صفحات العالم

هل سينتصر غاندي في سورية؟


خليل قطاطو

يضرب النظام السوري بعرض الحائط كل الانتقادات الموجهة له من قبل منظمات حقوق الانسان ومجلس الامن وكذا المواقف الرسمية الامريكية والاوروبية، لم تلتفت الى النبرة الحادة الصادرة من الجار التركي، ولا تعترف باللجنة الوزارية المنبثقة من اجتماع وزراء الخارجية العرب تحت مظلة جامعة الدول العربية.

يعتقد النظام ان العالم كله ضده لا لأنهم خونة ومتآمرين عليه، لأنه ببساطة بؤرة الممانعة والمقاومة، نعم الممانعة لدعوات الحرية والديمقراطية والاصلاح، ومقاومة كل صوت ينادي بالعدالة والتحرر ومستقبل افضل.

المراسيم الاسدية المتتالية تعد بالاصلاح، ابتداء من رفع نظام الطوارئ، ومرورا بقانون الانتخابات، والاحزاب، والاعلام وكلها حبر على ورق، ومن باب اسمع جعجعة ولا أرى طحنا، بل ان طحن المتظاهرين في الشوارع يؤكد نهج النظام في تصديق اكاذيبه التي لم تنطل على احد غيره بوجود عصابات ارهابية مسلحة هدفها الاخلال بأمن البلد ووحدته الوطنية.

الاحداث في سورية وصلت الى نقطة اللاعودة للطرفين، النظام، والشعب الثائر، فلا النظام مستعد للتخلي عن السلطة ولا الشعب سيعود الى خوفه وصمته وذله. تجاوز الشعب مرحلة المطالبة بالاصلاحات لأن الدماء المراقة ليست بلا ثمن، النظام الان غير قابل للاصلاح، بل للتغيير الشامل والمحاسبة لا يريد ان يسلم نفسه ليحاكم لانه يدري ما اقترف. ويدري ما المصير. والخيار اما الهروب ـ اذا ضاقت الدوائر عليه ـ او الاستمرار في قمع الشعب وهذا ما يفعله الان.

الشعب السوري مصمم على ان ثورته سلمية، ولكن هل الثورة السلمية كافية للاطاحة بنظام دموي مثل النظام السوري، وما هو الثمن لثورة سلمية طويلة الامد، وهل النتائج مضمونة؟

ما كانت الثورتين التونسية والمصرية لتنجحا لولا انحياز الجيش لصالح الجماهير، ويبدو هذا الخيار غير واقعي في التجربة السورية لاعتبارات طائفية معروفة في تركيبة الجيش او بالاخص قياداته التي ينأى معظم المحللين على الاقتراب منها خوفا من اثارة النعرات الطائفية، ولكن السوريون يعرفون انها حقيقة واقعة، ومرة.

انشقاق بعض الجنود والضباط عن الجيش السوري لا يغير المعادلة وميزان القوى المائل لصالح المؤسسة العسكرية على الشعب الأعزل المتسلح فقط بارادته وشجاعته وتصميمه على اكمال المشوار الذي بدأه رغم جسامة التضحيات.

التجربة الليبية، بدأت سلمية، ولكنها سرعان ما اصبحت عسكرية وما كان لها ان تنجح لولا ضربات النيتو الموجعة لنظام القذافي البائد. الولايات المتحدة واوروبا غير راغبتين بالتدخل العسكري في سورية لاسباب كثيرة منها المعارضة الصينية والروسية، والفرق النفطي بين ليبيا وسورية، ووقوف حزب الله وايران بقوة الى جانب النظام السوري.

حزب الله اخطأ خطاً استراتيجيا جسيما بوقوفه الى جانب طغيان النظام مراهنا على ان النظام باق وانه سيستطيع قمع هذه الثورة ولو بعد حين ما فات في حسابات حزب الله ان الثورة السلمية قد تنقلب الى مسلحة او شبه مسلحة مما يغير ميزان القوى لصالح زخم الجماهير الثائرة.

الثورة السورية مازالت تقتصر على المظاهرات والهتافات والتغني بالشعارات الثورية. ما زال امامها ابواب لم تطرق مثل الاضرابات وشل الحياة اليومية في البلاد، والاعتصامات المستمرة، والعصيان الممد في الواسع، واغلاق الطرق، او الانتقال الى مرحلة متقدمة مثلما فعل التوانسة والمصريون من رشق الحجارة وحرق الاطارات، واحتلال مبان الحزب الحاكم والسجون ومراكز الشرطة. الزخم الجماهيري قادر على خطوات كهذه اذا خرجت الجماهير بالملايين بدل عشرات الالوف لارهاق قوى الأمن في كافة انحاء البلاد مما يؤدي الى انهيارها.

الثورة المسلحة لا تعني بالضرورة حرباً أهلية او طائفية او فوضى عارمة أو حرب شوارع، ولكنها قد تكون شبه مسلحة يشارك فيها المنشقون عن الجيش، والمواطنون العاديون بأسلحة فردية دفاعاً عن النفس أمام عصابات الشبيحة الذين يعيشون فساداً في البلاد. عصابات الأمن والجيش والشبيحة المسلحة يقتلون ويعذبون وينكلون لانهم لا يرون امامهم اي مقاومة، ولو ووجهوا المقاومة ولو حتى رمزية فيحسبون الف حساب قبل اندفاعهم لاداء مهماتهم الاجرامية، فالخوف طبيعة انسانية قد تكبح جماح التغطرس والبطش ولو بصورة جزئية.

عندما تقوى شوكة الثورة، سيشجع هذا المئات بل ربما الآلاف من أفراد الجيش للتمرد والانضمام الى الشعب مما سيغير بالتدريج ميزان القوى وانهيار النظام سيكون نتيجة حتمية.

النظام السوري لن يتنازل عن السلطة طوعاً امام ثورة سلمية وأن طالت، لسنا هنا بمقام تثبيط عزائم الثوار، ولكن الواقع الذي لا مفر منه لمواجهته بأساليب مبتكرة للوصول الى الغايات والأهداف. لا الانتقادات، ولا التنديدات العربية والعالمية ستجبر نظاماً كالنظام السوري على الرضوخ لمطالب الجماهير، ولا الخطابات التركية النارية ستغير شيئاً من الواقع.

الحصار والعقوبات الاقتصادية لم تغير انظمة صدام والبشير والقذافي لأنها تضر بالشعوب اكثر من حكامها، تجميد الارصدة قد يفيد جزئياً، ولكن الارصدة السرية الطليقة كافية حتى تستمر الانظمة الفاسدة في ادارة الصراع.

ثوار سورية قادرون على الاطاحة بهذا النظام الدموي، ولكن اما آن لهم ان يعيدوا حساباتهم، ويغيروا استراتيجيتهم بعد مرور عدة أشهر من نفس التكتيك الذي لم يؤت ثماره. سياسة غاندي في الثورة السلمية نجحت في النهاية ولكن كم من السنين لزم لها.

‘ كاتب فلسطيني مقيم في امريكا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى