صفحات سوريةطارق عزيزة

هل يمثّل جورج صبرا نفسه فقط؟/ طارق عزيزة

 

 

قبل أيام، ألقى جورج صبرا، عضو «الهيئة العليا للمفاوضات» ورئيس «المجلس الوطني السوري» والقيادي في «حزب الشعب الديموقراطي»، كلمةً في الجلسة الافتتاحية للجمعية العمومية لما يُسمّى «المجلس الإسلامي السوري»، دعا فيها، من جملة ما دعا، إلى تولّي «المجلس الإسلامي» مهمّة إعادة إحياء «الوطنية السورية» و «أن يكون المظلة التي تنبت القيادة السورية الجديدة».

ليست المرّة الأولى التي يصدر عن صبرا تصريحات إشكالية لها صلة بالإسلاميين، فهو صاحب المواقف الملتبسة تجاه فرع «القاعدة» في سورية، الذي ظهر باسم «جبهة النصرة لأهل الشام» قبل أن يغيّر اسمه مراراً، ونفى صبرا أي وجود لـ «القاعدة» في سورية بعد أشهر فقط من إعلان «النصرة» عن نفسها. وحتى بعد سنوات من انكشاف أوراقها وإدراجها على قوائم الإرهاب، استمر يرى أن لـ «النصرة جهد عسكري كبير في دعم مسيرة الثورة لإسقاط النظام والدفاع عن السوريين»، وقلّل من كارثية دورها بقوله: «الأخطاء، بل الحماقات التي وقعت فيها النصرة وقع فيها غيرها من المنظمات العسكرية والسياسية، ونحن لا نعفي أنفسنا أيضاً من الأخطاء»، وذلك في حوار أجراه معه كاتب هذه السطور في أيلول (سبتمبر) 2016.

أثارت كلمة صبرا أمام المجلس الإسلامي عاصفة من الجدل والانتقادات في أوساط النشطاء والمتابعين السوريين، سواء من خلال التعليق على مواقع التواصل الاجتماعي أو المقالات التي تناولت الموضوع. منهم من فنّد موقف صبرا من خلال الإشارة لبعض ما صدر عن المجلس نفسه، من بيانات وفتاوى ومواقف طائفية وتكفيرية تتناقض كلّياً مع «الوطنية السورية». وعلى صفحات الـ «فايسبوك»، قلّة هم من دافعوا عنه وعن الأفكار التي تضمّنتها «الخطبة»، فيما تراوحت تعليقات آخرين بين الإساءات اللفظية والتهكّم الشخصي وحتى كيل الاتّهامات لصبرا، وبين نقد هادئ يناقش مضمون الكلمة ويردّ على «الكثير من المغالطات» فيها، كما فعل السيد علي أتاسي الذي ختم يقول: «أسمح لنفسي بأن أفترض أن الأستاذ جورج صبرا في خطبته هذه، يمثل نفسه ويعبر عن آرائه الشخصية، فقط لا غير».

يمكن تحويل ذلك الافتراض تساؤلاً مشروعاً يستحق الوقوف عنده: هل جورج صبرا فعلاً يمثّل نفسه فقط، وبالتالي ما تفوّه به مجرّد وجهة نظر شخصية لا تمثّل «حزب الشعب الديموقراطي» الذي يتولّى فيه منصباً قيادياً، أم أنّ الرجل منسجم في طروحاته «الإسلامية» تلك مع توجّهات حزبه؟

ولأن الموقع الرسمي للحزب على شبكة الإنترنت، يعدّ الواجهة الإعلامية الرئيسية له، يمكن استخلاص الإجابة عن التساؤل من خلال زيارة موقع الحزب والاطلاع على افتتاحياته خصوصاً، حيث أنّه يُفترض في افتتاحية المنبر الإعلامي لأي حزب التعبير عن مواقفه الرسمية، ومن ثمّ فهي تكشف الميول والتوجهات التي تمضي فيها سياساته.

موقع الحزب نشر التسجيل المصور لخطاب «الرفيق جورج صبرا»، ولا ضير في هذا. أمّا وأنّه بعد كل الانتقادات التي تناولت ما ورد فيه، لم ينشر (حتى تاريخ كتابة المقال) أي توضيح في هذا الشأن، كأن يشار إلى أن هذه التصريحات لا تعبّر عن الموقف الرسمي للحزب وإنما تخصّ قائلها فقط، فهذا يوحي بتبنّي ما جاء في الخطاب. هذا الإيحاء سيتعزّز بعد جولة سريعة في جنبات الموقع وقراءة بعض الافتتاحيات التي يخطّها «رئيس التحرير»، إذ سيظهر جليّاً أنّ نهجاً «متأسلماً» يتبنّى لغة دينية طائفية حاضرٌ بقوة فيها. فما هو مغزى اختيار «رئيس التحرير» مراراً آياتٍ قرآنيةً لتكون عناوين لافتتاحياته التي يتناول فيها مواضيع سياسية مختلفة، مثل: «لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه!»، «فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد»، «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّه». وما الذي يرمى إليه من عنوان يقول: «ثورة الكرامة لا ينصرها إلا المؤمنون». وقوله: «من هم أهل السنة والجماعة؟»، وفيها ختم يقول: «… الطفل أيلان الذي ألقاه اليم على الشاطئ وهو يحاول الهروب من براميل الإجرام الأسدي، ليقول لهم: أنا السنّي الذي أهدرتم حقه في الحياة، وأنا من يمثل أهل السنّة والجماعة الذين يتواطأ ضدهم العالم كله…». وغير ذلك الكثير مما هو، بعناوينه ومضامينه، أقرب إلى دروس الدين وخطب أئمة المساجد منه إلى افتتاحية الموقع الرسمي لحزب سياسي يزعم أنّه ديموقراطيّ وعلمانيّ.

لقد انحاز «حزب الشعب الديموقراطي السوري» علناً وبقوّة إلى الثورة منذ أيامها الأولى، وهذا يُحسب له بلا شك، فقد انخرط أعضاؤه في تنسيق الأنشطة الميدانية والإعلامية، بعضهم تعرّض للاعتقال، واضطرّ آخرون للتخفّي أو مغادرة البلاد. كما أدّى الحزب دوراً نشطاً في تأسيس هيئات المعارضة السياسية في الخارج بعد الثورة. غير أنّه في ظلّ النفوذ الواسع للتيارات الإسلامية بأجنداتها الطائفية وارتباطاتها الإقليمية، لا سيما «جماعة الإخوان المسلمين»، وهيمنتهم على توجّهات تلك الهيئات وسياساتها، انزلق الحزب في مواقف أضرّت بالثورة وبمشروعها التحرّري، بما لذلك من تأثير على سمعة الحزب وإساءة لتاريخه النضالي.

إنّ خطيئة «حزب الشعب الديموقراطي» الكبرى كانت توهّم إمكانية التحالف مع «التيار الإسلامي»، في حين أنّ ظروف الواقع وموازين القوى لم تكن لتنتج تحالفاً بقدر ما أنّ الأمر خضوعٌ، أو قبولٌ على الأقل، لهيمنة الإسلاميين بسياسييهم ومموليهم وفصائلهم المقاتلة، والسكوت عن ارتكاباتهم والكوارث التي ألحقوها بالثورة، بزعم تجنّب الدخول «في أي صراع جانبي خلال المرحلة الحالية، حفاظاً على وحدة قوى الثورة»، وفق تعبير رياض الترك، الزعيم التاريخي للحزب والمسؤول الأول عن سياساته وخياراته ومآلاته. لقد كان الأجدى بالترك وصبرا ورفاقهما، من موقع حزبهم «الديموقراطي» و «العلماني» المفترض، شقّ طريق في الثورة يكرّس منهجاً منسجماً مع فكر الحزب، بدلاً من الارتماء في أحضان القوى الدينية الطائفية، أحد أوجه الثورة المضادة.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى