صفحات الناس

هل عادت الحياة إلى الرَّقة؟!/ عبد الكريم البليخ

 

 

هل عادت الحياة إلى الرَّقة من جديد؟ سؤال يطرح نفسه بعد أن اغتصبت من قبل عناصر داعش، وتم تحريرها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما شجَّع سكّانها مجبرين على العودة إليها، ولكن بحذر وخوف شديدين!

الواقع ليس بالهيّن، وما شهده أهلها من دمار لمدينتهم الفراتية، مع تزامن الهمّ اليومي من غياب للكهرباء والماء، وتوفر الرغيف بأسعار مرعبة، وغيرها من هموم وصور مأساوية ظلّت تنبش في عقول من يعيشون فيها اليوم، وكذلك كل من يتواصل ويتصل مع أقاربه وأصدقائه، هناك، على الرغم من المعاناة غير العادية التي شلّت حركتهم و”فرملت” وجهتهم.

إنها مأساة العصر، التي حوّلت كل ما هو جميل في فكر وعقل وعين أبناء الرّقة الطيبين البسطاء، اليوم، إلى مهزلة حقيقية، وهذا كلّه بسبب جشع القيادة وسوء تعاملها مع الناس، وفنون القمع الذي تمارسه بحقهم، وتشبثها بالكرسي على مدى سنوات، وها هي النتيجة، دمار مدينة بأكملها، وشتات أهلها وفقدانهم، فضلاً عما خلفته الحرب من موتى وجرحى ومهجّرين، وصور كثيرة لمعاناة كبيرة لا يُمكن أن تنساها الذاكرة أو تغضّ عنها العين!

وهذا الحال ينطبق، بالتالي، على أخواتها المدن السورية، البقية، اللاتي شربن من الكأس ذاتها، وعلى الرغم من هذا الواقع المؤلم، فإن المؤيدين، ظلوا، يرسمون الضحكة الصفراوية، ويرفعون شارات النصر والتأييد، ويفجرون ألواناً من الخداع ضد أبنائهم وأهلهم، مباركين انتصارهم على أهلهم الذين يعانون العوز والفاقة.

وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً، فإنَّ الرقّة تحتضن كثيراً من الكنوز الأثرية، ومثالها: مملكة توتول في تل البيعة التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد جذبت أنظار أمم وملوك أعجبوا بها مثل الإسكندر المقدوني الذي أسّس فيها مدينة نقفوريوم.

وعرفت الرّقة بمدينة ليونتوبولس في عهد الإمبراطور البيزنطي ليون، وتطوّرت المدينة خلال الحكم العباسي، وازدهرت، كذلك بُنيت فيها مدينة الرافقة على يد الخليفة أبي جعفر المنصور، أضف ذلك إلى أنّها تحتوي على أول مسكن في التاريخ في موقع مريبط الذي يعود إلى الألف التاسع قبل الميلاد.

إنَّ الرّقة، كغيرها من المدن، تمتاز باحتوائها على أضرحة ومقامات، ما يجعلها قبلة السيّاح والمصطافين، وأصبح لها شأن كبير في السياحة الدينية، لا سيما أنّها تحتوي على مقام الصحابي الجليل عمار بن ياسر، ومقام أويس القرني.

وقد تميّزت بموقع استراتيجي من حيث إنها تتوسّط المحافظات الشمالية والجنوبية، وتربطها مع تركيا، عن طريق مدينة تل أبيض، بوابة حدودية باتت تدخلها سنوياً ملايين الليرات السورية، علاوة على أنّها تضم كثيراً من المواقع والتلال الأثرية والكهوف، وغيرها، ولها سور معروف ما زال قائماً حتى يومنا هذا.

وما يميّز الرَّقة اليوم جريان نهر الفرات في أراضيها واحتواؤها على بحيرة مائية، وهي واحدة من أعذب البحيرات في العالم، وتتوزّع على طول مجرى النهر تسع عشرة جزيرة نهرية، غير أنَّ هذه الكنوز، للأسف، لا تستغل سياحياً أو حتى ثقافياً، إذ تغيب عنها أبسط المنشآت السياحية، والفنادق الفخمة، والمطاعم الشعبية، سواء على نهر الفرات أو البحيرة.

إنَّ إيلاء الرّقة الاهتمام، عبر ترغيب المستثمرين، يعني تحوّل مسار المنطقة إلى قبلة للسيّاح، وهذا يتطلّب زيادة الاهتمام بالمواقع الأثرية، والأماكن السياحية الأخرى، في حال توفر الطرقات والخدمات الضرورية، بعد إعادة بنائها من جديد والحال التي وصلت إليه نتيجة الدمار الذي شهدته المدينة وسوّيت بالأرض، بفضل العصابات التي أجهزت عليها، ولا يمنع من التأكيد على إعادة النظر في إحداث مطار يسهّل حركة انتقال المستثمرين الراغبين من بلدانهم وإليها بدون عناء، ما يحقّق صناعة سياحة حقيقية، وفي هذه الحالة نكون قد ساهمنا في جذب رؤوس الأموال، وهذا يلزمه الإسراع بتوفير الخدمات الأساسية، إذا كنا جادّين باستثمار كنوز الرّقة المطمورة، وما أكثرها، وأغناها. وتظل مجرد أمنيات نأمل في أن تتحقق في مقبل الأيام. لم لا ؟!

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى