صفحات العالم

هل من حل سلمي مع بقاء النظام السوري؟ لا أعتقد ذلك

 

د. ناصيف حتي

* بعد سنتين تقريبا من الصراع في سوريا، الذي زاده حدة وتعقيدا الصراع حول سوريا، لا بد من التوقف عند الملاحظات التالية:

لقد صار من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أو بقاء النظام على ما هو عليه مع إحداث إصلاح شكلي أو تجميلي لا يغير من طبيعة النظام وبنيان السلطة السياسية. كما أنه يتأكد كل يوم غياب وجود حل عسكري للصراع في سوريا، والمفارقة أن غياب أي أفق لحل سياسي منذ بداية الصراع زاد ويزيد في عسكرة الصراع وفي إحداث مزيد من التعقيدات فيه: فالنظام غير قادر على سحق المعارضة وإنهائها كليا، والمعارضة غير قادرة على إسقاط النظام بالضربة القاضية.

يقود ذلك إلى حقيقة أساسية، هي أن الحل يبقى سياسيا بامتياز ولا يمكن أن يكون عسكريا، ولو أن الحل السياسي، في آفاقه وآلياته، قد يحمل معاني وشروطا مختلفة عند كثيرين من المنخرطين في الصراع في الداخل السوري وفي الخارج. ولكن هنالك حقيقة مرة أيضا، هي أن ظروف إنضاج الحل السياسي لم تتحقق بعد، وهي ظروف خارجية أساسا، على الأقل عند انطلاقها، باعتبار أن الصراع في الداخل يشبه ما يعرف في أدبيات المفاوضات بلعبة محصلتها صفر… أي غياب كل احتمال من الداخل للولوج في عملية سياسية تغييرية فعلية.

بداية إطلاق عملية الحل السياسي تبدأ من الخارج: من تفعيل «تفاهم جنيف» الذي صيغ عن قصد حسب ما يعرف بـ«الغموض البناء»، لأن ذلك كان ما يمكن القيام به لحظة بلورة هذا الإعلان والمطلوب تطويره وذلك من خلال عقد «جنيف – 2»، الأمر الذي يستدعي أساسا تبلور تفاهم فاعل وعملي أميركي – روسي، يتمحور حوله بعد ذلك موقف دولي وإقليمي داعم. موقف يعبر عنه بقرار عملاني من مجلس الأمن، يتولى مسؤولية تنفيذه المبعوث الدولي والعربي الخاص السيد الأخضر الإبراهيمي.

هذا ما يمكن أن يكون بمثابة خارطة الطريق للولوج إلى عملية تغيير سياسي سلمي للنظام: تغيير أساسي في طبيعة النظام، ولكن عبر عملية سياسية سورية بامتياز… بأطرافها، وفي مسؤولية هذه الأطراف في بلورة وتحديد طبيعة النظام الجديد الذي سيقوم في سوريا. ويشكل ذلك إنهاء لعملية الصراع الدموي الذي صار يهدد الدولة السورية، مع ما لذلك من تداعيات خطيرة، فيما لو استمرت عملية الاهتراء والتفكك والنزيف، على سوريا كدولة وكمجتمع والانعكاسات السلبية الكبيرة لذلك على محيطها المباشر والأبعد.

إن المطلوب لإدارة العملية الانتقالية هو إنشاء ما يعرف بـ«إدارة انتقالية» أو ربما بـ«حكومة انتقالية» يشارك فيها جميع أطياف المعارضة من جهة… ومن جهة أخرى ممثلون عن النظام لم تتلوث أياديهم بالدماء، غير أنهم يملكون صفة تمثيل أساسية. ولا بد أن تبقى هذه العملية سورية بامتياز في أطرافها ومضمونها وفي تحديد نتائجها.

ولكن من منظور شديد الواقعية، لا يمكن لهذه العملية التغييرية التدريجية والسلمية أن تنجح وتصل بسوريا إلى بر الأمان إذا لم تكن لها مواكبة دولية. مواكبة من مجلس الأمن، يكون من أولى أهدافها احتضان واضح من المجلس، وكذلك انخراط مستمر من طرفه لإنجاح هذه العملية، والالتزام بضمانة مختلف مراحلها، وخاصة تطبيق نتائجها. ويجب أن يتم ذلك ضمن إطار زمني محدد في كافة المراحل ولو أنه يتسم ببعض المرونة.وحتى تنجح المواكبة الدولية، يجب أن تحمل هذه رسالة واضحة وهو أن هذا التحول عبر المفاوضات هو «اللعبة الوحيدة المسموح بها»، أو السياق الوحيد الذي على طرفي المعادلة، أو تحديدا السلطة والمعارضة، الالتزام به لتحقيق التحول السلمي نحو نظام جديد في سوريا تصنعه أيادي جميع السوريين ويقوم على مشاركة مكونات المجتمع السوري كافة في صياغته، ليعبر عن حقيقة التنوع الاجتماعي والسياسي الغني للمجتمع السوري، وحتى لا تؤدي محاولات تغيير النظام من جهة أو رفض التغيير الكلي من جهة أخرى إلى الإطاحة بالدولة السورية.

* دبلوماسي وكاتب سياسي لبناني

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى