صفحات سورية

هل هناك حل سياسي قريب للأزمة السورية –مقالات لكتاب سوريين-

 

موسكو التي باعت الهواء/ عمر قدور

ليس من قبيل الصدفة أن يصعّد نظام بشار قصفه الوحشي، على غوطة دمشق والزبداني، إثر زيارة وزير الخارجية الإيراني موسكو قبل أسبوع. ليس من قبيل الصدفة أن تُبرمج زيارة محمد جواد ظريف لموسكو إثر زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وزيارة وفد ائتلاف المعارضة السورية أيضاً، فيما نُظر إليه حينها على أنه مؤشر جديد في الديبلوماسية الروسية، بخاصة بعد موافقة الأخيرة على إنشاء لجنة تحقيق في استخدام جميع أنواع الأسلحة الكيماوية في سوريا.

المؤتمر الصحافي الذي عقده لافروف وظريف، في نهاية زيارة الأخير، بدّد كل التكهنات حول تغير في الموقف الروسي، بل أظهر بوضوح أن التغير طرأ على مواقف بعض الدول التي كانت ترفض أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية. يقول لافروف حرفياً: “يرى بعض شركائنا أنه يجب الاتفاق مسبقاً على رحيل الرئيس من منصبه في ختام المرحلة الانتقالية، وهو موقف غير مقبول بالنسبة لروسيا، إذ يجب على الشعب السوري أن يقرر”. بينما يؤكد ظريف على أن التطابق في الوقف بين بلاده وموسكو “سيستمر”، وهذه أبلغ رسالة لمن ينتابه الوهم حول تغير في الموقف الروسي.

الوهم كان قد انتعش مع زيارة محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، فرأى المتابعون في الحجم الضخم من الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدها مع الروس نوعاً من “الرشوة” التي ستؤدي إلى تغيير في الملف السوري تحديداً، ومع الإشارة إلى زيارة مرتقبة للعاهل السعودي إلى موسكو بدا أن القطاف يدنو حقاً. لكن موسكو التي نالت آنذاك ثمناً لتصريحات غائمة مفادها عدم تمسكها بشخص، وأن ما يهمّها هو الحفاظ على وحدة سوريا ومؤسساتها، عادت لتوضح أن الأسد هو الرئيس الشرعي المنتخب، وفوق ذلك الذي يحق له الترشح في نهاية المرحلة الانتقالية، الموقف الذي لا يمكن عزوه فقط إلى الثمن الذي دفعه ظريف باتفاقيات جديدة من الأرصدة الإيرانية العائدة بموجب الاتفاق النووي.

الوهم حول الموقف الروسي كان مناورة روسية في الأصل، جزء منها يستند إلى واقعة عدم تجاوب نظام الأسد مع مقترحات روسية تبتغي تجميله لا أكثر. وقد فُهم حينها تصلب النظام بوصفه تصلباً إيرانياً، ورسالة من الحليف الإيراني مفادها إمساكه التام بالملف السوري وعدم السماح حتى للروس بالتحرك خارج التصور الإيراني. هنا، كان لا بد من قرار أممي يعيد تعويم الموقع الروسي، من دون أن يهدد فعلياً نظام الأسد. هكذا جاء قرار تشكيل لجنة التحقيق في استخدام الكيماوي. وكما هو معلوم منح القرارُ اللجنةَ سنة كاملة لتخلص إلى النتائج، أي منح الروس سنة كاملة قبل استخدام الفيتو إذا لم تكن نتائج التحقيق موافقة لهم وقت صدورها. المشكلة لم تكن في المناورة الروسية الواضحة، بل في الذين صدّقوا أن تقوية الموقف الروسي ستكون لصالح التسوية. فالروس حصلوا على التوالي على صفقات اقتصادية مع السعودية، ثم على قرار أممي يهددون به رأس الأسد وإيران من خلفه، وفي ختام المناورة التي استمرت نحو شهرين باعوا موقفهم القديم “المبدئي” لجواد ظريف، بينما كانوا قد باعوا الهواء للآخرين، وفي مقدمهم الإدارة الأمريكية التي لا يضيرها ذلك لأنها لم تدفع أدنى ثمن لقاءه.

مقابل ذلك الهواء جرى تسليم خمس مقاتلات حديثة لنظام الأسد، وصار مفهوماً من قبل الأخير ألا تسوية سياسية قريبة تطيح رأسه، وأن مهلة السنة التي مُنحت للجنة التحقيق هي مطابقة لتقرير ديمستورا واقتراحه مسارات بطيئة من التفاوض لا تمس انتقال السلطة مباشرة. الأهم من ذلك، أن مهلة السنة تطابق قرب انتهاء ولاية أوباما الذي لا يريد حلاً في سوريا، وستكون إدارته في ختامها مشغولة بالانتخابات الرئاسية القريبة، وهي فترة طالما استغلتها الإدارات الأميركية للتنصل من أية مبادرة مطلوبة منها. يحضر على هذا الصعيد نفاق المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، وهي تقول أن تحديد المسؤول عن استخدام الكيماوي في سوريا بالإسم ضروري، وكأننا إزاء جرم عادي، وكأن رأس النظام ليس مسؤولاً جنائياً بصفته القائد العام لقواته، علاوة على إنكاره الواقعة حتى بعد إثباتها من فريق المفتشين الدوليين وتحديد مواقع اللواء الذي قصف الغوطة بالكيماوي.

إذاً يقصف نظام الأسد الغوطة والزبداني، على نية الإبادة والدمار الشاملين، بعد أن دفع ظريف في موسكو ثمنهما، أو ثمن سوريا المفيدة إيرانياً. ولا بد من التنويه بأن النظام يفعل ذلك وهو مرتاح تماماً من جهة الجبهة الجنوبية التي تمسك الإدارة الأميركية بمنافذها، مثلما هو مرتاح من جهة جبهة الغاب التي تشهد معارك استنزاف لا أكثر، وحيث لا يوجد الآن سماح دولي باختراقها. الصمت الدولي على مجازر الأسد ليس جديداً، ولا يمكن ردّه فقط إلى نوع من اللامبالاة إزاء السوريين. هو بالأحرى صمت مدروس وفاعل، هو صمت القوى الدولية التي اشترت راضيةً الهواءَ الروسي لتمرّر به الوقت تحت كذبتين: أولاهما أن الحل سياسي، واللاحقة عليها أنه يمرّ من موسكو.

هل يمكن تبرئة بعض أمراء الحرب في خضم ما سبق؟ طبعاً لا، فزعيم جيش الإسلام الذي يُدك معقله ويُباد المدنيين في مواقع سيطرته، كان إلى فترة قريبة يستعرض قواته وآلياته الثقيلة، بينما يسوّق نفسه خارجياً كضامن لأمن العاصمة بعد رحيل مزعوم لبشار. لقد صار مفهوماً منذ زمن طويل أن تلك القوات غير معدّة لتحرير العاصمة، وحان دور مَن خذل مقاتلين آخرين في المليحة والعتيبة والقلمون وسواهم، واعتقل نشطاء مدنيين من أبناء الغوطة أو لاجئين إليها. بالطبع، مع الأسف لا الشماتة، على السياق والمآلات.

المدن

 

 

 

سياسة الجزرة بلا عصا.. خطة سلام أممية في سوريا/ طارق أحمد بلال

فشل المبادرات الدولية

غياب الفيتو الروسي

خلاصة

وسط استمرار قطبية المطالب واحتدام الحرب بين نظام الأسد ومعارضيه، يصدر مجلس الأمن بيانا رئاسيا يحمل للمرة الأولى إجماعا من كافة الدول الأعضاء على ضرورة التقدم بالحل السياسي في سوريا في إطار “خطة سلام” تقوم على أربعة محاور إجرائية.

يأتي ذلك دون أن يسبقه إعلان عن أي إنجاز مفيد لتوفير مناخ التفاوض المطلوب كإطلاق سراح معتقلين أو وقف إطلاق نار، بل على العكس فقد شهدت الأيام الأخيرة قبل الإعلان الأممي فشلا في المفاوضات بين أحرار الشام والمفاوض الإيراني حول إنجاز عملية تهجير شيطانية تقضي بطرد أهل الزبداني واستقدام أهالي كفريا والفوعة من إدلب في مشهد يوجز حجم التشوه الكبير الذي أصاب مفهوم المواطنة والعيش المشترك.

من جهة قد تبدو خطة السلام نشازا في العام الخامس للصراع والذي شهد المزيد من التباعد بين أطراف الصراع واتساع رقعة المواجهات وارتفاع حدية الخطاب وإخفاقات دولية في جنيف وموسكو والقاهرة وتلاشي المعادلة المحلية لصالح حضور التدخل الإقليمي، ولعل في الإشارة للتبدلات الثلاث الكبيرة ما يغني عن التفصيل في تعقيد المشهد، وهي:

– تقارب تركي خليجي سرعان ما تترجم لزيادة في تمايز ساحات النفوذ العسكري المحلي لينطلق جيش الفتح في الشمال بينما تنفرد مليشيا إيرانية وحزب الله بسحق الزبداني قرب دمشق.

– بعد التورط الإيراني بمباشرة الأعمال العسكرية وقيادة العمليات في جنوب ووسط وشمال سوريا مطلع العام الحالي، تدخل عسكري تركي تمثل بداية في نقل ضريح سليمان شاه ثم لم يلبث أن ظهر في صورة حرب على جبهتين في دولتين وعلى عدوين في وقت تعاني فيه تركيا من غياب الاستقرار السياسي الداخلي بما يمنح قرار التدخل المزيد من حرج الضرورة.

– التوصل للاتفاق المعروف بالنووي الإيراني ما من شأنه أن يعزز إمكانيات إيران وقدرتها على التحرك بحرية أكبر في سوريا.

وهي تبدلات ليست بالعابرة في المشهد السوري ولا تزيد الحرب إلا استعارا، وهو المشاهد بشكل فعلي في الفوعة والزبداني ومجزرة دوما قبل يوم واحد من صدور قرار مجلس الأمن.

ولكن من جهة أخرى قد تبدو الخطة مدعاة تفاؤل وأمل، ورغم أن البيان لم يحمل مدخلا جديدا بل استند “عرضا” لوثيقة جنيف 2012، فإنه لم يخل من بعض الجديد، حيث غاب الفيتو الروسي، وحيث إن هذا الإجماع يتحقق كثمرة جهود المبعوث الأخير بعد فشل سابقيه في إحراز إجماع مشابه.

كما أن خطة السلام التي جاء بها البيان تضمنت تفصيلا وضعها في أربعة محاور بحسب توصيات السيد دي ميستورا، فضلا عن تبني المجلس قبل عشرة أيام من البيان -وبالإجماع أيضا- لمشروع قرار 2235، والذي يؤسس آلية تحقيق واضحة في هجمات كيميائية وقعت في سوريا بما يعزز الشعور بوجود جدية لدى مجلس الأمن في عزمه الوصول لحل في سوريا.

وقفة مع هذا الجديد الذي جاءت به خطة السلام مع وضعها في سياق الواقع الميداني والسياسي القائم تكفي لتجريد الخطة من رصيد التفاؤل وتحولها إلى مادة للتندر لا تقتصر على انتقال قلق المبعوث الأممي إلى مجلس الأمن في صريح بيانه، بل تجعل من الخطة رسالة جديدة لتأكيد سياسة دولية قديمة تعلن القلق وتمارس التفاوض وتقدم خطط السلام بينما تمضي في المعالجات العنفية مع الرهان على الوقت لصناعة المدخل الملائم لحل سياسي على طبق من خراب يضمن التبعية ولا يحقق السلام.

فشل المبادرات الدولية

على طول الصراع السوري لم يكن مسار المفاوضات المرعية دوليا ليحرز نجاحا معتبرا طالما أنه لم يزل يتنكر للحقيقة في مشهدها الواسع، فهيئة الأمم لم تر في هدير أصوات الغاضبين من جور النظام صورة شعب يستجدي العدالة، إنما حجر نرد يتداعى للسقوط ويقبل القمار، ولديها من الوقت ما يتسع لتكرار الرهان بطرح خطط للسلام بينما في الظل تجري تسويةٌ أوسع من محلية يدفع إليها المجتمع الدولي ويعيد من خلالها تعريف المصالح ومساحات النفوذ، وما تضيره أصوات الغاضبين ولا جور النظام إذا كان حجر القمار قد استقر أخيرا على حال يضمن ربحا لجميع من سواهما.

مسار الصراع في سوريا مليء بالأحداث الشارحة بوضوح “لعدم جدية المجتمع الدولي في حل النزاع” بحسب تعبير الأخضر الإبراهيمي عقب الفشل المدوي لمفاوضات جنيف2، بل إن التصعيد العسكري مقترن بتهيئة أروقة السياسة الدولية لتشهد ولادة الحل السياسي في سوريا، حتى غدت الفاتحات السياسية نذير تصعيد عسكري دموي على الأرض لا عناوين لحلول سياسية تحقن الدماء.

فيما يلي استعراض سريع لجانب من الحراك السياسي الدولي مقترنا بمسار التصعيد في إستراتيجيات المواجهة:

18/8/2011: الولايات المتحدة الأميركية وكندا والاتحاد الأوروبي تعلن -بعد مجزرة هلال رمضان- أن الأسد فقد شرعيته وعليه التنحي فورا. تزامنا مع إطلاق النظام حملة التمشيط العسكرية الأولى من نوعها آنذاك بهدف اجتثاث الثورة بعد فشل أجهزة الأمن في إخمادها.

4/10/2011: عقب خوض الجيش الحر أولى معاركه في  27سبتمبر/أيلول -والتي استمرت لأسبوع في الرستن- روسيا والصين تستخدمان حق الفيتو لإجهاض مشروع قرار تقدمت به بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال يدين النظام السوري ويطالبه بالبدء بإصلاحات سياسية.

3/2/2012: قبل يوم واحد من اجتماع أعضاء مجلس الأمن واستخدام الفيتو المزدوج للمرة الثانية ضد قرار يدين العنف في سوريا، اقتراف النظام لمجزرة الخالدية راح ضحيتها ما يزيد عن 230 ضحية تحت القصف المدفعي، والتي كانت مقدمة لحملة قصف شرسة على أحياء حمص استمرت أسبوعا أودت بما يزيد عن سبعمئة شخص وسجلت بعد أيام دخول سلاح جديد على الساحة وكان الاستخدام الأول لصاروخ سكود.

10/5/2012: سقوط “اتفاق وقف إطلاق النار” الذي اقترحه المبعوث الأممي عنان إثر وقوع تفجير شديد في حي القزاز في دمشق أكثر ضحاياه من طلاب المدارس.

30/6/2012: يوم انعقاد مؤتمر جنيف الأول، حدثت مجزرة كبيرة بمنطقة زملكا راح ضحيتها ما يقارب المئة شخص، وينفرط عقد الاجتماع من غير التوصل إلى اتفاق كامل نتيجة تمسك الروس ببقاء الأسد.

21/8/2013: بين يدي الحديث عن مؤتمر جنيف2 وقوع مجزرة الكيميائي في زملكا، ما حدى بالمؤتمر إلى التأخر خمسة شهور من النار دارت فيها عشرات المعارك في حلب وحماة والقلمون ودرعا.

والقائمة تطول ويضيق المقال عن الاتساع لها إلا بما يكفي للإشارة إلى قدرة النظام على تجفيف الحلول السياسية بالتصعيد العسكري في الميدان والتعنت التفاوضي في أروقة السياسة بما أفشل جهود الجامعة العربية وعطل خطة الإبراهيمي ذات النقاط الست وأسقط اتفاق عنان وعرقل مسيرة جنيف2، وكذلك ستفعل مع البيان الرئاسي الجديد لمجلس الأمن، طالما أن المجتمع الدولي يلوح بالجزرة ولا يمسك بالعصا.

غياب الفيتو الروسي

لا يجدر ادعاء مرونة طارئة على موقف موسكو، بل من الطبيعي نظرا لنص البيان أن يغيب الفيتو الروسي المعهود، فالبيان يختلف عن سابقيه في النبرة والخطاب من حيث النقاط التالية:

– خطاب يدين جميع الأطراف ويفرد مساحة واسعة للتحذير من الإرهاب أولا، بما يتلاقى مع الجهود الروسية المتصلة منذ ثلاثة أعوام والرامية لتوجيه دفة المواجهة نحو الحرب على الإرهاب، والمقصود طبعا إرهاب الجماعات لا إرهاب الدولة.

– عدم التطرق لمصير الأسد صراحة، وهي النقطة التي تعثرت عندها عملية التفاوض مرارا، ومع عدم اشتراط رحيل الأسد يبقى البيان عائما في مساحة المتفق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا.

– احتفاظ موسكو بالقدرة التعطيلية لحين مناقشة قرار يفصل في آلية التنفيذ، فالخطة جاءت في بيان رئاسي لا في قرار، أي إنها غير ملزمة لغير أعضاء المجلس المقرين لها، كما أنها لم تبحث في آلية التنفيذ التي من شأنها وضع النقاط على الحروف.

– تقاطع “خطة السلام” الأممية مع “خطة التحرك” التي تقدم بها السيد دي ميستورا لوقف إطلاق النار في حلب قبل شهور، والتي لاقت آنذاك ترحيبا روسيا.

هذا فضلا عن استعمال صياغة مرنة أكثر مما ينبغي، فتذكر في أول البيان وثيقة جنيف وتفتح المجال لتجاوزها في آخره، إذ تشير إلى شكل انتقال السلطة باعتماد “طرق منها هيئة حكم انتقالية سورية”، ولكن هذه الهيئة ليست الطريقة الوحيدة وربما ليست من الطرق بالضرورة، في حين قد تتسع الطرق لآليات كالتي جاءت في الخطة الإيرانية ذات البنود الأربعة.

وحتى إن كادت الخطة تشي باستعداد حلفاء النظام للتخلي عن شخص الأسد إذا وجدوا أن استمراره مكلف أكثر من استبداله، فلا ينبغي أن يُعدّ ذلك مدخلا للحل، لا سيما مع سيطرة مقاربة جديدة -تغدو مع الوقت أكثر واقعية- مفادها أن الحرب مستمرة بحدود ما يتسع له دعم الحلفاء، لتنتقل القيمة الاعتبارية للعاصمة السياسية للصراع من دمشق إلى موسكو وطهران، بما يصيب حلول الحوار السوري السوري بالشلل، وهو ما ظهر في مفاوضات الزبداني الأخيرة، بينما يبقى للنظام دور الوكيل المحلي المشرف على مرافق الدولة والعاصمة السورية، وإلى حين.

خلاصة

تعددت أغراض التفاوض على امتداد الصراع، من تبادل للأسرى إلى فك للحصار إلى التوصل لوقف إطلاق النار واتفاقيات الهدن. القاسم المشترك بين ذلك جميعه هو انحسار أفق التفاوض في طور التصعيد، أي وقوع أجواء المفاوضات تحت سيطرة القناعة المتبادلة بإمكانية الحسم العسكري كحل إستراتيجي بعيد، بما يحوّل التفاوض إلى أداة مواجهة مرحلية يعزز من حضور السلاح بدلا من تحجيمه على مستوى الحرب الشاملة، وبذلك يغلب على عملية التفاوض معنى الانتهازية، لصالح ضمور البعد الوطني القادر على خفض كمون الاحتقان والممهد على المدى الإستراتيجي للتحول إلى مرحلة انتقالية.

وخلف الإرث الثقيل من الجهود الدولية تأتي “خطة السلام” ضمن حلقة جديدة من الإنكار تجعل من الحرب الدولية على الإرهاب سبيل خلاص المواطن السوري بينما النظام ومعارضوه -في منطق الخطة- مجرد أطراف تستوي في النكاية ويجمعهما خندق مواجهة الإرهاب، فيسقط بذلك ابتداء أي معنى مفيد للعدالة الانتقالية في الوقت الحالي يستوعب إنصاف المتضررين ومحاسبة المسؤولين واتخاذ التدابير الكفيلة بعدم تكرار ما جرى، بل غاية القصد أن تمهد الخطة لحوار سوري سوري تحت سقف استمرار المنظومة الأمنية.

بينما المطلوب كمدخل عملي للحل هو الالتفات لأسباب الصراع الحقيقية المتمثلة في تسلط نظام طائفي على حقوق شعب، والعمل الجاد بمقتضيات العدالة الانتقالية وأركانها الخمسة، والتوجه بالمفاوضات إلى معارضة حقيقة غير هلامية فاقدة للتمثيل الشعبي، واعتبار القوى الفاعلة ميدانيا -السورية وغير السورية- لدى بناء العملية التفاوضية، وحسم أولوية التوجه الدولي لصالح كبح إجرام الدولة قبل إجرام الجماعات والأفراد.

سوى العصا الأميركية لا يبدو أن مجلس الأمن يمتلك عصا، وهي على أية حال قصيرة تؤدب ولا تقصم، وعلى السوريين إدراك ذلك.

الجزيرة نت

 

 

 

سورية أمام احتمالات الفصل الأخير/ نزار بدران

تتواتر الأنباء والمعلومات المُسربة من الأوساط السياسية لدول عدة، بشأن احتمال الاقتراب من الاتفاق على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وطرح حل توافقي، يلبي مطالب المعارضة، وما قيل عن تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بهذا الشأن، يذهب في هذا الاتجاه. قد تكون هذه الأنباء والتكهنات التي نقرأها ونسمعها صحيحة، لكن عذابات الشعب السوري منذ أكثر من أربع سنوات، وفشل المجتمع الدولي والدول العربية في تقديم أي خلاص، على الرغم من مبادرات عديدة، يجعلنا نشك ونشكك بصوابية هذه التحليلات.

في المقابل، ما يمكن عمله هو معرفة وتحليل الأسباب الداخلية والخارجية للدول الداعمة للنظام السوري، والتي سمحت له بالبقاء على بحر من الدماء (300 ألف قتيل، 96% منهم قُتلوا بأسلحة النظام، بحسب المنظمات الإنسانية)، وتحليل الأسباب التي حالت دون ترجمة أقوال أصدقاء سورية إلى أفعال، وأحياناً تواطؤهم مع النظام السوري.

يتميز الداعمان الأساسيان، إيران وروسيا، بوجود أنظمة تدّعي الديمقراطية، لكنها في الحقيقة شمولية، لا تسمح أو تتسامح مع معارضتها في الداخل. فأنظمة كهذه تبني مُجمل سياساتها حول هدف واحد، هو كيفية استمرارها وتشبثها بالسلطة، وبالتالي، تخضع كل أعمالها لهذا المنطق، مصلحة النظام في البقاء هدف أي عمل داخلي أو خارجي. لا تهتم إيران السلطة بمصلحة الشعب الإيراني، وإلا لما جارت على ذاتها وعلى شعبها كل تلك السنوات تحت الحصار. وكان انطلاق احتجاجات إيران المدوية، بعد الانتخابات المزورة لأحمدي نجاد في عام 2009، وهو ما أطلق عليه يومها “الربيع الإيراني”، كان تمهيداً لانتفاضة الشعب التونسي وانطلاقة الثورات العربية. فقد أظهرت تلك الاحتجاجات عمق الهوة بين الشعب والسلطة الدينية، حيث شكل القمع الشديد الذي وُوجه به المتظاهرون، والقتل الموثق لمائة وخمسين مواطناً وسجن الآلاف، وسيلة السلطة للرد على المطالب الديمقراطية.

من هذا المنظار، سياسة إيران تجاه سورية مبنية على مبدأ إنهاء أي نموذج ديمقراطي شعبي بجوارها، حماية للنظام وليس بسبب تهديد محور المقاومة المُفترض الذي لم يقاوم أحداً، عندما نرى عشرات الاعتداءات الإسرائيلية منذ انطلاقة الثورة السورية.

ومن المنظار الروسي، نرى تشابهاً مع السياسة الإيرانية، فالهدف الأسمى للرئيس فلاديمير بوتين هو كيفية إخراس معارضته الداخلية، والتي أثبتت وجودها القوي في المظاهرات العارمة في ديسمبر/كانون الأول 2011، بعد الانتخابات البرلمانية التي أعادته إلى السلطة، بعد تزوير الانتخابات ومنع المعارضة، أصلاً، من التعبير الحر. ويعتبر هذا “الربيع الروسي” أكبر تحرك جماهيري منذ عشرات السنين، واستطاع إجبار ميدفيديف، رئيس روسيا في زمنه، على فتح حوار مع المعارضة، وفق شروطها. لكن، بعد ستة أشهر (مايو/أيار 2012) وعند عودة بوتين للرئاسة، تم الانقضاض على تلك المعارضة، فحُوّل بعض قادتها إلى السجون، بتهم مزورة، مثل ألكسي نافالني أو سرغاي أودالتشوف وآخرين، وما تلاه من اغتيالات، مثل اغتيال بوريس نمتسوف في بداية العام، أمام قصر الكرملين (اتُهم المسلمون زوراً باغتياله بعد أحداث شارلي إيبدو في فرنسا من الكرملين) لمنعه من قيادة المظاهرة، بالإضافة إلى قتل صحافيين وإغلاق الصحافة الحرة وتكبيل المنظمات الإنسانية.

“سياسة إيران تجاه سورية مبنية على مبدأ إنهاء أي نموذج ديمقراطي شعبي بجوارها، حماية للنظام وليس بسبب تهديد محور المقاومة المُفترض الذي لم يقاوم أحداً”

تزامن الحراك الروسي الديمقراطي القوي مع الحراك الديمقراطي العربي، ودعم بوتين نظام الأسد، كان في إطار التضامن بين النظامين، حيث كان من المنتظر أن تتكرر في سورية تجربة قمع ثورة الشيشان الناجحة بفترة قصيرة وبعنف مُفرط. ليس لروسيا الشعب والأمة أي مصلحة في منع الشعب السوري من تقرير مصيره واختيار قادته، لكنها فقط مصلحة النظام البوليسي الذي لا يريد أي نفًس ديمقراطي في أي مكان، وما ردود فعله على مظاهرات كييف في أوكرانيا، واحتلال جُزر القُرم وإدخال شرق البلاد في أتون حرب أهلية، إلا لهذا الهدف. فليس للشعبين، الروسي والأُوكراني، أي مصلحة في خوض حرب ضروس بينهما.

بشكل عام، مثل هذه الأنظمة تُدخل بلادها دائما في حروب خارجية، أو عداءات طائفية داخلية، حتى تُبعد شبح التغيير الديمقراطي، أو تزيحه عن السلطة، تحت حُجة العدو الخارجي أو الداخلي، وأن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. المُستمع لإيران الحُكم يظن أنها تُعدّ لتدمير إسرائيل وتحرير فلسطين، بينما هي تُدمر الشعب السوري وتُجوّع شعبها، ومن يسمع بوتين يظن أن أميركا والعالم يتآمرون، ليل نهار، على الشعب الروسي، ويريدون سرقة بتروله ونهب ثرواته، بينما يضع أغنياء روسيا والمُتسلطون عليها أموالهم وثرواتهم في البنوك الغربية، ولا يستطيع المُتقاعدون الروس الحصول على الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

ما الذي، إذن، قد يدفع إيران وروسيا الى تغيير مواقفهما من سورية؟ العمل لإجهاض الحراك الثوري السوري من منظار هاتين الدولتين عمل وقائي، ويجب أن يكون قصيراً لتحقيق أهدافه، لكن امتداد الزمن أكثر من أربع سنوات، والذي لم يوصل إلا إلى عكس الهدف المُرتجى؛ وهو إنهاء الثورة، كما أن التقدم المُستمر، في الأشهر الأخيرة، للقوى المُقاتلة ضد النظام، أظهر أن نموذج الشيشان ليس فعالاً في الحالة السورية.

كلفة هذا التدخل الباهظة واحتمال أن ينقلب السحر على الساحر، أي أن يصبح هذا التدخل أحد الأسباب التي ستُحيي المعارضة، وتُعيد شعبيتها بإيران وروسيا (نموذج المظاهرات التي تتجذر يوماً بعد يوم في جنوب العراق، حليفة إيران والنظام السوري قد يتكرر فيهما)، كما حدث سابقاً في أثناء الحرب السوفييتية في أفغانستان، والتي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي.

سياسة هذه الدول مبنية على مبدأ بقاء النظام، قد يكون الخوف من عودة الحراك الديمقراطي في إيران وروسيا، خصوصاً مع الانفتاح الموعود الغربي على إيران، والذي ينتظر منه الناس تحسين أحوالهم، وليس تبذير أموالهم في حروب خارجية خاسرة. وبعد انخفاض أسعار النفط إلى النصف، وهو الذي يُشكل جزءاً كبيراً من ميزانية الدولتين، محولاً حربيهما في سورية وأُوكرانيا إلى مُعيق أمام أي انفتاح اقتصادي داخلي. قد يكون ذلك مدخلاً وتفسيراً لأي تطور إيجابي في مواقف هذه الدول.

الأساس، إذاً، صمود الشعب السوري على الرغم من محنته، وهو أيضاً عودة الحياة إلى المعارضة الديمقراطية في روسيا وإيران. أما تذبذب المواقف الغربية وسكوتها الفاضح عن جرائم النظام السوري، فلا يمكن تفسيره فقط بمصالحها في سورية، فسورية ليس فيها ثروات ذات أهمية عالمية، مثل ليبيا، فقط مصلحة إسرائيل وبقاء النظام السوري الذي يحمي حدودها منذ أكثر من أربعين عاماً، والخطر الجارف على وجودها من نهوض الأمة العربية من جديد، ما يُفسر ذلك.

بالنسبة لروسيا وإيران، المشكلة وجود الأنظمة واستمرارها وليس الدول، بينما بالنسبة لإسرائيل، الإشكالية مصيرية: مصير الكيان. فإسرائيل تدرك تماماً أن وجودها مرتبط بدوام التجزئة والديكتاتوريات العربية، وأي تغيير نحو التكامل العربي السياسي والاقتصادي والديمقراطية، سيؤدي، عاجلاً أو آجلاً إلى زوالها. تقبل الديكتاتوريات التحالف مع إسرائيل ضد شعوبها، بينما لن تقبل الشعوب المُوحدة بالضيم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وفقدان حقوق الأمة بفلسطين التي تعتبرها هذه الأمة في موضع القلب منها.

للأسف، الآمال التي وُضعت في تركيا، خصوصاً بعد تصريحات عنترية عديدة للرئيس رجب طيب أردوغان، وخطوطه الملونة التي وضعها للنظام السوري، وعدم تأثيره الحقيقي في الوضع الفلسطيني عموماً، وغزة تحديداً، خيب هذه الآمال، وبدا جليا وواضحا عدم استطاعة تركيا المُنضمة للحلف الأطلسي، الاستقلال عن السياسة الأميركية. صحيح أن تركيا قدمت مساعدات جمة للاجئين السوريين في أراضيها، وأحسنت استقبالهم، لكنها لم تفعل الشيء نفسه، وبالمستوى نفسه في ميدان دعم الشعب السوري وثورته داخلياً. غير أنها قد تطور موقفها في حالة تراجع الروس والإيرانيين، حتى تُشارك في احتفالات النصر المقبل، ونحن في انتظار ما ستأتي به الأيام.

العربي الجديد

 

 

 

 

النظام السوري يتحسس رأسه/ علي العبدالله

بعد تواتر اللقاءات والمبادرات الإقليمية والدولية شعر النظام السوري أن الدائرة تضيق حوله، وان الاستحقاقات التي عمل، وبكل الطرق، على تحاشي التعاطي معها غدت داهمة وتستدعي اتخاذ قرار، فعاد إلى سيرته الأولى وكرر ردوده القديمة: تصعيد عسكري كبير وواسع ومراوغة سياسية ودبلوماسية، عله يخلط الأوراق ويعيد الحركة السياسية إلى المربع الأول.

في البدء حاجج ضد دعوة الرئيس الروسي إلى تشكيل حلف إقليمي لمواجهة الإرهاب، بالقول إن قيامه يحتاج إلى معجزة، لقناعته بوجود مفارقة أساسها الموقف السعودي المضاد للثورة السورية ودعمها فقط من أجل إخراج إيران من سوريا، والأخيرة مصدر دعمه الرئيس وسبب بقائه في السلطة، وكرر لازمته وشروطه المسبقة عن وقف دعم الإرهابيين وإغلاق الحدود في وجههم قبل أن يسقط في يده بالمقايضة السعودية: إخراج القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية من سوريا مقابل وقف دعم المعارضة. ولم يجد مناصا من التحفظ على ما سُرب عن مبادرة إيرانية معدّلة قائمة على الانخراط في عملية تحول بطيئة وطويلة نحو تغيير في معادلة السلطة عبر وقف فوري لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الاثنية والطائفية في سوريا وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف مراقبين دوليين. فبند تعديل الدستور مس بأحد خطوطه الحمر وخرق لاقانيمه الأربعة: لا مساس بموقع الرئاسة، لا مساس بالجيش، لا مساس بأجهزة المخابرات، لا مساس بالدستور، فحاجج في ضوء قواعد النظام العلماني الذي يتمسك بالمساواة والمواطنة ويرفض المحاصة الطائفية، ودعا روسيا إلى تحريك اللقاءات مع أطراف المعارضة التي تتقاطع مع توجهاته السياسية وعقد موسكو3 للإيحاء بان ثمة مسار سياسي ناجح ولا حاجة للتشويش عليه أو عرقلته.

غير أن موسكو التي تعيش حالة حصار اقتصادي غربي، على خلفية تدخلها في أوكرانيا، وتواجه خطر إعادة تجربة الإفلاس التي عرفتها عام 1998، بسبب انهيار مواردها المالية من النفط والغاز، وتعمل على الحد منه بالانفتاح على دول الخليج العربي للاتفاق على سياسة نفطية ووضع حد لتراجع الأسعار، وهواجسها من خسارة السوق الإيرانية بعد تنفيذ الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها في ضوء مؤشرات على توجه إيراني للانفتاح على الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة، وجدت نفسها مضطرة إلى التقرب من السعودية والعمل على إقناعها بترك السوريين يحلون مشكلاتهم بأنفسهم، ورتبت، من أجل ذلك، زيارة علي مملوك كي تفتح ثغرة في القطيعة، وعلى التلاقي مع الموقف الأمريكي حول التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية، وحول خطة دي ميستورا والبيان الرئاسي الذي يربط تنفيذ الخطة بإقامة هيئة حكم كاملة الصلاحيات، والإعلان عن تسليم إيران صواريخ اس 300 والاستعداد لتعاون واسع معها في مجال التسليح، صُدمت من طريقة تعاطيه مع زيارة مملوك إلى السعودية وتوظيفها إعلاميا ما دفع السعودية إلى تصعيد موقفها والتمسك بتنحي رأس النظام سلما أو حربا.

لم يتوان وزير خارجيته عن تحريض النظام المصري على العودة إلى لعب دوره الإقليمي المعهود وتوظيف ثقله البشري والعسكري في مواجهة القوى الإقليمية الطامعة، ذكر تركيا فقط وكأن إيران ليست قوة إقليمية طامعة؟!، والمساهمة في البحث عن حل للصراع في سوريا، ولتحفيز النظام المصري ربط المعركة في سوريا وعليها بالمواجهة مع الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة، بهدف خلط الأوراق وتمييع الموقف بإغراق الساحة بمزيد من الفاعلين والمبادرات.

لقد وضعه صدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن يؤيد تأييدا واضحا وجازما خطة المبعوث الدولي السيد ستيفان دي ميستورا كمدخل لتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، كما جاء في بيان جنيف، ويدعو إلى وضع آلية لتشكيل مجموعات العمل الأربعة لتبدأ اجتماعاتها في النصف الأول من الشهر القادم، أمام خارطة طريق اعتبرها خطيرة، لأنها يمكن أن تعزله عن حلفائه وتتحول إلى مسار غير قابل للعودة إلى الوراء أو تجاهله في رسم الصورة النهائية للحل بعد تحقيق تراكم سياسي والوصول إلى المحطة المركزية في بيان جنيف أي هيئة الحكم كاملة الصلاحيات التي حاول وحلفاؤه الالتفاف عليها وتمييعها باقتراح حلول ومخارج بديلة دون كبير نجاح. ما دفع وزير خارجيته إلى قبولها والمطالبة بفترة زمنية لدراستها من جهة ومن جهة ثانية مهاجمة دي ميستورا واتهامه بعدم الحيادية، واعتبار خطته خطوة لتقطيع الوقت في انتظار تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني بحيث تصبح إيران ايجابية في التعاطي مع الملفات الإقليمية العالقة وتساهم في حل الملف السوري، والتلويح بصعوبة تنفيذها في ضوء غياب توافق إقليمي يوازي التوافق الدولي(اللافت هنا تطابق موقفي النظام والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة من الخطة والبيان الرئاسي؟!)، وعدم الاتفاق على تعريف الإرهاب وطرق مواجهته، ورفض مناقشة مصير رئيسه، مصير الأسد أو ما اعتبره بعض المحللين “عقدة الأسد” قضية مفتعلة بهدف حرف النقاش عن الخطوات الإجرائية التي تحدد البدء في الحل العملي وتأجيلها حتى يتم الاتفاق على هذه النقطة، تكتيك يذكرنا بما كان يفعله البحارة عندما يهاجم سفينتهم حوت يلقون له قاربا صغيرا يقوم بمهاجمته بينما يبحرون هم مبتعدين، وربط موافقته على نتائج عمل اللجان وتشكيل هيئة الحكم كاملة الصلاحيات باستفتاء شعبي.

لقد حاصرته المبادرات والمواقف في لحظة دقيقة ميدانيا آيتها خسارته لمساحات جديدة من الأرض، وخاصة في محيط قاعدته الرئيسة وخزان قوته البشرية، فرفع سقف العنف واستخدم كل قدراته النيرانية وبدأ بارتكاب المجازر في أكثر من مدينة وبلده وقرية سورية وراح يستخدم البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية بكثافة دون اعتبار لما يلحقه بالمدنيين من إزهاق للأرواح وتدمير للمنازل والبنى التحتية على أمل تحقيق هدفه المباشر: تغيير سلم الأولويات وحرف الاهتمام الدولي عن البحث في الخطوات الإجرائية لتنفيذ خطة دي ميستورا لتحاشي الدخول في مسار سياسي اضطراري لا عودة عنه وما قد ينجم عنه من نتائج لا تنسجم مع خياراته وتصوراته.

المدن

 

 

موقف موسكو وطهران من بقاء الأسد/ حسين عبد العزيز

تتصدر روسيا منذ أشهر الحراك السياسي الدولي حول سورية بعد عزوف واضح للولايات المتحدة عن الشأن السوري باستثناء الجزء المتعلق بمحاربة «داعش». فمن منتديي موسكو الأول والثاني، ثم مشاورات جنيف الأخيرة، ثم الاتصالات مع الرياض، ثم استقبالها المعارضة السورية (الائتلاف، لجنة المتابعة لمؤتمر «القاهرة2»)، تتجه موسكو نحو تهيئة الأرضية السياسية لعقد مؤتمر «جنيف3» الذي ينتظر أن يكون أوسع بكثير من مؤتمر «جنيف2».

وقد حاولت موسكو خلال الفترة الماضية إيصال رسائل عدة للمجتمع الدولي تؤكد حصول تغيير في مواقفها من الأزمة السورية، أهمها الانفتاح على دول المنطقة المعنية بالأزمة السورية، ودعمها مشروع قرار مجلس الأمن 2235 حول سورية، ودعمها خطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا.

لقد شكل الاتفاق النووي بين إيران والغرب أولاً، والتراجع العسكري للنظام السوري ثانياً، والاتفاق التركي- الأميركي وما تبعه من حديث عن إقامة منطقة عازلة ثالثاً، وغموض موقف واشنطن من مصير الأسد رابعاً، والأزمة الاقتصادية خامساً، أسباباً واضحة لبدء تعديل في الخطاب السياسي الروسي.

والحقيقة أن هذه التحركات ليست ناجمة عن انعطافة سياسية في مواقف روسيا تجاه الأزمة السورية، بقدر ما هي إعادة تموضع تحفظ لموسكو استمرار نفوذها بعد التغيرات الحاصلة في سورية والمنطقة.

غير أن الموقف الروسي ما زال غامضاً في كثير من مواقفه، لا سيما ما يتعلق بطبيعة المرحلة الانتقالية ومصير الأسد، وما تزال موسكو تطلق تصريحات متباينة بل ومتعارضة حول هذه المسائل، والتي كان آخرها إبلاغها المعارضة السورية (الائتلاف، لجنة المتابعة لمؤتمر «القاهرة2») بأنها ليست متمسكة بشخص الأسد وإنما بالدولة السورية، ثم معاودة وزير الخارجية سيرغي لافروف بعد تأكيد رفض بلاده رحيل الأسد ليس أثناء الفترة الانتقالية، بل حتى بعدها.

والمفارقة الغريبة أن يذهب الائتلاف ممثلاً برئيسه خالد خوجة إلى تأكيد الموقف الروسي غير المتمسك بالأسد، في حين أعلنت لجنة المتابعة لمؤتمر «القاهرة 2» على لسان هيثم مناع وقاسم الخطيب، أن موسكو لا تزال متمسكة بالأسد ولا جديد في موقفها، وما تقوم به روسيا ليس سوى اتصالات بحثاً عن وزن بدأت تفقده في المنطقة.

ومن هنا، لا فرق بين المبادرة الإيرانية والتحرك الروسي حيال الأسد، فالدولتان تسعيان إلى شرعنة بقائه في أي حل سياسي: طهران ترفض تشكيل هيئة حكم انتقالية لصالح حكومة مشتركة تحت سقف الأسد، بينما تقبل موسكو بند بيان جنيف بشأن هيئة الحكم الانتقالية مع بقاء الأسد، والفرق هو أن الأولى صريحة في مطلبها بينما الثانية غامضة في مواقفها.

لكن هذا الفرق وإن كان سطحياً في الظاهر، إلا أنه يتضمن تبايناً كبيراً بين العاصمتين حيال الحل في سورية، فإيران ترفض من حيث المبدأ المساس بشخص الأسد لإدراكها طبيعة المعادلة السورية الداخلية التي تشكل فيها عائلة الأسد صمام أمان النظام، وبالتالي فإن أي تغيير يصيب هذه المعادلة بشكل كامل سينتهي بكارثة سياسية على قوتها الإقليمية، بينما تربط موسكو بقاء الأسد بالخشية من انتشار الفوضى في حال سقوط مؤسسات الدولة، وبالتالي قد تقبل ببديل عن الأسد في حال ضمنت مصالحها ضمن أي تسوية مستقبلية مع واشنطن، والأطروحة التي تسوقها موسكو هي: لا لإعطاء شرعية كاملة للأسد كإيران، ولا لنزع كامل للشرعية عنه كتركيا والسعودية، وهي بذلك تتلاقى مع واشنطن التي تنزع الشرعية القانونية عن الأسد لكنها تمنحه إياها على أرض الواقع.

في كل الأحوال، تسعى روسيا من تحركاتها إلى تحقيق جملة أهداف:

– تشكيل ما أطلقت عليه حلف الراغبين والمتضررين داخل سورية «لمحاربة «داعش»، يكون موازياً للتحالف الدولي، بهدف شرعنة النظام السوري في محاربة الإرهاب.

– إشراك إيران في أي حل سياسي على رغم رفضها بيان جنيف.

– شرعنة المعارضة الموصوفة بـ «الاعتدال» وفق القاموس الروسي- السوري والتي تقبل ما يقبل به النظام في المفاوضات المقبلة؟

– تأسيس المفاوضات لا على أساس الحقوق وإنما على أساس القوة والأمر الواقع، مستغلة عدم استعجال واشنطن إسقاط الأسد، بحيث تكون المفاوضات لمن له الغلبة وليس لمن يملك الحق.

ومع كل هذا الدعم الذي تقدمه موسكو للنظام السوري، أبدى الأخير بدعم من إيران تحفظات كثيرة على التحرك الروسي، لا سيما في ما يتعلق بإنشاء منظومتين لمحاربة الإرهاب، الأولى إقليمية والثانية محلية تحت عنوان حلف المتضررين من «داعش»، وأيضاً في ما يتعلق بتأييد روسيا مجموعات العمل الأربع التي اقترحها دي ميستورا (السلامة والحماية، مكافحة الإرهاب، القضايا السياسية والقانونية، إعادة الإعمار) والعمل بها بشكل متواز وليس بشكل تدريجي، كما كان الأمر في «جنيف2». فهل تصطدم موسكو بدمشق وطهران أم تمارس العواصم الثلاث تبادلاً للأدوار لتمرير الوقت؟

* إعلامي وكاتب سوري

 

 

 

المحنة السورية: خريطة الطريق الروسية/ حسين العودات

أشار الديبلوماسيون الروس خلال محادثاتهم مع وفدَي المعارضة السورية (وفد «الائتلاف الوطني» ووفد «لجنة مؤتمر القاهرة») إلى أنهم يعملون مع السياسة السعودية وبقبول أميركي وأوروبي على عقد مؤتمر جامع شامل لفئات المعارضة السورية ومكوّناتها الداخلية والخارجية، وذلك بهدف أن يختار المؤتمر قيادة موحّدة للمعارضة، تمثلها وتحلّ محل قيادات الكيانات المعارضة الحالية. كما يتولى هذا المؤتمر وضع الأسس (الواقعية) بحسب الرأي الروسي للوصول إلى تسوية للمأساة السورية، وبالتالي وضع خريطة طريق مفصّلة ومتوازنة والاتفاق على أسلوب تحقيقها. وقد أبلغ الديبلوماسيون الروس المعارضين السوريين أنهم بدأوا العمل فعلاً للوصول إلى هذا الهدف بعدما اتفقوا على ذلك مع الديبلوماسية السعودية ورشحوا 25 شخصية معارضة لحضور المؤتمر، بانتظار أن تقوم السعودية بترشيح العدد الذي ترغب به. كما يقوم الشركاء الإقليميون والدوليون الآخرون بترشيح أعداد مناسبة، بحيث يتشكل المؤتمر العتيد من مجمل هؤلاء المرشحين، ويكون مؤهلاً لاختيار قيادة موحّدة تهمّش قيادات المعارضة الحالية، وتمثل المعارضة وتستحق بذلك مفاوضة النظام وصولاً إلى تسوية لها مشروعيتها وفعاليتها. وقد أكد الديبلوماسيون الروس أن الأزمة السورية وصلت منتهاها، ولا ينبغي لها أن تطول أكثر من ذلك.

يبدو من ظاهر هذه المقترحات الروسية أنها مناسبة ومتوازنة وتؤهل للوصول إلى تسوية عادلة. ولكن حقيقة الأمر هي أن هذه المقترحات مليئة بالألغام، وربما يصح القول مع بعض التشاؤم إنها مليئة بالخداع وتسعى لتحقيق تسوية ترضي السلطة السورية، وأن السياسة الروسية لم تغير موقفها ولم تبدل حراكها، وإنما تحاول طرح مشاريع مضللة تحقق لها رغباتها ورغبات حلفائها السوريين.

ترى معظم أطراف المعارضة أن من النتائج المباشرة للمقترحات الروسية نزع الشرعية مباشرة عن قيادات المعارضة الحالية لتقدّمها هدية لقيادة المعارضة الجديدة، التي يفترض أن يختارها الروس، وبالتالي تلغي كل المشروعيات السابقة لهذه المعارضة وكأنها بدأت اليوم، وتصبح القيادة المحتمل اختيارها هي القيادة الوحيدة المعترف بها، وتتحلل الديبلوماسية الروسية والمؤتمر المتوقع والمرحلة المقبلة من أي مواقف أو وعود أو إجراءات تمّ تبنيها سابقاً، ويسهل عندها الحديث عن أي مقترحات جديدة غير مثقلة بوعود الماضي أو تجاربه أو ممارسات المعارضة أو حتى ممارسات السلطة.

كما أن السياسة الروسية، ومن خلال تجربتها في دعوة الذين شاركوا في مؤتمري «موسكو 1» و «موسكو 2»، ستقوم بدعوة فئات وشخصيات مماثلة لمن دعتهم لهذين المؤتمرين، أي أن بعضهم ليس معارضاً بل موالٍ بثوب معارض، وغالبيتهم من قيادات الأحزاب التي تم ترخيصها بعد انطلاقة الانتفاضة. وستعمل السياسة الروسية على أن يكون مثل هؤلاء أكثرية في المؤتمر، ويستطيعون، مع قليل من الديماغوجية، السيطرة عليه وفرض اختيار القيادة والبرامج وأساليب العمل، وعندها لن يستطيع أحد تصحيح المسار لا الدول المعنية ولا فصائل المعارضة ولا غيرها.

وقد صرّح ديبلوماسيون روس بعد لقائهم بوفدي المعارضة أنهم يعملون لعقد «جنيف 3». ولا شك في أن مثل هذه الإجراءات كالتواصل مع فئات المعارضة، وعقد مؤتمر للمعارضة، وانتخاب قيادة جديدة، وإقرار خطة للتسوية جديدة، ستكون جميعها مقدّمات لمؤتمر «جنيف 3»، وتستطيع الديبلوماسية الروسية بذلك أن تحرّف المؤتمر بكامله وتحوّله إلى إجراء مفرّغ من مضمونه وتسخّره لخدمة السلطة السورية، وصولاً إلى تسوية جوهرها إلحاق فصائل المعارضة بالنظام والابتعاد عن أي تغيير حقيقي فيه إصلاح أو تطوير. وتحافظ على الشخصيات التي نفّذت السياسة العنفية الخرقاء في سوريا طوال ما يقارب الخمس سنوات، وتتجاهل ضرورة المحاسبة على الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية وضد الشعب السوري. وكل ما في الأمر أن التسوية ستكون صلحاً عشائرياً (بوس لحى) يعطي للمعارضة بعض الوزارات والمسؤوليات ويبقي الهيمنة لأهل السلطة، وبالتالي يبقي الدولة الأمنية والفساد والقمع والتخلّف ويعيد سوريا إلى المربع الأول.

من البديهي أن مثل هذه المقترحات والأفكار الصحيحة ظاهرياً والمليئة بالألغام باطنياً لن تمرّ على مكوّنات المعارضة ولا على الدول الإقليمية المعنية، وأخيراً لن تمرّ على السياسة الأميركية والأوروبية ولن تستطيع السياسة الروسية أن تخدع الجميع وتمرر مشروعاً مشوّهاً يزيد الوبال وبالاً والدمار دماراً ولا يحل أي معضلة.

يبدو أن السياسة الروسية تصدق أوهامها، ولذلك قبلت من دون مقدّمات يوم الأحد الماضي قدوم وفدين أحدهما للمعارضة والثاني للسلطة برئاسة وزير المصالحة علي حيدر، من دون أن تقول لوفدَي المعارضة اللذين حاورتهما في موسكو قبل أيام بأنها سوف تستقبل هذا الوفد. ويبدو أنها تشعر بضعف المدعوّين وعدم مصداقيتهم واستحالة الوصول إلى نتائج جدية بالحوار معهم، ولذلك لم تعلن أسماءهم برغم وصولهم إلى موسكو. ومن المتوقع أن تجعل من لقائهم في موسكو «بروفة» لمؤتمر المعارضة الذي تدعو إليه. واللافت للانتباه أن الديبلوماسية الروسية نوّهت أيضاً بأنها ستدعو فيما بعد إلى مؤتمر وطني سوري عام يضمّ المعارضة والموالاة والسلطة، ولكن بعد مؤتمر المعارضة المتوقع، ويتولى هذا المؤتمر الوطني الشامل وضع إطار عام لحل الأزمة واختيار قيادة تقوم بذلك، وتبدأ عندها ـ بحسب التوقع الروسي ـ المحادثات بين السلطة والمعارضة وصولاً إلى حلّ متفق عليه.

من الملاحظ أن السياسة الروسية لم تدرك بعد أن السلطة السورية القائمة تسبّبت بحرب قتلت أكثر من ثلائمئة ألف مواطن من شعبها، وهجّرت نصف السوريين، وشرّدتهم في أربعة أصقاع الأرض، فكيف بعد هذا كله يمكن أن يقبل معارضو النظام أو أصدقاؤهم تسوية سطحية تصالحية لا تدخل في عمق الأمور، ولا في جوهر النظام ولا تحقق الحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص للشعب السوري وتخلّصه من التشوّهات الطائفية والإثنية وقلب أولويات الشرعية، وتقنعه أن المواطنة هي الشرعية الرئيسة والأولى القادرة على استيعاب الشرعيات الثانوية والمساواة بين السوريين وتعزيز انتمائهم الوطني الموحد وإشراكهم جميعاً في تقرير مصيرهم؟

الغريب في الأمر أن السياسة الروسية بعدما وافق الأميركيون على نشاطاتها المبدئية، وقبلوا أن تهيئ لمؤتمر «جنيف 3»، أصيبت بالغرور، وباتت تحلم أن مشاريعها قابلة للتحقيق، وأن آراءها ورغباتها ستكون مقبولة من الجميع.

السفير

 

 

 

 

 

المفاوضات السورية: الجوهر والتفاصيل/ سمير العيطة

يترافق الحراك الديبلوماسيّ المكوكيّ، الذي قام بعد توافق مجلس الأمن على بيانٍ رئاسيّ يدعم الخطّة الجديدة للمبعوث الدوليّ ستيفان ديميستورا، مع تصعيدٍ خطابيّ مصدره جهات بعينها دون غيرها. تصعيدٌ خطابيٌّ أكثر منه عسكريّ، فالحرب تبدو اليوم حرب مواقعٍ وإرهابٍ متبادل، من دون تحوّلات كبيرة في الموازين على الأرض.

ظهر التصعيد الخطابيّ على لسان رئيس السلطة السوريّة الذي لا يرى فقط أنّ الأزمة ما زالت بعيدة عن نهاياتها فحسب، بل لا يقرّ أصلاً أنّ هناك حلاًّ سياسيّاً بين السوريين، بل بالأحرى مساراً سياسيّاً وتفاصيل في سياق تفاوضٍ إقليميّ دوليّ حول الإرهاب. ويجد هذا الخطاب التصعيديّ الاستفزازيّ صداه في خطاب تركيّ حول المنطقة الآمنة أو حول تغيير العملة، وكذلك في الخطاب ذي النبرة العالية لدى الرئيس الفرنسيّ. رأس السلطة السوريّ يهدّد بتسليم حلب ومن ثمّ دمشق إلى «داعش» إذا ما تمّ الإصرار على رحيله، والآخرون يهدّدون بتقسيم سوريا إذا ما ظلّ هو نفسه في الحكم.

هذه هي المعضلة الأصعب في الجهد الجاري حول «مجموعة الاتصال» الإقليميّة-الدوليّة التي اقترحها المبعوث الأمميّ والتي يبدو أنّ الروس يتنطّعون لمهمّة تذليل العقبات أمامها بمباركة أميركيّة وعلى الأغلب، سعوديّة وإيرانيّة.

اللافت للانتباه في خطاب الرئيس السوريّ هو أنّه من الوحيدين دوليّاً الذين لا يميّزون بين من حمل السلاح دفاعاً عن أهله وبين «داعش» و «النصرة» ومثيلاتها المرتبطة بفكر «القاعدة»، كحركات متطرّفة إرهابيّة يجب توجيه جميع الجهود لمكافحتها، وما يشكّل أساس أيّ حلّ سياسيّ. فكلّ المعارضين، بالنسبة إليه، إرهابيّون أو خونة وأدوات لإسرائيل، يجب «التعامل» معهم أوّلاً، ويقصد عسكريّاً.

هذا التصعيد يقابله تصعيدٌ مماثل من بعض أطياف المعارضة. بعضها يأتي من تغليب العاطفة من جرّاء القصف الهمجيّ على مدن غوطة دمشق، وبعضها الآخر من التخوّف من فقدانٍ وهمٍ زرعته بعض الدول أنّ هذه الأطياف المعارضة هي ممثّل الشعب السوريّ، أي أنّها ستحكم سوريا. آخر مراحل هذا الوهم يمثّلها توجيه جهودها كي تقوم بإدارة المنطقة الآمنة، برغم الفشل الكبير الذي شهدته تجربة إدلب.

واللافت أيضاً هنا أنّ هذه الأطراف المعارضة هي أيضاً تتحدّث في خطابها عن معارضة مسلّحة دون تمييزٍ أو نأيٍ بنفسها عن المتطرّفين كـ «جبهة النصرة». والأنكى أنّها تفرح لانتصارات «داعش» على المقاتلين الكرد وتروّج لمقولات عن تهجيرٍ عرقيّ أو مذهبيّ، بدل تخفيف التشنّج وتوثيق عرى التواصل والأخوّة في الوطن مع جميع الأكراد السوريين، خاصّة إذا ما كانت تعتبر «داعش» حليفة موضوعيّة للسلطة السوريّة.

يأتي هذا التصعيد الخطابيّ في حين سئم السوريّون، موالاةً أو معارضةً أو ما بين المنزلتين، الحرب العبثيّة، وباتوا يهربون بالآلاف من سوريا ومن دول الجوار فاقدين الأمل في حلّ. وجوهر حلّ الأزمة كان ولا يزال وسيبقى وقف الحرب بالوكالة على أرضهم. ولكن هناك أمورا أخرى ليست تفاصيل بل هي جوهريّة. فمسألة بقاء الرئيس السوريّ في السلطة في ظلّ تهديده بمحو الدولة معه ومسؤوليّته الشخصيّة عن السبيل الذي أخذ إليه البلاد إشكاليّة جوهريّة. ومسألة تبعيّته لبعض الدول وتبعيّة أطراف من المعارضة لدولٍ أخرى إشكاليّة جوهريّة. ومسألة أنّ المجتمع ذا الأغلبيّة الشبابيّة قد قام لأنّ سياسات السلطة القائمة ألغت كرامتهم بالإضافة إلى حريّاتهم هي أيضاً إشكاليّة جوهريّة. ومسألة أنّ البلاد تدمّرت وسيكون من الصعب إعادة إعمارها في النفوس أكثر منه في المباني إشكاليّة جوهريّة.

كان رأس السلطة محقّاً في أمرٍ واحد: إنّ الدفاع عن الوطن لا يكون فقط بحمل البندقيّة، وإنّ الشعب السوريّ أغلبه موحّد، وأنّه يعي بدقّة مسؤوليّة كلّ طرف، ومن يتبع لدولٍ ومن بقي يحافظ على كرامته ويريد صون بلاده من إسرائيل كما من المتطرّفين… ولكن ليس من هؤلاء فقط بل من الذي أخذ البلاد إلى حلٍّ أمنيّ مجنون مدمِّر. الشعب لا يخطئ بالأولويّات، ويعرف حجم التحديات القائمة.

التفاوض ليس حواراً. والحلّ السياسيّ السوري – السوريّ يتطلّب مواجهة الإشكاليّات الجوهريّة وعبرَ الكثير من التفاصيل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى