إياد الجعفريصفحات المستقبل

هل هي خاتمة النصرة؟/ إياد الجعفري

 

 

خلال أسبوع فقط، وُضعت اللمسات الأخيرة على ما يبدو أنه مفترق الطرق الأخير لجبهة النصرة، النواة الضيقة الفاعلة في ما يسمى بـ “جبهة تحرير الشام”. وكان ذلك الأسبوع حافلاً بدلائل تؤكد، أن النصرة، التي كانت تبدو، حتى اللحظات الأخيرة، أكثر التنظيمات الجهادية حصانةً ضد الاختراق.. مخترقةٌ للعظم، وبامتياز.

ثمانية تسريبات، وثلاثة انشقاقات كبرى، نهشت، خلال أسبوع، جسد “تحرير الشام”، ورافقت التحضيرات الإقليمية لاتفاق أستانا الأخير، والذي تطلب، في ما يبدو، ضوءًا أخضر سعودياً، مُنح لوزير الخارجية الروسي، لافروف، في زيارته للسعودية قبل أيام. لتُتم تركيا حجز مكانها في إدلب، بانتظار أن تحتله فعلياً، عبر معركة عسكرية ستكون أداتها الميدانية، أولئك المنشقين عن “تحرير الشام”، إلى جانب المناوئين السابقين لها من فصائل المعارضة الذين ذاقوا وبال تنكيلها بهم، طوال سنوات، في الشمال السوري.

لم يكن اتفاق أستانا الأخير، الذي نص على “منطقة خفض توتر” في إدلب، ليتم، لولا أن تمكنت أجهزة استخباراتية إقليمية عديدة، في مقدمتها، التركية، من توجيه ضربات قاسية للنصرة، باستخدام ملتحقين حاليين وسابقين، بتكتلها الذي أنشأته، “تحرير الشام”. فالمنشقون، سواء كفصائل، “أنصار الدين، أسود الشام، جيش الأحرار”، وقبلهم” نور الدين الزنكي”، أو، كقادة شرعيين لهم ثقلهم الكبير، (السعوديان، المحيسني والعلياني)، سيتركون أثرهم الكبير، من دون شك، على تماسك النصرة.

أكثر الضربات الاستخباراتية، إحكاماً، هي تلك التسجيلات الصوتية الثمانية، لقادة عسكريين في “النصرة”. فأمام هذه الضربات، تبدو تصريحات حسام الأطرش، (القيادي في نور الدين الزنكي)، واتهامه لقيادة النصرة بالتنسيق مع إيران، أو حتى تصريحات المنظر الجهادي، أيمن هاروش، واتهامه للنصرة بعقد لقاءات تنسيق مع الجانب الروسي في قرية أبو دالي، في ريف حماه الشمالي.. تبدو هذه التصريحات، ضربات جانبية، لا قيمة لها، أمام قيمة ما تعنيه التسجيلات الصوتية المُسربة لقادة عسكريين في النصرة، كانت من نتائجها المباشرة، انشقاق المحيسني، والعلياني، أبرز الرموز الشرعية للمهاجرين، وبالتالي، تعريض اليقين الإيماني بصدقية النصرة، في أذهان أتباعها وأنصارها، للخطر.

فماذا يعني انشقاق رموز شرعية كبرى، من وزن “المحيسني”، عن صفوف “تحرير الشام”، بعد تسريبات تكشف استهزاء القادة العسكريين بالشرعيين، وبالتالي، بالغطاء الفقهي للتنظيم، الذي يقوم أساساً على شعار، “تطبيق الشريعة”؟! يعني ما سبق، ببساطة، أن قادة التنظيم مخترقون، وأن أجهزة استخباراتية إقليمية تمكنت من رصد زلاتهم، وسقطاتهم، وتمكنت من استثمارها في الوقت المناسب.

الأتراك بطبيعة الحال، في مقدمة المستثمرين، وقد يكونون أصحاب السبق في تدبير ما حدث. وبذلك، تمكن الأتراك من الخروج من مأزق وضعتهم فيه “النصرة”، حينما انقضت على “أحرار الشام”، بغية الهيمنة على كامل إدلب، فكانت النتيجة، أن المنطقة باتت، في نظر القوى الدولية، تحت سيطرة “تنظيم إرهابي”، يجب القضاء عليه. والقضاء عليه، يعني شن حرب، ستؤدي إلى نزوح مئات الآلاف إلى الأراضي التركية. وفي الأغلب، سيستخدمه الأمريكيون كذريعة لمد نفوذ مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية، كي يصل إلى الساحل السوري. لكن تركيا تمكنت من الالتفاف على المأزق. وأسعفها في ذلك، بالتأكيد، عدم رغبة الإيرانيين في امتداد كردي حتى الساحل. لذا، تطابقت المصالح الإيرانية والتركية عند هذه النقطة، وبالمحصلة، التحق الروس بالتفاهمات الإيرانية – التركية، أو ربما هم الذين أداروها. تفاهمات أنهت معضلة إدلب، لصالح الأتراك.

السعوديون، عبر إحدى وسائل إعلامهم، “الشرق الأوسط”، ألمحوا إلى أن هذا الاتفاق تم وفق تبادل للمناطق، على أن تكون إدلب للأتراك، وجنوب دمشق للإيرانيين. قد يكون ذلك صحيحاً، بل قد يكون السعوديون طرفاً في هذا الاتفاق، بعد أن باركوا مسار آستانا، بصورة شبه علنية.

هو في نهاية المطاف، اتفاق إقليمي – دولي، على إنهاء الحرب في سوريا. وتبدو جبهة النصرة، بعد ذبول “داعش”، المتمرد الوحيد على هذا الاتفاق. وفيما تُوضع اللمسات الأخيرة لإنهاء تلك الحرب، يسعى كل طرف إقليمي ودولي، لحجز أكبر مساحة ممكنة له، من التراب السوري، كمنطقة نفوذ، يمكن أن يستثمرها كأسهم خاصة به في تركيبة الكيان السوري، في المستقبل.

لكن يبقى السؤال، هل هي خاتمة النصرة؟.. الجواب يتوقف على رد الفعل المرتقب من قادة النصرة. فالكرة الآن في ملعبهم. ولديهم أحد خيارين، لا ثالث لهما. إما الذهاب في المواجهة مع إجماع القوى الإقليمية والدولية إلى النهاية، بما يعنيه ذلك، من عملية عسكرية، بأدوات ميدانية من فصائل المعارضة، وبغطاء عسكري تركي، قد يدعمه الروسي أيضاً. أو البحث عن خيار آخر، للمصالحة مع إجماع هذه القوى، والسير في ركابها. أو ركاب بعضها ربما. كأن تقفز النصرة في حضن إيران وروسيا فعلاً، ويستثمرها الطرفان لتكون صداعاً إضافياً للأتراك. أو أن تقفز في حضن الأتراك، عبر حل نفسها، والانخراط في كيان معارض سوري، تعده تركيا بعناية كي يكون استثمارها المرتقب في مستقبل سوريا..

ما يزال المستقبل القريب مفتوحاً على احتمالات عديدة، وإن كان أرجحها، أن تكون إدلب مقبلة على “درع فرات” جديد، هدفه هذه المرة، “النصرة”، حصراً.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى