مراجعات كتب

هل هناك جاسوس نبيل؟..روبرت إيمز وأبو حسن سلامة وأسرارهما/ صقر أبو فخر

 

 

السِيَر الذاتية أو المذكرات التي يكتبها رجال الاستخبارات تشبه، في بعض وجوهها، الروايات البوليسية، لأنها تكشف أسراراً كانت مخبوءة، وتفضح حوادث سياسية أو شخصية، وتروي معلوماتٍ مفاجئة أحياناً، غير أن كثيراً من المعلومات يفقد تأثيره بمرور الزمن. فماذا أفادنا اكتشاف مَن اغتال الرئيس جون كينيدي بعد نحو ستين عاماً؟وماذا ستفيدنا معرفة مَن اغتال الشهيد ياسر عرفات في ما لو لم نتوصل إليه إلا بعد عشرين سنة مثلاً؟ في هذه الحال، فإن الفائدة الوحيدة لإماطة اللثام عن الأسرار هي المعرفة الصحيحة، الأمر الذي يتيح تزويد المؤرخ بمعلوماتٍ شبه قاطعة تساهم في جلاء الغوامض والخفايا. وقد كان لمذكرات رجل الاستخبارات السورية سامي جمعة (أوراق من دفتر الوطن، دمشق: دار طلاس للنشر، 2000) شأن مهم في تعديل قصة المناضل الشيوعي فرج الله الحلو وموته تحت التعذيب في السجون السورية إبّان الوحدة السورية – المصرية. وفي هذا الميدان، نذكر مذكرات رجل المخابرات المصري صلاح نصر (القاهرة: دار الخيال، 1999)، ومذكرات الأردني نذير رشيد “حساب السرايا وحساب القرايا” (بيروت: دار الساقي،2006)، فضلاً عن كتابي الجاسوسين الأميركيين مايلز كوبلاند “لعبة الأمم” (بيروت: الانترناثيونال سنتر، 1970) وويلبر كرين إيفلاند “حبال من رمل” (بيروت: دار المروج، 1985). وعلى هذا المنوال، قرأنا كتاباً للكاتب الأميركي كاي بيرد وَسَمه بعنوان “الجاسوس النبيل: حياة روبرت إيمز وموته” (بيروت: الدار العربية للعلوم، 2015، ترجمة محمد جياد الأزرقي). وإذا كانت الرواية البوليسية تقوم على التشويق بالدرجة الأولى، وعلى مركزية البطل، فإن هذا الكتاب هو سيرة روائية شائقة حقاً، لكن البطل فيها متعدّد، وتتوزع البطولة على غير واحد: روبرت إيمز وأبو حسن سلامة ومصطفى الزين. لكن الشخصية الأكثر إثارةً في هذا الكتاب ليس روبرت إيمز والتجسس وموته تحت أنقاض السفارة الأميركية في بيروت سنة 1983، ولا أبو حسن سلامة وأسباب اغتياله في بيروت سنة 1979، بل مصطفى الزين.

السيرة الأولية

ولد مصطفى الزين سنة 1942 في مدينة صور اللبنانية، ودرس في إحدى الجامعات الأميركية، وكان ناشطاً معروفاً في منظمة الطلبة العرب في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وأصبح لاحقاً مستشاراً للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومترجماً له في اجتماعاته مع الأميركيين والبريطانيين. ومصطفى الزين هذا تعرّف إلى أبو حسن سلامة في القاهرة في 1964، ثم التقى رجل الاستخبارات الأميركي روبرت إيمز في 1969 ونشأت بينهما صداقة قوية، مكّنته من أن يجمع بوب إيمز إلى أبو حسن سلامة في مقهى ستراند في بيروت. وهذه العلاقة الغرائبية، والمصادفات العجيبة التي تخللتها، والمصائر القاتلة التي شهدتها، جعلت الكاتب الأميركي ديفيد أغناطيوس، ابن بول اغناطيوس وزير البحرية الأميركية الأسبق، يكتب رواية “المخبرون الأبرياء” (1987)، مستنداً في تفصيلاتها إلى سيرة مصطفى الزين

وصلته بالاستخبارات الأميركية، وهي صلة مشوشةٌ لا تفصح عن أي شكل من العمالة المأجورة. وعلى الأرجح، لم يكن مصطفى الزين جاسوساً للمخابرات الأميركية، بل كانت له وجهة نظر محدّدة شاطره فيها كثيرون في سبعينيات القرن المنصرم، وهي أن من الضروري لقضية فلسطين وللعرب أيضاً أن تنشئ علاقات متشعبة مع المسؤولين الأميركيين، أمنيين وسياسيين، لشرح وجهة النظر تلك. وكان أبو حسن سلامة بدوره يريد التأثير في واشنطن، كي يقنعها بأن سياساتها المتجاهلة للقضية الفلسطينية غير عملية. وأبعد من ذلك، كان أبو حسن سلامة يتطلع إلى تحويل قنوات الاتصال الخلفية أو السرية، ومنها قناة روبرت إيمز، إلى علاقة دبلوماسية حقيقية، تصل إلى حد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية (ص 119). ويكشف الكتاب جانباً من العلاقة الوثيقة جداً بين علي سلامة ومصطفى الزين، فيقول “إن المخابرات الأميركية (CIA) حاولت مراراً تجنيد أبو حسن سلامة بواسطة روبرت إيمز نفسه، ولما لم تصل إلى نتيجة كرّرت المحاولة بواسطة ضابط آخر، يدعى فرانك كاسين الذي التقاه أبو حسن في روما، وتولى ترتيبات اللقاء صديقه مصطفى الزين، وعرض كاسين على أبو حسن سلامة 300 ألف دولار شهرياً لقاء تجنيده، فما كان من أبو حسن إلا أن أخبر مصطفى الزين بذلك ممتعضاً. وعندما التقى الزين فرانك كاسين في اليوم التالي قال له: أخبرني علي بكل شيء، وقال لي إنكم مستعدون للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتقديم مساعدة لها قيمتها 35 مليون دولار سنوياً. ولهذا أرسل علي رسالة مشفرة إلى ياسر عرفات تتضمن عرضكم هذا، وإن عرفات ممتن جداً لهذا العرض. فبهت فرانك كاسين، وعلم أن مصطفى الزين وأبو حسن سلامة يتلاعبان به (ص 121)”.

والمعروف أن أبو أحمد يونس (يونس البجيرمي) المسؤول الأمني للجبهة الشعبية كان اختطف مصطفى الزين، وألقاه في السجن في مخيم شاتيلا عشرة أيام، ولم تظهر في التحقيقات أي معلومة تشي بصلةٍ مشبوهةٍ له بالمخابرات الأميركية. وتمر الأيام، وتقوم الجبهة الشعبية بإعدام أبو أحمد يونس بتهمة قتل عبد الوهاب الطيب وزوجته، خالدية علي خالد، فضلاً عن علاقات مشبوهة له بجهات سياسية معادية.

الرومانسي

يبدو روبرت إيمز في الكتاب كأنه خارج مكانه (Out of place)، فهو كان من الممكن، بدلاً من أن يصبح ضابط استخبارات، أن يكون أديباً أو شاعراً، فهو يكتب الشعر حقاً، ومفعم بالمشاعر الإنسانية، ومر بتجربة حب عاصفة. ولشدة شغفه بحبيبته، وهي لوثرية، عقد قرانه عليها في كنيستها، وتخلى في سبيلها عن إيمانه الكاثوليكي (ص 28). وفي أي حال، عمل بوب إيمز بعدما صار ضابط استخبارات، في ستينيات القرن المنصرم، في الظهران وعدن. وهناك شاهد بأم العين الحرب الوطنية ضد الوجود البريطاني في جنوب اليمن. ثم نُقل إلى بيروت، حيث تعرف فيها إلى أبو حسن سلامة، لينتقل إلى طهران فالكويت ثم يعود إلى بيروت، ليموت فيها. وفي اليمن، تعرف إلى عبد الفتاح اسماعيل الذي أصبح الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، والذي قُتل في الصراع الداخلي، وتمكن من عقد صلةٍ به مكّنته من فتح نافذة على اليمن كما قال (ص 78). كذلك تواصل مع باسل الكبيسي، أحد مناضلي حركة القوميين العرب، (والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ما بعد)، وكان الكبيسي أحد مصادره، من دون أي إشارة إلى تجنيده (ص 80)، وقد اغتالت اسرائيل الكبيسي في 6/4/1973 بذريعة تعاونه مع وديع حداد. وفي السياق نفسه، يكشف هذا الكتاب أن روبرت إيمز تمكن من تجنيد عميل فلسطيني في الكويت، له ارتباط قوي بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

كان إيمز أحد طرفي القناة السرية الأميركية مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكان أبو حسن سلامة الطرف الثاني. وبهذه الصفة، زار أبو حسن واشنطن في يناير/ كانون الثاني 1976 بدعوة من جورج بوش الأب، حين كان مديراً لوكالة المخابرات المركزية. واشترط أبو حسن في برنامج الزيارة أن ترافقه جورجينا رزق، التي ترغب في زيارة ديزني لاند. آنذاك، حذره ياسر عرفات: إما أن تتزوجها أو تتركها، فالقادة لا يتخذون محظيات (ص 210)؛ وبالفعل تزوجها في 8/6/1977. وقد التقى إيمز عرفات مرات عدة من دون أن تدري CIA بذلك، وكان ذلك بترتيب من أبو حسن سلامة (ص 207). وجرّاء هذه العلاقة الوثقى بأبو حسن، سلم إيمز مبادرة السلام الأميركية إلى ياسر عرفات في أثناء حصاره في بيروت، حتى قبل أن يطلع عليها الرئيس رونالد ريغان (ص 293)؛ تلك المبادرة التي صاغها إيمز نفسه، وقال عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، مناحيم بيغن، إنها “خنجر في قلبي”.

موت يطوي موتاً

هز انفجار كبير، في إبريل/ نيسان 1983، السفارة الأميركية في بيروت. وتحت أنقاض مبنى السفارة، وُجدت جثة روبرت إيمز. ويكشف كاي بيرد في كتابه هذا أن شخصاً مصرياً يدعى حرب هو الذي فخخ السيارة التي اقتحمت السفارة، وأن شخصاً آخر يدعى إلياس نمر هو الذي موّل العملية. وقد اعتقل نمر الذي كان في الثامنة والعشرين، وتبين أنه عميل متعدّد الولاءات، وتوفي في زنزانته بعدما اعترف أن له ضلعاً في اغتيال بشير الجميّل. ويكشف الكتاب أيضاً أن علي رضا أصغري الذي فرّ إلى أميركا في سنة 2007 هو الذي خطط عملية تفجير السفارة. أما علي حسن سلامة، صديق إيمز، فقد اغتالته المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في 22/1/1979، بعدما اتصل ضابط من هذا الجهاز بأحد ضباط CIA (ألن وولف) ليسأله هل إن أبو حسن سلامة عميل للوكالة. فإذا كان عميلاً، يصبح صعبا على الموساد أن يغتاله. وقد أحرج هذا الأمر CIA، لأن أبو حسن لم يكن عميلاً. ولو قالوا للموساد إنه عميل، لحمايته، فسيطلب الموساد حينذاك المعلومات التي يحصلون عليها منه. لذلك لم ترد CIA على هذا السؤال، مع علمها أن الموساد يستعد لاغتياله. ثم طار المسؤول البارز في الموساد، ديفيد كيمحي، إلى واشنطن ليسأل السؤال نفسه، ويؤكد لروبرت إيمز أن أبو حسن على قائمة اغتيالات الموساد ما لم تعطِ CIA الموساد تأكيداً صريحاً بأنه يعمل لمصلحتها. واتصل إيمز بأبو حسن في بيروت، وحاول نيل موافقته، وموافقة ياسر عرفات على إخبار الاسرائيليين بأنه يعمل لمصلحة الوكالة، لكن أبو حسن وعرفات رفضا ذلك (ص 224 و225).

عُلم لاحقاً أن امرأة بريطانية تدعى أريكا ماري تشامبرز، كانت تتخذ اسم بنيلوب هي التي ضغطت على زر التفجير من شرفة منزلها المطل على المبنى الذي يقطنه أبو حسن سلامة.

“كان إيمز أحد طرفي القناة السرية الأميركية مع منظمة التحرير الفلسطينية وكان أبو حسن سلامة الطرف الثاني”

وأن الذي جهز سيارة الفولسفاغن المفخخة يدعى بيتر سكرايفر وقد وصل إلى مطار بيروت بجواز سفر بريطاني مزور. وأن رافي إيتان رئيس الأركان الإسرائيلية لاحقاً هو من خطط عملية الاغتيال. وفي 25/9/1985 اقتحم مسلحون اليخت “فيرست” الراسي في ميناء لارنكا القبرصي، وقتلوا ثلاثة من ضباط الموساد، بينهم استير بالتزر التي يعتقد أنها نفسها سيلفيا رفائيل (وهي نفسها أيضاً باتريشيا ريكسبورغ) التي شاركت في اغتيال أبو حسن سلامة. وربما كانت هي نفسها أريكا ماري تشامبرز. وكان من أمر هذه العملية أن ردت إسرائيل بقصف مقر الرئيس ياسر عرفات في تونس في 1/10/1985. لكن عرفات نجا. وفي ما بعد مات رافي إيتان (رفائيل) غرقاً في البحر. وهذه المعلومات لا يتطرّق إليها الكتاب.

أسرار وأستار

بعد موت صديقه أبو حسن سلامة، تابع مصطفى الزين صلته بياسر عرفات وبالأميركيين معاً، ودفع الزين أبو عمار إلى التوسط لدى الإيرانيين، بطلب أميركي، لإطلاق ثلاث عشرة امرأة أميركية كن محتجزات في إيران منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، ولاستعادة جثامين الجنود الأميركيين الذي قُتلوا في الإنزال الفاشل في صحراء طبس في ربيع 1980. ويكشف الكتاب صوراً مروعة عن العنف في الشرق الأوسط، منها كيف “أجبر الكتائبيون طوني فرنجية وزوجته فيرا على مشاهدة إعدام طفلتهما جيهان البالغة ثلاث سنوات، فأفرغوا في جسدها 24 طلقة، ثم قتلوا فيرا، ثم طوني” (ص 212). ويروي قصة إعدام السيد موسى الصدر ورفيقيه محمد يعقوب وعباس بدر الدين، فيقول إن الصدر كان معارضاً فكرة إقامة دولة شيعية (ولاية الفقيه) لأن الفكر الشيعي، بحسب رأيه، يمنع رجال الدين من تولي المسؤولية السياسية، بينما محمد بهشتي الذي كان يعيش في هامبورغ في ألمانيا، ويدير المركز الإسلامي فيها، كان يرى خلاف ذلك، ويدعو إلى إقامة دولة شيعية، ويدافع عن خط الإمام الخميني في هذه المسألة. وقد أراد العقيد معمر القذافي الذي كانت تربطه بمحمد بهشتي صلة قوية أن يعقد اجتماعاً بين الصدر وبهشتي، للتفاهم على قضايا الخلاف تلك. وكان من المفترض أن يلتقي الاثنان في طرابلس، لتسوية خلافاتهما تحت رعاية القذافي. وحضر الصدر إلى ليبيا، لكن بهشتي لم يحضر، بل اتصل بالقذافي، طالباً منه إبقاء الصدر لديه وحجزه بأي وسيلة، وأخبره أن الصدر عميل للغرب. وبناء على ذلك الاتصال، طلب القذافي من أجهزة الأمن تأخير مغادرة الصدر، بل التشديد عليه للعدول عن السفر. غير أن رجال الأمن تعاملوا مع الصدر بفظاظةٍ، حين رفض تأخير سفره، ودفعوه إلى إحدى سياراتهم، واحتجزوه في مكان ما. وقد غضب القذافي مما جرى. لكنه بات غير قادر على إطلاق الصدر على الفور، كي لا يثير عاصفة إعلامية وسياسية ضده، علاوة على تعهده الذي قطعه لمحمد بهشتي. وفي تلك الأثناء، كان الخميني قد عاد إلى طهران منتصراً. وتحت إلحاح ياسر عرفات على القذافي لإطلاق الإمام الصدر، أخبره القذافي أن الأمر يحتاج مكالمة مع بهشتي. وفي تلك المكالمة، أخبره الأخير أن الصدر يشكل خطراً على الثورة الايرانية وعلى حياة الخميني في حال إطلاقه. وبناء على تلك المكالمة، جرى لاحقاً إعدام الصدر ورفيقية (ص 220-221). أما بهشتي فقد قتل في 8/6/1981 في انفجار تحت المنصة التي كان يخطب منها في طهران. وفي شأن متصل، يكشف المؤلف كاي بيرد، نقلاً عن الصحافي المشهور بوب وود ورد، أن اجتماعاً عقد في واشنطن بين وليم كايسي مدير CIA وبندر بن سلطان سفير السعودية في أميركا، واتفقا على تنفيذ عملية مشتركة للقضاء على السيد محمد حسين فضل الله الذي كان يُنظر إليه زعيم حزب الله. وقد رُصدت ميزانية لهذه العملية، مقدارها ثلاثة ملايين دولار، وجُند عدد من استخبارات حزب الكتائب لهذه الغاية، وجرى تدريبهم بعناية. وقد فشلت العملية، بعدما أوقعت السيارة المفخخة التي استهدفت فضل الله عشرات القتلى، وقبض على المنفذين وأُعدموا.

* * *

يثير الكتاب ظلالاً عدة في شأن علاقة روبرت إيمز بالأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، عبد الفتاح إسماعيل، فهو يقول: “عرف زملاء إيمز في لانغلي (مقر وكالة المخابرات الأميركية) أنه استطاع أن يجند للمستقبل رئيس دولة” (ص 78)، وأن باسل الكبيسي الذي تعرف إلى إيمز في عدن صار أحد مصادره (ص 79) مع أنه يؤكد أن الكبيسي كان أحد مصادره فحسب، ولم يكن عميلاً تلقى أجراً بصفة رسمية (ص 80). ومثل هذه الظلال، علاوة على قوله إن رمز أبو حسن سلامة لدى CIA كان MJTRUST/2 : MJ (أي فلسطين بحسب رموز الوكالة) ثم Trust أي اسمه الشيفري، ثم رقم 2 الذي يدل على وجود شخص آخر في داخل منظمة التحرير الفلسطينية يعمل لمصلحة CIA (ص 108)، تلقي نوعاً من الشك على تاريخ عبد الفتاح إسماعيل وباسل الكبيسي وأبو حسن سلامة ومصطفى الزين. لكن جميع الوقائع والمعلومات الواردة في متن هذا الكتاب تقطع، إلى حد كبير، بأن الأربعة لم يكونوا، على الإطلاق، عملاء لوكالة المخابرات. لكن رواية كاي بيرد تترك شقوقاً في نسيجها المعلوماتي، تسمح لنبّاشي الاتهامات بأن يصوغوا حكايات هاذية عن هذا أو ذاك.

من جهة أخرى، استخدم المترجم طريقة بائدة في رسم الكلمات؛ وهي طريقة كانت شائعة في العراق قبل ستين سنة على الأقل، فهو يكتب اسم ريتشارد هكذا: رجرد، واسم تشانسلور على هذا النحو: جانسلر، ولجنة تشرشل تصبح لجنة جرجل، وتشيس منهاتن بنك يصبح جيز مانهاتن بنك، أي بثلاث نقاط ماسونية تحت الجيم. وفوق ذلك، فإن أغلاط الترجمة كثيرة جداً، فأريحا تصبح جرش (ص100) لاعتقاد المترجم أن Jericho هي جرش، وهذا غلط فاقع. ورأس العين باتت على أيدي المترجم رأس التين (ص101)، والشهيد الفلسطيني كمال عدوان غيّر اسمه إلى ممدوح عدوان (ص 144) الذي هو شاعر سوري معروف، وإريك رولو تحوّل إلى إريك روايه (ص 144)، بينما سعيد أبو الريش، وهو صحافي فلسطيني مشهور وصاحب كتاب “بار السان جورج”، يكتبه المترجم سعيد أبو ريشة (ص 60) كأنه يعتقد أنه من أقارب الشاعر السوري عمر أبو ريشة. وهذه الأغلاط وغيرها توهن متانة الترجمة بالفعل.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى