدخل عسكري أميركي مباشر في الصراع السوري، على رغم الانخراط الكامل والمباشر الذي تمارسه روسيا في الميدان السوري. فيما تعتبر السعودية أن المعركة السورية جزءٌ لا يتجزأ من المعركة اليمنية في ردّها للتقدم الإيراني في المنطقة، وفي دفاعها عن أمن المملكة الإستراتيجي، بما يفسّر حيويتها في كل محاور الصراع السوري ومواكبتها لتطوراته.

في انسجام الأوبامية مع نفسها في الشأن السوري، تبدو الديبلوماسية الأميركية تعمل في خدمة الورشة الروسية في سورية. تراجعت واشنطن عن «جنيف» لمصلحة «فيينا» الذي انتج القرار الأممي 2254 المناسب لرؤى موسكو. تولّت الضغوط الأميركية سوق «معارضة الرياض» نحو المفاوضات، فيما تبرّع وزير الخارجية الأميركي، لمصلحة موسكو، بإنذار المعارضة وتهديدها ووعدها بأشهر صعبة إذا ما عاندت مسار المفاوضات في جنيف. لم تعاند الرياض «تواطؤ» الجباريْن، بل واكبته بحنكة وصبر وأناة، وهي مدركة أن لا نجاح للمفاوضات وأن لا طائل من تعطيل ما لا أمل في إنعاشه.

يخاطب الرئيس السوري العالم في مقابلته الأخيرة متأثراً بالإنجازات التي حققها نظامه براً تحت الغطاء الروسي جواً. لكن العارفين في شأن سورية يدركون أن منجزات النظام عرضية موقتة لا يمكن التأسيس عليها، طالما أنها معتمدة على تفوّق جوي سببه الأساسي غضّ طرف دولي وإقليمي يتيح له التفوّق. فالخبراء العسكريون مجمعون على التزام كافة دول المنطقة، حتى الآن، بالمحظورات الأميركية التي تمنع تزويد قوى المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات (لا سيما تلك من طراز ستينغر الشهير)، وأن احتمالات اختراق المحظور واردة في أية لحظة، بما قد يجرّد الغطاء الجوي الروسي من تفوّقه.

يبدو الإعلان السعودي التركي عن خطط التدخل البري تجاوزاً لرتابة في تشكيلة القوى الفاعلة في سورية وعلامة من علامات تجاوز المحظورات. يرسل البلدان ما يفيد بأنهما قد يصبحان بحلٍّ من التفاهمات الأميركية-الروسية، وأنهما بصدد تشييد تفاهمات إقليمية ستكون رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في ما يُرسم لسورية. تتصرف الرياض وأنقرة بمهنية عالية المستوى لا تحتمل تأويلاً ولا تشوهها انفعالية هواة. يأتي خطاب الدولتين متوائماً مع الجهد الدولي المعلن لمحاربة «داعش»، بحيث تكتمل الاستعدادات للتدخل البري، ويمهد لها بـ «رعد الشمال»، على أن لا تنتقل إلى حقبة الفعل إلا وفق خطط التحالف الدولي، أي بقيادة الولايات المتحدة. وبالانتقال مما هو تهويل نظري إلى ما هو سلوك عملي تنتقل طائرات سعودية (وخليحية) إلى قاعدة أنجرليك التركية، فيما تنهال نيران تركية على مواقع كردية شمال سورية، بما يشكّل انذاراً تركياً جدياً بالتحرك الميداني لمنع العبث بالخرائط على حدودها الجنوبية.

تنشر «الغارديان» البريطانية مقالاً يحذّر من خطر فلاديمير بوتين على الاتحاد الأوروبي. تعتبر الجريدة اللندنية التي تعبّر عن رأي نخب أوروبية، أن طوفان اللاجئين الذي تسببه الحملة الروسية في سورية هدفه إغراق البلدان الأوروبية بما يدفعها للتفكك ويجعل خروجها من أقسى الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية أمراً عسيراً. قبل مقال «الغارديان» كان جون كيري قد عبّر عن قلق بلاده من أزمة المهاجرين كخطر شبه «وجودي» على أوروبا، بما يعكس توجساً حقيقياً من سياسات الكرملين وتداعياتها على العالم الغربي. في تلك البيئة تطلّ أعراض حرب باردة مع موسكو، على ما يجعل من تركيا حاجةً ملحة لا يمكن تجاهلها في قلب الحلف الأطلسي.

ضمن ذلك المنظور يأتي الكلام عن التدخل البري، ليس بصفته تمرداً إقليمياً على الزمن الروسي في المنطقة فقط، بل بما يوفّره من أوراق ضغط جديدة تملكها واشنطن وأوروبا في مقاربة موسكو، سواء لعبت، في الشكل، دوراً توفيقياً أو مباركاً لمسعى الرياض وأنقرة (أوباما دعم استعداد الرياض للتدخل البري ودعا الدول الأخرى لذلك).

اللافت أن موسكو (مدفيديف) التي تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة جراء الميول التدخلية الشائعة، تعتبر أن الأمر سيكون خطيراً في ما لو جرى من دون التنسيق معها. على أن الحراك السعودي لم يوح لحظة أن الاستعداد للتدخل البري يأتي معادياً لروسيا، لا بل استمر التواصل الديبلوماسي بين البلدين وأعلن الكرملين عن زيارة سيقوم بها الملك سلمان إلى موسكو منتصف الشهر المقبل. وشكّلت زيارة ملك البحرين حمد بن عيسى إلى موسكو، وما أدلى به من تصريحات هناك، ما يفصح عن توافق في رؤى روسيا والمحصلة الخليجية، أو امكانية التوصل إلى تفاهمات في شأن سورية. وقد يجوز اعتبار أن السيف «الدمشقي» الذي أهداه الملك البحريني لسيّد الكرملين مؤشر إلى احتمالات ذلك.

واللافت أيضاً أن مسألة التدخل البري على ما أعلنت الرياض باتت أمراً واقعاً في الحسابات الإيرانية. تفصح تهديدات طهران عن احتمالاته من جهة، وتفصح دعوة وزير الخارجية الإيراني في ميونيخ للتعاون مع «الأشقاء» في السعودية لحلّ المسألة السورية عن ميول لمجاراته. يبقى أن التدخل البري قد بدأ فعلاً منذ الإعلان عنه، بحيث بات عملة للصرف في سوق التبادل السياسي والديبلوماسي.

* صحافي وكاتب سياسي لبناني

الحياة

 

 

 

 

السعودية وتركيا معركة وجودية/ علي حماده

منذ تدخلت روسيا في الصراع في سوريا في شكل مباشر وشديد العنف، وسعيها الى قلب موازين القوى على الارض بمحاولة تحقيق انتصار حاسم لمصلحة التحالف الذي يضمها الى ايران ونظام بشار الاسد، تحولت الحرب في سوريا الى حرب وجودية لكل من النظام العربي الذي تقوده الممكلة العربية السعودية وتركيا التي تشترك مع سوريا بحدود طويلة ومتداخلة جغرافيا وديموغرافيا. وبدا أن تكثيف روسيا حربها على الثورة السورية لم يتوقف عند فرض توازن بين نظام الاسد المتهاوي الذي كان على حافة السقوط في نهاية ايلول ٢٠١٥، بل امتد في العمق والكثافة والميدان ليشكل خطرا تعتبره السعودية شبيها بالخطر الذي برز مع استيلاء الحوثيين على صنعاء سنة ٢٠١٤، فيما تعتبره تركيا، بالنظر الى دعم ميليشيات كردية مرتبطة بـ”حزب العمال الكردي” لتتمدد على الحدود مع تركيا، تهديدا كيانيا خطيرا يمس أمن تركيا القومي ووحدتها.

عندما حركت ايران حلفاءها في اليمن لاسقاط الاتفاقات السياسية المعقودة، والاستيلاء على العاصمة ومساحات واسعة من البلاد، وجدت السعودية نفسها أمام تهديد مباشر يمس الكيان والامن القومي، فصنعاء في العقل الاستراتيجي السعودي بوابة من بوابات الرياض نفسها، وكان أمام المملكة خياران: الاعتماد على الحليف الاميركي لوقف الهجوم الايراني بواسطة الحوثيين، او التصرف من تلقاء نفسها. ومعلوم ان سياسة الادارة الأميركية الحالية كانت ولا تزال تقوم على ترك الحلفاء يواجون مصيرهم وحدهم، والتنصل من كل التزام حقيقي مثلما حصل بالنسبة الى سوريا وغيرها، ومن هنا ما كان أمام السعودية المعروفة بسياستها الهادئة والمحافظة إلا أن دخلت حرباً عبر قيادتها لتحالف عربي – اسلامي لمنع سقوط اليمن (بوابة الجزيرة العربية) بيد الايرانيين.

في سوريا تشترك السعودية مع تركيا في اعتبار سقوط هذا البلد المحوري بيد تحالف روسي – ايراني بمثابة تهديد مباشر لأمن البلدين الكبيرين. فهزيمة الثورة السورية، إذا حصلت، ينظر اليها على انها مدخل للمس بأمن السعودية وتركيا وكيانيهما. فاللعب بالورقة الكردية على حدود تركيا، بما يحمله من خطر وجودي على وحدة تركيا، يذكر كلا من المؤسسة العسكرية والرئيس رجب طيب اردوغان بـ”حرب الاستقلال” التي قادها مصطفى كمال اتاتورك بعد نهاية الحرب العالمية الاولى عندما خاض حربا دموية للحفاظ على الكيان التركي.

يستنتج مما تقدم أن على روسيا وإيران وضع احتمال نشوب حرب على المسرح السوري مع الشرعية العربية – الاسلامية (السنّية) الممثلة بالسعودية وتركيا، حينها قد تكتشف موسكو ان تدخلها لم يعد نزهة.

النهار

 

 

 

 

البنية الجيوسياسية للقرار السعودي التركي/ مهنا الحبيل

التحرك السعودي التركي الأخير، أوحى بإمكانية تدخلهما عسكريا في سوريا وسط مؤشرات متصاعدة تؤكد ذلك، فهل بات ذلك التدخل وشيكا، وما أهدافه إن حصل؟

والواقع أن أحد أبرز الأسئلة المطروحة حاليا في المشهد السوري يتعلق باحتمالية حصول هذا التدخل وجديته بغض النظر عن إعلان المحاور والحلفاء الذي يستخدم لوجستيا أو سياسيا، في دعم هذا الطرف أو ذاك، دون وجود إمكانية أو نية جدية للتدخل البري.

أما السؤال الثاني فهو كيف سيكون هدف هذا التدخل لو حصل بالفعل، هل هو لتغيير ميزان عسكري جغرافي في منطقة حلب، أم لتعزيز ميدان الثوار في كل الشمال، فتُحيّد عنهم داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والنظام وتسمح بتقدمهم، وتساعدهم في رص صفوفهم، وبالتالي التقدم نحو دمشق، وكيف سيتم ذلك؟

أمام التواجد الروسي الضخم في الجو، وقراره السياسي الحاسم بتصفية الثورة السورية تضامنا مع إيران، من الصعب تقديم تحليلات موضوعية مباشرة اليوم، دون بروز الجهد العسكري التنفيذي على الأرض، ولكن تفكيك الحالة والواقع الإستراتيجي ونظريات الدول لمصالحها القومية، قد يساعد على فهم مسار المعركة.

من المهم أولا أن ندرك أن حجم القناعة في التحالف الثنائي بين الرياض وأنقره، غير مسبوق، وأنه يتطور بوصة كبيرة جدا، ولا تؤثر عليه التفاصيل، أو الملفات الأخرى، في بنائه الثنائي الذاتي.

وهناك سؤالان تحت هذه القاعدة، ما هو السر في تقدم الموقف السعودي، وهل سيباشر عملا تنفيذيا على الأرض، ولماذا تراجعت أنقره خلف الحليف السعودي الجديد، ولم تُسابقه أو تتقدم تنفيذيا لتهيئة ساحة العمليات، هل هو اضطراب وخشية ذاتية من المستقبل عموما ومستقبل حزب العدالة خصوصا، وخشية من تجربة الأستانة مع قرار الحرب العالمية.

وانطلاقا من ذلك تصر أنقره على أن جغرافية التغيير تتركز فقط حول ردع الحالة الكردية عن حدودها، وإبعاد إمكانية تنفيذ وقيام إقليم كردستان السوري على الأرض.

هل هذه التحفظات والصمت عن التفاصيل تأتي لأسباب الحفاظ على سرية المعركة، أم لوجود أزمة في اتخاذ القرار التركي؟ ولكن الواقع أن الخوف والاضطراب الذي قد يأتي في توقيت دقيق، يزيد من خسائر تركيا وهي التي تأخرت في تنفيذ المنطقة الآمنة.

فأنقره لم تواجه عملية إسقاط الجيش السوري الحر، التي ساهم فيها بعد مخابراتي وبعد شعبي ديني خليجي، استفاد منه الأسد، بدلا من دعمه وإعادة هيكلته مع الفصائل الإسلامية، ليشكلا قوة عسكرية جامعة للثورة السورية. وبالتالي فالتقدم الموسمي لجبهة النصرة، لم يُحقق أي توازن إستراتيجي لأمن الثورة ولا لأمن تركيا.

أما الطرف السعودي فالأسئلة هنا تخص خشيته من هذا الحصار الغربي الشرس، الذي يُصر على تحميله مسؤولية التطرف وجرائم داعش، في حين شارك الغرب بقوة في تفجير ملف التطرف بغزو العراق وبدعم تثبيت الأسد ورفض سقوطه في بداية الثورة.

ثم لاحقا دعم قرار موسكو وإيران لتصفية الثورة السورية، قبل أن تعود حسابات البيت الأبيض من جديد وأوروبا لبعض المراجعة، لا خشية على مدنيي سوريا، ولكن خوفا من انفجار للشرق، أكبر مما أعدوا له مع إيران.

وبالتالي أدركت الرياض مؤخرا -في ظل العهد الجديد- أن الغرب لن يتنازل عن معادلة إستراتيجية جديدة مع إيران، مقابل موسم آخر مع دول الخليج التي أبدى بعضها بالفعل استعداده للخضوع لخليج الكرملين الجديد مع ولي الفقيه شراكة مع البيت الأبيض العتيق.

ويجب أن نتوقف جيدا أمام موقف المرشحين الثلاثة للحزب الجمهوري الذين عارضوا الموقف السعودي الجديد، والحملة الشرسة من اللوبي السياسي في الصحافة الغربية ضد وزير الدفاع، وتأكيد معارضتهم لمشروعه تحويل السعودية إلى محور صانع لا تابع، رغم كل ما يقدمه سلوك الدبلوماسية السعودي من استعداد لتفاهم دولي مفتوح لكنه يشترط وقف تغول إيران، إلا أن ذلك لم يُقبل منه.

ونحن هنا نتحدث عن الحزب الجمهوري، باعتبار ما يردده البعض أن التموضع الأميركي الأخير، يخص رؤية أوباما، وهو ما رددنا عليه مرارا. فواشنطن تُغيّر بالفعل فلسفة وجودها في الخليج العربي، وتَسير حثيثا نحو شراكة مع إيران كشرطي لها بعمامة دين، تحتها بساط فارسي مليء بالمصالح، واتقاء المحاذير المشتركة.

وهي معادلة ثابتة حتى اليوم، لكن الموقف السعودي الجديد وتحالف أنقره معه أدركا فيما يبدو أن سقوط حلب في يد الإيرانيين، يعني دحرجة مشروع داعش والتقسيم نحوهما، وأنه مالم يوقف هذا الزحف، فإن زحف عناصر داعش إلى حصونهم أمر متوقع بصورة كبيرة، فما دمت فوّت فرصة إدارة اللعبة في ملعب جارك، فستدار على ملعبك.

لكن اللافت أيضا هو عدم استشعار الأتراك لضريبتهم الذاتية، والبحث عن حلول وسط، قد تنقذ مسيرة حزب العدالة، وبالتالي الاكتفاء بربع تدخل، وتحريك بيانات الناتو، ثم الانسحاب بهدوء من واقع الثورة السورية للحفاظ على الأمن القومي التركي، وهي نظرية وإن كانت مطمئنة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي مؤقتا، لكنها ليست مقنعة على الإطلاق إستراتيجيا.

يبقى هنا تقييم الموقف السعودي، وهل صحيح أن المهمة كما يروج بعض خصوم الرياض، ستخضع فقط لمواجهة داعش ميدانيا، ومساعدة الروس والإيرانيين في اتفاقهم مع واشنطن.

الحقيقة أن الرد على مثل هذه النظرية، يكفي فيه مراقبة موقف الغرب من تطور التفكير السعودي، وموقف موسكو وطهران الشرس والمتوتر من قرار المشاركة، وقلق واشنطن ثم محاولة استقطاب الرياض نسبيا، وإقناع موسكو في مكالمة أوباما لبوتين بتأخير التعاطي مع قرار التحالف التركي السعودي.

نفهم من كل ذلك أن تحالف أنقره والرياض حتى لو تغطى بمظلة دولية تشارك فيها واشنطن، له خريطة أهداف مختلفة تماما عن توافق واشنطن مع التحالف الإيراني الروسي، وهو التوافق الذي روج له جون كيري وزير الخارجية الأميركي، قبل أن يُوَاجه بالرفض السعودي الأخير.

وكل ذلك سوف يخضع لمباشرة العمل النوعي، فالاعتقاد أن ما يسمى خليجيا – بالتهويش-أي إبداء قوة للتأثير على خصم متقدم، لا ينفع مطلقا في حالة سوريا، والزحف الإيراني الروسي، كما أن الدخول في حرب مفتوحة أيضا قرار خطير.

فيما الخيار الممكن، هندسة عمليات نوعية بالتحالف مع الثوار على الأرض، الذين عليهم مسؤولية فرقتهم المستمرة، وهي هندسة يمكن جدا أن تقلب طاولة المواجهة، وهي خطة لن تسترضي موسكو قطعا، وستواجهها سياسيا، وربما ميدانا بالوكالة، ولكنها أيضا لن تخضع لـ”تهويشها” على السعودية في اليمن أو الشرقية السعودية، فمعادلة الدفع الإستراتيجي تحتاج قرارا ومسؤولية، وإلا ساد كل أحد بمنصات منابر وخطب.

وهناك مراهنة اليوم في موسكو وواشنطن، على سحب أي فرصة لتغيير المعادلة بتعجيل اجتياح حلب، وبالتالي انهاء الثورة السورية، غير أن الميدان ولو تراجع الثوار بل حتى لو سقطت حلب، لن يُصفّى كما يظن الروس وطهران، فإذا لم يفهموا درس العراق، سيفهموا درس سوريا ووحلها الكبير.

الجزيرة نت

 

 

 

 

هل هزيمة «داعش» تُنهي مطالبة السعودية بإزاحة الأسد؟/ د. عصام نعمان

بدا لبضعة أيام أن أطراف الصراع في سوراقيا (سوريا والعراق) تتجه إلى حافة صدام أكبر بكثير مما هو حاصل على الأرض. من شأن الصدام الأكبر زجّ دول كبرى في حمأة القتال.

الراغبة في تأجيج الصراع وتوسيع رقعته، هي السعودية وتركيا وأطراف أقليمية اخرى، تسعى إلى الغرض نفسه شريطة مشاركة الولايات المتحدة بقوات برية وازنة. ذلك كله حمل رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف على التحذير من نشوب حرب عالمية.

موقف واشنطن ظلَّ ملتبساً إلى أن انعقد مؤتمر وزراء دفاع الحلف الأطلسي (الناتو) في بروكسل. في ختامه قطع وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر الشك باليقين. قال: «إن ارسال قوات كبيرة للتدخل ليس ابداً نهجنا الإستراتيجي». اتضح أن ما تريده واشنطن هو توفير تسهيلات تدريب عسكري وتقني لـِ»بناء قدرات محلية»، إضافةً إلى «تأمين المناطق» المحررة من «داعش».

ما هي المناطق المحررة من»داعش»؟ وكيف سيجري «تأمينها»؟

لا أجوبة مباشرة من كارتر. ثمة أجوبة غير مباشرة بصيغة قرارات صدرت عن مؤتمر ميونيخ، أهمها وقف العمليات العدائية، وإيصال مساعدات إنسانية فورية، والتأكيد على استئناف محادثات جنيف. هكذا التقط الكبار، كما الصغار، أنفاسهم متفادين صداماً أكبر. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سارع إلى القول إن تنفيذ وقف العمليات العدائية مهمة صعبة، وإنه يأمل بأن تتمكن الأطراف المعنية من تحقيقها خلال أسبوع. هي صعبة لأنها لا تعني وقفاً فورياً لإطلاق النار، ما يُضعف فعاليتها. ثم أنها لا تشمل من التنظيمات الإرهابية إلاّ «داعش» و«النصرة»، فهل «احرار الشام» و«الجيش الإسلامي» تنظيمات سياسية أم إرهابية؟ هذا يستوجب التوافق على تحديد التنظيمات الإرهابية التي كان تعذّر حصرها بقائمة قبل مؤتمر جنيف-3 ، وليس ما يشير إلى أن أطراف الصراع ستتوصل بشأنها إلى تسوية.

حتى لو حُصر تنفيذ وقف العمليات العدائية بمناطق خارج سيطرة «داعش» و«النصرة»، فإن جدلاً سوف ينشب حول المناطق التي تُعتبر تحت سيطرة هذين التنظيمين الإرهابيين، أو تحت سيطرة غيرهما، لأن ثمة تداخلاً في رقعة السيطرة بين التنظيمات المتحاربة.

رافق إعلان قرارات مؤتمر ميونيخ قيام «وحدات حماية الشعب الكردي» بتوسيع رقعة انتشارها ملامسةً محيط بلدة أعزاز على مقربة من الحدود مع تركيا، بعدما كانت سيطرت على مطار منّغ في شمال غرب حلب، ذلك أثار قلق تركيا التي تخشى من إقامة كانتون كردي على طول حدودها مع سوريا من الحسكة في الشرق إلى عفرين في الغرب، فبادر جيشها إلى قصف الوحدات الكردية في محيط أعزاز ومطار منّغ، بالتزامن مع تحذير أطلقه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، بأن بلاده ستتحرك عسكرياً عند الضرورة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري). غير أن ناطقاً باسم الإدارة الامريكية سارع إلى مطالبة تركيا بوقف القصف، خصوصاً بعدما تأكدت معلومات عن تحرك وحدات من الجيش السوري باتجاه محافظة الرقة، معقل «داعش» ومركز «خلافته».

رغم هذه الملابسات والتعقيدات، يمكن استخلاص تفاهمٍ امريكي – روسي ضمني على ضرورة تركيز الضغوط العسكرية على «داعش» و«النصرة»، لتطهير المناطق التي يسيطران عليها غربيّ نهر الفرات، بما في ذلك مناطق شمال حلب ومحافظة ادلب. لكن ثمة تبايناً بشأن السيطرة على مدينة حلب نفسها، إذ ما زالت واشنطن تمانع في تحرير ثلثها المتبقي تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية. ذلك أن سيطرة الجيش السوري على كامل حلب من شأنه تقوية حكومة الرئيس بشار الأسد وتقويض المركز التفاوضي للمعارضة السورية في محادثات جنيف المقبلة.

ما المخرج؟

يُستفاد من تدقيق تحليلات كبار الخبراء الإستراتيجيين في الصحف ومراكز الأبحاث الإسرائيلية والأوروبية والأمريكية أن التنسيق الضمني الحاصل بين واشنطن وموسكو بشأن الصراع في سوراقيا وعليها يتجه نحو صفقة متكاملة تتضمن، افتراضاً، النقاط الآتية:

تكون لروسيا اليد العليا في سوريا عموماً.

تكون للولايات المتحدة اليد العليا في العراق، باستثناء محافظاته الجنوبية التي تبقى منطقة نفوذ ايرانية. تسعى واشنطن إلى إقامة إقليم حكم ذاتي للأكراد السوريين في شمال شرق البلاد فقط في اطار صيغة فدرالية لا تعارضها موسكو، شريطة موافقة دمشق.

تسعى واشنطن إلى إقامة حكم ذاتي يضم محافظات العراق الغربية السنّية (نينوى وصلاح الدين والأنبار) في إطار صيغة فيدرالية تضم إقليم كردستان ذا الحكم الذاتي في الشمال وإقليم حكم ذاتي للمحافظات الشيعية في الجنوب.

تبدو موسكو متحفظة بشأن الترتيبات التي تريدها واشنطن للعراق، مراعاةً لحليفتها سوريا، التي ترى في الاقليم السنّي اسفيناً جيوسياسياً وظيفته، فصل سوريا عن العراق، وبالتالي عن ايران ما يخدم الولايات المتحدة واسرائيل.

تسعى واشنطن إلى الاستعاضة عن مطلب السعودية إزاحة بشار الأسد بتحديد سلطته. ذلك يمكن تدبرّه بإقامة «حكومة وحدة وطنية» تكون عضويتها مناصفةً بين انصار الأسد ومعارضيه، وبوضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات ينجم عنها، افتراضاً، توازن في السلطة والنفوذ بين المكوّنات السياسية للبلد. روسيا لا تعارض فكرة حكومة مناصفة وطنية، لكنها تؤيد الأسد في إصراره على تحرير مناطق شرق الفرات من «داعش» بلا قيد ولا شرط.

تسعى واشنطن، بالتعاون مع موسكو، إلى إقامة هدنة مديدة في سوريا يتوقف معها نزوح اللاجئين إلى تركيا، وبالتالي إلى دول اوروبا، على أن يواكب ذلك منحُ تركيا دعماً مالياً ضخماً لمواجهة أعباء المليوني لاجئ سوري الموجودين في اراضيها.

تسعى واشنطن، بالتفاهم مع الأردن وإسرائيل، إلى سحب التنظيمات الإرهابية من منطقة الجولان السورية الواقعة تحت سيطرتها، مقابل انسحاب مقاتلي حزب الله وضباط الحرس الثوري الإيراني من المنطقة المجاورة.

ما يُنسب إلى الولايات المتحدة من مخططات وسيناريوهات يبدو صحيحاً، لكنه صعب التنفيذ إن لم يكن مستحيلاً. فروسيا ليست في وارد مجاراتها في معظم اغراضها، ولا إيران بالتأكيد. إلى ذلك، فإن حكومة الأسد تتقوى باطّراد مع نجاحات الجيش السوري في شمال البلاد وجنوبها. ثم يجب عدم الاستهانة بقدرات قوى المقاومة في سوراقيا ولبنان، كما لدى الفلسطينيين في وطنهم المحتل وشتاتهم. كل هؤلاء بمقدورهم تعطيل مخططات واشنطن في المديين المتوسط والطويل.

هذا الاحتمال الراجح يجب ألاّ يوحي بأن الصراع يمكن أن ينتهي عند هذا الحد. ذلك أن المتضررين من فشل مخططات تطويع سوريا ولبنان يمكن أن يلجأوا إلى ما يظنون أنه ضربة شديدة قاصمة وحاسمة: اغتيال بشار الاسد لتفكيك الجيش السوري وتسريع تقسيم البلاد.

غير أن ذلك ليس بخافٍ عن القيادة المستهدفَة كما عن سائر المستهدفين.

٭ كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

 

سورية: التفاوض من قلب المعركة/ سامح راشد

صار من المستحيل الحديث عن حل سياسي للأزمة السورية في ظل المعطيات الراهنة، حتى يتأتى الحل بتغيير الوضع الميداني. ولأن هذا هو التسلسل الصحيح للأمور، فإن التدخل العسكري الروسي تم خصيصاً ليغيّر موازين القوى على الأرض، ومن ثم يتيح فرض حل سياسي بشروط موسكو، غير أن الأطراف الأخرى غير متوافقة على هذه الشروط، بين رفض جذري من قوى المعارضة والدول الداعمة لها، وتحفظ أوروبي جزئي، وقبول أميركي بأي حل لا يهدد إسرائيل، ولا يورّط إدارة أوباما أو التالية لها لاحقاً. أمام غياب التوافق على قواعد الحل، بل وقبل ذلك على التفاوت في تقدير ضرورته، واستشعار مدى (وطبيعة) الخطورة على مستقبل سورية، كانت النتيجة المنطقية فشل مباحثات جنيف قبل أن تبدأ. وهو ما حاول ستيفان دي ميستورا إخفاءه، فاستبق انسحاب وفد المعارضة بإعلان تأجيل المباحثات.

بدأت كل الأطراف تتحرك، إما لتغيير الموقف على الأرض عسكرياً، أو استعداداً لمواجهة ذلك التغير ومنعه. والنتيجة، كما توقعنا، الأسبوع الماضي، تصاعد حدة العمليات العسكرية، وتركيز مختلف الأطراف على ميدان القتال، وليس مائدة التفاوض.

في هذا السياق، جاء إعلان المملكة العربية السعودية وتركيا الاستعداد للقيام بعمل عسكري بري في الأراضي السورية، ليتسق مع المقدمات السابقة. حيث وجدت الرياض وأنقرة أنه ما من سبيل إلى إنهاء الأزمة السورية بشكل مناسب، وإن ليس مثالياً، من دون تدخل مباشر، ليتبلور على الأرض مسار موازٍ (وإن كان معاكساً) للتدخل العسكري الروسي.

صحيح أن موسكو بدورها استقرأت بوصلة التحرك السعودي التركي مبكراً، فراحت تكثف هجماتها ضد المعارضة السورية. بينما تنسق مع الأكراد لمواجهة داعش إلى حد ما، ولاستباق التحرك التركي – السعودي إلى حد بعيد. فإذا كانت الخطوة السعودية – التركية تستهدف تقويض قدرات داعش، لكي تبطل حجة موسكو ودمشق، بل وواشنطن، في الإبقاء على نظام بشار، فإن عمليات الأكراد المنسقة روسياً تهدف إلى توسيع مساحة السيطرة الكردية على الأرض، وتقليص العمق الاستراتيجي الذي يمكن أن تمتد إليه العمليات المتوقعة من الرياض وأنقرة. حيث تحجيم الحضور العسكري المحتمل لذلك التحالف الجديد الذي يدخل ميدان القتال، ويضم السعودية وتركيا، وربما بمشاركة الإمارات ودول أخرى، من شأنه تقليص النفوذ والدور السياسي لذلك التحالف في أي مسار سياسي محتمل ما بعد.

الخطير في هذا التسابق نحو رسم خريطة السيطرة العسكرية، ومن ثم النفوذ والدور السياسي، أنه يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، بدءاً من انفجار الموقف وتحول المشهد من مشاركة كل طرف (على الأقل ظاهرياً) في محاربة داعش بأدوات محدّدة وخطوات محسوبة ومقبولة من الأطراف الأخرى، إلى حالة انفلاتٍ، تتصادم فيها كل الأطراف مع بعضها بعضاً، ويصبح المشهد حرب الكل ضد الكل. وعندها، سيكون الحديث عن “سورية واحدة” ضرب من خيال.

الكابح الوحيد لهذا الاحتمال المخيف، أن تعدّل موسكو من استراتيجيتها العسكرية والسياسية، بالتوقف عن ضرب المعارضة لصالح قوات نظام بشار، فيما تزعم زوراً أنها تحارب داعش. والكف عن بناء تصورات سياسية، تبدأ وتنتهي ببقاء بشار نظاماً ومؤسسات وآليات عمل ومنطق حكم، وليس فقط بشار الشخص أو نخبة الحكم المحيطة به. وللحق، ليس هذا المنطق روسياً فقط، بل هو منطق دول أخرى – بعضها عربي بكل أسف – لا تمانع في قتل السوريين، مدنيين أو مسلحين معارضين لصالح نظام يقمع ويحكم بالدم، بحجة الحفاظ على الدولة السورية. فيما نتائج هذا المنطق المغلوط واضحة للعيان، تدمير الدولة، وليس الحفاظ عليها.

العربي الجديد

 

 

 

في التدخّل العسكري السعودي – التركي في سورية/ مرزوق الحلبي

«الحرب استمرار للديبلوماسية بوسائل أخرى». هذا القول لكارل كلاوزفيتس البروسي، نستحضره هنا لأنه ينسحب على الحالة في سورية الآن مع حصول تدخّل بري سعودي – تركي هناك. نقول هذا معتقدين أن بروز هذا الخيار في الساحة السورية والإقليمية جاء بسبب فشل جولة المفاوضات الأخيرة بين النظام الطاغية والمعارضة، أو لنقل ارتهانها بالكامل للتفوق الروسي – الإيراني ميدانياً وديبلوماسياً. فلا بدّ من «وزن» مقابل للثقل الروسي – الإيراني، ليس فقط ميدانياً بل ديبلوماسياً، أيضاً. ولو تحققت إرادات السعودية وتركيا من دون تدخّل مكثّف، لامتنعتا عما أفصحتا عنه في الأيام الأخيرة من رغبة في إرسال قوات بريّة إلى الشمال السوري على الأقل.

لقد حصل ذلك في ضوء تردّد المنظومة الدولية في التدخّل الضامن لمصالح الدولتين ولحقوق الشعب السوري، ولو حقوقه في الإغاثة الإنسانية وإيواء ملايين اللاجئين. هذا بعد أن أخفقت المنظومة نفسها في تفعيل البند السابع في دستور مجلس الأمن، الذي يُجيز تدخلاً دولياً تصاعدياً لتأمين مناطق آمنة للمدنيين وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر ضد جرائم حرب وإسقاط نظام حكم استبدادي. بل نرى في الخطوة التركية – السعودية، تعبيراً عن انتهاء تعويلهما على المنظومة الدولية وأخذ زمام المبادرة، بخاصة أن تصدير الهجرة السورية إلى أوروبا عبر الأراضي التركية لم يُفضِ حتى الآن على الأقلّ، إلى نتائج تحقق للسعودية وتركيا مصالحهما. نقول هذا، والوقائع الميدانية تُشير بقوة إلى ترجيح كفة النظام على معارضيه بفضل من تدخّل روسي – إيراني حزب إلهي مدعوم بقوات «داعش» من الناحية الشرقية لمحافظة حلب، وبميليشيا كردية وجيش من المتطوعين والمرتزقة الإيرانيين والأفغان.

وهناك عوامل عدة دفعت بهذا الاتجاه إضافة الى المكاسب التي تحققت للنظام وحلفائه ميدانياً على حساب المعارضة. فهناك عوامل جيو – سياسية استراتيجية لن تستطيع السعودية وتركيا إلا التعامل معها. فلا تركيا تريد لمحور الأسد – إيران – روسيا أن ينتصر على حدودها الجنوبية فتصير بين فكي الروس وحلفائهم. ولا السعودية تقبل بذلك، لأن انتصاراً كهذا يعني هزيمة في جبهات أخرى في الإقليم. والأهم، أن لا السعودية ولا تركيا تريد عراقاً ثانياً على الحدود. يُضاف إلى هذا، الاهتمام التركي الخاص بالملفّ الكردي وإصرار الأتراك على إجهاض كل تطور كردي نحو فكرة تقرير المصير ولو ضمن صيغة محدودة. وهو ما حصل في العراق مع إقليم كردستان ويحصل في سورية مع الإقليم الكردي، أيضاً. وتخشى تركيا أن يكون في هذا أنموذج لكرد تركيا أنفسهم.

على صعيد آخر، تشعر السعودية وتركيا هذه المرة بخيانة واشنطن المباشرة بتركها الساحة للروس، الأمر الذي خلّف فراغاً جدياً جعل حليفتيها تركيا والسعودية في مواجهة حقيقية مع مصالحهما الاستراتيجية في الملفّ السوري. اعتبار آخر يتصل بالصراع على النفوذ الذي اتخذ صيغاً مذهبية. وأعتقد أن السعودية لن تسمح لنفسها بخسارة هذا الرهان لأنه مرتبط عضوياً برهان آخر هو رهان العروبة مقابل الفرس، وما في هذا التوتّر من حسابات تاريخية لا تقلّ عن تلك الدينية المذهبية. فخسارة السعودية هنا تعني تضعضع مكانتها عربياً، وهي الدولة الوحيدة التي تجاوزت حقبة التحولات في نصف العقد الأخير من دون أضرار تُذكر، وتسعى إلى لعب دور الدولة الرائدة عربياً.

نرجّح أن يكون التدخل تدريجياً: في البداية للضغط على النظام وحلفائه كي يقبلوا بوقف الحرب وعمليات التطهير العرقي للسوريين السنّة من مناطق واسعة. صحيح أن هذا التدخّل يأتي تحت حملة محاربة «داعش»، الذي لم يحاربه الروس ولا النظام بقدر ما زجّوه بنجاح في حروب ومناوشات ضد المعارضة السورية، لكنه سيتّسع إلى أهداف أخرى في صلبها تثبيت المعارضة وتمكينها من خوض المفاوضات في جولات آتية من موقع قوة أو ندّية، كمرحلة أولى وضرورية لتنحية الطاغية وتمكين الغالبية العظمى من الشعب السوري من بناء نظامها الجديد.

مثل هذا التدخّل لن يكون سهلاً في أي من مستوياته، لأن المحور المضاد سيكون مستعداً للاشتباك لغرض الردع. وهو ما أرجح أن السعودية وتركيا واعيتان له. وقد تكون تركيا في وجه خاص، تعوّل على حقيقة أنها عضو في حلف الناتو الملزم بالدفاع عن أي عضو فيه في حال تعرّضه للخطر. حتى في مثل هذه الوضعية التي قد تنشأ على الأرض السورية، لا أرى السعودية وتركيا تكتفيان في هذه الظروف بالتصريحات أو التلويح بالعمل العسكري. بل كل الذين شككوا في نوايا السعودية حيال اليمن قبل نحو عام، تفاجأوا بتدخّلها المكثّف هناك ليس دفاعاً عن الشرعية في اليمن فحسب، بل حماية لحدودها الجنوبية وشاطئ عدن من امتداد الذراع الإيرانية إليهما عبر الحوثيين المدعومين من عشائر الرئيس المخلوع. وما فعلته على حدودها الجنوبية قد تكرّره على حدودها الشمالية.

نقطة أخيرة في المعادلة هي التزامات السعودية وتركيا لحلفائهما في سورية ولبنان. ولا أعتقد أن التضحيات التي بُذلت في هذين البلدين للتخلّص من قبضة سورية – إيرانية غير واردة في حسابات القيادة السعودية الجديدة. فهي لا تتحمّل أن تضعف مصداقيتها عند حلفائها.

وقد يظلّ التدخّل السعودي – التركي في سورية محدوداً، لكنه قد يتّسع ويمتدّ إلى الإقليم برمته لبلوغ ترتيبات جديدة تنطوي على تغييرات جذرية تتّسع لأطراف إقليمية ودولية أوسع.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى