صفحات العالم

هل يتعايش السوريون مع بعضهم؟


عبد الرحمن الراشد

منذ بداية الثورة السورية يتكرر السؤال: في حال انفرط عقد النظام الحالي، هل يمكن للعلويين والمسيحيين والدروز والكرد والتركمان والشركس والأرمن والسنة الإمساك بكيان البلاد والتعايش مع بعضهم؟

وراجت منذ البداية أحاديث عن قيام دولة علوية في اللاذقية وطرطوس، ودرزية في شمال الجولان، وكردية في الحسكة، وشاعت التفاصيل الإثنية للمدن والأقاليم المختلطة، واحتمالات انفجار الوضع بين ساكنيها.

باختصار، نحن أمام أعظم امتحان يواجه هذا الجزء المهم من العالم العربي، فهل يمكن أن تنهار سوريا وتتفكك البلاد؟

كل ما نقلته أعلاه محتمل، ولا يستطيع أحد أن يتجاهله عندما يرد الحديث عن مرحلة ما بعد نظام الأسد، لكن أيضا علينا أن نتعاطى مع القضية من جانبين: الأول هو قدر سوريا، والثاني قدرات السوريين.

طبيعة نظام الأسد في أصله غير قابل للبقاء؛ جمهورية تحولت إلى فردية عائلية، وحتى طائفية على الأقل في نظر الأطراف الأخرى، على الرغم من أنني أعرف أن العلويين أنفسهم مظلومون كبقية الشعب السوري، ويحملون آثام النظام أيضا! وبالتالي، هذا النظام ليس مؤهلا للبقاء حتى لو تقع الثورة اليوم. وهذا كان ينطبق على نظام صدام حسين المماثل، قمعي وفردي وطائفي. قدر هذه الأنظمة المشوهة هو الفشل والانهيار.

من جانب آخر، بمقدور الإنسان السوري أن يحافظ على سوريا التي كانت، واستمرت، ومؤهلة أن تستمر بخريطتها اليوم. فنظام الأسد لم يصنع سوريا الحديثة، ولم يرسم خريطتها، ولم يخلق التعايش بين فئاتها. والتباين الإثني والعرقي لا يحول دون استمرار سوريا، فهذه خصائص معظم دول العالم اليوم أن مكوناتها أعراق أو طوائف شتى، تتعايش وفق نظام يساوي بينها. سوريا ليست أكثر تعقيدا من العراق، ولا أشد تباينا من المغرب أو الجزائر أو العراق. يكاد لا توجد بلدان كبيرة في العالم بلا فروقات، القاسم المشترك بينها رابط الدولة الحديثة، حيث لكل فرد وجماعة موقعها. وقد أثبتت تجارب الدول الحديثة أن أعظمها نجاحا أكثرها اختلاطا، وانسجاما أيضا.

وبالتالي، نعم تحت الرماد السوري توجد مشكلة طائفية يحاول النظام اللعب عليها حتى يحصل على المدد من الرجال الذين يدافعون بصدق عن النظام معتقدين أنه دفاع عن وجودهم، وحتى يستطيع أن يلجأ إليها الرئيس عند سقوطه الحتمي. مع هذا القلق المشروع، أستبعد كثيرا أن تقع حرب أهلية، أو أن تتفكك الجمهورية إلى دويلات إلا إذا كان الجميع راغب في ذلك، وهو أمر لم نلمسه قط في أدبيات الناقدين والحانقين. إن وحدة الشعب مسألة ثقافية، لا جغرافية أو تاريخية، فالأمم التي نراها اليوم تكاد لا تحمل كثيرا من أمم الماضي القديم إلا قلة منها بقيت كياناتها متجانسة، أما الغالبية فهي أمم مختلطة ناجحة متعايشة تحت سقف نظام يحترم التعددية والجماعة والأفراد.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى