إياد الجعفريصفحات المستقبل

هل هو توريط امريكي لروسيا؟/ إياد الجعفري

 

 

هل كان اتفاق وقف إطلاق النار الأمريكي – الروسي في جنوب غرب سوريا، توريطاً أمريكياً للروس؟، أم إقراراً أمريكياً بقيادة روسيا للمشهد الميداني، على الأقل في الشطر الغربي من البلاد؟

قد يكون ذلك أبرز تساؤل، بعد الإعلان عن اتفاق غير واضح المعالم، تشوبه الشكوك حيال القدرة على تنفيذه فعلياً. هذه الشكوك ذاتها، هي التي تدفع للتساؤل، هل يريد الأمريكيون تعميق الشرخ الروسي – الإيراني؟ أم أن الروس مستعدون لذلك، بغية إظهار قدرتهم على حكم المشهد السوري، بما يليق بمكانة الشراكة المأمولة مع الأمريكيين؟

من المعلوم للجميع، أن إحكام السيطرة على الحدود مع الجولان المحتل، هدف استراتيجي لدى الإيرانيين، بغية تعزيز مكانتهم الإقليمية، بوصفهم المتحكمين بأمن حدود إسرائيل الشمالية. تلك التركة التي ورثها بشار عن والده، واضطر لتسليمها للإيرانيين، بعد أن استنجد بهم، لينتهي المطاف به، قوة محلية عاجزة عن الفعل، من دون دعمهم.

وفيما تشير المصادر المحلية عن تحشيد قوات النظام، المدعمة إيرانياً، لقواتها، في منطقة الجولان، رغم إعلان وقف إطلاق النار، مقابل تحشيد آخر لفصائل المعارضة الموجهة أردنياً، برعاية أمريكية.. يبدو أن الاتفاق تحدٍ صارخٍ لقدرة الروس على ضبط حلفائهم الإيرانيين، على الأرض.

الفشل في هذا التحدي لم يعد يعني إحراجاً للروس أمام الأتراك، كما حدث عشية الخروج الإيراني على الأوامر الروسية في قرى وادي بردى، وإصرار الإيرانيين على عدم الالتزام بوقف إطلاق النار فيها، رغم التعهد الروسي بذلك. الفشل في تحدي الجنوب السوري، هذه المرة، يعني إحراج الروس أمام الأمريكيين، بعد أن حققوا خطوة على طريق حلمهم المنشود، وهو اعتراف الأمريكيين بهم، كشركاء دوليين في أكثر من ملف. اعتراف ينتظر منه الروس أن يُترجم إلى صفقات أخرى في ملفات أخرى، أكثر حساسية بالنسبة لهم، قد يكون من بينها أوكرانيا، في المستقبل القريب. لكن عليهم في البداية، أن يُثبتوا جدارتهم في تنفيذ جانبهم من الاتفاق في بقعة صغيرة من سوريا، هي جنوبها الغربي.

قِيل أن الاتفاق يتضمن نشر شرطة عسكرية روسية. ويعني ذلك، انتشاراً ميدانياً في واحدة من أكثر البقاع حساسية في سوريا، تلك التي أمّنت حكم آل الأسد في دمشق، لعقود. فهل يتمكن الروس من سلب تلك الورقة الحيوية من قبضة الإيرانيين، بعد أن سلبها هؤلاء من قبضة آل الأسد مؤخراً؟

الإجابة الغائمة على ذلك التساؤل، دفعت بعض المحللين الروس إلى اعتبار الاتفاق الأمريكي – الروسي في جنوب غرب سوريا، مسمار جحا أمريكي، يريد به الأمريكيون مزيداً من التوريط للروس في المستنقع السوري. في حين، يحاول الأمريكيون أنفسهم، تجنب الغرق في ذلك المستنقع، والاعتماد على أدوات محلية وإقليمية، لتنفيذ أجنداتهم، مع أقل قدر ممكن من التدخل المباشر.

في الكرملين، لا تبدو الصورة كذلك. لا يظهر أي مؤشر على أن بوتين يرى أنه يجر بلاده باتجاه المزيد من التورط في المستنقع السوري. على العكس من ذلك، فالروس يراهنون على استثمار ذلك التورط باتجاه إحكام أكبر قدر ممكن من السيطرة على تلك البقعة الحساسة من الشرق الأوسط.

وعلى غرار ما توصل إليه الروس في جنوب غرب سوريا، حينما حصلوا على إقرار أمريكي، بالحاجة إليهم، لوقف إطلاق النار، على أعتاب إسرائيل. تجري تطورات ميدانية في الشمال الغربي من سوريا، تُوحي بأن الروس قد يكسبون عفرين، من قبضة الحليف الأمريكي، وأداته المحلية الكردية، من دون عناء. أو على الأقل، قد تتمكن روسيا من جرّ الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى زاوية الحاجة الحرجة إليها، مرة أخرى. وبالنسبة للأتراك، لا توجد أية خسارة من التلويح بغزو عفرين، إن كان ذلك كفيلاً بدفع الأكراد إلى الحضن الروسي، بدل الأمريكي، مما سيخفض من مستوى استقلاليتهم في كانتون عفرين، لصالح وجود أكبر لنظام الأسد، المضبوط روسياً. المهم بالنسبة للأتراك، أن يتم إفشال مشروع حزب العمال الكردستاني في تأسيس كيان متواصل جغرافياً. وكل خطوة باتجاه إجهاض ذلك المسعى، هي خطوة محمودة تركياً، حتى لو التقت تركيا في ذلك، مع نظام الأسد، ذاته.

أما بشار الأسد، فيبدو أنه ينقّل قدميه بحرص، على الركيزتين الإيرانية والروسية، وهو يخشى، دون شك، أن تزل إحداهما، تحت قدميه، أو أن يفقد الاثنتين معاً، في غمرة صراع قد ينفجر في أي لحظة بين الإيراني والروسي، بعد أن بات اختلاف الأجندات جلياً لكل عينٍ مراقبة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى