صفحات العالم

هل مازال الأسد رئيسا –تحليلات ومقالات-

هل مازال «الأسد» رئيساً؟/ د. وحيد عبد المجيد

وصل تخبط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط إلى مستوى غير مسبوق، بينما تزداد الدلائل على أن مشكلتها لا تعود إلى غياب رؤية واضحة فقط، بل ترجع أيضاً إلى الاستهانة بمتغيرات كبرى تشهدها المنطقة الآن.

وينطبق ذلك بصفة خاصة على تضارب تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين بشأن موقع بشار الأسد من أي حل سياسي محتمل للأزمة السورية، فهناك من يراه الآن جزءاً من الحل، ومن لا يزال ينظر إليه كجزء من المشكلة. وينطوي هذا التضارب على إغفال التغيير الجوهري الحادث في سوريا، ولا يقتصر هذا التغيير على تناقص مساحة المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات المدافعة عن الأسد، وتحولها إلى مجرد «كانتون» بين «كانتونات» عدة متصارعة، فقد تحول نظام الأسد من سلطة مسيطرة على دولة إلى «ميليشيا» أصبح مصيرها مرتبطاً بطهران وقواتها والقوات الشيعية متعددة الجنسيات، لكن التغيير الأكثر أهمية على الإطلاق هو أن الأسد لم يعد الزعيم الفعلي لهذه «الميليشيا»، فقد أصبح آخرون (إيرانيون، ولبنانيون، وعراقيون، وأفغان، وطاجيك..) هم القوة الرئيسية فيها، بعد تراجع دور ما بقي من جيش الأسد.

ولذلك أصبح قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، قاسم سليماني، هو الزعيم الفعلي للقوات المدافعة عن الأسد، وصارت كلمته، والقادة الإيرانيون التابعون له، هي العليا في أوساط المقاتلين تحت راية دولة لم تعد موجودة إلا اسماً، ونظام كان مسيطراً على هذه الدولة، وصار مجرد طرف في الصراع عليها.

وإذ لم يبق شيء من سوريا التي ورث بشار الأسد حكمها عن والده، يبدو المسؤولون الأميركيون الذين يظنون أنه جزء من الحل، كما لو أنهم مغيَّبون عما يحدث في هذا البلد المنكوب، أو مستسلمون لما يظنون أنه تمدد إيراني لا أمل في رده.

لقد أصبحت المناطق التي مازال نظام الأسد محتفظاً بها تحت سيطرة طهران. وفي «صراحة» تنتاب أحياناً مسؤولين إيرانيين، وتكشف تطلعاتهم، أفصح رئيس مركز «عمار» الاستراتيجي في طهران، حمادي حبيب، عن أحد هذه التطلعات عندما قال أخيراً، إن سوريا تعد بمثابة المحافظة الإيرانية رقم 35.

وكان ذلك في سياق دعوته لدعم المقاتلين فيها، ولكي نستوعب مغزى هذا الخطاب، ينبغي أن نضيف إليه ما قاله مستشار قائد الحرس الثوري، اللواء حسين حمداني، عن أن الإيرانيين وحلفاءهم هم الذين حرروا مناطق كان بشار الأسد فقد الأمل في استعادتها.

والمعنى واضح هنا، وهو أن الأسد لا قيمة له من دون إيران، وليس له أن يطمح بعد الآن إلى أكثر من أن يكون واجهة لطهران في سوريا، وحاكماً لمحافظة إيرانية من الناحية الفعلية.

هناك حقائق جديدة يجري فرضها على الأرض من خلال توسيع نطاق القوات الموالية لطهران عبر تجنيد «الشبيحة» وشبان سوريين علويين آخرين بمنأى عن أي قنوات مرتبطة بنظام الأسد المتداعي.

وارتبط ازدياد أعداد المقاتلين في هذه القوات متعددة الجنسيات بعملية فرز سكاني منهجي لتوطينهم في بعض المناطق الخاضعة اسمياً لنظام الأسد، خاصة في العاصمة وعلى مدخليها الرئيسيين من ناحيتي درعا وحمص، فقد تم توطينهم في البيوت التي هجرها أهلها من السُنة والمسيحيين طوعاً، أو تم تهجيرهم منها عبر التخويف والتهديد.

وهكذا، أصبحت سوريا مقسَّمة فعلياً إلى «كانتونات»، ولم يبق من نظام بشار الأسد إلا الشكل، فقد أصبح قشرة على سطح تسيطر «الميليشيا» التابعة لإيران على كل شيء تحته، إلى حد أنه بات ممنوعاً على ضباط جيش الأسد وجنوده دخول بعض المناطق الأكثر استراتيجية والتي تحميها هذه «الميليشيا».

وليس هذا إلا بعض ما يصح أن يعرفه من لم يعوا، بعد أن الأسد أصبح مجرد واجهة يقف وراءها قاسم سليماني الذي صار هو الحاكم الفعلي لـ«الكانتون الأسدي» من وراء ستار لم يعد كافياً لحجب هذا الواقع الجديد.

الاتحاد

 

 

 

روسيا تتخلّى عن الأسد أخيراً؟/ موناليزا فريحة

على خلاف إيران التي مدت النظام السوري بخط إنعاش لمنعه من السقوط وتحصين معاقله في العاصمة وعلى طول الخط الساحلي، لم تبد روسيا، الحليف الآخر الذي يدين له النظام بالكثير، حماسة استثنائية لتعويض الرئيس بشار الأسد خسائره. الجهود السياسية التي تبذلها لحل الأزمة تراوح مكانها. دعمها حواراً وطنياً شاملاً لم يؤد الى نتيجة ملموسة بعد “موسكو 1” و”موسكو 2″، ليس محسوماً بعد ما إذا كانت ستدعو إلى “موسكو 3″، وسط اقتناع سائد بأنها أخفقت في انتزاع أي تنازلات من النظام لبدء تطبيق مبادئ “جنيف 1” الذي يدعو إلى انتقال سلمي للسلطة.

خلفيات الموقف الروسي لا تزال غامضة. الثابت الوحيد حتى الآن أن المكاسب التي حققها الجهاديون، بما فيهم تنظيم “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” وأمثالهما في سوريا تثير قلق الكرملين. الأعداد الكبيرة من المتطرفين الذين يغادرون روسيا وآسيا الوسطى للانضمام إلى القتال في سوريا تزيد مخاوفه. ولا شك في ان التقارير عن انشقاق قائد شرطة النخبة الطاجيكية للانضمام إلى “الدولة الاسلامية” شكل مفاجأة غير سارة لكل حكومات آسيا الوسطى وموسكو على السواء.

الزخم القوي الذي اكتسبه الجهاديون أخيراً يمثل حتماً عامل ضغط على موسكو التي تخشى امتدادات جهادية على أراضيها. ذلك أن تنظيم “الدولة الاسلامية” تحديداً يشكل ملهماً قوياً للانفصاليين الشيشانيين الذين يحاربون في سوريا وسينقلون المعركة الى أراضيها يوما. من هذا المنطلق قد تكون التقارير الغربية والعربية، وآخرها ما أوردته صحيفة “الانديبندنت” من أن الأسد قد ينتقل إلى روسيا بموجب صفقة بين موسكو والغرب، جزءاً من جهد روسي جديد للخروج من الأزمة. فعلى رغم التوتر السائد بين روسيا والغرب على خلفية أزمة أوكرانيا، يبدو أن التطوّرات الميدانية الخطيرة في سوريا أوجدت حافزاً مشتركاً لتجديد الجهود الديبلوماسية.

من السذاجة الاعتقاد أن موسكو ستتخلى بسهولة عن معركتها مع الغرب في سوريا، إلا أن رهانها على الأسد سداً أمام التمدد الجهادي في سوريا ولاحقاً إلى أراضيها، لم يعد مضموناً. صحيح أنها غير قادرة على التخلي تماماً عن النظام وسط الاصطفاف المذهبي الحاد في البلاد، إلا انها قد تحتاج إلى توسيع خياراتها لضمان موطئ قدم على المتوسط وبعض النفوذ في هذه المعركة الطائفية المحتدمة، إضافة خصوصا الى القوة التي تمكنها من وقف تمدد الجهاديين الذين سيعودون يوماً بانتصاراتهم إلى شمال القوقاز.

قبل أقل من سنتين، ابتدعت موسكو الحل الكيميائي الذي جرد النظام السوري من أسلحته الكيميائية وأطلق يده في الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. حالياً، ثمة أجواء توحي بمساع روسية لصفقة على هذا النسق قد تخرج الأسد من سوريا لكنها لن تكون بأي شكل قادرة على إخراج سوريا من أزمتها.

النهار

 

 

 

 

 

الدفاع عن الأسد بـ37 دولارًا/ طارق الحميد

في الوقت الذي تتوالى فيه انتكاسات مجرم دمشق بشار الأسد، وآخرها سيطرة المعارضة على قاعدة عسكرية كبيرة بالقرب من درعا، أعلن النظام الأسدي عن صرف مكافأة شهرية قدرها 37 دولارا للجنود الذين يقفون في صفوف القتال الأمامية!

يحدث ذلك في الوقت الذي يواصل فيه الأسد خسارة مواقع جغرافية مهمة في الشهرين الأخيرين، مع تسارع وتيرة عمل المعارضة السورية المسلحة التي باتت تزحف على الأسد من جهات عدة، ورغم استعانة الأسد بمرتزقة عراقيين وأفغانيين وإيرانيين، ورغم كل التصريحات الإيرانية التي تتعهد بالوقوف مع الأسد، وحتى «الرمق الأخير»، كما أعلن الرئيس الإيراني الأسبوع الماضي! ويحدث كل ذلك أيضا وسط تصريحات غربية، وتحديدا بعيد قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في ألمانيا، حيث نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين في القمة قولهم إن هناك اعتقادا الآن بوجود فرصة قد تتيح عقد صفقة سياسية بسوريا تؤدي إلى تنحي الأسد عن السلطة، وإفساح المجال لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، مشيرين إلى أن الأسد بحالة دفاع بشكل متزايد بعد الانتكاسات التي لحقت بجيشه. ونقلت «رويترز» عن أحد المصادر قوله: «قد تكون هذه هي فرصة التوصل إلى صفقة سياسية»، مضيفا: «نحتاج إلى روسيا بهذا الأمر»، بينما قال مصدر آخر إن هناك شعورا خلال الاجتماعات بأن الوضع في سوريا قد يكون على وشك التغير.

حسنا، هل تتحرك روسيا، وتقدم تنازلات تضمن رحيل الأسد؟ وماذا عن إيران؟ الحقيقة أن كل شيء متوقع، لكن الأكيد هو أن ما يحدث على الأرض، وانتصارات المعارضة السورية المسلحة، هو ما يصنع الفارق في النهاية، خصوصا أن ثمن الدفاع عن الأسد انحدر إلى سعر 37 دولارا فقط، وهذا ثمن بخس تدفعه طهران للدفاع عن مجرم يقبع في أحد جحور دمشق تحت حماية إيرانية. ما يحدث على الأرض، وتوالي انتصارات المعارضة، هو ما يصنع الفارق، ويدفع الغرب للتحرك، وربما الشروع في الاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد، خصوصا إذا تذكرنا قصف قوات التحالف الدولي، وبقيادة أميركية، لـ«داعش» قبل أيام دعما للفصائل السورية المقاتلة للأسد، ومن ضمنها «النصرة»، وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها أميركا بعملية عسكرية تساند فيها «النصرة» وغيرها أمام «داعش»، وقوات الأسد.

انتصارات المعارضة المسلحة، وخسائر الأسد المتوالية، هي ما ستدفع للتغيير، وليست الحلول السياسية التي يتحدث عنها الغرب، وأميركا، طوال الأعوام الأربعة الماضية، مما فاقم الأزمة السورية، وزاد تعقيدها. الجميع الآن في سباق مع التطورات على الأرض، تأهبا لمرحلة ما بعد الأسد، وذلك بعد إهمال طويل، ولذا نجد البعض يهاجم الأسد الآن، وبعد أن لاذ بالصمت، أو يطلق تصريحات لا معنى لها. الجميع الآن يسابق الوقت والمجريات بسوريا، وحتى الأسد الذي بات يدفع 37 دولارا شهريا لمن يدافع عنه!

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

 

 

 

 

استيقظوا… بشار انتهى/ علي حماده

انتهى بشار، وجميع العواصم المعنية تبحث عن بدائل لمرحلة ما بعد النظام الذي يلفظ أنفاسه. خرجت ثلاثة أربع سوريا عن سيطرته: قسم كبير منها سلمه الى تنظيم “داعش” في محاولة يائسة لخلط الأوراق، وإعادة إحياء معادلة سقطت منذ مدة، كانت تقول إن النظام يجب ألا يسقط لأن البديل سيكون الإرهاب. وهذا ما أطال عمر النظام بتضافر عاملي الدعم الهائل لإيران وروسيا، ومنع الولايات المتحدة الدعم عن فصائل الثورة. القسم الآخر سقط بالقتال بيد فصائل الثورة المتنوعة التي استطاعت في الأشهر الأخيرة أن تردم جانباً كبيراً من خلافاتها، وأن تتحالف في أطر عسكرية أكثر تنظيماً وفاعلية، مما انعكس على جبهات القتال في الشمال فيم حافظة ادلب وريف اللاذقية، وفي الجنوب في درعا والمعابر الحدودية. أما في الوسط في القلمون فقد تحوّل هجوم “حزب الله” الى حرب استنزاف مكلفة جداً، ولا انتصارات.

لم يعد البحث في المحافل الدولية عن حل مع بشار الأسد، كما كان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يقول قبل عام، على أساس أنه أهون الشرين. أصبح البحث عن حلّ من دون بشار، كما أفادت صحيفة “ديلي تلغراف” في تقرير كتبه كون كوغلين. ففي قمة الدول السبع الكبرى طرح موضوع نفي بشار الأسد الى الخارج بجدية، وأن إمكان تحقيق حل سياسي بات أكبر مما كان قبل أشهر. وأن التوصل الى تفاهم بين الغرب وروسيا يقوم على مبدأ إخراج بشار من الحكم قد يكون أفضل سبيل لمواجهة “داعش” في المرحلة المقبلة. وبحسب الكاتب عينه، فإن تقديرات يتم تداولها في العواصم الكبرى تفيد أن النظام يوشك على الانهيار التام في كل مكان، وأن الايرانيين الذين يقاتلون بكل ما يملكون من امكانات لحماية خطوط امداد “حزب الله” في لبنان، قد يكونون مستعدين لترك بشار لمصيره اذا جرى ضمهم الى تفاهمات يحفظون من خلالها مصالحهم في لبنان. بمعنى آخر، ما يهمّ الايرانيين هو مصير “حزب الله” قبل أي شيء آخر.

في مطلق الأحوال، فإن التطورات المتسارعة من الشمال السوري الى جنوبه تشي بعلامات انهيار وشيك للنظام، وخصوصاً أن الأخير ما عاد يملك من خيارات سوى فتح معابر آمنة لتنظيم “داعش” نحو كل المناطق الحساسة في سوريا لوضعه في مواجهة الثوار من ناحية، ولإشاعة فوضى شاملة. ولعل الوضع الحساس لمحافظة السويداء الذي يقوم النظام بإفراغها من القسم الأكبر من قواته وفتح طريق لـ”داعش” أملاً في دفع الدروز الى حسم القتال في صفوفه، يكشف لأبناء جبل العرب حقيقة الفخ الذي ينصبه لهم النظام لتوريطهم في حرب سبق أن خسرها مع الثوار.

انتهى بشار، ولو تأخر رحيله بعضاً من الوقت، ولذلك فإن كل الحروب التي تخاض لمنع السقوط المحتوم لن ينتج منها سوى مزيد من الموت والدمار. هذا ما ينبغي ان يدركه “حزب الله” الذي يخوض حرباً بلحم الطائفة العاري ولا يرف لقادته جفن أمام هذا السيل من النعوش العائدة من ساحات الانتصارات الوهمية. استيقظوا.

النهار

 

 

 

 

المقايضة على الأسد!/ راجح الخوري

ما الذي يعوق وضع بشار الأسد وحاشيته الضيقة في طائرة تنقلهما الى بلد يمنحهم اللجوء، بما يفتح الباب على عملية انتقال سياسي شاملة تُبقي الهياكل الضرورية للدولة كنقطة التقاء مع المعارضة لمواجهة “داعش” والتنظيمات المتطرفة؟

شيء واحد معقد يعوق هذا هو الخشية الأميركية والروسية المشتركة ان تندفع الجماعات المتطرفة لسد الفراغ، الذي سينتج من انهيار الأسد وتهاوي نظامه كاملاً، ولهذا يتركز الاهتمام على وضع ترتيبات صلبة للإمساك بالوضع في اليوم التالي لنهاية الأسد.

كل ما يقال عن غموض الموقف الروسي من القبول أخيراً بتسفير الأسد الى لجوء يحميه من الوقوف أمام محكمة الجنايات الدولية لا معنى له على الإطلاق، اذ يكفي ان نعرف ان موسكو أجلت معظم ديبلوماسييها ورعاياها من اللاذقية وان بين الذين رحلوا خبراء يعملون في غرفة عمليات دمشق التي تضم خبراء روساً وإيرانيين. ويكفي ان نقرأ التقارير الديبلوماسية عن سعي أعضاء الدائرة المحسوبة على الأسد الى الحصول على تأشيرات للسفر الى الخارج، لكي نفهم ان الأسد بات خارج الحساب الروسي.

دعونا من هذه المؤشرات ولنسأل هل كان المراوغ ستيفان دو ميستورا ليدعو الأسد الى الرحيل مطالباً واشنطن بالضغط عسكرياً في هذا الإتجاه، لو لم يكن يعرف ان هناك مساعي اميركية روسية تعمل ضمناً في هذا الإتجاه؟

ودعونا نسأل لماذا حرصت ايران بعد سقوط اللواء ٥٢ بما يفتح طريق المعارضة الجنوبي الى دمشق، على الإعلان ان ليس لها قوات تدعم الأسد على الأرض، في حين تتحدث التقارير من طرطوس عن ان قوافل الإيرانيين والأفغان الذين جندتهم طهران، يصلون لدعم الأسد الذي يتهاوى عسكرياً منذ أسابيع، أوليس هذا النفي من قبيل استباق احتمال انهيار النظام، بحيث تحاول طهران ان تدرأ نفسها سلفاً عن الهزيمة مباشرة!

لم يعد خافياً على أحد ان الأسد في نظر الأميركيين والروس بات يواجه نهايته المحتومة منذ بدأت سلسلة انهيارات قواته في الجنوب والشمال، وفي ظل هذا اتّسع هامش الحوار بين البلدين بحثاً عن مخرج يبعده ويقطع الطريق على زمن الدواعش، وليس مستغرباً ان يكون هذا فتح الأبواب على بازارات أخرى على هامش الملف السوري.

في هذا السياق ماذا يمنع بوتين من أن يدخل في مقايضة مع أميركا والأوروبيين فيبيع في سوريا مقابل الشراء في أوكرانيا، وخصوصاً اذا ضمن ان مصالح روسيا ستُحفظ مع النظام الجديد وان المعركة ستستمر ضد التكفيريين في سوريا، بما يحول دون عودة الدواعش من شيشانيين وروس وطاجيك وغيرهم لتنفيذ عمليات ارهابية في روسيا، وما الضرر من انخراطه في مقايضة ثانية مع الخليجيين الذين يشترون رأس الأسد بأي ثمن؟

النهار

 

 

 

هل فعلاً حان وقت البحث عن بديل للأسد؟/ صالح القلاب

ربما لا خلاف على أنَّ الهدف الفعلي والأساسي لمسارعة إيران بتفجير الأزمة اليمنية، هو شغل المملكة العربية السعودية ومعها باقي دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الأردن ومصر، عما يجري في سوريا، حيث لم تعد دولة الولي الفقيه تكتفي بإرسال عشرات التنظيمات الطائفية المستوردة حتى من الهند وباكستان وأفغانستان، وإرسال الخبراء والمستشارين؛ بل إنَّ تماديها قد وصل في الفترة الأخيرة، بعد الإنجازات التي حققتها المعارضة السورية (جيش الفتح) على جبهة إدلب – جسر الشغور – أريحا – اللاذقية، إلى حد نقل قوات برية فعلية إلى سوريا باتت توجد في ميدان المواجهة وتخوض معارك ضارية في هذه المنطقة الاستراتيجية التي أخطر ما فيها أن تحكّم قوات الثورة فيها سيهدد مدينة «القرداحة» التي هي عاصمة نظام الأسد الفعلية.

وبالطبع، فإن ما عاد معروفًا ومؤكدًا هو أن تدخل إيران في اليمن قد بدأ عسكريًا وسياسيًا في عام 2009، وأنه منذ ذلك الحين وحتى بادر الحوثيون ومعهم علي عبد الله صالح إلى الانقلاب على الشرعية الممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، قد جرى تدريب وتسليح ألوية عسكرية كاملة إنْ داخل الأراضي اليمنية وإن في لبنان في معسكرات حزب الله، وإن في مراكز تدريب الحرس الثوري الإيراني في دولة الولي نفسها.. وإن في سوريا أيضا، والأيام المقبلة ستثبت هذا وتؤكده.

لقد كان معروفًا أن إيران بدءًا بعام 2003 قد باشرت بتنفيذ توجهات قديمة تعود لما بعد انتصار الثورة الخمينية عام 1979 مباشرة، للتمدد في بعض دول هذه المنطقة العربية على أساس أنها ليست دولاً، وإنما «مجالات حيوية» للدولة الإيرانية، وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين قد حذر من هذا التوجه عندما تحدث لصحيفة أميركية عن أن هناك من يسعى لإنشاء «هلال فارسيّ»، ترجمته هذه الصحيفة على أنه «هلال شيعي»، يبدأ طرفه باليمن في الجنوب وينتهي طرفه الآخر في لبنان، مرورًا بمنطقة الخليج العربي وبالعراق وسوريا.. وهذا هو ما يحصل الآن وبكل وضوح وصراحة.

لكن ومع أن تنفيذ هذا المخطط، الذي بدأ عمليًا في عام 2003، لم يتوقف، وحقيقة أنه لا يزال مستمرًا حتى الآن، فإن إيران قد سارعت إلى تفجير القنبلة اليمنية لشغل الدول المشار إليها بهذه القضية على حساب الاهتمام بالأزمة السورية التي كانت اقتربت من وضعية عنق الزجاجة التي وصلت إليها الآن، والتي من الواضح أنها تعني أن نهاية نظام بشار الأسد قد أصبحت قريبة ومحسومة رغم كل شيء ورغم انشغال العرب المعنيين بمستجدات الجبهة الجنوبية.

لقد انشغلت المملكة العربية السعودية ومعها الدول الشقيقة الآنفة الذكر فعلاً بمستجدات الوضع اليمني بعد انقلاب الحوثيين وعلي عبد الله صالح على «الشرعية» في اليمن، خاصة أن التدخل الإيراني قد ازداد وتضاعف بعد هذا الانقلاب، وهذا هو ما اعترف به قائد حرس الثورة محمد جعفري، حيث قال قبل أيام قليلة إن تدخلات إيران في اليمن وسوريا، تأتي في إطار توسيع (خريطة) الهلال الشيعي في المنطقة، وحيث أشار موقع محطة «برس تي في» إلى أن طهران نظمت مؤخرًا مائة ألف من القوات الشعبية اليمنية، وحيث أشار أيضا الموقع الأميركي «فري بيكون» المعني بأخبار الأمن القومي والقضايا السياسية في الولايات المتحدة، إلى أن الإيرانيين يعملون حاليًّا على إرسال مزيد من المقاتلين إلى اليمن لمساعدة الحوثيين في السيطرة على هذه البلاد.

ثم، وفي هذا الاتجاه ذاته، قال مسؤولون أميركيون: «من أهم الأهداف التي تحاول إيران تحقيقها الآن، مواصلة السعي للسيطرة على مضيق باب المندب، والاستمرار في محاولات الإخلال بالأمن الداخلي للمملكة العربية السعودية، والواضح، حسب المعلومات المتداولة، أن طهران في كل هذا السعي وفي كل هذه المحاولات لا تعتمد على الميليشيات الحوثية وميليشيات علي عبد الله صالح فقط؛ وإنما أيضا على (فيلق القدس) التابع لحرس الثورة بقيادة الجنرال قاسم سليماني، وعلى مقاتلي حزب الله الذين تشير تلميحات وتصريحات حسن نصر الله إلى أنهم يوجدون بالفعل على الأراضي اليمنية».

لكن ورغم هذا الانشغال، فإن المؤكد أن المملكة العربية السعودية انطلاقًا من قناعتها بأن نظام بشار الأسد لا يزال يشكل، حتى بعد كل هذا الإعياء الذي وصل إليه، مرتكز مشروع إيران التمددي في هذه المنطقة، تولي جزءًا رئيسيا من جهدها للأزمة السورية التي باتت تمر بأصعب وأخطر مراحلها، خاصة لجهة دعم المعارضة المعتدلة وتضييق شقة الخلافات بين فصائلها، وأيضا لجهة الجهود الكبيرة التي تبذلها في المجالات الدولية.

والآن، وكما تشير الوقائع على الأرض، فإنَّ نظام بشار الأسد، ورغم كل ما وصل إليه في الأيام الأخيرة من دعم عسكري إيراني تمثل في وصول قوات برية إلى مناطق المواجهة تنفيذًا لما وعد به مرشد الثورة علي خامنئي، بات آيلاً للسقوط بالفعل؛ وفي أي لحظة، وهذا ما أكده سحب روسيا رعاياها من اللاذقية، وما يقال عن أن بعض كبار رموز هذا النظام غدوا يسعون للحصول على «تأشيرات» خارجية للفرار من سوريا. وحقيقة أن العنف الذي لجأ إليه النظام السوري في الأيام الأخيرة، خصوصا في مجال استخدام الطيران الحربي والبراميل المتفجرة، يدل على أن كل هذه التقديرات والتوقعات الآنفة الذكر فعلية، وأن الأيام المقبلة حتى إن هي طالت أو قصرت، ستثبت صحة هذه التقديرات.

كان ستيفان دي ميستورا في بدايات مهمته يصر على أنه لا غنى عن دور رئيسي لبشار الأسد في حل الأزمة السورية المعقدة، لكن ما جاء مفاجئًا هو أن المندوب الدولي بات يتحدث عن أنَّه على الرئيس السوري أن يتنحى، وأنه لا بد من ضغط عسكري تقوم به الولايات المتحدة وليس الأمم المتحدة من أجل حمله على التنحي والمغادرة.

ثم وعندما يقول الكاتب الأميركي المعروف ديفيد إغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست»: «إنه حان وقت البحث عن بديل لبشار الأسد»، وعندما تتحدث إسرائيل، ولأول مرة، عن أن الرئيس السوري لا يسيطر إلا على ربع الأراضي السورية، وأيضا عندما تكون هناك هذه الاتصالات وهذه المفاوضات الأميركية – الروسية التي يجري الحديث عنها للتفاهم على مضمون المرحلة الانتقالية المتعلقة بتطبيق «جنيف1».. فإنه لا بد من تحرك عربي عاجل، رغم الانشغال بالأزمة اليمنية، للبحث عن «البديل» الذي تحدث عنه ديفيد إغناتيوس.

وهنا، وفي النهاية، فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة تنشغل الآن، بينما الأوضاع في سوريا تتفاقم على هذا النحو المتسارع، وبينما إيران باتت تحتل هذا البلد العربي احتلالا كاملاً ومن الوريد إلى الوريد، كما يقال، بإنجاز المفاوضات المتعلقة بالقدرات النووية الإيرانية، فالرئيس الأميركي باراك أوباما لم يعد يهمه، كما هو واضح، إلا هذا الهم، ولذلك فإنه لا بد من الانتباه الشديد إلى الأيام المتبقية من هذا الشهر يونيو (حزيران) الحالي، لأنها قد تشهد متغيرات خطيرة جدًّا، خاصة بالنسبة للأزمة السورية.

هناك مواجهة مصيرية فعلاً على الجبهة الجنوبية.. إنَّ هذه مسألة حقيقية وفعلية ولا شك فيها، لكن المؤكد أن ما يستجد في سوريا سيكون تحولاً تاريخيًا بالتأكيد. ولهذا، فإن المفترض أن تلغى وتزول الألوان الرمادية نهائيًا؛ فإمَّا هنا، وإمَّا هناك.. إمَّا مع المملكة العربية السعودية وفي التحالف العربي فعلاً، أو خارجه، فالأوضاع خطيرة بالفعل، واللحظة الراهنة من أخطر ما واجهته هذه الأمة في تاريخها الحديث.

الشرق الأوسط

 

 

 

بالإذن.. طريق دمشق/ علي نون

لم تبقَ سوى مدينة درعا حائلاً ميدانياً وحيداً بين المعارضة المسلحة والوصول إلى دمشق من جهة الجنوب.. وبسيناريو لا يقلّل من وطأته المدمّرة على السلطة الأسدية، «الانتصارات» التلالية التي يحقّقها «حزب الله» في القلمون وجوارها في الجرود الشمالية للبقاع اللبناني!

والضربة التي تلقتها بقايا سلطة بشار الأسد بسقوط اللواء 52، الذي يقال إنه ثاني أهم لواء في كل الجيش السوري، ولا يفوقه أهمية سوى ألوية «الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد وتعتبر العمود الفقري للجسم السلطوي من أوله إلى آخره.. هذه الضربة تسدل، على ما يقول العارفون، الستار الأخير على محاولات جرّ طائفة الموحدين الدروز الى التورط في الحرب دفاعاً عن بشار وسلطته، من جهة، وتُتمم «الانطباع» الذي ولّدته معركتا إدلب وجسر الشغور، من أن مرحلة الانكسار الأخير للسلطة بدأت فعلياً وميدانياً.

«المعطى الدرزي» في سقوط ذلك اللواء، لا ينفصل عن المعطى العام القائل بأن الجنوب السوري على خطى الشمال لجهة اندحار السلطة وتراجعها الى مربعها الأخير في مناطق الساحل.. لكن سقوط درعا وحده الذي يفتح الطريق إلى دمشق، وهذه على ما يبدو تترنّح، خصوصاً بعد قتل رستم غزالي، والحملة التي تلت ذلك واستهدفت عصبته العائلية والمناطقية من قبل سلطة بشار.. أي أنها تترنّح من داخلها بقدر ترنّحها نتيجة المواجهات المستمرة مع المعارضة على مدى السنوات الأربع الماضية!

ودرعا أعلنت انطلاق الثورة. ومنها على ما يبدو، ستُعلن بدايات المرحلة الأخيرة من عمر السلطة الأسدية.. كأنها الرمز الأبرز لهذه الثورة وكأن حمزة الخطيب أيقونتها المقدسة، وسقوطها يحمل دلالة حاسمة على سقوط آخر رهانات المحور الإيراني الأسدي على تشويه التضحيات الأسطورية للسوريين من خلال دمغهم بوباء «داعش»، أو من خلال الادعاء بأنه (المحور) حامي حمى الأقليات في المنطقة: بضاعة «داعش» لا تباع ولا تُشرى في كل الجنوب السوري. ومسعى الأسد (الأخير) لتجنيد 7 آلاف مسلّح من الموحدين في السويداء وجبل العرب، اصطدم بإرادة أهل المنطقة وبوعيهم الدقيق لعبث هدر نقطة دم واحدة إضافية دفاعاً عن السلطة، خصوصاً وأنه سقط من أبنائها بالفعل، ما يقارب الـ3500 مجند؟! وتعرضت في الآونة الأخيرة خصوصاً لحملة تهويل مخزية تحت لافتة: الأسد أو «داعش».

*نقلاً عن “المستقبل”

 

 

 

تقسيم سوريا.. تقسيم إيران/ نديم قطيش

في عامها الخامس دخلت سوريا ما يسمى عام رسم الخطوط. رسم خطوط نفوذ اللاعبين الإقليميين فيها. كان عام 2011 هو عام المتظاهر السوري، وعام 2012 هو عام المقاتل السوري، حين بدأت الثورة تتعسكر بدفع من جرائم النظام. وكان عام 2013 عام بداية ضياع الثورة وتسرب العامل التطرفي الديني إليها. ثم جاء عام 2014 ليكون بين أفضل أعوام نظام بشار الأسد منذ بداية الثورة. فيه تقدم الأسد على جبهات أساسية. وفيه انهارت كل محاولات توحيد المعارضة لا سيما العسكرية بعد أن ذوت التشكيلات التمثيلية السياسية للثورة. وهو عام الأوهام الكبرى أيضًا. فيه ظن الأسد ومحور المقاومة أن باستطاعتهم العودة بسوريا إلى الوراء. إلا أن كل انتصار للأسد كان يدفع قدمًا بقوى أكثر فتكًا بسوريا الحديثة وبحدودها وكيانها وهويتها الوطنية، لا سيما «داعش». وما جاء عام 2015 حتى كانت هذه القوى تحتل أكثر من نصف سوريا دافعة الجميع إلى إعادة رسم الأولويات والخطوط، إما تمهيداً للتفاوض، وإما لإدارة حرب أهلية طويلة أو توطئة لتقسيم سوريا وتثبيت خطوط النفوذ كخطوط دول جديدة.

يحدث أنه في هذا العام تحديدًا تعلن إيران عن تدخلها المباشر في سوريا، عبر وجود عسكري سافر للحرس الثوري. ما يعني أن سوريا تتحول تدريجيًا، باحتمالاتها المستقبلية إلى مشكلة إيرانية مباشرة.

الواضح أن إيران أقنعت الأسد بمنطق لعبة رسم الخطوط، وأن أولويته يجب أن تكون حماية سوريا الساحلية وامتدادها اللبناني. غير أن هذا الحل المؤقت في سوريا هو تمهيد لمشكلة إيرانية عميقة على المديين المتوسط والبعيد.

فلعبة رسم الخطوط التي قد تنتهي بالتقسيم، أو بتثبيت خطوط تماس واضحة بين كيانات سورية غير معلنة، والدور الإيراني المباشر فيها، سيفعِّلان الأمزجة الانفصالية الناهضة في إيران.

لطالما قامت آيديولوجيا الدولة في إيران على قاعدة الوحدة الوطنية ثم الوحدة الإسلامية، لإدارة مجتمع متعدد إثنيًا، على حساب خصوصيات التنوع. وقد ورثت الثورة الخمينية هذا البعد في تكوين شخصية الدولة الإيرانية عن دولة الشاه، الذي بالغ في انحيازه إلى تشكيل دولة قومية إيرانية.

كان لافتا مثلاً، خلال إحياء الذكرى 26 لوفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني تركيز كل من الرئيس حسن روحاني والمرشد السيد علي خامنئي، على «الوحدة الوطنية». فدعا روحاني إلى «وحدة الأمة» في مواجهة من سماهم «الأعداء» الذين يريدون بث الشقاق بين المجموعات والديانات. من جهته شدد خامنئي على أن «أحد محاور تفكير الإمام هو الوحدة الوطنية»، محذرًا من «المؤامرات الرامية إلى التقسيم على أساس الدين بين الشيعة والسنة وعلى أساس قومي».

هاجس الوحدة الوطنية هذا لا يرتبط بوحدة الرؤية بين مكونات النظام السياسي وخياراته السياسية. الواضح أن الرجلين يعبران عن هواجس أعمق، على صلة مباشرة بالوحدة الاجتماعية والوطنية بين مكونات الشعب الإيراني، على ما يكشف التناول العلني للإثنيات والقوميات والمذاهب.

فالكلام يتزامن مع تحول إيران مسرحًا لانفجار خصوصيات مكوناتها الإثنية بشكل لافت في الأسابيع والأشهر الماضية. ولعل أخطر هذه الانفجارات أعمال الشغب العنيفة، التي شهدتها مدينة مهاباد، عاصمة أول جمهورية للشعب الكردي، والواقعة شمال إيران.

انتفاضة الأكراد، أشعلها انتحار الشابة الكردية، فريناز خسرواني، لتجنب التعرض للاغتصاب على يد ضابط أمن إيراني، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى مظاهرات سياسية تعبر عن نقمة الأكراد على السلطات الإيرانية، وحرمانهم من حقوقهم القومية والثقافية والإنسانية على حد تعبير نشطاء أكراد.

إلى ذلك كان إقليم بلوشستان السني، جنوب شرقي إيران، مسرحا لأحداث دامية خلال الأشهر الماضية بين مسلحين من تنظيمات بلوشية معارضة من جهة، والحرس الثوري وشرطة الحدود الإيرانية من جهة أخرى. كما خرج، بالتوازي مع انتفاضة الأكراد متظاهرون بلوش في ضواحي مدينة إيرانشهر في منطقة محمدان، تحولت إلى اشتباكات واحتجاجات دامية، في سياق انفجارات متزامنة للهويات الفرعية الإيرانية.

وإذا كانت محفزات القومية الكردية في إيران أعمق من محفزات القومية العربية، فإن هذه الأخيرة وجدت في صعود «قومية عربية» جديدة حملتها عاصفة الحزم السعودية في اليمن في مواجهة النظام الإيراني، دافعًا لها للتعبير عن خصوصيتها، وسط مناخ ملائم وجاهز للاستماع إلى مطالبها.

فقد استغل الأحوازيون، سكان الإقليم ذي الغالبية العربية شمال غربي إيران، مناخ عاصفة الحزم ليعلنوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي «ثورة الأحواز المسلحة في إيران». وما لبثت أن اندلعت أعمال شغب كبيرة ومظاهرات في مدينة الأحواز الإيرانية، عقب مباراة كرة قدم بين فريقي الهلال السعودي وفولاذ خوزستان الإيراني، شجع في خلالها الجمهور العربي الإيراني فريق الهلال السعودي في واحدة من أوضح الرسائل بخصوص الصراعات القومية وصراعات الهوية بين المكونات الإيرانية. كرة القدم كانت مناسبة للتعبير عن خصوصية أخرى لم تلق تغطية إعلامية مماثلة للأحواز. ففي إثر الخلاف على نتيجة إحدى مباريات الدوري الإيراني الممتاز، ثارت جماهير فريق تراكتور سازي تبريز الذي يعد رمزًا قوميًا للأتراك في إيران، لا سيما في إقليم أذربيجان شمال غربي البلاد. وغالبًا ما تشكل هذه المباريات منصة للجماهير التركية الإيرانية للتعبير عن شعارات سياسية وقومية مطالبة بحقوق الأذربيجانيين من الحكومة المركزية.

هذا المزاج الإيراني الذي يتراوح بين مزاج الخصوصية الحادة والمزاج الانفصالي، سيضيق الخيارات الإيرانية الواقعية في سوريا، التي تتراوح بين إدارة حرب أهلية طويلة، وبين خيار التقسيم. في الحالة الأولى ستكون إيران أمام استنزاف خطير ومتنامٍ لمواردها ولأموال الشعب الإيراني. وفي الحالة الثانية، أكان تقسيمًا نهائيًا أم فيدرالية حادة، ستكون إيران غارقة في خيار سوري لن تستطيع مقاومته في إيران نفسها، بحيث سيكون التقسيم في سوريا مقدمة لتفعيل خيارات التقسيم في إيران.

 

إعلامي لبناني

الشرق الأوسط

 

 

 

 

أوباما لن يطلق «رصاصة الرحمة» على الأسد/ حسان حيدر

في ظل التطورات الميدانية الأخيرة التي أظهرت تراجعاً كبيراً في قدرة جيش بشار الأسد على الصمود، وارتفاعاً في مستوى التنسيق بين قوى معارضة متنوعة، وكشفت الترابط المباشر وغير المباشر بين نظام دمشق و»داعش»، وزادت من ضغوط مطالبي الإدارة الأميركية بالتحرك للتعجيل بسقوط النظام، سارعت إسرائيل إلى تكرار «كلمة السر» في الأزمة السورية: الوضع الحالي مريح بالنسبة إلينا واستمرار القتال سنوات أخرى يريحنا أكثر.

وفي الواقع، لم يكن باراك أوباما بحاجة إلى هذا التذكير بأن استمرار الحرب في سورية مصلحة إسرائيلية بحتة، لأنه مقتنع أصلاً بأنه مصلحة أميركية. وهذا يعني انه سيخيب أمل المتفائلين بدور أميركي أكبر بعد اشتداد الخناق على بشار الأسد، ولن يطلق «رصاصة الرحمة» على نظامه، بل سيحرص على بقائه معلقاً بين الحياة والموت، إلى أن تحين فرصة قطف فوائد رحيله.

وتبدى هذا الهروب الأميركي المتواصل من «الاستحقاق السوري» جلياً خلال قمة «مجموعة السبع» في ألمانيا قبل أيام، عندما سرب الأميركيون معلومات عن سيناريو خيالي يقوم على منح الروس اللجوء إلى الرئيس السوري والإتيان بشخصية علوية (لا أحد يعرف من هي ولا من أين ستأتي ولماذا يجب أن تكون علوية)، لتشكيل حكومة جديدة تلقى قبول موسكو وواشنطن وتشكل غطاء سياسياً وعسكرياً للحرب على الإرهاب.

لكن الذين استفسروا عن «الجديد» في الموقف الأميركي، اكتشفوا بأنه ليس سوى حلقة في سلسلة الهروب وإلقاء المسؤولية على الآخرين لتبرير عدم القيام بأي خطوات جدية، وخصوصاً أن روسيا لم تدع أصلاً إلى قمة ألمانيا التي انتهت بتقريعها على دورها في أوكرانيا، وتهديدها بمزيد من العقوبات. ويعرف الأميركيون تماماً أن الروس لا يفصلون بين ملفات السياسة الخارجية وخصوصاً ملفات سورية وأوكرنيا والإرهاب، فكيف ينتظرون أن توافق موسكو على خطتهم، إذا كان هذا ما يسعون إليه فعلاً، ولماذا «تبرئة» أطراف أخرى، مثل إيران، من المسؤولية؟

وكان ضباط أميركيون طالبوا معارضين سوريين بدأ تدريبهم على الأراضي التركية قبل أسابيع قليلة، بتوقيع وثائق يتعهدون فيها عدم محاربة الجيش النظامي، وقصر عملياتهم على مواجهة «داعش»، وإلا حرموا من الدعم اللوجستي والتغطية الجوية التي لم يتحدث عنها سوى الأتراك، فيما تؤكد واشنطن أنها لا تزال تعارض بشدة اقامة أي منطقة حظر جوي في شمال سورية لحماية المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة.

ويكرر المسؤولون الأميركيون أن بلادهم لا تريد أن يكون لها أي دور مباشر في الإطاحة بالنظام، وان هذه المهمة يجب أن تكون «سورية مئة في المئة»، متناسين أن الأسد ما كان ليصمد لولا الدعم الروسي والإيراني غير المحدود عسكرياً واقتصادياً، ولولا مشاركة ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وإيرانية في الدفاع عنه. أي أن الحياد الذي يدافعون عنه معمول به من جانب واحد فقط.

وترد واشنطن على منتقديها بالقول إن نظام الأسد لا يشكل أي تهديد أمني للولايات المتحدة، على عكس القسم الأكبر من معارضيه، وأن الحرب في سورية، على ضراوتها وبشاعتها، لم تشهد منذ اتفاق تسليم الأسلحة الكيماوية، تطوراً يدفع أميركا والمجتمع الدولي إلى التدخل، وانه ليس هناك بعد أي تهديد بحصول مجازر جماعية بحق أقليات أو حشر مجموعات طائفية أو اتنية في مناطق معزولة بهدف الإجهاز عليها.

وفي ذلك إنكار غير منطقي لدور النظام السوري في اختراع «داعش» ودعمه وتعزيز قدراته، سواء بالتسليح أو التمويل غير المباشر (شراء النفط) أو بإطلاق مئات المتطرفين من السجون للالتحاق بصفوفه.

ومع أن تهديد التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق قائم ويتزايد، إلا أن أوباما نفسه اعترف بعد لقائه رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الاثنين الماضي بأنه ليس لدى إدارته «استراتيجية متكاملة» لمحاربة «داعش»، ما يعني أن الكلام المسرب عن احتمال التغيير في سورية للتفرغ لمحاربة التطرف لا أساس له، وان نظام الأسد باق بحماية إسرائيلية – أميركية مشتركة، حتى إشعار آخر.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى